احتضنت المؤسسة الدبلوماسية بالرباط يوم الثلاثاء 30مارس 2021 جلسة حوارية مع الدكتور عبد الله بوصوف الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج بمشاركة نصف حضورية لعدد من السفراء المعتمدين بالمغرب وممثلي مؤسسات الدبلوماسية. وفي كلمته تقديمية بهذه المناسبة شدد الدكتور بوصوف على أهمية ظاهرة الهجرة بالنسبة الإنسانية والتي لطالما كانت عنصر استقرار وازدهار للعالم، وهو ما برهنت عليه ظروف جائحة كورونا حيث أظهرت إسهام عدد من العلماء المنحدرين من أصول مهاجرة في إيجاد لقاح لفيروس كوفيد19، بالإضافة إلى تضامن المهاجرين وتحديدا المهاجرين المغاربة مع وطنهم الأم في مواجهة الجائحة وكذا مع مواطني بلدان الاستقبال، سواء عبر مساعدة المسينين والقيام بأعمال اجتماعية تضامنية أو عبر المجهود المالي الذي ساهم في تخفيف أعباء الجائحة على عدد من الأسر، كما أشار إلى ذلك البنك الدولي في تقريره حول تحويلات المهاجرين المغاربة لسنة 2020. واعتبر الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن العالم وصل إلى مرحلة تفرض تغيير النظرة النمطية عن الهجرة والتي تجعل منها مصدرا للقلق والمشاكل، وشدد على أهمية تناول الهجرة انطلاقا من خصائصها الجديدة عنصر بناء ومد للجسور الإنسانية تمكن من حوار الأديان والثقافات والشعوب والثقافات، وهو ما يستعدي، بحسب نفس المتدخل، تربية الأجيال الجديدة على قيم الهجرة النبيلة باعتبارها فرصة لإعادة ترميم العالم وإيقاف التطرف الديني والسياسي والإرهاب. وتطرق بوصوف في جزء مهم من مداخلته إلى الدلالات الروحية والإنسانية للزيارة التاريخية لبابا الفاتكان إلى المغرب سنة 2019 واستقباله من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس، أمير المؤمنين، مشددا على مكانة إمارة المؤمنين في الحرص على ضمان ممارسة الشعائر الدينية لكافة المغاربة من جميع الديانات، وهو ما يجعل من حرية المعتقد في المغرب تحصيلا حاصلا بحكم أن حرية الممارسة المنصوص عليها في الدستور والتي يسهر على حمايتها أمير المؤمنين هي أساس حرية المعتقد. في هذا السياق قال الأمين العالم لمجلس الجالية المغربية بالخارج إن اعتراف المغاربة وغيرهم بإمارة المؤمنين واتباعها خارج المغرب، واتباعهم للنموذج الديني المغربي ليس اعترافا سياسيا ولكنه اعتراف روحي لا علاقة له بالمس بسيادة دول الإقامة؛ فالبابا فرانسيس، يضيف بوصوف، يعتبر مرجعا دينيا للمسيحيين في جميع دول العالم، وعندما نتحدث في المغرب عن إمارة المؤمنين فهي بدورها مرجعية روحية عابرة للحدود. وخلص بوصوف إلى أن زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب والاهتمام الدولي التي حظيت به أعطى الانطباع بمحورية الأديان في العالم، وبقدرتها على المساعدة في إيجاد السلم واحترام الأخر والاعتراف، وإبداع حلول للنزاعات؛ مشيرا في نفس الوقت إلى كلمة قداسة البابا في معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات حين قال بأنه زار معهدا "يكون الإطار الديني للمستقبل"، وهو ما يستخلص منه ضرورة انخراط الإمام في المستقبل عبر تكوين متنوع يجمع العلوم الدينية بالعلوم الإنسانية لتعميق المعرفة الضرورية لفهم الأخر، وهو إحدى أهداف المعهد. وعن النموذج الديني المغربي قال بوصوف وهو صاحب كتاب" ملكية مواطنة في أرض الإسلام، كيف استطاع محمد السادس بناء نموذج ديني كوني؟" إن هذا النموذج ينبني على ثلاث ركائز هي المعرفة التي تجسدها شخصية ابن خلدون، والعقلانية والحس النقدي الذين يتمثلان في شخصية ابن رشد، والبعد الروحي الذي يعبر عنه ابن عربي، وهي العناصر التي قد تمكن المسلمين في العالم من مواجهة فكر التطرف وساعد على انخراط الإسلام في القرن 21، خصوصا وأن الشخصيات التي تعبر عن هاته العناصر معروفة في الغرب، ويمكن الاشتغال من خلالها على بناء منظومة أخلاقية تكون القنطرة للعبور نحو باقي الثقافات. وفي سؤال حول النقاش الدائر في فرنسا حول الإسلام أكد الدكتور بوصوف على أن الإسلام لا يتعارض مع الديمقراطية ولا مع مبادئ الجمهورية ولا مع حقوق الإنسان، وأن له القدرة على التكيف مع مختلف الأنظمة السياسية المنتشرة في العالم، مبرزا بأن مسؤولية أزمة الإسلام في فرنسا سببها شرخ ابستيمولوجي مبني على الجهل، ويتحمل فيه المسؤولية بشكل مشترك المجتمع الفرنسي الذي فقد المعرفة العلمية حول الإسلام وأصبح يكتفي بالمعرفة السطحية التي يحضر فيها السياسي والصحفي ويغيب عنها الأكاديمي، وأن جزءا من المسؤولية يتحملها أيضا المسلمون الذين لم يساهموا بالشكل الكافي في الانخراط في المجتمع وممارسة شعائرهم وفق الأنظمة القانونية والثقافية لهذه المجتمعات. كما كان هذا اللقاء فرصة للتفاعل مع أسئلة عدد من السفراء المعتمدين في المغرب خصوصا حول القضايا التي تهم الجالية المغربية بالخارج، حيث شملت الأسئلة مجموعة من قضايا اشتغال المجلس مثل تعبئة الكفاءات وتقييم السياسات العمومية والأدوار التي تطلع بها مختلف المؤسسات المعنية بتدبير قضايا الهجرة المغربية، بالإضافة إلى مستجدات الهجرة المغربية في أوروبا وأسيا وأفريقيا. وفي ختام اللقاء نوه عميد السلك الدبلوماسي بالمغرب وسفير جمهورية تشاد، محمد عبد الرسول، باسم السفراء الحاضرين بمداخلة الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج وبمختلف الجوانب التي استعرضتها وقدم له درع المؤسسة الدبلوماسية.