شهد منتدى أصيلة الثقافي حضوراً نسائيا واضحاً من خلال تخصيصه ندوة موسعة امتدت لثلاثة أيام حول المرأة والديمقراطية في العالم العربي، حضرها عدد من المثقفات والمثقفين، تزاحمت فيها أكتاف الفنانات مع السياسيات، والرجال مع النساء، كلّ يسعى إلى تأكيد الخشية على واقع المرأة العربية، بعد التحركات الكبرى التي شهدتها ولما تزل الدول العربية. سرقت نجمتا السينما المصرية الممثلة إلهام شاهين والمخرجة إيناس الدغيدي الأضواء من نجمات ونجوم السياسة والثقافة الذين حضروا ندوات المنتدى، وقد غابت الممثلة يسرا، التي كانت ستشارك مع زميلاتها في ندوات واقع المرأة في مصر.
الأمين العام لمنتدى أصيلة وزير الخارجية والتعاون والمغربي السابق محمد بن عيسى حاول منح الحاضرات ومضة أمل في كلمته التي رحّب فيها بهن، فاتحاً أبواب الحديث على مصراعيه لإعلاء شكواهن في مجتمع عربي ذكوري بامتياز.
وزيرة التضامن والمرأة والأسرة والتنمية الاجتماعية المغربية بسيمة الحقاوي لفتت خلال كلمتها الافتتاحية إلى عدم وجود صناعة فكرية نسائية، بل إن الساحة الفكرية العربية اليوم تقتصر على الرجال فقط. ودعت من جانب آخر إلى العمل رجالاً ونساء على إشاعة وتشجيع ثقافة الإنصاف لا لكي يتراجع العنف ضد النساء فقط، بل ليتراجع العنف بشكل عام وصولاً إلى مجتمع غير عنفي. رولا دشتي
وأشادت بالاستعانة بالجمعيات النسائية في المغرب خلال فترة التعديلات الدستورية في العام الماضي. ورأت أن النظرة السابقة كانت تروّج على أن الأمر المحسوم هو أن الديمقراطية هي ملك للشعب، لكن اليوم تصدمنا أسئلة تحتم علينا إعادة النظر في مفهوم الديمقراطية، فهل بالفعل هناك شعوب لا تستحقها؟، وهل الديمقراطية ملك لشعوب معينة دون سواها؟، وماهو موقع المرأة في خضم الديمقراطية اليوم؟، وأشارت الحقاوي إلى أن المجتمع عادة ما يقصي المرأة تحت فعل الشفقة.
وطرحت وزيرة المرأة المغربية وصفة تمكن المرأة العربية أن يكون لها حق في مفردات الديمقراطية. تتلخص وصفتها بأن تخرج المرأة إلى الفضاءات العامة ولا تتقوقع مع نفسها، وتشجيع النساء على العمل والإنتاج، فعلى النساء أن يكنّ منتجات فكريًا لإرساء ثقافة الديمقراطية، ولا بد من المقاومة في إطار معركة التدافع الثقافي لتنتج تدافعًا حضاريًا، ومن ثم تحقيق التمكين، وأخيرًا أكدت أن هناك حكم وضع اليد من قبل الرجال على النساء، وعلينا تحقيق الإنصاف الذي رأت فيه الحل لتنال المرأة حقوقها في العالم العربي.
من جانبها، تمنت النائبة الثانية لمجلس الشورى البحريني بهية جواد الجشي بأن لا تخرج ندوات المنتدى بتوصيات، بل بقرارات، حتى تقتنع بها النساء في كل مجالات عملهن، سواء كنّ برلمانيات أو مثقفات أو عاملات، لكي تكون للمنتدى بصمة واضحة في مسيرة المرأة العربية.
ورأت الجشي أن مفهوم الديمقراطية ما زال ناقصًا في العالم العربي، على الرغم من مشاركة النساء في كل تحرك سياسي، لكن يتم تهميشهن دائمًا. وتساءلت هل فعلاً استطاعت بلداننا العربية أن تدرس أسس الديمقراطية، وأشارت إلى أن التنوع في التجارب لكل بلد يخلق تفاعلاً، وهو أمر في غاية الأهمية. جانب من الحضور والمشاركين في منتدى أصيلة الصور بعدسة أسامة محمد
لكن عضو مجلس الأمة الكويتي رولا دشتي كشفت عن تشاؤمها لواقع المرأة العربية اليوم. ورأت أن العالم العربي يمرّ بأصعب مراحله، فبعض الدول تمر بها ثورات، وبعضها تنجز إصلاحات، لكن يجب أن تكون الحوارات صريحة ومن دون مجاملات. وأعربت دشتي عن تخوفها من مواصلة مرحلة التهميش للمرأة العربية، التي كانت سائدة قبل ثورات الربيع العربي، بل تخوفت من استبدال التهميش بالإقصاء، وبوادر الإقصاء واضحة جدًا اليوم. وقالت إنها تخشى من تعميم النظرة الدينية في المجتمعات العربية التي ستزيد من إقصاء النساء.
فيما كانت عزة كامل المقهور عضو المجلس الانتقالي الليبي أكثر تفاؤلاً من سواها، حيث رأت أن العرب يصنعون اليوم تاريخ المستقبل للأجيال المقبلة. وستتحول ثورات الربيع العربي إلى تأريخ. وقالت في لغة أقرب للانتخابية إن ليبيا ستشهد يوم السابع من شهر تموز/يوليو الجاري أول انتخابات منذ عام 1965، حيث لم تجر أي انتخابات، ولو كاذبة، ليشعر الليبيون، لو وهمًا، بأنهم يمارسون فعلاً انتخابات رمزية.
أما اليوم فشوارع طرابلس وبقية مدن ليبيا تتزاحم فيها صور النساء سافرات ومحجبات ومنقبات مع الرجال بعدما كسرت المرأة الليبية الحواجز ونزلت إلى الميدان. لكنها شكت من قلة عدد النساء (اثنتين فقط) في المجلس الانتقالي الليبي. فيما الثورة الليبية انطلقت من خلال دعوات وتشجيع النساء.
وطالبت بأن تكون نسبة من وجود الحد الأدنى للنساء في البرلمان أي نسبة إجبارية (كوتة). وتساءلت عن سبب إلغاء المادة الثامنة والعشرين في الدستور المصري، ولم يعترض أحد عليها، وهي كانت تخص وجود حد أدنى لتمثيل النساء في البرلمان المصري.
لعل بشرى بلحاج حميدة مؤسسة ورئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات كانت الأكثر صراحة بين المتحدثات بحديثها عن محاسن ومساوئ النظام السابق في تونس، والذي سبقه أيضًا، حين امتاز بقانون الأحوال الشخصية، وحافظ عليه، وظل القانون محل فخر للتونسيات، خاصة طول مرحلة ما بعد انتهاء الاستعمار.
وتساءلت هل ستضاف مكاسب للمرأة التونسية بعد الثورة؟، فالنظام الماضي كانت له محاسن توازي المساوئ، خاصة في مجال التعليم ووضع المرأة. ورأت أن هناك عراكًا في تونس، على الرغم من التفكك الحاصل اليوم. عراك للإبقاء على المكتسبات المتحققة من النظام السابق، وعراك على إلغاء تلك المكتسبات. وقالت إن أي تراجع لوضع المرأة في تونس هو تراجع لأوضاع كل النساء العربيات.
وستتواصل ندوات المرأة والديمقراطية في العالم العربي حتى الخامس من شهر تموز الجاري ضمن فعاليات موسم أصيلة بدورته الرابعة والثلاثين الممتدة حتى الخامس عشر من الشهر الحالي.
يذكر أن موسم أصيلة الثقافي الدولي تأسس في عام 1978، وتقرر منذ خمس سنوات اختيار دولة لتكون ضيف شرف، حيث كانت دول المكسيك والبرتغال والإمارات العربية المتحدة والكويت استضافته. ويعتبر الموسم مناسبة لمشاركة أكبر عدد من فعاليات الدولة الضيف وبمثابة مهرجان خارج حدودها. وأحدث منتدى أصيلة نقلة ثقافية وإشهارية لمدينة أصيلة المغربية الصغيرة منذ انطلاقته حتى الآن. ويفتح حوارات مشتركة بين شرائح متنوعة من الساسة والباحثين والأدباء.