مراكش: المدينة التي تضرب بجذورها في عمق التاريخ، والمعروفة في الذاكرة الشعبية ب “وريدة بين النخيل” ويقصدها العديد من السياح “مواطنون وأجانب” فيعجبون بجمالها وروحها الشعبية وفضائها العجيب والمتباين والمصنف ضمن التراث العالمي من ساحة “جامع الفنا” إلى الأسواق، ومن الدروب والحارات إلى الجنائن والرياضات من المباني العصرية والعمارات الحديثة إلى مآثرها التاريخية والتواريخ الآثرية تكشف مراكش دائما عن عظمة حضارة مغربية أصيلة. مراكش الجميلة، ذات الجو المنعش الصحي، “والعراصي” الخضراء التي طالما تغنت بها قصائد الملحون ... وأهازيج الحرفيين و”عروبيات” الرعاة هذه المدينة الفاتنة بدأت تفقد نضارتها وعنفوانها الصحي في غفلة من الجميع، بسبب ما تعرفه من تطور عمراني منظم أو عشوائي، وبشكل هادئ أصاب بيئتها باختلالات في التوازن، إن لم تتدارك في الوقت المناسب، قد تصيبها بالإختناق وتصبح تكاليف العلاج جد باهضة ومرهقة. فما هي المشاكل البيئية التي تهدد مدينتنا “العزيزة” دون أن يشعر بها لا الزائر ولا المواطن القاطن بها؟ أكد متصرف بالمفتشية الجهوية للتعمير،جاء: إن العمران بصفة عامة كان منظما أو عشوائيا، هو تدخل في البيئة الطبيعية قد يخلخل توازنها، وأهم مهدد لمدينة مراكش هو: الإمتداد الحضري الذي تعرفه المدينة بشكل سريع ودائري ... الأمر الذي يؤثر سلبا على مخططات التعمير التي تحاول التخفيف من حدة الأضرار البيئية ... وكمثال على ذلك تلوث هواء المدينة الذي بلغ نسبة تهدد جودته، بسبب عوادم وسائل النقل المحلية والوطنية المجبرة على المرور وسط المدينة لغياب طريق محورية، والتي أصبحت الحاجة إليها جد ملحة أكثر مما مضى، والفرصة لتدارك إنجازها تتضاءل كثيرا ... مما يزيد من التكلفة في حالة تأخير إنجازها بالإضافة إلى ما يترتب عن مخلفات التلوث الهوائي من أمراض تهدد الصحة العامة. ونظرا لكون مدينة مراكش مرتبطة اقتصاديا واجتماعيا بالسياحة، فإن المدينة أصبحت بحاجة إلى تقوية الشبكة الطرقية المحيطة بها، بعد أن أصبحت البنايات الحالية للمطار والطرق غير كافية لاستيعاب الأفواج السياحية القادمة من داخل وخارج الوطن. في حين أشار إطار من مصلحة بالمجلس الجماعي لمراكش، “أنه بالإضافة إلى عوادم وسائل النقل، هناك ملفوظات النشآت الصناعية والإقتصادية وخاصة منها التقليدية: كالحمامات والأفران ومعامل الفخار وغيرها من النفايات التي تبعث الغازات السامة” ويضيف متسائلا: “ما الجدوى من الدراسات والمخططات التي تنجز إن لم تجد طريقها إلى التنفيذ؟” واستشهد بمشروع المونوغرافية البيئية المحلية لمدينة مراكش والذي أنجز منذ سنوات، وقد شخص هذا المشروع حالة البيئة بالمدينة آنذاك، واقترح لها حلولا، لم جد بعد طريقها إلى التنفيذ، مما يزيد من تعقيدها وتكاليف معالجتها، ومن أهم المشاكل البيئية التي تم تشخيصها: - النمو الديموغرافي والعمراني المطرد للمدينة وما يرافقهما من أنشطة تنموية تزيد من تفاقم المشاكل البيئية. - تدهور المجالات الخضراء والتراث المعماري. - ضعف البنيات التحتية والتجهيزات الأساسية وعدم مسايرتها للنمو الديموغرافي. - الهواء والماء: وهما يعتبران من أقرب الموارد الطبيعية التي تشعر الإنسان بخطورة اختلال التوازن البيئي، بما ينعكس عليه مباشرة بالإصابة بأمراض مرتبطة بتلوثها ... وهذان العنصران يشكل تلوثهما الوجه الآخر القبيح للتنمية التي عرفتها المدينة، وذلك لما يتعرض له هذان الموردان الطبيعيان من تدهور لعدة عوامل منها: التغيرات المناخية وارتفاع درجة الحرارة وعدم انتظام التساقطات المطربة ... إن تعرض الماء للإستغلال المتزايد الناتج عن النمو السريع للمدينة وما يرافقه من أنشطة اجتماعية واقتصادية تنموية، يخلف نفايات صلبة وسائلة تلقى في الطبيعة عشوائيا مما يهدد الفرشة المائية بالتلوث، كما هو الحال في منطقة العزوزية وعزيب العيادي، والأخطر هو استغلال هذه المياه العادمة في أنشطة فلاحية دون تصفية أو علاج ... علما أن مواد كيماوية كثيرة تستعمل في الأنشطة اليومية للسكان وفي الصناعات المتواجدة بالمدينة ومنها دباغة الجلود . وقد ذكر لنا مدير مدبغة عصرية، وهو تقني كيميائي أن أنشطة الدباغة تستعمل فيها أكثر من ثمانين مادة كيميائية منها: الكروم والفوسفاط والآزوت وغيرها وهي مواد تسبب تلوث المياه وتمنع الحياة بها ما لم تعالج، ويرى أنه يجب الإسراع ببناء محطة لتصفية المياه العادمة، والعمل على توعية الفاعلين الإقتصاديين في مجال الدباغة لإخراج مشروع محطة إزالة الكروم وإعادة تدويره، لما سيكون له من انعكاس إيجابي على البيئة، ومردود اقتصادي ومادي يساهم في ضمان الإستغلال الجيد للمحطة. إن الوضع البيئي بمراكش تدركه الجهات المسؤولة والمهتمة، ويدل على ذلك عددها الكبير،والمتنوع على مستوى الأوراش فهذا الكم من الفاعلين والمهتمين يجعل الأمل في الحفاظ على بيئة مراكش قائما . غير أنه يبقى ضعيفا ما لم يجد مساندة شعبية، ووعي جماهيري داخل أعماق الدروب الحارات والمركبات السكنية والبقع المهيئة للبناء، وما لم يتم تشبع الفكر البيئي والإيكولوجي لدى جميع مكونات المجتمع،من مزارعين وحرفيين وربات بيوت وناشئة وإدارات وتجار وأرباب مصانع ليصبح الحفاظ على البيئة وحمايتها من الملوثات سلوكا يوميا طبيعيا وتلقائيا لا تطبيعيا، يظهر في المناسبات المعدودة فقط، أو وسيلة لغرس تنمية الإستجداء تحت دريعة العمل الجمعوي. محمد القنور