ميرسك تلاحق صحيفة دنماركية قضائيًا بعد اتهامات باطلة بشأن شحنات أسلحة إلى إسرائيل.. وجهات معادية تقف وراء استهداف ميناء طنجة    الجيش الإسرائيلي يقر بحصول "إخفاقات مهنية متعددة" في واقعة مقتل 15 مسعفا في غزة    نهضة بركان يضع قدما في النهائي بتغلبه على النادي القسنطيني الجزائري برباعية نظيفة    الثانوية التأهيلية المجد بامطل تختم فعاليات الدورة الأولى للأيام الثقافية للمؤسسة    البوليساريو... الذراع العسكرية لإيران في شمال إفريقيا برعاية جزائرية    الأمن يتفاعل بسرعة مع أحداث عنف في القصر الكبير ويوقف ثلاثة مشتبه فيهم    الحسيمة.. انعقاد الاجتماع التشاوري الأول حول مخطط التدبير التشاركي للفرشة المائية غيس – النكور    المدرسة الوطنية للتجارة والتسيير بجامعة وجدة تشهد تأسيس أول نادٍ سينمائي    خمس لاعبين مغاربة ضمن التشكيلة المثالية لكأس إفريقيا للفتيان    مغاربة داعمون للقضية الفلسطينية يحتجون أمام ميناء "طنجة المتوسط"    ابن تمسمان الأستاذ سعيد بنتاجر، يقارب الذكاء الاصطناعي والبحث العلمي في معرض الكتاب بالرباط    ترامب يعيد هيكلة الخارجية الأمريكية    تفاصيل حريق المسبح البلدي بالناظور    الدرك يطيح بأحد كبار مروجي الخمور باقليم الدريوش    "نداء القنيطرة" يدعو لإصلاح الإعلام    أفاية: قراءات اختزالية تستهدف "النقد المزدوج" عند عبد الكبير الخطيبي    فتح بحث قضائي لتحديد ظروف وفاة طفلين في حضانة غير مرخصة بالدار البيضاء    لقاء إقليمي بالحسيمة يسلط الضوء على آفاق الاستثمار في إطار قانون المالية 2025    برلماني يسائل وزير الفلاحة حول توتر العلاقة بين أعضاء من الغرفة الفلاحية والمديرية الإقليمية بطنجة    الربيع الأمازيغي يُوحّد الشعارات ويُقسّم الساحات.. احتجاجات بالرباط ومراكش تندد بتهميش اللغة والهوية    مستشار ترامب: الاعتراف الأميركي بسيادة المغرب على الصحراء لا لبس فيه    المغرب يتصدر صادرات الفواكه والخضروات عالميًا: ريادة زراعية تنبع من الابتكار والاستدامة    مقاولون يقاضون "التيكتوكر" جيراندو بالمغرب وكندا بتهم التشهير والابتزاز    السعدي: الحكومة ملتزمة بتعزيز البنية التحتية التكوينية المخصصة للصناعة التقليدية    القوات المسلحة تُكوّن ضباطًا قطريين    "موازين" يواصل جذب نجوم العالم    منتدى الصحراء للحوار والثقافات يشارك في فعاليات معرض "جيتكس إفريقيا"    القفطان يجمع السعدي وأزولاي بالصويرة    الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم تحتفي بالمنتخب الوطني لأقل من 17 سنة إثر تتويجه باللقب القاري    الفنان الريفي عبد السلام أمجوظ يتألق في مسرحية سكرات    عبد العزيز حنون يدعم البحث في اللسانيات الأمازيغية بأطروحة حول التمني بأمازيغية الريف    تفاصيل اجتماع نقابات الصحة مع مدير الوكالة المغربية للدم ومشتقاته    بعد القرار الأمريكي المفاجئ .. هل يخسر المغرب بوابته إلى السوق العالمية؟    "الكاف" يختار المغربي عبد الله وزان أفضل لاعب في البطولة القارية للناشئين    الأرصاد الجوية تتوقع نزول زخات مطرية متفرقة اليوم الأحد    بنكيران: الأمة بكل حكامها تمر من مرحلة العار الكبير ولا يمكن السكوت على استقبال سفن السلاح    الآلاف يتظاهرون ضد ترامب في الولايات المتحدة: لا يوجد مَلك في أمريكا.. لنُقاوِم الطغيان    الاتحاد الوطني للشغل يدعو إلى تعبئة شاملة في فاتح ماي    " هناك بريق أمل".. رواية جديدة للدكتورة نزهة بنسليمان    ندوة علمية تناقش الحكامة القضائية    الكوكب يسعى لتحصين صدارته أمام الدشيرة والمنافسة تشتعل على بطاقة الصعود الثانية    دراسة تدعو إلى اعتماد استراتيجية شاملة لتعزيز الأمن السيبراني في المغرب    الأساتذة المبرزون يحتجون الخميس المقبل    لقاء يناقش دور المجلس الأعلى للحسابات في تتبع تنفيذ أهداف التنمية المستدامة    الكشف عن نوع جديد من داء السكري!    دورة برشلونة لكرة المضرب: ألكاراس يتأهل للمباراة النهائية    برشلونة يضع المدافع المغربي إدريس أيت الشيخ تحت المجهر … !    مغرب الحضارة: حتى لا نكون من المفلسين    لماذا يصوم الفقير وهو جائع طوال العام؟    أنور آيت الحاج: "فخور بمغربيتي"    قناة إيرلندية تُبهر جمهورها بسحر طنجة وتراثها المتوسطي (فيديو)    ‪ بكتيريا وراء إغلاق محلات فروع "بلبن" الشهيرة بمصر‬    تزايد حالات السل اللمفاوي يسائل ضعف مراقبة سلاسل توزيع الحليب    وداعًا الأستاذ محمد الأشرافي إلى الأبد    بيانات تكشف ارتفاع الإصابة بالتوحد وكذلك زيادة معدلات تشخيصه    أكادير يحتضن مؤتمر التنظير عنق الرحم وجوف الرحم والجهاز التناسلي    قصة الخطاب القرآني    المجلس العلمي للناظور يواصل دورات تأطير حجاج الإقليم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في حوار مع الأديب والأكاديمي المغربي محمد أنقار كل أدب عميق التأثير لا يولي ظهره أبدا للمجتمع

محمد أنقار مبدع خبر أسرار الكتابة منذ خمسة عقود، حيث استهوته الحكاية بصراعاتها وأبعادها، وفي الوقت نفسه وجه اهتمامه للدراسة الأكاديمية باحثا عن خصوصية الرواية ليصل سنة 1994م إلى معالم مشروع نقدي، لصيق بالمحيط العربي والمغربي ومنفتح على كل ما هو إنساني، هذه السنة التي شهدت نشر أطروحته «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية» ليفتح الباحث آفاقا واسعة في النقد تنطلق من ضرورة الاحتفاء بالبلاغة الكامنة داخل النص بهدف الوصول إلى الكنه الجمالي والإنساني، وهو المشروع الذي سيجرب نجاعته الناقد في أجناس أدبية سردية قريبة من الرواية كالمسرح والقصة والمقامة وأدب الطفل..
إن تجربة محمد أنقار تجربة فريدة من نوعها، ذلك أنها لم تستنسخ الرؤى الغربية الجاهزة ولم تسترجع المقولات الجامدة، وإنما هي تجربة طموحة هدفت إلى تقديم قراءات محايثة للنص الإبداعي، وإلى جانب اهتمام الرجل بالنقد الأكاديمي تدريسا وتنظيرا وتطبيقا، ظلت الحكاية تستهويه وهو الذي خبر دروبها واطلع على أسرارها حيث نشر رواية «المصري» في طبعتين(دار الهلال، ومنشورات الزمن) و»باريو مالقه» في ثلاث طبعات(الدار العربية ناشرون) وعددا من المجاميع القصصية(زمن عبد الحليم، المؤنس العليل، الأخرس) والمسرحية(الببوش أو أكلة الحلزون) كلها تنبني على تعميق البعد الإنساني، وإن اختلفت الصيغ والأجناس.
يبدو أن تجربة محمد أنقار، هي تجربة ثرية من حيث تنوعها وقوتها ووقوفها على أرضية صلبة، لذلك تعرف تجربته اهتماما واسعا من طرف الباحثين والنقاد. وأنت تحاور محمد أنقار تكتشف أن الرجل الذي يكتب وينظر هو نفسه الرجل الذي يجلس أمامك، حيث يعيش تصوره النقدي والإبداعي في الحياة وهذه صفة قلما نصادفها، وقد قادنا الحوار إلى الحديث عن مشاريعه النقدية والإبداعية وعلاقة اللأدب بالمجتمع، وكيف يرى مستقبل الأدب، فكانت لنا هذه الفسحة.
إعداد: الباحث محمد العناز
} بعد مضي سنوات من البحث الأكاديمي حول الروايات الاستعمارية المكتوبة عن المغرب. ما هي الخلاصة التي انتهيتم إليها بصدد هذا النوع المخصوص من الكتابات الأدبية؟
أنقار: الواقع أن الأمر يتعلق بإشكال نقدي هو في تجدد وتطور مستمرين. أما سبب ذلك فيرجع إلى التطور الذي يعرفه الأدب والنقد معاً عبر توالي العقود، مع حصول مستجدات تاريخية وسياسية على النطاق الكوني. وفي هذا السياق يحق لنا أن نسأل: هل مفهوم الاستعمار اليوم هو نفسه في خمسينات القرن الماضي؟. أكيد أن الوضع قد تغير، كما أن الحالة الفكرية والاقتصادية والسياسية التي يمكن تسميتها «استعماراً» تتخذ راهناً أساليب وتجليات جديدة، طبقاً للعلاقات الدولية الجديدة. كل ذلك يقتضي من الناقد تجديد أدواته وتطوير مفاهيمه باستمرار، وإعادة النظر في اصطلاح «الرواية الاستعمارية» ذاته. إن الإشكال لم تعد له صلة قوية ب»الاستعمار» بمفهومه الكلاسي وإنما بظاهرة ثقافية مندرجة فيما يمكن تسميته ب»صورة الآخر». إذ في سياق تلك الصورة يمكن دراسة الظاهرة أو الظواهر الاستعمارية بصيغتيها الكلاسية والمعاصرة دراسة يختلط فيها ما هو فكري وما هو بلاغي دونما فصل بينهما.. تلك هي الخلاصة الفكرية التي انتهيت إليها، وأتمنى أن أعيد في ضوئها طبع كتابي «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية» طبعة ثانية.
} أفصحتَ في دراسة سابقة عن الدهشة التي خلقتها لديكم كتابات غويتصولو. ما مرد هذه الدهشة؟ وماهي نتائجها على المستوى النقدي؟.
أنقار: مرد تلك الدهشة الأساليبُ التصويرية الرديكالية التي استلهمها غويتصولو في معالجته الموضوع المغربي في بعض رواياته، خاصة في رواية «مطالب الكونضي ضون خوليان»، ورواية «مقبرة». أما النتائج النقدية فقد سجلتها في مقالي المنشور في مجلة «مجرة»، العدد 12، سنة 2007 بعنوان «مقبرة» تحاور الرواية الاستعمارية».
} ماذا تقصدون بحديثكم عن الصنف المفارق في الرواية الاستعمارية؟.
أنقار: المقصود بالمفارقة ذاك التصوير غير المعهود في الروايات الاستعمارية الكلاسية. ذلك أن غويتصولو اعتمد أساليب رديكالية كما سبق أن قلت. أي أنه خالف النهج المعتمد في مئات الروايات الإسبانية المكتوبة عن المغرب واختار نهجاً آخر مفارقاً. غير أن ذلك لا يعني أن اختياره كان في محله على مستوى بلاغة التصوير. كما أن التصوير المفارق يمكن أن يُرصد حتى في عموم الروايات وليس في الرواية الاستعمارية بالضرورة.
} سجلتِ الصورةُ السردية منذ كتابكم التأسيسي للصورة الروائية «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية» الذي هو في الأصل أطروحة دكتوراه الدولة في الأدب العربي الحديث، نوقشت بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سنة 1992 تراكمَ عدد من الدراسات والأبحاث الجامعية حول إشكال «الصورة الروائية». هل يتناسب هذا التسجيل وطموحكم عن الصورة الروائية؟.
أنقار: خلال العقدين الماضيين حصل بالفعل تراكم محترم على مستوى الدراسات التي لها صلة بإشكال الصورة الروائية أو السردية، سواء من خلال كتاباتي، أم كتابات طلبتي، أم غيرهم من الباحثين. إنني الآن بصدد التجميع الكمي لما أُنتج في هذا السياق، وإدراجه فيما أسميه ب»حجم الظاهرة»، أي ظاهرة الصورة الروائية أو السردية في مجالي البلاغة والنقد. ومن البين أن الطموح النقدي عندنا جميعاً كبير، لكن تجلياته وتحققاته في حاجة إلى المزيد. وأتذكر أنني توقفت سنوات لدراسة العلاقات المحتملة بين الصورة الروائية وما بعد الحداثة يوم أن كان هذا الإشكال موضع انشغالٍ عالمي. كانت غايتي جعل الإشكال يواكب مستجدات العصر. وها هي رياح التغيير تهب سريعاً على العالم بما فيه العالم العربي، مما يقتضي وقفات نقدية تأملية مماثلة. لذا يلزم تكييف ذلك الطموح بالعمل الجماعي، وإلا ظل هذا الإشكال النقدي يشكو من النقص والتخلف.
} اقترحتْ رواية «المصري» الصادرة في طبعتها الأولى عن دار الهلال المصرية متخيلها السردي انطلاقاً من محاورتها الجمالية لمتن نجيب محفوظ. هل يمكن القول إن هذا العمل يتساوق فيه النفس التقليدي للكتابة الروائية على الطريقة البلزاكية مع النفس التجريبي للكتابة الروائية على شاكلة ألان روب غرييه.
أنقار: المعادلة التي تقترحُها ممكنة، لكنها ليست الوحيدة لقراءة رواية «المصري». وأفترض أن أي عمل أدبي قد يجذب القراء تنطبق عليه تلك الفكرة الفسيحة التي تستحضر المعادلات الممكنة في قراءة العمل، لكن من دون أن الاطمئنان النهائي إلى معادلة واحدة. إن رواية «المصري» تحاور، في واقع الأمر أكثر من نموذج روائي عربي وعالمي، ثم تحاول بعد ذلك أن تنسج نموذجها الخاص. فهل وفقت في مهمتها الجمالية أم لا؟. ذاك سؤال يجيب عنه النقاد وعموم القراء.
} لماذا الاعتماد على الحوار والوصف بشكل قوي في روايتكم الثانية « باريو مالقة»؟
أنقار: ملاحظتك الفنية في محلها، لكن لدي تبريراتي. لا يجب أن ننسى أني قدمت تلك الحارة التطوانية الشعبية للعالم أول مرة في التاريخ. لم يكن للباريو مالقه تاريخ مدون في الكتب والموسوعات، عكس ما هو حاصل مع المدن والحواضر المغربية وحتى العالمية. إن تطوان العتيقة لها تاريخ مدون، بينما الباريو كان له تاريخ شفاهي غير مدون. لذلك اقتضى الأمر، حين الانتقال من الشفهي إلى المكتوب الاعتمادَ الكبير على الوصف بصورة خاصة، مكيَّفاً ببعض المعلومات والمعطيات التي من شأنها أن تثبّب صورةَ هذه الحارة في الذاكرة البشرية. ولقد سبق للإبداع الإنساني أن خلد حارات في أوربا وأمريكا والشرق الأقصى، وحتى في العالم العربي. فعل ذلك نجيب محفوظ مع عديد من حارات القاهرة التي أصبح لها «تاريخ فني» أو يكاد. في حين تشكو معظم شوارعنا وأزقتنا وحاراتنا من عدم التفات الأدباء إليها على الرغم من ارتباطها بوقائع وطرائف ومغامرات جديرة بالتدوين. وفي رأيي أن الأمر يتعلق جمالياً بمسألتين؛ الأولى لها صلة بتصوير المهمش، والأماكن والشخصيات المهددة بالتلاشي. وأظن أن المخرج المغربي حكيم بلعباس قد أفلح، سينمائياً، في تحدي بعض ذلك التلاشي في كل أفلامه الوثائقية من خلال اعتماده القوي على الحوارات الشعبية التلقائية، وتركيزه على القرى أو المدن المهمشة. أما المسألة الثانية فلها صلة بما يمكن تسميته ب»بلاغة الكون»، أي تلك التي تحاول أن تصور فنياً نشأة أو ميلاد حارات أو مدن أو حتى فضاءات بعينها تصويراً لا أقول ملحمياً، لكنه مع ذلك يتسم بالشمولية والتضخيم. يمكن أن نضرب لذلك أمثلة من السينما؛ فيلم «روما فيلليني»، و»صعاليك نيويورك»، للمخرج مارتين اسكُرسِيزي، وأمثلة من الرواية؛ «الشوارع العارية» لفاسكو براتوليني، و»زقاق المدق» لنجيب محفوظ، و»جسر على نهر درينا» لإيفو أندريش، و»حيث تغير المدينة اسمها» للكاتب الإسباني فرنثيسكو كَنديل.
على العموم إن اعتمادي على الوصف والحوار في «باريو مالقه» لم يكن أبداً منفصلاً على مكونات روائية أخرى مستلهمة مما سبق أن أسميته «بلاغة الكون». ذلك يعني أن الوصف في الرواية ليس مباشراً أو خطياً. فقد راهنت على ما هو أبعد. ولقد سبق لسعيد يقطين أن قال إن تلك الرواية تجمع في آن واحد بين ما هو من قبيل الرواية الكلاسية وما هو من قبيل الرواية الجديدة. أما قراءتها من منظور واحد فسيكون خطأً.
} هل تمثل رواية «باريو مالقة» تقاطعاً إبداعياً لاهتماماتك بالرواية الاستعمارية على مستوى الأعلام وأسماء الأماكن والشواهد المكتوبة باللغة الإسبانية مثلما هو وارد في صفحة ص 235 من الرواية؟.
أنقار: هذا صحيح. إن الأمر يتعلق فعلياً بتقاطع. والحق أن اشتغالي الطويل برصد صورة المغرب في الرواية الاستعمارية جعلني أفكر باستمرار فيما سماه مجموعة من الباحثين ب»الرد الكتابي». كنت قد رددتُ في كتابي «بناء الصورة» نقداً، ثم حاولت في «باريو مالقه» الرد إبداعاً. لكن على الرغم من ذلك يجب أن أعترف بأن نموذجاً روائياً واحداً لن يستطيع الرد على ركام من الروايات الاستعمارية.
8-تفصح رواية»باريو مالقة» عن قصص حب لا يكتمل، وعن رائحة الغرام. ما الذي جعل هذه القصص صعبة التحقق؟ وما هي الأبعاد الرمزية للولع الغرامي لسلام بماري كارمن؟.
هي كلها رموز لعلاقات إنسانية غير طبيعية. كان الشبان يفشلون في إقامة علاقات غرامية سوية زمن الحماية. ولعل هذا الفشل كان عاكساً للعلاقة غير السوية، على مستوى الكبار، بين المغاربة والإسبان. لقد كان المغرب مستعمراً من لدن فرنسا وإسبانيا. فكيف يمكن بعد ذلك أن ننتظر اكتمال قصص الغرام وتوفقها؟. أي أن شرط العلاقات الإنسانية يقتضي توافر الحرية أولاً. وعلى كل حال إن الرموز الإنسانية في هذا السياق لها صلة بذلك «التقاطع» المشار إليه آنفاً.
} يتحول الرواي في هذه الرواية من راو عليم إلى راو متلصص في سرده لصور العشق. ما مرد هذا التحول الرؤيوي؟
أنقار: هو تحول له صلة أيضاً بالرمزية، والتقاطع، وبباقي الحيل البلاغية الهادفة إلى تكسير تقريرية السرد ومباشرته بما فيها التحولات. والحقيقة أن الراوي في «باريو مالقه» يجمع في آن واحد بين العلم والمشاركة في صياغة الأحداث. إنه يومن بأن الأحداث التي عاشها، وحتى التي لم يعشها، قد عرفها وجربها بكل كيانه، لذلك يأبى إلا أن يضمخ الوقائع بأنفاسه، ويبللها بعرقه، ويدمغها ببصماته. إن الأمر يتعلق بحارته العزيزة التي هي الوجه الآخر لحياته. وهو حينما يتحول من راو عليم إلى راو متلصص يفعل ذلك بكل تلقائية ولا يتصنع. وهو عندما يعشق ماري كارمن لا يتصور وجود أي فرق بينها وبين عشق حارته. لكن التجربة ستعلمه أن ما تصوره لم يكن صحيحاً.
} تبتدئ رواية «المصري» بصورة جنازة، وقبيل نهاية رواية «باريو مالقة» نجد في الفصل 58 الجنازة حاضرة بشعائرها المقدسة. ما هو سر انجذاب محمد أنقار نحو موضوع الموت؟
أنقار: لا يجب أن ننسى أن الموت وإن كان مصيراً قدرياً هو أيضاً مشجب من المشاجب التي يعلق عليها الروائي تصوراته، شأنه شأن الجنس، والحب. لذلك فموضوع الموت في «المصري» نابع من نسغ الرواية ذاتها. كما أن حضوره في «الباريو» يأتي نتيجة الدرامية التي تطبع كل وقائع الرواية. يبقى بعد ذلك أسلوب التصوير الذي يختلف من أديب إلى آخر حسب حساسيته الخاصة تجاه هذا القدر القاهر.
} هل يسعف حقل السمات بوصفه خطوات إجرائية تحليلية في تلمس عوالم النصوص السردية؟.
أنقار: هذا سؤال يرجع بنا مرة أخرى إلى النقد. وعندما يعود القارئ إلى المقالات النقدية التطبيقية التي نشرتها ونشرها جماعة من أصدقائي الباحثين سيتأكد أن اقتراح التحليل بالسمات ذو فعالية عملية في معالجة النصوص. والواقع أن ما قصدتُه ب»حقل السمات» هو تلك التفاصيل النقدية والبلاغية المستخلصة من الإبداع ذاته. ولعلني بذلك كنت أرد على السيميولوجيين الذين حاولوا اعتماد «السمة» من حيث هي معطى علمي لساني في معالجة النصوص الإبداعية، مما جعلهم يقعون في تناقض على مستوى التصور النقدي..
} ساهمتم تأليفاً ونقداً في الاهتمام بأدب الأطفال. ما هي وضعية هذا الأدب اليوم؟
أنقار: هي وضعية لا تخلو من مجاملات وكذب شأنها شأن قسم كبير من أدب الكبار.
} تشهد الكتابة المسرحية منذ بداية الألفية الجديدة تراجعاً ملحوظاً. هل يرجع الأمر إلى هيمنة الوسائط السمعية البصرية، أم إلى تخلي كتاب المسرح عن الوفاء لأب الفنون؟
أنقار: الواقع أن الشعر والكتابة المسرحية قد تراجعا في العقد الأخير مقارنة بالرواية والقصة القصيرة في المغرب. قد يكون لعنصري السمعي البصري دور في ذلك التراجع. لكن مع ذلك أرى أن السبب الرئيس له صلة بالطبيعة التركيبية لهذين الجنسين الأدبيين. وإذا كنا نعرف جيداً أن الناس اليوم لم تعد تستهويهم حتى قراءة القصص والروايات فما بالك بالأجناس الأدبية المركبة؟.
} علاقة الأديب بالمجتمع هل تفضلها على شاكلة خورخي لويس بورخيص الذي أدار ظهره للتحولات الاجتماعية، واختار عزلته الأدبية، أم على شاكلة علاء الأسواني المتجه كليا نحو القول السياسي؟
أنقار:كلاهما بالغَ. نموذج بورخيص اتسم بالمثالية وروح التأمل إلى درجة جعلت منه نموذجاً لأدب النخبة. والرجل، رغم سوانحه العميقة، ومعاناته الإنسانية الصادقة عرف بانغلاقه. أما الأسواني فقد انساق مع السياسة انسياقاً لا أراه طبيعياً، إلى درجة كدنا ننسى معها أنه أديب. وما من شك في أن الأسواني يحلم بتقليد نموذج الروائي التركي أورهان باموق الذي خطط لشهرته بدقة وذكاء ماكر انتهت به إلى الحصول على جائزة نوبل، تخطيطاً أبقاه حاضراً بقوة في الحقلين السياسي والأدبي معأ. وعموماً في رأيي أن خدمة المجتمع لا يجب أن تخضع، أدبياً، لنموذج واحد معد سلفاً. إن كل أدب عميق التأثير لا يعطي ظهره أبداً للمجتمع. غير أن رياح التغيير الأخيرة لا بد أن تجعل المرء يعيد النظر في كل أدواته وتصوراته.
} كيف تنظرون إلى مستقبل الأدب؟
أنقار: الأدب الخالد لن يموت أبدا. وأقصد بالخالد ذاك الأدب المكتوب بالدم، والعرق، والنفَس، والرؤيا. ومهما تتراجع القراءة، وتهيمن وسائط التواصل الاجتماعي الجديدة، ويتشاءم المبدعون؛ ستبقى ثمة نفس إنسانية حساسة ترصد الخفايا، وتبشر بالأمل، وتشجع الإنسان المبدع على تحمل الرسالة وإيصالها. تلك هي ماهية الأدب. وحيث إن تلك الماهية لا انفصال لها عن التكريم الذي ميز به الخالق بني آدم؛ فلابد أن يكون للأدب مستقبل..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.