[email protected] في كل مرة أحاول عبثاً إلقاء يمين الطلاق على مهنة الكتابة الصحفية وكل ما يتعلق بها من بحث واجتهاد، و تصوير وتحرير.. لكن الفشل يكون المآل الذي لا مفر منه عقب كل محاولة. فلطالما شكلت الصحافة هوسًا و إدماناً ينبع من صميم التأثيرات الخارجية لحياتنا اليومية، فما يشهده مجتمعنا من أحداث و وقائع تستدعي الكشف ليطلع عليها الرأي العام، أجدني مشدود إليها بفعل الرغبة في التغيير التي تجتاح ذاتي و فؤادي رغماً عن باقي جوارحي.. لكن، و في غمرة هذه الإرهاصات التي تتداخل بكياني على سبيل المحاولة لترك الصحافة، تأتيني أحاسيس تفرض نفسها علي، مستعينة بقوة الضمير، لتعلن رفضاً غير معلن لكل أنواع الأكاذيب التي تُقترف تحت غطاء شعارات الصحافة الغارقة في عمق "المهنية" و "المصداقية" و "النزاهة"...أقول الاكاذيب لأن الصحافة بالمغرب عموما والناظور على وجه الخصوص، أصبحت أقوى محرك لعجلة الإشاعة و الكذب..في زمن قلت فيه المصادر الصحيحة وندرت، بسبب جُبن الاطراف و خوف الضحايا.. فلا يجد "الصحفي" حيال ذلك غير الاستسلام لقصاصات أخبار الشارع و ما تروجه المقاهي ومنتديات النميمة التي تعمل الا بمنطق (الغائب مُدان الى حين حضوره)..! و أمام هذه المعضلة التي استفحلت في منابرنا الاعلامية، المحلية و الوطنية، لا نجد بدًّا من الاستعانة ببعض الاكاذيب "البيضاء" لتطعيم معطيات الخبر او المقال الصحفي..فاللذين يقولون اننا نحتاج الى الاكاذيب الصغيرة لانقاذ الحقيقة..ربما عليهم ان يضيفوا حاجتنا الى شيء من الخيانة، لانقاذ الوفاء، سواء للوطن.. او لامراة. ولانني أكره الخيانة، رفضت دائماً فكرة الزواج.. فالزواج الناجح يحتاج الى شيء من الكذب لانقاذه. إنه مَدين له بدوامه، بقدر ما هو مَدِينٌ له بوجوده.. فلا أكثر كآبة من أحساسك بامتلاك أحد.. أو بامتلاكه لك الى الأبد. ولهذا فإنني أرى ضرورة التساهل مع "الكذب الزوجي" واجتنابه بمجال الاعلام و الصحافة، لانه يؤدي لكثير من المطبات الاجتماعية و السياسية، التي تساهم فيه بعض المنابر عن قصد أو بدونه.. فالكتابة كما الحب تفرض على صاحبها التحري بروح الدعابة والسخرية.. و بالتالي، عليك ان تحسم خيارك: أتبكي بحرقة الرجولة، أم ككاتب كبير يكتب نصًّا بقدر كبير من الاستخفاف و السخرية..؟ والكتابة احيانا تكون اكثر عبثية من ان تأخذه مأخذ الجد. و العبثية هنا موشومة بالجدية في تعامل بعض الزملاء مع اخوان لهم في نفس ميدانهم (الصحافة)..فلا اتصور حدود البغض والحقد الذي يكنه البعض في سبيل ادخال زميل آخر الى داخل اسوار السجن.. !! هو شذوذ وسادية ليس من وصف لها في قواميسنا البريئة، لكني لطالما جمعت بين التفاؤل والتشاؤم معاً من أجل تكوين تصور حول وقائع و أحداث معينة.. وهو ذات التشاؤل الذي يختلجني زهاء فرضية التقاء الاعداء وعودة المياه الى مجاريها في صداقة عابرة تخللتها العديد من المعابير..فاللذين قالوا: "وحدها الجبال لا تلتقي" أخطاوا.. واللذين بَنُوا بينها جُسورًا لتتصافح من دون أن تنحني، لا يفهمون شيئًا في قوانين الطبيعة.. ذلك أن الجبال لا تلتقي إلا في الزلازل و الهزات الأرضية الكبرى، وعندما لا تتصافح إنَّمَا تتحول الى تراب واحد..