هل يمكن ان يعود الارهاب الجهادي الى مصر بعد سقوط نظام مبارك؟ كان الرئيس المصري السابق قد توكأ طويلا على انجازاته في مواجهة الجماعات الاسلامية الاصولية التي تتوسل بالعنف داخليا، والمساهمة الفعالة في الحملة العالمية لمحكافحة الإرهاب، وحصل على دعم دولي غير محدود بسبب تلك السياسة التي كانت مثار جدل وخلاف في مصر. ثم اسباب معقولة لطرح هذا السؤال بعد الذي حدث في مصر خلال الاسابيع الثلاثة الماضية فقد هرب حوالي 17 ألف سجين من سبعة سجون مصرية تم اقتحامها وكسر اقفالها واطلاق سراح المسجونين فيها. لا احد يعرف بالتحديد عدد اعضاء الجماعات الاسلامية والجهادية الذين هربوا منها لكن المئات منهم قد فعلوا بالتاكيد. بعضهم ينتمي للجماعة الاسلامية المصرية التي تخلت عن العنف منذ وقت طويل ونشرت مراجعات فقهية مطولة انتهت لاعلان نبذها للعنف. ولحق بها في ما بعد عدد كبير من اعضاء تنظيم الجهاد الذي كان يقوده ايمن الظواهري. لكن قلة من الذين كانوا في السجون رفضت نبذ العنف، او رفضت الطريقة التي تمت بها المراجعات المؤدية للتخلي عن استخدام العنف. كما تشير بعض التقارير عن وجود جماعات صغيرة تابعة لتنظيم القاعدة ربما يكون بعض اعضائها قد هربوا من السجون ايصا. وكان عمر سليمان نائب الرئيس المصري السابق ورئيس جهاز المخابرات قد حذر قبل تنحي مبارك بيومين من مخاطر هروب جهاديين كبار من السجون المصرية ابان الانتفاضة المصرية، فيما قال جيمس شتانبيرف نائب وزيرة الخارجية الأمريكية ان حكومته تراقب عن كثب مصير الجهاديين والاصوليين الذي يحتمل ان يكونوا قد هربوا من السجون المصرية.
مما اعاد هذه المخاوف للاذهان ظهور اللبناني سامي شهاب الذي هرب من سجن النطرون شمال القاهرة الي جانب حسن نصرالله زعيم حزب الله اللبناني في احتفال في بيروت امس. وكان سامي شهاب قد أدين وحكم عليه بالسجن المؤبد بتهمة التآمر لارتكاب اعمال ارهابية ضمن خلية تابعة لحزب الله في مصر. ومما يفاقم هذه المخاوف أن جهاز مباحث امن الدولة الذي كان يتولى ملاحقة الجماعات الجهادية ورصد نشاطاتها قد تعرض لضربة موجعة اثناء الانتفاضة مما يعطل قدراته لحد كبير وربما يمر وقت طويل قبل ان تستعيد الشرطة ومباحث امن الدولة وكل اجهزة وزارة الداخلية لياقتها المعنوية والفنية والعملياتية، وقد ترتخي خلال هذا الوقت القبضة الامنية التي اشتهرت بها مصر مبارك.
وقد نظمت الجماعة الاسلامية بالفعل احتفالا كبيرا ضم المئات من اعضائها هذا الاسبوع في اسيوط وشهد الاحتفال العلني الذي اقيم في دار لجمعية خيرية اسلامية القيادي المعروف في الجماعة ناجح ابراهيم الذي ساهم في كتابة المراجعات. يضاف إلى كل ذلك اجواء الانفراج والانفتاح التي تسود مصر حاليا وإعلان المجلس الاعلى للقوات المسلحة الحاكم عن عزمه على الغاء حالة الطوارئ التي تحكم مصر منذ ثلاثين عاما قبل اجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة. هذه الاجواء قد تشجع الكثير من القوى السياسية الهامشية ومن ضمنها الجهاديون على اعادة تنظيم صفوفهم وفق الصيغ القديمة او اعتماد وسائل جديدة للعمل.
لكن كثيرا من المصريين يرون ان مخاوف عودة الارهاب الي مصر مبالغ فيها بل وربما لا تكون واردة على الاطلاق. الاسلامي المعتدل ابو العلا ماضي احد مؤسسي حزب الوسط يرى ان "الجماعات الاسلامية المسلحة الكبيرة قد اعلنت تخليها عن العنف منذ وقت طويل ولم تبق مجوعات لها ثقل او وزن تستخدم العنف. كما ان الشعب المصري الذي رأيناه يخرج لحماية امنه ويتصدي للانفلات في غياب الاجهزة الامنية لن يسمح بعودة اية جماعة للعنف لأي سبب، كما أن القمع الوحشي للأجهزة الامنية الذي كان يغذي العنف سيتراجع إلى ان ينتهي تماما." ويضيف أبو العلا ماضي في حديث لإذاعة هولندا العالمية "لا احد يريد ان يفسد العرس الديموقراطي الذي تشهده مصر وقد اتصلنا بالجماعة الاسلامية التي احتفلت في اسيوط وطلبنا منها ان توقف اية انشطة مثل هذه وقد تفهم قادتها مطلبنا ووعدوا بتلبيته على الفور."
اما الباحث المصري العلماني د. حلمي شعرواي فيذهب إلى أن مثل هذه المخاوف تصب في مجرى تخويف العالم بالاسلام والاسلاميين التي يروج لها الامريكان والغرب، ويعتقد ان الجماعات الاسلامية الاصولية لن تعمد إلى العنف في ظروف الانفراج والحريات الجديدة وأن الشارع المصري نفسه اصبح قادرا على التصدى لاية افكار مثل هذه. ويضيف ان جهاز الدولة المصري ومؤسساته الامنية لم تنهار وقادرة على مواصلة عملها العادي في هذا الصدد، وسيواصل الجيش المصري التعاون مع حلفائه الدوليين كما كان في السابق.
ويرى القيادي في جماعة الاخوان المسلمين عصام العريان، الذي تحرر من سجن النطرون ايضا بعد اندلاع الانتفاضة فيرى ان زمان العنف قد ولى إلى غير رجعة هذه الحركات كانت تسعي للتغيير بالقوة وبعضها كانت من صنع النظام وقد رأت بنفسها وشهدت ان الشعب انجز التغيير سلميا ولعلها تتعلم من هذا الدرس أن زمن العنف مضى بالفعل، وينفي العريان بحزم ان يكون لتنظيم القاعدة وجود في مصر.