بفضاء قاعة الندوات بالمدرسة العليا للأساتذة بمرتيل، ضمن الحلقة الأولى من سلسلة «تجارب إبداعية»، نظمت شعبة اللغة العربية مؤخرا لقاء مفتوحا مع الروائي المغربي محمد أنقار بمناسبة صدور روايته الجديدة «باريو مالقه». وقد سبق للأديب محمد أنقار أن حاز على جائزة المغرب للكتاب عن كتابه «قصص الأطفال بالمغرب» سنة 1998، كما أصدر عديداً من الأعمال الإبداعية والنقدية. ففي مجال الإبداع صدرت له ثلاث مجموعات قصصية: «زمن عبد الحليم» (1994)، و«مؤنس العليل»(2003)، و«الأخرس» (2005)، ورواية «المصري» (2003)، فضلاً عن سلسلة قصصية للأطفال(2006). وفي مجال النقد صدر له «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية»(1994)، و«بلاغة النص المسرحي» (1996) و«قصص الأطفال بالمغرب» (1998) و«صورة عطيل» (1999)، و«التركي: الرجل الذي طار بالدراجة» (2000)، و«ظمأ الروح أو بلاغة السمات في رواية «نقطة النور» لبهاء طاهر (2007) في طبعته المغربية عن منشورات «مرايا»، ثم عن دار الانتشار العربي بلبنان. وقد تميز هذا اللقاء بحضور أساتذة من كلية الآداب والعلوم الإنسانية بتطوان وأعضاء من منتدى السرد الأدبي بتطوان، وكتاب وأدباء نذكر منهم: محمد مشبال، محمد عز الدين التازي، عبد اللطيف أقبيب، محمد الإدريسي، البشير الدامون، عبد الواحد العلمي، محمد المعادي، أحمد المخلوفي، عبد الجليل الوزاني، خالد أقلعي، حسن الغشتول محمد الردام، محمد الفهري، هشام مشبال، سعاد أنقار، لبنى الفقيهي، ..)، وعديد من الباحثين والمهتمين. أدار اللقاء الباحث عبد السلام دخان، الذي أكد أهمية المشروع الثقافي الذي خطته شعبة اللغة العربية بالمدرسة العليا للأساتذة للاحتفاء بالمبدعين المغاربة وبمختلف الأجناس الأدبية، وهو الأمر الذي أكده الدكتور عبد الرحيم جيران في كلمته التي أشار فيها إلى ضرورة عودة المثقف إلى الاضطلاع بأدواره الطلائعية في الاحتفاء بالأدب والثقافة. وقرأ المحتفى به محمد أنقار مقطعا صغيرا من روايته المعنونة ب«حارة الباريو» جاء فيه: «ما أجمل أن يكتب كاتب عن موضع أليف إليه تتردد إليه أو تسمع عنه باستمرار، ثم تراه ذات يوم مصورا بالأحرف والكلمات على الورق المطبوع..». والحقيقة أن هذا الاختيار لم يكن اعتباطيا، بل يعكس إلى حد كبير موقف أنقار من الكتابة عن المدينة التي يعشقها. وهذا الهاجس بالإضافة إلى مقاصد أخرى هو الذي حركه في روايته الأولى «المصري» التي احتفت بأمكنة تطوان العتيقة وتصويرها روائيا. ورواية الباريو تمشي في ذات السياق، إنها تعيد الحياة إلى حارة مألوفة لجميع التطوانيين، إنها رواية الأحاسيس الإنسانية بامتياز، ليختم حديثه بطرح تساؤل عن مدى صدق هذه الدعوى: إلى أي مدى يمكن أن يعيد العمل الروائي الحياة إلى المألوف؟ هل يستطيع فعلا أن يجدد الحياة من حولنا ويقضي على أجواء الألفة التي نحياها في محيطنا الذي تعودنا النظر إليه بمنظور أحادي ثابت؟ وقبل أن يعطي الكلمة للحضور، اعتبر الأستاذ عبد السلام دخان أن رواية «باريو مالقه» تأتي تتمة لتجربة أنقار الروائية (رواية المصري) الصادرة عن دار الهلال المصرية وانسجاما مع التصور النقدي الذي صاغه أنقار لنفسه منذ كتابه النقدي «بناء الصورة في الرواية الاستعمارية» ووصولا إلى كتابه الأخير «ظمأ الروح». ورواية «باريو مالقه» تذكرنا بالروايات التي لا تنصاع لمقولات نظرية جاهزة بقدر ماتنصاع لسياقها المخصوص، واعتبر أنها رواية الرومانس والتخييل المفتوح. وأكد محمد أنقار الأهمية الحاسمة للنقد والمقاربات المتعددة لأي عمل روائي. حيث رأى أن كل عمل روائي يفترض مدخله الخاص، وأن التواشج والانسجام يتمان باستحضار شخصية المبدع ، كما أن الجمال وثيق الصلة بالمواصفات الخارجية، ومن ثمة فكل بلاغة لابد أن تكون متضمنة لأبعادها الاجتماعية. والإبداع المسؤول يجب أن يتسم بالإحساس بالمسؤولية. إن رواية «باريو مالقه» رواية مفتوحة، برهنت على ذلك عندما جعلت شخصية سلام لاتصل إلى امتحان الباكالوريا من حيث إن هذه المرحلة التعليمية تتسم بطابعها الحاسم، وقد ألححت، يقول الكاتب على ترك سلام في منتصف السنة الدراسية حتى لا أكتب الرواية بطريقة كلاسيكية. وبَتْر النهاية نمط من أنماط التعبير الجمالي الذي لا يخلو من تشويق. إن طبيعة المكان هي التي تملي على المؤلف نمط الوظيفة التصويرية، وهي التي جعلت الفقيه الصنهاجي شخصية متوترة وقلقة داخل الرواية.