الساعة الرابعة صباحا، رن هاتف 'الحاج خوسيه' رنينا متواصلا، مُصدرا طنينا مسترسلا في بهيمِ الليل وألقِ العتمة، اِستفاقَ 'الحاج خوسيه' منزعجا وغاضبا، مُلتقطاً سماعة الهاتف، والنوم لازال يأسر أجفانه... -'Hola...... وِكِذِى؟ لم يسمع سوى خشخشة وانقطع الخط. ظن "الحاج خوسيه'' أنها مكالمة عادية، وتحرشات صبيانية، هذا الاتصال في جوف ليل شتوي بارد؛ حطم أعصابه، وجمد عقله، وحرمه من نوم عميق لذيذ؛ كاد أن يحمله إلى عالم شهيق فجلس في سريره واجما وأصبح كيانه غما. يقول: في خلجات نفسه المكوية من الفراق، رغم تعدد الأذواق حيث أصبحت أحاسيسه مأسورة في قواميس ومفردات الاشتياق والإرهاق، أبرزها الإحراق مما يجعلها في حاجة ماسة إلى ترياق. إن الإنسان لا يبقى على حال، ولا يدوم على حسن بال، ومن أكثر النوم سبقه القوم، ومن ابتعد عن الوسادة، اقتربت منه السيادة. لقد عَبَس وأطرق وسكت عن الكلام لِشِدّة الحيرة والتيه، مما أفقده الصوت المليح واللفظ الفصيح. قال في طيات نفسه "آه لو كنت أعرف صاحب هذا الاتصال، لفلقت ظهره، ونتفت شعره لِيبقَ عقيما منبوذا في غياهب النسيان، وظلمات العجز والوهن، وربما لن أعطِي له الفرصة ليمكث سواد ليلة واحدة في هذه الحياة. في هذه الهنيهة بدأ النوم يأسر أجفانه، ويحبس أنفاسه، ويسكت تسكعات قلبه ويلجم عقله... أحس بأن قلبه لم يعد سليما وفكره لم يعد قويما وأسلوبه لم يعد حكيما. إنه يحتاج من يلهمه الصواب ومن يعطيه كل جواب ليخفف عنه كل أنواع العذاب ويزين مجلسه بخير الأصحاب. في هذه التأملات الفكرية الليلية، سمع تحرشات ديك بدجاجة مسنة هرمة فاقعة لونها من الحظيرة الصغيرة التي تتطاير منها رائحة الأطيان والأعلاف وقشور الرمان، جوار بيته الريفي الذي يحتوي على حمار وبغل وديك وسبع دجاجات سمان. في هذه اللحظة، استلقى على ظهره وتمدد في فراشه فحاوره الشيطان الرجيم في ظلام بهيم، أن نم فلا تخف على الفريضة فإن الأوقات عريضة.