نظمت مؤسسة منتدى أصيلة في إطار برنامجها الثقافي والفني لموسم 2009-2010 لقاء تكريميا للروائي والناقد المغربي محمد أنقارجانب من المشاركين في حفل التكريم وذلك بمشاركة نخبة من الشعراء والنقاد والباحثين الأكاديميين والمثقفين المغاربة، الذين استحضروا السياق العام للاحتفاء بأحد أعلام الثقافة المغربية، وما تميزت به مسيرته النقدية والإبداعية المتميزة. وفي معرض حديثه عن مسيرته الإبداعية، قدم المحتفى به محمد أنقار كلمة عميقة عنونها ب "الكتابة مع الآخرين"، منطلقا من فرضية مفادها أن أنسب طريقة للحديث عن النفس أن يتكلم المرء عن ذاته من خلال الآخرين، أو وهو منصهر فيهم، أو وهو معهم، مشيرا إلى أن الكاتب كائن اجتماعي بطبعه، والفكر والإبداع لا يزكيان إلا بالاحتكاك، والمشاركة، والحوار في مجالي النقد والإبداع. واعتبر محمد أنقار روايتيه "المصري" و"باريو مالقه"، هما حصيلة تجربة طويلة في الاستماع إلى الناس البسطاء، وتدوين حكاياتهم وأخبارهم طيلة عقود. وبأسلوب مؤثر وعميق واختتم صاحب "ظمأ الروح" شهادته بقوله إن الصدق كما قال نجيب محفوظ "ليس إلا تأثرا بالخارج عن طريق التعلم، وبالداخل عن طريق المعاناة". وفي كلمته، اعتبر محمد بنعيسى الأمين العام لمنتدى أصيلة أن محمد أنقار يمثل تجربة أصيلة ممتدة في زمنها الإبداعي، والاحتفاء به هو احتفاء بأحد رموز الثقافة المغربية، التي أسهمت في إغناء المكتبة المغربية والعربية بمصنفات متعددة على مستوى القراءة والتلقي، ما يعكس المكانة الأدبية الرفيعة، التي تحتلها تجربة أنقار صاحب التفكير والتأمل العميق. ومن خلال المداخلات التي قدمها نقاد وباحثون مغاربة، استحضر الناقد نجيب العوفي المشترك (الجيلي) الرابط بينه وبين المحتفى به، مركزا حديثه حول محمد أنقار الروائي انطلاقا من رائعته "المصري". وحملت مداخلة نجيب العوفي التي وسمها ب "تطوان المصرية، ونجيب محفوظ المغربي" من خلال رواية "المصري" لمحمد أنقار، تجليات المكان (تطوان) في هذا العمل الروائي، فتطوان تحضر في إبداعات صاحب "المصري" تماما كما تحضر القاهرة لدى نجيب محفوظ، وكأن الكاتب يعقد توأمة إبداعية بين الساحلي ونجيب محفوظ. المتكلم السارد في الرواية هو أحمد الساحلي الشخصية الروائية بامتياز، أب لثلاثة أولاد، يحيا حياة تطوانية، وكأنها خارجة من عوالم نجيب محفوظ وشخصياته العجيبة، كما يخرج الخبز من الفرن، والرواية هي مرثية للعمر الجميل، حسب تعبير الشاعر عبدالمعطي حجازي. وفي شهادته حول تجربة المحتفى به، قدم الشاعر والباحث محمد العناز ورقة حملت عنوان "ألم الصورة، ووهج الإبداع: محمد أنقار المسار المزدَوج"، قال فيها "إن غواية الصورة الروائية تطلبت من محمد أنقار أكثر من نصف العمر وفاء وإخلاصا لهذا الاجتهاد النقدي، والاشتغال الرصين على نماذج روائية متعددة لا تستجيب لمعيار الصورة بشكل انعكاسي ومحاكاتي، بل تنتج عن طواعية صورها الخاصة لتكشف بعد جهد مضن معيارية هذه الآلية التحليلية ونجاعة الصورة السردية، وقدرتها على كشف الطاقة البلاغية والتعبيرية والعوالم التخييلية ومكوناتها السردية. وأكد صاحب "خطوط الفراشات" أن الصورة في الشعر تقوم على عدد من الومضات التصويرية المتفرقة بين أبيات القصيدة، بينما تنبني الصورة في الرواية على نوع من التصوير الممتد عبر لحظات متتابعة. من جهته، اختار عبد الرحيم جيران عنوان "البلاغة والجمالية الروائية" مدخلا لمقاربته النقدية، التي اتسمت برؤية ابستمولوجية تتوخى تفكيك رواية "المصري" وربطها ب"إبستيمي" المتن الروائي العالمي، مركزا على مفاهيم من أطروحته النظرية "التضافر التجديلي، الميلان، التصادي النصي، الكل الجمالي، الفعالية النصية.."، معتبرا أن الكتابة في رواية "المصري" هي لمقاومة الزوال والتلاشي. ولذلك تتراءى المدينة وحدها في هيئة ممكنٍ لاستشعار بداية جهد الكتابة بوصفها مدخلا إلى زمن الكمال. واعتبر عبد الرحيم جيران أن هذه الأفكار حول رواية "المصري" للروائي محمد أنقار لا تمثل سوى مقاربة بسيطة لعمل روائي جدير بالاحترام النقدي. وفي مداخلته النقدية التي حملت عنوان "أشواق الذات وسلطة الواقع، قراءة في إبداع محمد أنقار الروائي"، اعتبر مصطفى الورياغلي المتأمل في روايتي محمد أنقار "المصري" و"باريو مالقا" يدرك من القراءة الأولى أنه أمام روايتين متباينتين في بنائهما، وفي رؤيتهما للإنسان والعالم، أو لنقل لعلاقة الإنسان بالعالم، تلك العلاقة التي كانت، وما تزال، تشكل موضوع بحث الإبداع الروائي الإنساني وتصويره. وأضاف تبدو علاقة الإنسان بالواقع في رواية "المصري" مبنية على سخرية وجودية عميقة، تلك السخرية الفلسفية التي يصل إليها الإنسان الحكيم، عندما يدرك الهوة الكبيرة التي تفصل بين الواقع والحلم، بين القيم الإنسانية الأصيلة التي يحملها وبين رداءة قيم الواقع وماديتها. وفي شهادته حول المحتفى به تحدث الباحث مصطفى يعلى، عن علاقته بأنقار وقسمها إلى ثلاث محطات. المحطة الأولى وتشمل النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي، وهي مرحلة الدراسة الجامعية في ظهر المهراز بفاس. وفيها كانت العلاقة مع محمد أنقار علاقة زمالة، تقتصر على تبادل التحية، أو الجلوس مع بعض الأصدقاء، أو الالتقاء العابر في ردهات الكلية وقاعة المكتبة. ولفت نظره أنه كان أميل إلى العزلة عكس صديقيه المرافقين له في أغلب الأوقات محمد بوخزار، وإبراهيم الخطيب. أما المحطة الثانية، فتبدأ منذ سنة 1978. حيث عين يعلى بثانوية واحدة بجوار صديقه أنقار بمدينة القنيطرة، حيث تمتنت صداقة نموذجية نادرة، ما يزال عنفوانها مستمرا حتى الآن. فيما تمتد المحطة الثالثة من أواسط سبعينيات القرن العشرين حتى راهن زمننا. وهي مرحلة تضاعف خلالها الجد والمثابرة لدى محمد أنقار. وبهذا زال الغبش عن الفكرة الهلامية المتعلقة بطموحه للعمل بالجامعة، حيث حرية البحث ونجاعة التأطير واتساع هامش الإضافة. واختتم مصطفى يعلى شهادته بتأكيد قيمة اعتبارية لا تتوفر للباحث الحق، إلا إذا جمع بين الإخلاص للبحث بشروط الصدق والأمانة والصبر والمثابرة، وبين التواضع ونكران الذات والتواصل الإنساني. وتلك مواصفات تمثلت بصورة نموذجية في شخصية المبدع محمد أنقار.