يعد الأول من أبريل/نيسان من كل عام يوم الحيَّل والأكاذيب التي يطلقها بعض الأشخاص لإيقاع أصدقائهم ومعارفهم بمواقف طريفة ومضحكة، وينتشر هذا التقليد في معظم بلدان العالم، باختلاف ثقافاتها. ويطلق على هذا التقليد باللغة العربية اسم “كذبة أبريل” أو “كذبة نيسان”، بينما يسميه الألمان “دعابة أبريل”، ويسمى بالإنجليزية “يوم المغفلين”، أما الفرنسيون، فيطلقون عليه اسم “سمكة أبريل”. وتختلف الآراء حول أصل هذا التقليد ومتى بدأت ممارسته لأول مرة، ويرجعه البعض لعيد فارسي قديم بينما يعتبره البعض الآخر تقليد روماني، بينما يشبهه آخرون بأحد الأعياد الهندية التقليدية. لكن القصة الأرجح هي تلك التي ترجع أصل هذا التقليد إلى القرن السادس عشر، وتحديداً إلى عام 1564، عندما أدخل الملك الفرنسي شارل التاسع تقويم سنوي جديد وغير بداية السنة من أول أبريل/نيسان إلى أول يناير/كانون الثاني. وبينما قبل بعض الأشخاص هذا التغيير بسهولة، فقد استمر البعض الآخر في إرسال الهدايا لأصدقائهم في أول أبريل/نيسان. وتحولت تلك الهدايا تدريجيا، لتصبح الهدايا عبارة عن نوع من الدعابة، كأن يرسل أحدهم قطع حلوى مملحة، أو سمك فاسد، ومن هنا سميت في فرنسا “سمكة أبريل”. ومع مرور الوقت لم يعد الأمر يتوقف على تقديم الهدايا الوهمية، لكنه تحول إلى التفنن في إطلاق الأكاذيب المختلفة لإيقاع الآخرين في مواقف طريفة ومحرجة. ولقي هذا التقليد إقبالاً كبيراً وانتشر في عدد من دول العالم، خاصة بين فئة الشباب، الذين يتفننون في إيجاد الأفكار للمزاح مع أصدقائهم وعائلاتهم. وتحرص الشابة الألمانية ليزا على هذا التقليد، فهي تجده وسيلة لطيفة للترفيه، لكن بشرط أن تكون المزحة غير مزعجة للآخرين، ويوافقها الرأي ماتياس، الذي يحب هذا التقليد طالما كان هو الذي يقوم بالكذب، أما إذا قام أحد أصدقائه بإيقاعه في موقف ما، فهو يجد الأمر “مستفزاً”. وكثيراً ما يكون المدرسون هم ضحايا تلك الكذبة التي يطلقها التلاميذ بالاتفاق فيما بينهم. ويلقى هذا التقليد أيضاً اهتماماً بين الشباب العرب، فالشابة السورية مايلة تعتقد أنه منتشراً بكثرة في سوريا، خاصة بين المراهقين، وهي تعتبره “شيئاً لطيفاً وفرصة للضحك، على شرط احترام تقبل الشخص لهذا المزاح”. وتوافقها الرأي حليمة من الجزائر، والتي تعتقد أن هذا التقليد منتشر بكثرة في بلادها، وهي شخصياً تعتبره فرصة لإدخال جو من المرح بين الأصدقاء، لكنها تشير إلى أهمية أخذ الحالة النفسية للشخص في عين الاعتبار، وتروي في هذا السياق قائلة: “لقد قمنا مرة بالكذب على مدرسة لنا، وكانت في ذلك اليوم مريضة وحالتها النفسية سيئة، فأدت كذبتنا إلى أن سقطت المدرسة مغشياً عليها”. ويبدو أن الكذب في أول أبريل/نيسان قد أصبح مباحاً بين كل فئات الشعب، حتى وصل إلى السياسيين والفنانين بل وإلى وسائل الإعلام التي أضحت تطلق الأخبار غير الصحيحة في ذلك اليوم. ومن أطرف تلك الأخبار، هو خبر أذاعته إحدى الإذاعات الأمريكية في عام 1992، مؤكدة أن ريتشارد نيكسون سيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية، وأن شعاره هو : “لم أفعل شيئاً، ولن أكرر هذا الأمر ثانية”. أما في عام 1999 فقد زعمت إذاعة بريطانية أن النشيد الوطني سيتم تغييره، واستبداله بنشيد باللغة الألمانية، فتلقت الإذاعة آلاف المكالمات الهاتفية لمستمعين مصدومين من الخبر! وفي ألمانيا أعلنت إحدى الإذاعات منذ بضع سنوات عن احتياج القناة التي تربط بحر الشمال ببحر البلطيق لمساعدة مائية لأنها ستجف في غضون الأيام القادمة مطالبة سكان المنطقة بإحضار الماء يومياً لإعادة ملئها وحمايتها من الجفاف! وليس كل ما تنشره الصحف طريفاً، فقد نشرت إحدى الصحف الرومانية أن سقف محطة سكة حديد في العاصمة قد سقط على مئات المسافرين، وقتل العشرات، فأصيب الشعب في ذلك اليوم بفزع شديد! لكن صدور هذه الفكاهات والأكاذيب عن وسائل الإعلام لا يلقى ترحيباً كبيراً بين صفوف الشباب، فالشابة الألمانية يوهانا تجد أن “كذبة أبريل أمر مقبول طالما يتم بين الأصدقاء” لكنها تعتبر وصول هذا الأمر إلى وسائل الإعلام “استهتاراً وأمراً في غير محله”. وتوافقها الرأي الجزائرية حليمة، وكذلك مايلة من سوريا، والتي ترى أن قيام وسائل الإعلام بنشر الأكاذيب قد يتسبب للناس في قلق لا ضرورة له. أما الصحفي المغربي الشاب رضا، فهو يعتبر أن وسائل الإعلام “تستغل هذه المناسبة، كما تستغل كل المناسبات للترويج لنفسها والزيادة من مبيعاتها”. لكن رضا لا يعتقد أن هذا التقليد يلقى رواجاً كبيراً في المغرب، سواء في وسائل الإعلام أو بين أوساط الشباب. كما أنه يظن أن هذه العادة منتشرة فقط بين المراهقين وصغار السن، ويوافقه الرأي الألماني ابسن، الذي كان يمارس هذا التقليد فقط عندما كان طفلاً في المرحلة الابتدائية. من ناحية أخرى يؤكد رضا على أن الكذب هو صفة إنسانية، وأن الكثيرين يستغلون فكرة “كذبة أبريل” لتبرير هذا الأمر، وهو يعتقد أن ظاهرة انتشار “كذبة أبريل” بحاجة إلى بحث اجتماعي، لمعرفة السبب الذي يدفع الناس إلى الكذب. لكنه يضيف: “مازلت أعتقد أن انتشار الكذب في أبريل أمر مبالغ فيه، فالكذب منتشر دائماً، ولكن قد يستخدم البعض عبارة (كذبة أبريل) للتخفيف من غضب الشخص الذي تعرض للكذب”. مراكش بريس 2010/ د.ف – سمر كرم