بعيدا عن التوصيفات السياسية للحدث الذي أثار ضجة في الأوساط المغربية والبلجيكية نتيجة مزحة بنكيران مع وزيرة العدل البلجيكية خلال اجتماع 11 أبريل مع الوفد الوزاري، الذي ضم وزيرة العدل في الحكومة البلجيكية "أنيمي تيرتيلبوم" إلى جانب زميلها "ديديي رينديرس" وزير الشؤون الخارجية، حيث قال بنكيران لوزير الخارجية البلجيكي بأنه "يتقن الفرنسية جيدا فكان من غير المفيد اصطحاب مترجمة معه"، وهو ما اعتبرته وزيرة العدل إهانة شخصية في حقها. وما أعقب هذا الحادث من تعليقات عدة سخر بعضها من دبلوماسية رئيس الحكومة المغربي، وانتقد بعضها "سلوكاته التهريجية"، في حين اعتبر البعض الآخر أن مثل هذه الأخطاء من شأنها تهديد العلاقات المغربية الأوربية، وهو ما ذهب بأحدهم إلى حد مطالبة السيد رئيس الحكومة بتقديم استقالته لضعف حنكته السياسية، بدل تقديم اعتذاره للوزيرة. وبعيدا عن هذه التعليقات وتوظيفاتها السياسية أقدم للسيد بنكيران وصية نبوية لعله غفل عنها، أو غابت عنه في زحمة الضربات الموجعة التي يصبح ويمسي متحملا أوجاعها تحت الحزام وفوقه، من هذا الطرف وذاك، ومن الحليف والشريك السياسي قبل الخصم والمعارض، وصية لو عمل بها لما احتاج أن يعتذر، ولو عمل بها في كثير من تصريحاته (أو ما يسميه البعض قفشاته الإعلامية غير المحسوبة) لما وصل إلى ما وصل إليه. ففي وصية ثمينة موجزة قدمها النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل أتاه يسأله إياها قال عليه الصلاة والسلام: " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع، ولا تكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عما في أيدي الناس "(1)، والشاهد عندنا أوسط الحديث -ولو انه حديث جامع أعود إليه في موضوع لاحق لاستخلاص التربية النبوية في العبادة والمعاملة- حيث يوصي النبي صلى الله عليه وسلم السائل، وعبره المسلمين كافة، باجتناب كافة ما يمكن أن يعتذر منه الإنسان في القول، كما في الفعل، وهو ما تؤكده رواية الطبراني، حيث قال عليه السلام: "وانظر إلى ما تعتذر منه من القول والفعل فاجتنبه" (2). فها هي ذي الوصية بين يديك، والأمانة على عنقك، والأمة تنتظرك، والحساب في الدنيا مع اللوم مصيرك قبل الآخرة، أقدمها لك خالصة راجيا أن يكون اعتذارك هذا من قولك أرحم من اعتذارك بعد سنوات عن فعلك حين حزمت أمرك وألزمت نفسك وغيرك بحقائب فارغة، تحسبها وبعض الناس عامرة وليست كذلك، فإن أنت علمت أنك على الصواب وأيقنت منه مع خويصة نفسك بعيدا عن أضواء الشاشة، فأرجو ألا تعتذر مجددا، وإن أبدت لك اللعبة عوراتها، فأرجو أن تسترها وتجدد وضوءك وتقصد المسجد لتتمم بقية الوصية بصلاة مودع، وإن كنت الموفق والمسدد فلتجمع اليأس مما في أيدي الناس. ----------------------------------------------------- (1) سنن ابن ماجه، كتاب الزهد باب الحكمة، حديث : 4168 24065. (2) المعجم الكبير للطبراني، حديث : 5323.