لم تكن جماعة العدل والإحسان بحاجة إلى الإعلان عن مقاطعة الانتخابات، لأن موقفها من الديمقراطية معروف مسبقا، ولا يقتضي أن تصدر بلاغا، أو تعلن عن قرار، أو تتخذ موقفا، مادام الجميع يعلم أنها تراهن على "قومة" مزعومة، وليس على مؤسسات منتخبة. ومهما اجتهدت الجماعة في تبرير هذه الدعوة، وتفننت في "تسويق الوهم" بشأنها، فإنها لن تجد أدنى صدى لها، لعدة أسباب منها: أولا: أن الجماعة لا تؤمن بالديمقراطية أصلا، بل بالشيخ والمريد، ودولة الخلافة. من ثمة لا يحق لها أن تنتقد ديمقراطية لا تريد الانخراط فيها، لأنها لا تؤمن بالتغيير من داخل المؤسسات بل بالتغيير بالأحلام والرؤيات، وهذا ليس هو "التغيير الحقيقي" الذي ينشده المغاربة. ثانيا: أن العدل والإحسان، لم تجد أسسا منطقية بمقدورها الإقناع بصحة مثل هذا الخطاب، فهي تارة تربط الدعوة إلى المقاطعة بالرغبة في تأكيد رفض الجماعة لنتائج الاستفتاء، وتارة بالحرص على الاستمرار في دعم حركة 20 فبراير، وتارة أخرى بكون البطاقة الوطنية ليست ضمانة كافية لنزاهة الانتخابات، وهو تضارب صارخ في التبرير، تلجأ له الجماعة بهدف التضليل، لأن الأساس الذي تبني عليه المقاطعة في الواقع بعيد كل البعد عن هذه العناصر الثلاثة، ويكمن أساسا في رفضها لأية تجربة ديمقراطية، وفي هذا السياق تأتي مقاطعتها للدستور لأنه يؤسس دولة الحق والقانون، لا لدولة "القومة" و "الخلافة". ثالثا:أن المغرب يشكل بالفعل استثناء، وتعامل بحكمة وروية مع الحراك الشعبي، في الوقت الذي كانت تراهن فيه الجماعة على "تنظيف الشوارع بالدماء"، غير أن لا أحد انساق وراء هذه المناروة. رابعا: أن التغيير الحقيقي لا يتأتى بمقاطعة الانتخابات، وإنما بالانخراط في بناء المؤسسات. ولا شك أن العدل الإحسان تخشى أن تضع نفسها على محك المشاركة، لأن ما تدعيه من سند شعبي لا وجود له على أرض، ولأن "اللعب" الذي تمارسه أصبح مفضوحا أكثر من اللازم، وبالتالي لم تعد تجد من يصدق وعودها الكاذبة. أما الهروب إلى الأمام و "تسبيق العصا قبل الغنم" فحيلة مألوفة يلجأ إليها من اعتاد التدليس، وإلباس الحق بالباطل. خامسا: أن الجماعة تربط الديمقراطية بإرجاع المطرودين والموقوفين من "نشطائها" إلى عملهم، علما أن هناك مساطير وقوانين تحكم التشطيب من أسلاك الوظيفة العمومية، كما تحكم العودة إلى العمل. ويبدو أن العدل والإحسان تريد القفز على كل ذلك، وإلا استمرت في ابتزاز الدولة.