في الوقت الذي طورت فيه الإنسانية قوى الإنتاج إلى درجة جد متقدمة، والتي يمكنها أن تؤدي الى القضاء نهائيا على أي خصاص في وسائل العيش، من تغذية وصحة وسكن واتصالات وتعليم، ... الخ، في مختلف أرجاء العالم، نلاحظ أن هذه القوى والقدرات الإنتاجية الهائلة أصبحت جامدة ومحطمة بفعل التناقضات الداخلية لعلاقات الإنتاج الرأسمالية. فساكنة العالم تحتاج الى كل شيء، بينما البرجوازية تعاني من أزمة فائض الإنتاج الرأسمالي. ففي الدول الصناعية الرئيسية تجاوز عدد العاطلين جميع الأرقام القياسية المسجلة منذ الحرب العالمية الثانية. وأصبح نمو عدد العاطلين في تسارع مستمر حيث أصبح يقذف بحوالي نصف مليون عاطل في كل شهر في الولاياتالمتحدةالأمريكية. نفس الأرقام القياسية ونفس التسارع نلاحظه حاليا في للعديد من الشركات متعددة الاستيطان وفي العديد من الدول التي أشرفت على الافلاس المالي. كما تضاعفت المجاعات وهيمنة على العديد من البلدان المتخلفة. لقد أقفلت المصانع أو اشتغلت بجزء صغير جدا من طاقتها الإنتاجية (بأقل من 70 في المائة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبأقل من 50 بالمائة في مجال صناعة الصلب في أوروبا)؛ كما يتم تدمير الفوائض الفلاحية وتتم المضاربة على أسعار المواد الأولية، الغذائية منها والصناعية، فترتفع الأسعار تارة وتنهار بسبب تناقص المشترين تارة أخرى. إن وهم الخطاب الرسمي الذي يدعي “بأننا في نهاية النفق” استبدل بمقولة “يجب أن الاستعداد لسنوات التقشف والصرامة والتضحية” والذي لا يعني شيئا سوى المزيد من الضغط على الطبقة العاملة واستنزاف آخر مكتسباتها. الحقيقة الصارخة تؤكد أن هذه التطورات ليست “طبيعية” كالنقص في الطاقة أو في المواد الأولية، بكونها تجمد القوى الإنتاجية: فالتجار الدوليين لا يعرفون ماذا يفعلون بمخزونات البترول أو الحليب غير المباع. كما انها لا تتعلق بنقص في قوى العمل من حاملي الشهادات أم لا: فالعطالة تطال في نفس الوقت العمال الأميين والحاملين للشهادات الجامعية. ولا يتعلق أيضا بنقص في الإبداع التقني: فالقطاعات الأكثر تقدما في الصناعة الحديثة “فالسيليكون فالي” الكاليفورنية، وهو المكان المتقدم في العالم من الناحية الإلكترونيك المتقدم في العالم، يعرف يتعرف لأول مرة عدوى العطالة. وليس الأمر في الأخير بسبب نقص في “السياسة المناسبة للتدبير الرأسمالي”. فجميع الوصفات السياسية الاقتصادية أفلست: فالسياسات الريغانية النيوليبرالية التي أعلنت انطلاقتها في اطار من الصرامة والتوازن الموازناتي والتي اعتمدتها مختلف البورجوازيات الحاكمة لدول العالم ومنها بلادنا بشكل أعمى، لم تحقق لا انطلاقة اقتصادية ولا توازن: ففي الولاياتالمتحدة تراجع الإنتاج بقوة وتعمق عجز ميزانية الدولة ليشكل أكبر عجز في تاريخ البلاد وفي العالم. السياسات التي اعتمدتها الحكومات البسارية والحكومات اليمينية على السواء والتي اعلنت انطلاقتها في عهد ميتران عن طريق الزيادة في الاستهلاك الشعبي وعجز الميزانية العامة، نجحت فقط في حفر المزيد من عجز الدولة، لكن النمو الصناعي في فرنسا واصل تفتته بنفس القدر لمستوى معيشة العمال وتعمق مع الحكومات اليمينية حتى عهد ساركوزي. إن الأزمات المتزايدة تعمق وعي البروليتاريا بإن نمط الانتاج العالمي الرأسمالي هو سببها حيث التناقض أصبح صارخا بين قوى الانتاج المتطورة وعلاقات الإنتاج المتخلفة . فمنذ بداية القرن العشرين، تعيش الإنسانية النهاية التاريخية لقوانين الإنتاج الرأسمالي، حيث انطلق تدمير البرجوازية للعالم تشبثا بالبقاء بحربين عالميتين دهب ضحيتهما حوالي 80 مليون نسمة من البروليتاريين. وسواء أرادت ذلك أم لا فإن الطبقات البروليتاريا المستغلة، تجد نفسها في مواجهة مع القضايا التي يطرحها أفق أصبح متلبدا بالغيوم والعواصف الثورية، وتعتبر أحداث اليونان احدى الإرهاصات الأولية للعواصف الثورية المقبلة.