المقدمة: لقد أصبحت الصورة الروائية - اليوم- مجالا رحبا وخصبا للدراسة والبحث والتنقيب والاستكشاف الأدبي، بعد أن تكاثرت الدراسات السردية التي تنطلق من مسلمات منهجية علمية موضوعية (الشكلانية، والبنيوية، والسيميائيات...)، أو من منطلقات مرجعية ، سواء أكانت نفسية أم اجتماعية أم تاريخية أم إيديولوجية.لذا، فقد همشت تلك الدراسات النقدية والأدبية الجانب التصويري الجمالي والفني في الكتابات النثرية بصفة عامة، و النصوص السردية بصفة خاصة. ومن هنا، تأسست بلاغة جديدة موسعة، تعنى بدراسة المكونات والسمات والصور النوعية داخل الأثر الأدبي، أو ما يسمى أيضا ببلاغة الصورة الروائية التي تخضع لخمسة معايير أساسية هي: طاقة البلاغة، وطاقة اللغة، وسياق الجنس، وسياق القراءة، وسياق النص. وقد تبلور هذا المشروع النقدي الجديد، مع الباحث المغربي الدكتور محمد أنقار ، في رحاب كلية الآداب والعلوم الإنسانية التابعة لجامعة عبد الملك السعدي بتطوان، ضمن ما يسمى كذلك بحلقة تطوان . هذا، ويحمل هذا المشروع التصويري السردي الموسع تصورا نظريا وتطبيقيا جديرا بالمتابعة والتقويم والتطوير والتوجيه. علاوة على هذا، فقد وجدنا مجموعة من الباحثين وخريجي حلقة تطوان يتمثلون هذا المشروع النقدي المتميز، في أبحاثهم ودراساتهم ورسائلهم وأطروحاتهم الجامعية، جزءا أو كلا، كما يبدو ذلك جليا عند: محمد المسعودي ، والبشير البقالي ، وعبد الرحيم الإدريسي ، وجميل حمداوي ، وعبد الحفيظ البختي ، ومحمد العناز ، ومصطفى الورياغلي ، وشرف الدين ماجدولين ، وخالد أقلعي ، وإكرام بن يعيش ، والعلمي دريوش ، وسعاد أنقار ، ومحمد العمري ... وعليه، فما يهمنا ، الآن، وفي موضوعنا الدراسي هذا، هو التوقف عند كتاب(التصوف والقصص) للمبدع والباحث المغربي خالد أقلعي بالفحص والدرس والسبر ، بغية تحديد منهجه النقدي، وتبيان تصوره النظري والتطبيقي، وتحديد قيمة مصنفه إن دلالة، وإن بناء، وإن وظيفة ، وإن رؤية. التصور المنهجي: إذا كان محمد أنقار والبشير البقالي قد اختارا الرواية متنا لمقاربة الصورة السردية الموسعة، فلقد اختار خالد أقلعي القصة القصيرة مجالا للدراسة، لكن ليست أية قصة، بل فضل أن يدرس القصة الصوفية أو القصة التي تتضمن سمة التصوف، وهذا موضوع بكر وجديد في الساحة الثقافية المغربية. وقد قرر أن تكون القصة مغربية ، تبتدئ من سنوات الأربعين من القرن العشرين إلى غاية بداية سنوات الألفية الثالثة . هذا، وينطلق الباحث من مشروع الصورة الروائية نظرية وتطبيقا، كما طرحه أستاذنا الدكتور محمد أنقار في كتابه ( صورة المغرب في الرواية الإسبانية). ويرتكز هذا المشروع على ثلاثة مفاهيم أساسية هي: المكونات، والسمات، والصور النوعية، مع تبني مجموعة من الخطوات المنهجية التي تنحصر في: طاقة اللغة، وطاقة البلاغة، والسياق الذهني، والسياق الجنسي، والسياق النصي. بيد أن مايهم باحثنا ليس المكون القصصي في حد ذاته، بل التوقف عند سمة التصوف في المتن القصصي المغربي، بغية استجلاء إمكانيات الصور العرفانية لغويا وفنيا وجماليا، أو استكشاف سمة التصوير الفني والجمالي في القصة الصوفية المغربية ماهية ودلالة ووظيفة. ويعني هذا أن خالد أقلعي يتبنى مفهوم السمة لدراسة الملمح الصوفي في القصة القصيرة المغربية، تلك السمة التي يعرفها محمد أنقار بقوله:" لا أقصد بهذا المصطلح تلك الوحدة المعنوية الصغرى المعروفة في اللسانيات ب sème، وإنما يتجه القصد نحو الخاصية أو الصفة التي تتساند مع مكونات جنس أدبي تساندا ينتج صورا أدبية. بذلك يكون حقلُ السمات الفسيح الأجناسَ الأدبيةَ وليس مطلق القول، وتكون الوظيفة المطلوبة جمالية "قبل" وظائف التواصل أو الإخبار أو التلقين. كما أن وجه السمة لا يظل متجليا في الدلالة أو المعنى أو المضمون أو الشكل الفني؛ وإنما تنصهر في السمة كل تلك الوجوه، وتتداخل تبعا للوظيفة الجمالية التي يقتضيها سياق كل جنس أدبي وسياق كل نص أدبي. والسمات الأدبية متعددة المصادر؛ فقد تستمد من أسماء المذاهب الفنية والمدارس الفكرية، أو من أنماط السلوك البشري وتفاصيله الصغرى، أو من ميدان الأخلاق، أو من الطبائع والأمزجة. ثم إن السمة قد تنحصر في لفظة واحدة (وتلك صورتها العامة)، مثلما قد تتجلى في جملة أو شبه جملة، وحتى في فقرة (في حالات نادرة). وحيث إن السمة التي نرومها "أدبية" ومنتمية إلى "جنس" تعبيري مخصوص ومتساندة إلى "مكوناته"؛ فيفترض فيها أن تكون ذات واجهات قابلة للإشعاع والانتشار، لها وظائف نوعية، معقدة وغنية بإمكانيات التعبير. كل ذلك يمكن أن تشتمل عليه الصفة اللفظية الواحدة مما يقتضي من الناقد الأدبي أن يحتفي بها في صيغتها المشعة، ويوفيها حقها من التأمل الرحب. " وعلى العموم، يتبنى خالد أقلعي بلاغة السمات، أو البلاغة الرحبة، أو البلاغة الخاصة، أو البلاغة النوعية. والهدف من ذلك كله هو دراسة سمات التصوير الفني والجمالي في القصة المغربية، مستفيدا كذلك من آليات النقد المعاصر وتقنياته المنهجية والتحليلية والتطبيقية، خاصة استعانته بالإنشائية السردية، كما يتجلى ذلك بينا عند البنيويين السرديين الغربيين ، أمثال: تزتيفان تودوروف(T.Todorov) ، وكريماص(Greimas) ، وفيليب هامون (P.Hamon) ، وغاستون باشلار (G.Bachelard) ، وميشيل زيرافا (M.Zerrafa) ... مع تمثل تصورات الخطاب الشكلاني ، كما يتبين ذلك جليا عند بوريس إيخانباوم (B.Ekhanbaum (،إضافة إلى كتابات ستيفان أولمان (Stephen Ullmann)... مدارات الكتاب: يعد كتاب (التصوف والقصص) لخالد أقلعي من الكتب النقدية القيمة التي تناولت القصة القصيرة في بعدها الصوفي من جهة، وضمن الصورة السردية الموسعة من جهة أخرى. ومن ثم، ينطلق خالد أقلعي، في دراسته الأدبية والنقدية، من أن القصة القصيرة جنس أدبي أصيل ومستقل بنفسه، مثل: الرواية، والمسرحية، والنادرة، إلخ...وبالتالي، يتضمن هذا الجنس مكوناته التجنيسية الخاصة به. بيد أن ما يهم الباحث هو التوقف عند سمة التصوير الفني والجمالي في القصة المغربية ذات الموضوع الصوفي، كأن البحث تكملة وامتداد لما قام به محمد المسعودي في كتابه (اشتعال الذات ) الذي كان يهدف، من ورائه، إلى دراسة سمات التصوير الصوفي عند أبي حيان التوحيدي، من خلال كتابه (الإشارات الإلهية) ، وما أنجزه الباحث عبد الحفيظ البختي في أطروحته الجامعية التي عنوانها (الصور الصوفية وإشكال التجنيس في الرواية العربية)... هذا، وقد حدد الباحث إطارا زمنيا لدراسته الأدبية والنقدية ، يبتدئ من سنة 1948م مع ظهور أول نص قصصي صوفي مغربي بعنوان (أنا ورشيد الرضا في المنام) لمحمد بن سالم الحلو، وينتهي في سنة 2001م مع نص (المريد) لمصطفى لغتيري .ومن جهة أخرى، فقد لاحظ الباحث ندرة المجموعات القصصية التي تناولت التصوف.لذا، اكتفى الباحث بالقصص المنشورة هنا وهناك، في الجرائد والمجلات والصحف المختلفة. وقد استهل الدارس كتابه بتعريف التصوف لغة واصطلاحا، والتوقف عند التصوف الإسلامي والتجربة الصوفية بالتأريخ والتحليل والكشف، والتعريف بالكرامة في مختلف تجلياتها الروحية والعجائبية، وتبيان علاقة التجربة الصوفية بالأدب، كما تتشخص في كتابات القدامى: ابن الفارض، والبويصري، وابن عربي...، وكتابات المعاصرين: أمين الريحاني، وجبران خليل جبران، ونسيب عريضة، وغيرهم كثير... ثم، انتقل الدارس إلى استكشاف علاقة التصوف بالإبداع القصصي، من خلال رصد السمات التكوينية للخطاب الصوفي الذهني أو الإبداعي، كالتوقف- مثلا- عند الرمز الصوفي، والخيال، والمقامات والأحوال، والمناقب، والكرامات، والمعجم الصوفي، والمدارات التصويرية الكلية(الحب الإلهي- مثلا-)... وقد توصل الباحث إلى أن حضور سمة التصوف في القصة المغربية قد شعبها إلى أنواع عدة، مثل: فن المناقب، وقصص الوعظ والإرشاد، وقصص الرؤيا، وقصص الكرامة...وقد تميزت هذه القصص بمجموعة من السمات الفنية والجمالية والتصويرية، كسمة الخارق،وسمة الخيال، وسمة الرمز، واستثمار المعجم القرآني، كما يحضر ذلك جليا عند مجموعة من القصاصين المبدعين، أمثال: محمد الصباغ، ومحمد المنتصر الريسوني، وأحمد عبد السلام البقالي، وأحمد بناني ، وغيرهم... وفي مكان آخر، تناول خالد أقلعي السمات التكوينية للقصة، فحصرها في: الصراع القصصي، ومبدإ الوحدة، وفضاء النص وزمانه، وصورة الشخصية القصصية، والوصف، ولحظة التنوير. وتنطبق هذه السمات التكوينية على القصص التي تحوي سمة التصوف.بيد أن الباحث لم يشر إلى سمات تكوينية أخرى تتعلق بالمنظور السردي، واللغة، والأسلوب. وبالتالي، لم يوضح الدارس، بشكل دقيق، كيف يمكن أن تتميز القصة القصيرة عن باقي الأجناس الأدبية الأخرى؟ كما أن السمات التكوينية المذكورة هي السمات نفسها التي تتميز بها الرواية. بل كان من الأفضل التوقف عند سمات أخرى مميزة ومخصصة لهذا الجنس السردي، مثل: سمة التكثيف والاختزال، وسمة الانتقاء في الأوصاف، وسمة الحجم القصير، وسمة التسريع، وغيرها من السمات القريبة من جنس القصة القصيرة. هذا، وينتقل الدارس إلى الدفاع عن مشروعه النقدي الذي يتمثل في بلاغة الصورة السردية الموسعة، مع تسفيه النقد القصصي المغربي الذي اعتبره نقدا متحاملا من جهة، ونقدا دوغمائيا وثوقيا يؤمن بصرامة القواعد والقوانين ، ويتهافت وراء المناهج النقدية المعاصرة ليحاكم النص القصصي من خلالها، سواء أكان هذا النقد صحفيا أم أكاديميا علميا. وبالتالي، فقد أهمل هذا النقد ، لأمد طويل، خصائص التجنيس النوعي والبلاغي الذي يتميز به الفن القصصي بصفة خاصة. وعود على بدء، يرى خالد أقلعي بأن موضوعه بكر في الساحة النقدية المغربية؛ لأنه لم يجد دراسة في هذا المجال، حسب المعطيات الببليوغرافية المتوفرة لديه، وليست هناك سوى إشارات نقدية طفيفة في هذا المجال، تشير إلى موضوع التصوف في القصة المغربية، لكنها ليست كافية، وغير قادرة على بلورة سؤال حقيقي يخص بلاغة النوع الصوفي. وعليه، فقد رصد خالد أقلعي مجموعة من المدارات الكلية التي تتعلق بالقصص الصوفي، مثل: تصوير المقامات الصوفية، كمقام الكرامة، ومقامات التوبة والمجاهدة والتطهر، ومقامات الابتهال والذكر...وقد توصل الباحث إلى أن هناك قصصا مختلفة وظفت سمة التصوف عن علم ووعي وإدراك ، وإن لم تحقق النجاح الفني والجمالي على مستوى الصورة الكلية.وهناك من وظف الصورة الصوفية لدواع إيديولوجية ونفسية وفلسفية، ناهيك عن ضآلة المعجم الصوفي في تلك القصص العرفانية، وهيمنة المجاهدة الصوفية مقارنة بالمقامات الروحية الأخرى. وفي المقابل، هناك نصوص قصصية صوفية أخرى بلغت مستوى رفيعا من النضج والفعالية الجمالية. بله عن نصوص يصعب تجنيسها في الخطاب القصصي لطابعها المعرفي والذهني. ومن جهة أخرى ، فقد توقف الباحث عند مجموعة (سيدنا قدر) لمبارك ربيع، ومجموعة (الحب في الله) لمحمد منتصر الريسوني بمقاربتهما بلاغيا وتصويريا. وبالتالي، يتميز هذان العملان بتوظيف معجم صوفي بشكل مكثف، والتشديد على الوظيفة الجمالية، والتميز بالنضج التصويري المتساند سمة وتكوينا. كما توقف الباحث عند بعض سمات التصوف في القصة المغربية، مثل: الصراع الصوفي، وسمة الشهادة التي ارتبطت بالدفاع عن الدين والوطن معا، كما يتجلى ذلك واضحا عند محمد أنقار، ورضوان أحدادو، ودريس اليزمي. وهناك أيضا سمة اليقين الصوفي، وسمة التوبة... ومن ناحية أخرى، تتميز هذه القصص، على الصعيد الفني والجمالي، بالتكرار، والمفارقة، والتوتر، والحوار الوجداني، وأنماط من التصوير القصصي (المتدرج والمتطور والمتسلسل والجزئي...)، ويندر حضور سمتي الابتهال والشطح الصوفيتين في هذه القصص المرصودة، وتأرجح هذه النصوص القصصية بين سمة الإصلاحية تارة، والسمة الرومانسية تارة أخرى. علاوة على ذلك، فقد توقف الباحث عند مجموعة من النصوص القصصية الصوفية، مثل: (فوارة الظمأ) لمحمد الصباغ، وقصة (خيبة) لعبد الرحمن الفاسي، و(المريد) لمصطفى لغتيري، و(مجذوب زلاغ) لمحمد بناني، و(الشجرة) لمحمد عزالدين التازي، و(شاعرة من فاس) لمحمد عزيز لحبابي. ومن هنا، فقد وسم الدارس مجموعة محمد الصباغ ببلاغة التشخيص، وغلبة الخاصية الروحية، واعتماد أسلوب التأمل والاستبطان، وهيمنة الكثافة الشاعرية. وتمتاز قصة عبد الرحمن الفاسي بالخيبة، والتوتر، والدرامية، والفعالية التأثيرية ، وتوظيف عصارة المعرفة الصوفية. في حين، تتسم قصة مصطفى لغتيري بصيانة مبدإ الوحدة القصصية، وتوظيف المفارقة الساخرة، والاستعانة بمواقف تنويرية مباغتة ومفاجئة للمتلقي. بينما يستثمر محمد بناني المعرفة الصوفية، مع احترام سمات القصة التجنيسية و التكوينية، واستعمال مواقف قصصية ساخرة. أما في ما يخص قصة عزيز لحبابي، فتتميز بالتفكك والاختلال. في حين، تتميز قصة محمد عزالدين التازي بتوظيف الخارق؛ لتناوله أجواء الكرامة الصوفية، واستعمال اللغة التراثية بكل أجوائها الفنية والجمالية والتعبيرية والبلاغية. وهكذا، يتبين لنا بأن ثمة مواقف مختلفة من التجربة الصوفية، انطلاقا من معطيات المتن القصصي المغربي، فهناك موقف ممجد، وموقف معجب، وموقف ساخر، وموقف مندد. وعلى العموم، فقد وظفت السمة الصوفية، في القصة المغربية الحديثة والمعاصرة، إما لغايات نصية وفنية وجمالية وبلاغية، وإما لغايات خارج نصية: دينية، وتعليمية، وإيديولوجية، ونفسية، وفلسفية... المصطلحات النقدية: وظف الباحث خالد أقلعي، في كتابه القيم (القصص والتصوف)، مجموعة من المصطلحات والمفاهيم الإجرائية التي تنتمي إلى حقل الصورة الروائية، سواء أكان ذلك من قريب أم من بعيد. ويمكن حصرها في اللائحة التالية: السمة، والمكون، والصورة، والسمة التكوينية، والسياق النصي، والسياق الجنسي، وأنماط التصوير، والنوع الأدبي، والبلاغة الخاصة، والصورة القصصية، والتصوير النوعي، وصورة الشخصية القصصية، ولحظة التنوير، والتساند، والوظيفة الجمالية، والسمات المركبة، والسمة التكوينية، والسمات المفارقة، والسمات المتوازنة، والمكون الجمالي، والتفاعل، والتصوير اللغوي، والشبكة التخيلية، والخيال الإبداعي، والبلاغة الرحبة، والصورة الحوارية، والتصوير الأدبي، واللمحة الأسلوبية المهيمنة، والجنس السردي، والسمة السردية، والصورة الزمنية، والتجربة الجمالية، وتوتر الصورة، والصورة اللغوية، والكثافة، والدينامية، وصورة الإيقاع، والصورة الكلية، والصورة الجزئية، والتحول، والتركيز، والبلاغة القصصية، والصورة الإنسانية، والكثافة الشاعرية، وبلاغة التشخيص، ومنطق القص التكويني، والوظيفة الإنسانية... ويلاحظ أن هذه المصطلحات النقدية هي المفاهيم الإجرائية نفسها التي وظفت في الكتب والدراسات التي تناولت الصورة الروائية أو الصورة السردية الموسعة، إما في مجال الأدب، وإما في مجال التصوف، وإما في مجال الحجاج، مع فوارق بسيطة من دارس إلى آخر. قيمة الكتاب: من المعروف أن نقد القصة القصيرة بالمغرب قد تناول مجموعة من القضايا الأساسية التي تتمثل في التجنيس، والتأريخ، والتوثيق، والأرشفة، وما يرتبط بالجوانب الدلالية والتداولية، وما يخص الجوانب الفنية والجمالية والأسلوبية، واستعراض البيانات القصصية. كما تمثل هذا النقد مجموعة من المقاربات المنهجية التي تنحصر في المقاربة التاريخية، والمقاربة الانطباعية، والمقاربة الفنية، والمقاربة الببليوغرافية، والمقاربة النفسية، والمقاربة الاجتماعية، والمقاربة البنيوية السردية، والمقاربة البنيوية التكوينية، والمقاربة الموضوعاتية، والمقاربة السيميوطيقية، وجمالية القراءة والتقبل، والمقاربة البلاغية... بيد أن ما تمتاز به دراسة خالد أقلعي، عن باقي الدراسات النقدية الأخرى، هو اعتمادها على المقاربة البلاغية النوعية التي تدرس الصورة النثرية، في ضوء مجموعة من المفاهيم والمصطلحات الإجرائية التي تتمثل في: الطاقة البلاغية، والطاقة اللغوية، والسياق الذهني، وسلطة الجنس، والسياق النصي...بغية البحث عن مظاهر التوازن والاختلال في عمليات التصوير الفني والجمالي. وعليه، يتضمن الكتاب الذي بين أيدينا إضافات قيمة مهمة: أولا، يعد هذا الكتاب أول بحث يتناول سمة التصوف في النقد القصصي بالمغرب؛ ثانيا، يجرب الكتاب آليات الصورة السردية الموسعة في تحليل المتن القصصي الصوفي؛ ثالثا، يغني الكتاب العلاقة الموجودة بين الأدب والتصوف على مستوى التجربة السردية والقصصية؛ رابعا، يجمع الكتاب بين الإنشائية البنيوية والمقاربة البلاغية النوعية؛ خامسا وأخيرا، يغني هذا المصنف مشروع الصورة الروائية بمصطلحات نقدية جديدة، تحويها صفحات الكتاب هنا وهناك. بيد أن الباحث يبالغ في أحكامه القاسية على النقد القصصي المغربي، خاصة النقد المعاصر. وأقول له بكل صراحة علمية: هل تستطيع بلاغة الصورة السردية الموسعة أن تجيب عن جميع الإشكاليات العويصة والمعقدة التي يطرحها الإبداع السردي بصفة عامة، والسرد القصصي بصفة خاصة ؟ وهل هذه المقاربة النوعية، ونحن نعترف بقيمتها النظرية والتطبيقية، هي الخطة المنهجية الوحيدة القادرة على حل مشاكل النص القصصي متنا ومبنى وخطابا وسردا ومقصدية؟ وهل هي الأداة السحرية الكفيلة بمعالجة النصوص القصصية في مختلف جوانبها المضمونية والشكلية والرؤيوية؟ وهل سيكتفي المتلقي بما هو جمالي ولغوي وفني فحسب، أم سيتساءل - حتما- عن الخلفيات المرجعية والحجاجية والفكرية والسيميولوجية الأخرى التي تكون قد ساهمت ، بشكل من الأشكال، في بلورة النص الإبداعي وتوليده وتشكيله عمقا وسطحا وظاهرا؟ !!! ونجد الباحث نفسه قد استعان ، في كتابه هذا، بمناهج النقد الغربي المعاصر لتفكيك صوره السردية وتركيبها، وهذا إن دل على شيء، فإنما يدل على مدى قصور البلاغة النوعية للإحاطة بجميع جوانب النص الإبداعي. إذاً، فقد آن الأوان لتوسيع مبحث الصورة الروائية، لينفتح على سياقات أخرى مهمة في دراسة القصة داخلا وخارجا، مثل: السياق الإبداعي كما طرحه البشير البقالي في كتابه القيم(صورة الإنسان في رواية (السفينة) لجبرا إبراهيم جبرا) ، وما أضفته - شخصيا- من سياقات اجتهادية أخرى، مثل: السياق المرجعي، والسياق الحجاجي، والسياق السيميائي، وإلا ستختنق الصورة الروائية - مستقبلا- في سياج جمالي ضيق. وبالتالي، سنلفي دراسات تقليدية قوامها: التكرار، والاجترار، وإعادة ما كتبه الآخرون بالطريقة التصورية نفسها، وبالمفاهيم المنهجية نفسها، وهذا ما نلاحظه في أغلب الأطاريح والكتب التي تناولت الصورة السردية الموسعة بالمغرب. إذاً، فعلى أتباع محمد أنقار المخلصين أن يتخلصوا من عقدة أستاذهم الجليل، فيجتهدوا قدر الإمكان، ثم يوسعوا مباحث الصورة الروائية، ثم يغنوها بمفاهيم وتصورات جديدة، فما نقرأه - اليوم- في ذلك الكتاب، نقرأه كذلك في هذا الكتاب، والمختلف هو الموضوع ليس إلا. وعلى الرغم من هذه الملاحظات النقدية المشروعة، فسيبقى كتاب(القصص والتصوف) للدكتور خالد أقلعي كتابا غنيا ودسما بمعطياته الببليوغرافية حول متون التصوف في القصة المغربية. علاوة على قيمته المنهجية الجمالية المتميزة التي ستساهم- بلا ريب- في تطوير النقد المغربي عاجلا أو آجلا. الخاتمة: وخلاصة القول، لقد تناول خالد أقلعي، في كتابه القيم، سمات التصوير الصوفي في القصة المغربية من سنوات الأربعين من القرن الماضي إلى بداية سنوات الألفية الثالثة، معتمدا في ذلك على الإنشائية من جهة، وبلاغة الصورة من جهة أخرى. وقد انطلق الباحث من مفاهيم محمد أنقار، حيث استعار منه طاقة اللغة، وطاقة البلاغة، وسياق الجنس، وسياق النص، وسياق القراءة. هذا، وتتمثل قيمة الكتب في كونه يطرح منهجية جديدة لدراسة القصة القصيرة، وتتمثل في تطبيق المقاربة البلاغية النوعية التي تعنى برصد الصور الجزئية والكلية داخل الأثر الأدبي ماهية ودلالة ووظيفة. وتكمن القيمة الثانية في استجلاء سمة التصوف في القصة القصيرة المغربية، عبر امتدادها التاريخي والفني والجمالي والموضوعي. كما أن هذا الكتاب النقدي المتميز إضافة جديدة في مجال التصوف الأدبي. لكن السؤال الأساس الذي يبدر إلى أذهاننا - دائما- هو إلى أي حد تعتبر بلاغة الصورة السردية الموسعة مقاربة قادرة على الإجابة على جميع الإشكاليات المنهجية والموضوعية والنظرية والتطبيقية التي تطرحها القصة القصيرة متنا ومبنى ووظيفة؟ وهل تستطيع أن تجد حلولا للوضعيات الفنية والجمالية والذهنية التي تطرحها القصة المعاصرة ؟ وبالتالي، فهل هي قادرة على التكيف مع مستجدات النقد القصصي المعاصر؟ !!! سنترك هذه الأسئلة وغيرها للقراء الأفاضل للتفكير فيها بكل رزانة وتأن وتؤدة وروية، والإجابة عنها بشكل علمي دقيق وموضوعي.