إذا كانت العلاقات المغربية الإماراتية قد وسمت منذ عقود بالوثيقة والقوية، فإن سنة 2015 شكلت منعطفا حاسما في مسار هذه العلاقات الاستثنائية، ذلك أنها جاءت حافلة باللقاءات والزيارات والأحداث الهامة التي أكدت أن البلدين يمضيان بعزم وقوة من أجل إرساء الأسس الصلبة والقوية لبناء شراكة استراتيجية بين بلدين شقيقين. ويجزم المراقبون بأن العلاقات الثنائية بلغت أوجها وقمة زخمها بعد حضور الملك محمد السادس، للسنة الثانية على التوالي، احتفالات دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة بالذكرى الرابعة والأربعين لعيدها الوطني الذي يصادف إعلان قيام الإتحاد. وقد عبرت القيادة الإماراتية، في هذا الصدد عن تقديرها واعتزازها بهذا الحضور الملكي، وقال الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة، في تصريحات صحفية إنه "شرف كبير أن نحظى بحضور وتشريف الملك، لاحتفالات الإمارات بالذكرى الرابعة والأربعين لقيام الاتحاد". ويعكس حضور الملك، هذا الحدث الهام، في إطار زيارة العمل والأخوة التي قام بها الملك للإمارات في دجنبر الجاري، المرحلة المتقدمة التي بلغتها العلاقات الثنائية في ظل قيادة الملك محمد السادس وأخيه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة. وما حرص الملك على الحضور شخصيا لحفل افتتاح الاسبوع الثقافي المغربي بأبوظبي، الذي تحضتنه العاصمة الإماراتية خلال الفترة ما بين رابع و26 دجنبر، إلا إشارة واضحة على حرص المغرب ملكا وشعبا على مشاركة الإمارات أفراحها بذكرى تأسيس الاتحاد، ورغبة واضحة في التقريب بين البلدين الشقيقين من خلال تمكين شعب الإمارات والمقيمين بها من الوقوف بشكل مباشر على التاريخ الخالد والحضارة العريقة والمتنوعة للمملكة. واذا كان هذا الحضور المغربي القوي وعلى أعلى مستوى ، خطوة لافتة تبرز بوضوح عمق العلاقات الثنائية الاستثنائية التي تجمع البلدين ، فإن المراقب والمتتبع للأحداث سيقف طويلا عند مأدبة العشاء الرسمية التي أقامها سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي على شرف الملك، ذلك أن حضور جميع حكام الامارات وأولياء العهود وجميع المسؤولين الكبار في الدولة، يعد رسالة واضحة وجلية لا لبس فيها ولا غموض على حجم التقدير والاحترام الذي يكنه هذا البلد الصديق والشقيق للمغرب و الملك. وفي محطة ثانية بارزة، تكشف بجلاء التطور المضطرد والثابت للعلاقات الثنائية، خصصت دولة الإمارات العربية المتحدة استقبالا رسميا الملك محمد السادس، خلال زيارة العمل والأخوة التي قام بها العاهل المغربي لهذا البلد الشقيق في ماي الماضي. وتميز هذا الحفل بتوشيح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، الملك، بوسام زايد، الذي يعد أعلى وسام بدولة الإمارات العربية المتحدة. وقد أشاد الملك بهذه المناسبة، بحسب بلاغ للديوان الملكي، بالمبادرات الطموحة الدبلوماسية التي تقوم بها دولة الإمارات العربية المتحدة على الصعيدين الجهوي والدولي، وبالإنجازات التي حققتها، مما يعزز مكانتها كفاعل إقليمي وازن. ومن منطلق العلاقات التاريخية التي تجمع البلدين، فقد تم الاتفاق خلال هذه الزيارة على مواصلة التنسيق بين البلدين، من خلال آليات للحوار الاستراتيجي، في مختلف القضايا الثنائية والجهوية والدولية ذات الاهتمام المشترك، والمساهمة في حل النزاعات العربية بالطرق السلمية، في إطار احترام الوحدة الوطنية للدول، وسلامتها الترابية. كما جدد البلدان، من جهة أخرى، التزامهما بمواصلة العمل على أعلى مستوى، من أجل توطيد علاقات التعاون والتضامن بين البلدين، التي تمتد جذورها لأزيد من أربعة قرون، والارتقاء بها إلى شراكة استراتيجية نموذجية. و تمت الدعوة، في السياق ذاته، لاستكشاف المزيد من المشاريع الملموسة المنسجمة مع البرامج التنموية المهيكلة، وتم التشديد على أهمية مواصلة بلورتها وتنفيذها وفق مقاربة تشاركية، ينخرط فيها مختلف الفاعلين، في القطاعين العام والخاص. وسيرا على نفس النهج الثابت والدائم في التنسيق والتشاور الدائمين بين قيادتي البلدين، كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بدولة الإمارات العربية المتحدة، قد قام بزيارة رسمية للمغرب، في مارس الماضي، توجت بالتوقيع على 21 اتفاقية ومذكرة تفاهم تشمل مختلف المجالات. وتأتي هذه الاتفاقيات، التي تفتح الباب على مصراعيه لآفاق واعدة للتعاون والتبادل، لتعزيز علاقات التضامن الفعال والتقدير المتبادل والتعاون المثمر القائم بين البلدين الشقيقين. كما تميزت هذه الزيارة، بتدشين الملك محمد السادس وأخيه سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مستشفى الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان بالدار البيضاء، الذي يعتبر ثمرة من ثمار الشراكة الاستراتيجية التي تجمع المملكة المغربية بالإمارات العربية المتحدة. وسعيا وراء تنسيق مواقفهما من مختلف القضايا، وبحث سبل تعزيز علاقاتهما المتميزة، في مختلف المجالات، فقد أجرى وزيرا خارجية المغرب والإمارات، في أكتوبر الماضي بفاس، مباحثات مثمرة وبناءة، تم خلالها تأكيد التزم البلدين بمواكبة مسلسل الارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية في شتى المجالات . كما جدد البلدان، بهذه المناسبة، حرصهما على التنسيق مع مختلف الفاعلين الوطنيين من أجل مواكبة مسلسل الارتقاء بالعلاقات المغربية الإماراتية إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية طبقا لتوجيهات قائدي البلدين . وبغض النظر، عن الارتفاع المضطرد الذي شهدته سنة 2015، في منسوب زيارات الوفود الرسمية ومشاركة الهيئات الحكومية والقطاع الخاص في مختلف التظاهرات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية، التي يحتضنها البلدان، فإن الراسخ والأكيد، هو أن العلاقات المغربية الإماراتية، التي شكلت على مدى عقود من الزمن نموذجا يحتذى للعلاقات الثنائية القوية والوثيقة بين بلدين شقيقين وكبيرين، شهدت خلال هذه السنة قفزة نوعية، تؤهلها لمزيد من التقدم والازدهار. *و.م.ع