يُجمع أغلبية زملاء المهنة على أن لهشام الدين، المتواجد منذ أزيد من خمسة أشهر قَيْدَ الاعتقال الإحتياطي بالسجن المحلي للناضور، روحا عالية من المرح والسُّخرية، و أن الأقدار التي قادته إلى عالم الصحافة المليء بالمطبات و المكائد.. إنما أرادت بذلك، "تلطيف الأجواء" التي غالباً ما تكون مُحتقنة بين بعض المجموعات الصحفية.. فَهِشام الذي كان يعيش يومه بشكله الاعتيادي بين محل سكناه بجماعة بني شيكر، و مدينة الناضور أين كان يقضي معظم أوقاته في حضور الندوات و الملتقيات، ومسامرة أصدقائه و زملائه بمقهى النخيل، لم يكن يُولي أدنى اهتمام للحسابات الكُبرى في ضل انشغال الكثيرين بها بحسب مسؤولية كل واحد وموقعه الاجتماعي.. إنَّ الروح الطيبة التي يتمتع بها هشام الدين، أصغر مدير جريدة محلية بالناضور، ساعدته في كثير من مَسَاعيه البريئة من أجل كسب علاقات صداقة و زَمَالة بحكم حُبِّه و شغفه بمهنة الصحافة، التي لا تُسعف كل مولع بها بالضرورة.. فلطالما أدارت قوانينها المُعقدة الجائرة، وجهها لمُرِيدِيها و أتباعها رغم دفاعهم المُستميت على مبادئها وقيمها النبيلة..فهشام الذي رمته الأقدار في حضن الصحافة المكتوبة لم يكن يعتقد أبداً أنه سيؤول ذات يوم إلى ما آل إليه اليوم من وضع لا يُحسد عليه البتة.. مسكين أنت يا هشام لمَّا اعْتَقَدْتَ أن للمهنة سلطة تحميك من كل طَيْشٍ مُحتمل، فالكلام هنا ليس بمعنى التشميت أو التلذذ بوضع تتواجد فيه اليوم مَسْلُوب الحرية، والله لا أقبل وضعك لأحد من اللذين يدورون في فلك الصحافة أو حتى مجرم مبتدئ..! ونحن إذ نستحضر من خلال هذه الالتفاتة، بعض جوانب الحياة اليومية لهشام الدين، خاصة فيمَا يتعلق بالصحافة وكيف عشقهَا هشام حد النخاع، رغم افتقاره للتجربة الكافية التي تؤهله لخوض غمارها بأقل الخسائر.. نستحضر أيضاً معاناة وآلام أفراد عائلته الذين حُرموا من تواجده بين ظهرانيهم خلال أيام العِيدَين الفائتين: الفطر و الأضحى.. تَصَوَّرُوا معي كيف لأسرة هشام الصغيرة التي ألفت مشاركة فرحة الأعياد بمعية ابنهم الذي لطالما عولوا عليه لحل الكثير من مُشكلاتهم اليومية، أن تستمتع بفرحة العيد بعيدًا عن خِفة دمه..؟ ، كيف أمضى هشام أيام عيده وراء القضبان بعيدًا عن أجواء العمل والجد واللعب و التسلية..؟ ! بالله عليكم تخيلوا مدى التناقض والتباعد بين وضع هشام الحالي و بين حجم عشق الأخير للحرية واللعب.. صدقوني القول أن عجلة الزمن تمر بسرعة، وأن للأيام والساعات مثيلات قادمات آتيات..فمثل يوم اعتقال هشام سبقه يوم مماثل اعْتُقِلَ فيه شكيب الخياري رئيس جمعية الريف لحقوق الإنسان، ومثل ساعة إعتقال هشام سبقته ساعة وقتية مشابهة أُلْقِيَ القبض فيها على الزميل إدريس شحتان مدير جريدة المشعل، ومثل ذلك الوقت أيضاً سبقه أوقات كثيرة تم فيها إعتقال العشرات من الصحفيين أو الجمعويين أو... في زمن الإعتقالات الذي لا يتوقف..(طبعاً تهمة كل واحد تختلف عن الآخر) لذلك، فإن لا أحد مُنَزَّه عن مثل ما اقترفه هشام من تُهم نترك للعدالة التحقيق والتمحيص فيها لأننا لسنا في مُستوى إصدار أحكام قبل البث فيها من قبل القضاء، الذي نَرُومُ استقلاليته وعدالته..لكن ما يَحِزُّ في النفس ويستنكره كل من يتمتع بضمير يقظ وحي، هو أن نجد بين ظهرانينا من "شلة الصحافة المحلية" من يَسْتَسِيغ هذه الاعتقالات ويسعد بأخبارها في انتشاء شاذ.. فَتَرَاهُمْ لا يُفَوِّتُون فرصة إلا ومَارَسُوا نميمتهم المألوفة ضد كل غائب بسبب ظروف سجنية قسرية.. و يذكرون الغائب (رغم كونه صديقا أو زميلا) في كتاباتهم "الشاحتة" بكل سلبياته التي لا تزيد محنته إلا عذاباً وقسوة، بل تؤثر على مجريات التحقيق أحياناً بشكل يستبق التكييف النهائي للقضية. وهو أسلوب جبان وحقير يمارسه بعض ضعاف النفوس من مرضى المجتمع، نطلب الله هدايتهم والتخفيف من بُغْضٍ استوطن قلوبهم ولم يَبْرَحْهَا. فمن ذا الذي يطير فرحًا بوجود زميل له وراء القضبان..؟، من هو المجرم الذي انتشى بقرار الاعتقال ولم تتحرك فيه ذرة من الإنسانية والشفقة تجاه شاب في مقتبل عمره..؟!، من منكم ساهم في توقيع "عريضة اعتقال" هشام الدين عن سبق إصرار دون استحضار أدنى المعايير القانونية و الإنسانية..؟!! صحيح أن للعدالة واسع النظر فيما تقترفه من أخطاء فادحة في بعض الأحيان.. لكن الرحمة و الخير في القلوب يُولَدَان مع الناس بالفطرة .. و هذا هو المأمول و المَرْجُو قبل استحضار أي جُرم هو بمثابة زَلَّة عابرة. [email protected]