قد يكون اقتراع رابع شتنبر برسم الانتخابات الجماعية والجهوية الأقسى في تاريخ الاستحقاقات الانتخابية على بعض قيادات المشهد السياسي الوطني، فقد أسفر عن اندحار ثلاث أمناء عامين لأحزاب سياسية ووزير، فيما تبحث وزيرة أخرى عن حبل نجاة إلى جانب أربعة من زملاء سابقين. لقد توقع مستطلعون للرأي ومراقبون وأكاديميون أن تكون المنافسة شرسة خلال هذا الاقتراع، غير أن نتائج التصويت جاءت حاسمة وصادمة بالنسبة للبعض. فقد أثثت صرخات ودموع حسرة المشهد في عدد المقرات المركزية للأحزاب السياسية ليلة الجمعة – السبت الماضية. ففي تلك الليلة انحنت رؤوس ونجت أخرى بالكاد فيما كان على آخرين السير في طريق الأشواك. بين الذهول وعدم استيعاب الموقف وإحساس بالمرارة كان البعض يتابع تدفق النتائج وهي ترسي وضعا بل وتنذر بمستقبل لم يكن في الحسبان. كانت فاتحة المفاجآت الهزيمة النكراء والقاسية للأمين العام لحزب الاستقلال حميد شباط في معقله فاس. وسيتذكر الجميع كيف أن رواد مواقع التواصل الاجتماعي تابعوا، لحظة بلحظة، نتائج مدينة فاس وواكبوها بتعليقات حولت حميد شباط إلى “نجم” التواصل الاجتماعي رغما عنه. واختارت بعض التعليقات تذكير الأمين العام لحزب الاستقلال بوعد قطعه على نفسه قبل ما يقرب من السنة بالاستقالة من منصبه ما لم يحل حزبه في المرتبة الأولى. غير أن حميد شباط لم يكن الغريق الوحيد وسط أمواج اقتراع الرابع من شتنبر، فقد كان معه الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة مصطفى الباكوري الذي، وإن فاز بمقعدين، فإنه أخطأ الموعد مع الانتصار في المحمدية. وعلى وقع صدمة النتائج عقد زعيما الحزبين اجتماعا طارئا بالرباط ضم أيضا الأمين العام للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إدريس لشكر، خصوصا وأن الفرحة لم تكن أيضا من نصيب المتابعين للنتائج من شارع النخيل. ولأن القيادات الثلاث سعت لدعم صفوفها في هذه الأوقات الصعبة، فقد ضم الاجتماع أيضا حزب الاتحاد الدستوري الذي لم يفز أمينه العام سوى بتسعة مقاعد في الدارالبيضاء ليكون الاجتماع مؤشرا على ما ستكون عليه باقي النتائج. وفي هذه اللحظة واصل منجل الاقتراع حصد رموز أخرى يمينا ويسارا، ففي سيدي بليوط كانت الهزيمة من نصيب نبيلة منيب منسقة فيدرالية اليسار الديمقراطي التي خرجت من الاقتراع، مع ذلك، برأس مرفوعة. أما منافسها من حزب التجمع الوطني للأحرار الوزير الأسبق منصف بلخياط، فبحصوله على ثلاثة مقاعد كان يرى حلم ترؤس مجلس المدينة أو رئاسة جهة الدارالبيضاء يتلاشى أمام عينيه. وفي الدارالبيضاء أيضا تهاوت أحلام كريم غلاب الرئيس السابق لمجلس النواب والوزير السابق للتجهيز والنقل، وزميلته في حزب الاستقلال ياسمينة بادو وزيرة الصحة السابقة، بعد أن توقف عداد حصادها عند خمسة مقاعد فقط. وفيما تلقى وزير التشغيل والشؤون الاجتماعية عبد السلام الصديقي (التقدم والاشتراكية) ما يمكن وصفه بصفعة انتخابية بتازة، توجد زميلته امبركة بوعيدة في مخاض عسير خلفته نتائج الاقتراع في كلميم. وفي حين كان محمد أوزين، وزير الشباب والرياضة السابق، يحاول استيعاب هزيمته في معقله إفران، أبدى الوزير الأسبق في الصناعة التقليدية عبد الصمد قيوح مقاومة في تارودانت. ودون الإسهاب في الحديث عن عمد مدن سيتركون كراسيهم كما رؤساء جماعات حضرية أخرى، فإن اقتراع رابع شتنبر كان بمثابة رياح خريفية أخذت معها كثيرا من الأوراق المتساقطة لتفتح فصلا جديدا وتشرع في رسم ملامح خريطة سياسية جديدة في البلاد. ومع ظهور نتائج الاقتراع انطلقت سلسلة صفقات سياسية ستحسم مصير رئاسة الجهات وعمودية المدن وتدفع بنخب جديدة إلى واجهة وتكشف عن مغرب جديد يتحرك مما يدفع للأمل في المستقبل.