أكد عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج أن الاحتفال باليوم الدولي للمهاجرين، والذي يصادف 18 دجنبر من كل سنة، مناسبة لكي يكون محطة لتحصين المكاسب التي تحققت، ومناسبة كذلك لفتح الآفاق المستقبلية، خاصة أن الهجرة تطورت منذ سنة 2000 إلى اليوم، وازدادت بحوالي 50 في المائة حتى الآن، إضافة إلى أن هذه الأرقام مرشحة للارتفاع، أخذا بعين الاعتبار العديد من المستجدات والمؤشرات من قبيل الحروب والأوبئة والتغيرات المناخية وعوامل أخرى. جاء ذلك في حوار أجرته قناة "أواصر. تيفي" . وأضاف بوصوف أنه بالنسبة للجالية المغربية، فإنها حاربت على واجهتين خلال السنة الجارية بسبب تداعيات جائحة "كوفيد 19"، حيث ناضلت في بلدان الإقامة وفي البلد الأصل أي المغرب، لأنها التزمت بجميع التعليمات التي صدرت عن السلطات بلدان الإقامة، كما انخرطت في مجموعة من الأعمال التضامنية الإنسانية في بلدان الإقامة، إذ رأينا عدة مبادرات في هذا الصدد، مثل تقديم المساعدات لكبار السن و للمهاجرين غير المغاربة، دون نسيان أن الجالية المغربية انخرطت ماديا في "صندوق كوفيد 19"، إضافة إلى إبقائها على التحويلات المهمة للعائلات، سواء في شهر رمضان أو في باقي شهور السنة، حتى إن قيمة هذه التحويلات المالية خالفت كل التوقعات، بما فيها توقعات صندوق النقد الدولي. وردا على سؤال يهم التحديات التي تواجهها الجالية، اعتبر بوصوف أن الجالية المغربية كغيرها من الجاليات، معنية بمواجهة مشاكل مشتركة، منها العنصرية في أوربا وأمريكا وأوربا الشرقية، إضافة إلى مشكلة الإسلاموفوبيا والتحديات الهوياتية والثقافية والدينية، ومعها تحدي الاندماج في مجتمعات الإقامة، دون أن تمنع هذه التحديات الجالية المغربية من أن تكون حاضرة في مساندة القضايا الوطنية المغربية، حيث عبرت في كل المحطات عن إخلاصها للروح الوطنية. وبخصوص تقييم أداء مؤسسة مجلس الجالية، فقد اعتبر بوصوف بمناسبة السنة الذكرى الثالثة عشرة لتأسيس المجلس، باعتباره مؤسسة استشارية واستشرافية، وهي المؤسسة التي تمت دسترها في دستور 2011، كمؤسسة من مؤسسات الحكامة الجيدة، أن الإطار القانوني للمجلس، يفيد أنه تأسس انطلاقا من ظهير حدد مدة التسيير في أربع سنوات، ولكن الوثيقة الدستورية أشارت إلى أنه يتم الاستمرار في العمل بمقتضى الظهير المؤسس إلى غاية صدور قانون جديد، سواء عبر المؤسسة الحكومية، أو عبر تقديم مشروع قانون في المؤسسة التشريعية، وهو الأمر الذي لم يتم حتى حدود اللحظة، سواء مع حكومة عبد الإله بنكيران أو حكومة سعد الدين العثماني، رغم مطالبة المجلس لرئيس الحكومة الحالي بأن يدرج الملف في مضامين التصريح الحكومي، غير أن التفعيل ظل دون أدنى تفاعل من طرف الحكومة. وعن أداء وتراكم عمل المؤسسة، أضاف بوصوف أن المهمة الاستشرافية للمجلس لا يمكن أن تتم إلا إن توفرت المعرفة، لذلك اشتغل المجلس على عدة قضايا تهم الجالية، عبر إطلاق ست مجموعات عمل في المؤسسة، وتهم المغاربة والمشاركة السياسية، الدين، الثقافة، المرأة ومقاربة النوع، الأجيال الصاعدة، الإدارة والكفاءات، وانطلاقا من هذه الأرضية، بلور المجلس مجموعة عناصر أساسية تصلح لأن تمكن الحكومة من أجل بلورة سياسية ناجعة ومتقدمة. موازاة مع هذا المحور الخاص بتوفير المعرفة العلمية، يُحسبُ للمجلس أنه أسّس لتحول في تعامل المغاربة مع قضايا الهجرة والجالية، لأنه قبل تأسيس المجلس في 2007، كان هذا الاهتمام موسميا بالدرجة الأولى، وخاصة في فترة العطلة الصيفية، ولكن مع أداء المجلس، استطاع أن يجعل من قضايا الهجرة شأنا يوميا، سواء عبر الإصدارات التي صدرت عن المؤسسة أو عبر المؤتمرات والندوات، ومن نتائج ذلك أن موضوع الجالية أصبح متداولا في المؤسسات الأكاديمية، وأصبح حاضرا في البرامج الانتخابية للأحزاب السياسية، إضافة إلى حضور قضايا المجلس في المؤسسة التشريعية ومؤسسات الحكامة وغيرها من مؤسسات الدولة، كما عاينا انخراط المثقف المغربي في تأليف مجموعة من الإصدارات حول الهجرة والجالية. لقد استطاع المجلس من خلال الدراسات، يضيف بوصوف، أن يفتح آفاقا بحثية للمؤسسات والباحثين، لأنه تبنى المقاربة التشاركية من أجل بلورة الآراء الاستشارية، ويتضمن ذلك الإنصات للجالية وللفاعل الحكومي وللفاعل الأكاديمي. بخصوص تواضع تفاعل المؤسسة التشريعية مع مؤسسة مجلس الجالية، اعتبر عبد الله بوصوف أن المجلس يشتغل في إطار المقاربة الاستشارية، التي تنتج أفكارا للاستئناس وتطرحها أمام الفاعل السياسي الذي يشتغل تحت إكراه اليومي والذي يصعب عليه إنتاج الأفكار المؤسسة أو الممهدة لبلورة سياسة عمومية نوعية حول قضايا الجالية، وبالتالي، يشتغل المجلس بعيدا عن إكراه التدبير اليومي والضاغط، معتبرا أن أحد أهم أسباب عدم التفاعل المطلوب للمؤسسة التشريعية مع المجلس، مرده تواضع الوعي بدور مؤسسات الحكامة في المغرب، لأنه ربما يُنظر إليها أنها تنافس المؤسسات التنفيذية، بخلاف السائد في البلدان الغربية والديمقراطية، مضيفا أنه علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أن إشكالات الجاليات في العالم سوف تزداد في المستقبل ولا يمكن أن يستمر هذا التنافر بين مؤسسات الحكامة والمؤسسات التنفيذية، بما يتطلب العمل على مشاريع مشتركة لإيجاد حلول عمَلية تنتظرها الجالية. وفي هذا السياق، وبخصوص مسؤولية المؤسسات المغربية في تدبير قضايا الجالية، أكد الدكتور عبد الله بوصوف أن مجلس الجالية مؤسسة استشارية وليس مؤسسة تنفيذية، وبالتالي، المسؤولة الأولى ملقاة على عاتق العمل الحكومي، والمطالب بالاستجابة مع التحديات الكبرى التي تواجهها الجالية المغربية بالخارج، خاصة أنها جالية لا تطلب القمر كما يقال، وإنما تطلب علاجا لإشكاليات تعاني منها. وأضاف بوصوف أيضا أن المجلس تطرق لعدة قضايا وتحديات تعاني منها الجالية، من قبيل مشكل العقار، مشكلة الكفاءات ومعادلة الشهادات الجامعية، التكلفة المرتفعة للتحويلات المالية لمغاربة العالم، والتي تعتبر الأكثر ارتفاعا في العالم، إشكالية تعليم الثقافة المغربية واللغة العربية والأمازيغية، وقضايا أخرى لا زالت عالقة، داعيا الحكومة لأن تكون في مستوى عمل ونضال الجالية. كما تطرق بوصوف كذلك لأهمية المؤتمرات واللقاءات الثقافية التي ينظمها المجلس، معتبرا أن تلك المبادرات تندرج في سياق الإنصات بهدف كسب المعرفة التي تغذي التقارير الاستشارية والاستشرافية للمؤسسة، متوقفا عند عدة أمثلة، منها مشاركة المجلس في المعرض الدولي للنشر والكتاب، والذي شارك فيه المجلس طيلة العشر سنوات ماضية، مع دعوة أكثر من 400 كفاءة مغربية من عدة مجالات، ثقافية وسياسية وفنية واقتصادية وغيرها، بما ساهم عمليا في تغيير مجموعة من الصور النمطية حول الهجرة والجالية، موجها الدعوة إلى تدريس أدب أبناء الجالية في المناهج الدراسة المغربية. وبخصوص المشاركة السياسية للجالية المغربية في الاستحقاقات الانتخابية، أكد بوصوف أن المسؤول الأول عن تدبير الملف هي المؤسسة الحكومية، بمقتضى الوثيقة الدستورية، مضيفا أن المجلس بلور مجموعة من الآراء الاستشارية في هذا الصدد بما يسمح لمغاربة العالم بالمشاركة السياسية، وذلك منذ سنة 2012، سواء عبر إدماج الجالية في مجلس المستشارين الذي يضم مجموعة من الفئات، من قبيل النقابات والغرف المهنية والجهات، أو عبر إحداث لائحة وطنية على غرار السائد مع لائحة النساء والشباب، في انتظار نضح الرؤى، لو أنه تم العمل بهذا المقترح الصادر منذ حوالي عشر سنوات. وعن المرحلة المستقبلية لعمل المجلس، أكد عبد الله بوصوف أنه يجب أن نأخذ بعين الاعتبار التطورات العالمية التي يمر منها ملف الهجرة، مؤكدا أن المجلس سيكون أكثر اتصالا واحتكاكا بهذه التطورات التي تقع في بلدان الإقامة، حتى يكون أكثر تفاعلا مع انتظارات الجالية، ومن ذلك التفاعل مع القضية الهوياتية لأنه عبرها يمكن أن يتحقق اندماج مغاربة العالم في بلدان الإقامة، ونزع فتيل الصراع من التطرف الصادر عن الجانبين، أي التطرف الصادر عن الجانب الأوروبي أو التطرف الصادر عن الجانب الإسلامي، حتى نجعل من المهاجر سواء كان مسلما أو يهوديا، إنسانا مغربيا، منخرطا وصالحا للعمل النافع في بلدان الإقامة، يخدم الاستقرار والأمن ويغذي بناء الجسور. وأضاف بوصوف أيضا أنه من مهام المجلس تغذية الروابط التي تجمع مغاربة العالم بأصلهم، خاصة أن هذه الرابطة في الحالة المغربية، مع وجود مؤسسة إمارة المؤمنين، تبقى علاقة عضوية و ميتافيزيقية، موزعة على روابط ثقافية وروابط روحية، بما يتطلب من الحكومة أن تكون في مستوى هذا التحدي، إضافة إلى أن أداءها متواضع في الشق الثقافي الخاص بالتعامل مع الجالية أو الشق الإعلامي، بسبب غياب مشروع ثقافي مغربي موجه لمغاربة العالم، وهذا ما أكدته خلاصات دراسات أنجزها المجلس، ومنها دراسة حديثة أنجزت في ربيع 2020، من أن هناك هوة كبيرة بين الإصلاحات الكبرى التي انخرط فيها المغرب على أرض الواقع، وبين اطلاع الجالية عليها، والأمر نفسه مع قضايا أخرى، بدليل الإشارة الملكية السامية في خطاب سابق، إلى أنه رغم مرور أكثر من عقد على صدور "مدونة الأسرة"، لا زالت الجالية غير مطلعة على مضامينها بما يكفي، وهذه مسؤولية أخرى، ضمن مسؤوليات أخرى، على الحكومة أن تتحملها. ومن التحديات التي توقف عندها الأمين العام للمجلس الجالية، التحدي الخاص بالقاصرين غير المرافقين ومن هنا دلالة الاتفاقية التي وقعت مؤخرا بين وزير العدل المغربي ونظيره الفرنسي، وهناك أيضا قضية المرأة والأسرة بشكل عام، خاصة أن دراسة المجلس سالفة الذكر، وهي دراسة مؤسسة على إحصاءات علمية، خلصت إلى أن الأسرة تبقى الوسيلة الأهم في ارتباط الجالية بالمغرب، ومن هنا أهمية الاشتغال على إدخال تعديلات على مدونة الأسرة لأن هناك بنود تتعارض مع المقتضيات القانونية لبلدان الإقامة، حتى لا تكون هناك عرقلة للحياة الأسرية للجالية. هناك كذلك تواضع الاهتمام بالكفاءات المغربية في الخارج، لأن الاهتمام بها لا زال سطحيا، داعيا إلى الاستفادة من تجارب عالمية في هذا الصدد، منها التجربة الصينية، التي جعلت من كفاءات الجالية الصينية في الخارج، في صلب مشروع التنمية الصيني، حتى إن حوالي خمسين في المائة من المؤسسات الكبرى في الصين، تترأسها كفاءات الجالية الصينية، وبالتالي، من الأهمية استثمار هذه الطاقات في مشروع التنمية بالمغرب. انتقد بوصوف أيضا العرض السياحي والعرض الثقافي الموجه لشباب الجالية، سواء تعلق الأمر بمشاكل القطاع السياحي والفوارق بين الإقامة السياحية في المغرب مقارنة مع بلدان أخرى، أو العرض الثقافي الشامل، الذي يستثمر في الغنى المغربي الذي يهم اللباس واللغة والطبخ والتراث والمآثر التاريخية...، التي تتطلب اشتغالا حقيقيا من الحكومة من أجل إقناع أبناء الجالية والسياح الأجانب أيضا، لأنه من شأن إطلاق مشاريع ثقافية، في سياق صناعة الصورة، كما هو معمول به في العديد من التجارب الدولية، منها التجربة الفرنسية والإسبانية مثلا، أن تساهم في تغذية انتماء الجالية للوطن فالأحرى الاشتغال على جلب السياح المغاربة ومن مختلف البلدان.