لطالما رددت الجزائر عبر خطابها الرسمي أنها "ليست طرفًا" في نزاع الصحراء المغربية، مكتفية بإعلان دعمها لما تسميه "حق الشعوب في تقرير المصير". لكن مواقفها وسلوكها الدبلوماسي الميداني يكشفان عن انخراط مباشر يتجاوز بكثير حدود الدعم السياسي، وصولًا إلى التأثير العملي والميداني في مسار النزاع المفتعل. ازدواجية الخطاب والممارسة منذ اعتراف الولاياتالمتحدةالأمريكية بسيادة المغرب على صحرائه في ديسمبر 2020 (البيت الأبيض، إعلان رئاسي)، ظهر بوضوح التوتر في الموقف الجزائري. بيانات التنديد، استدعاء السفراء، والتصريحات العدائية تجاه المغرب والدول الداعمة له، كلها أظهرت أن الجزائر تعتبر تطور الملف مسألة ترتبط بمصالحها الحيوية، وهو ما يناقض بشدة موقفها المعلن بالحياد. لم تقف الجزائر عند حدود التنديد، بل صعدت من حملاتها الدبلوماسية ضد المغرب، سواء في الاتحاد الإفريقي أو في الأممالمتحدة، حيث دأبت على تعبئة حلفائها لتمرير مواقف داعمة للانفصاليين. وفي أكثر من مناسبة، تكفلت الجزائر بتمويل ومرافقة وفود البوليساريو في المؤتمرات الدولية، كما أكدت تقارير دولية عدة، منها تقارير صادرة عن مجلس الأمن (مجلس الأمن، تقارير الأمين العام حول الصحراء). خلفيات الموقف الجزائري تنبع معارضة الجزائر لسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية من اعتبارات تاريخية وجيوسياسية معقدة. فمنذ استقلالها، تبنت الجزائر عقيدة سياسية ترى في قوة المغرب تهديدًا إقليميًا، خاصة مع بروز مشروعات تنموية كبرى تربط المغرب بإفريقيا جنوب الصحراء عبر الصحراء المغربية. كما أن نجاح المغرب في تثبيت شرعية سيادته على صحرائه، بدعم دولي متزايد، يهدد بتقويض النفوذ الإقليمي الجزائري، الذي يعتمد على إطالة أمد النزاعات الإقليمية لإبراز دوره ك"وسيط" أو "زعيم إقليمي". المغرب: نجاح دبلوماسي واستراتيجية متزنة اعتمد المغرب رؤية دبلوماسية تقوم على الواقعية السياسية والانفتاح الاقتصادي، مما مكنه من تحقيق إنجازات لافتة على الصعيد الدولي. مبادرة الحكم الذاتي التي قدمها المغرب سنة 2007 (الأممالمتحدة، وثيقة الحكم الذاتي المغربية) اعتُبرت "جدية وذات مصداقية" من قبل مجلس الأمن في قراراته المتتالية. افتتاح أكثر من 30 قنصلية عامة لدول إفريقية وعربية وأمريكية جنوبية في مدينتي العيون والداخلة منذ 2019، شكل تحولا ميدانيا أثبت الاعتراف الدولي المتنامي بمغربية الصحراء، رغم الحملة الجزائرية المضادة. واقع يكشف زيف الادعاء إن المراقب الموضوعي لا يمكنه سوى أن يخلص إلى أن الجزائر طرف رئيسي وفاعل في نزاع الصحراء المغربية، رغم كل محاولات الإنكار والتضليل. ومع تنامي الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء، تجد الجزائر نفسها في عزلة متزايدة، فيما يمضي المغرب بثبات نحو تثبيت حقوقه المشروعة، مدعومًا بالشرعية الدولية وبشركاء عالميين يرون في مقاربته الواقعية نموذجًا لحل النزاعات الإقليمية.