زابريس : مراكشقال خوان غويتوصولو الكاتب الإسباني المقيم في مراكش وأحد المغرمين بساحة جامع الفنا، "يمكن إفناء ساحة جامع الفنا بقرار إداري، ولكن من الصعب إحداثها أو إحداث شبيه لها بقرار اداري"، وأضاف أن ساحة جامع الفنا ليست مجرد فضاء للتراث الشفهي، أو متحفا لامرئ يعشق القديم بل إنها أيضا أفق لمستقبل مراكش الذي يتطلع إليه سكان المدينة بكل الآمال والأماني فالمدينة بغير الساحة لا أهمية لها، وأشار غويتوصولو إلى أن أهمية ساحة جامع الفنا تعود إلى انها تأسست عبر التاريخ تلقائيا من طرف المجتمع المغربي ليس بقرار إداري أو بإرادة سياسية وهي اليوم رمز مراكش بل رمز المغرب يجب احترامها وحمايتها وهذه مسؤولية الإنسانية ومسؤولية العالم ككل. لقد تم الإعتراف بساحة جامع الفنا من طرف اليونيسكو كتراث شفهي إنساني، منذ العام 2002 عندما ترأس مديرها العام كوتشيرو ماتسورا الاحتفال الرسمي للإعلان في 18 مارس من نفس السنة معلنا بذات المناسبة أن اختيارها تم اعتبارا لحضورها الثقافي والحضاري عبر امتداد عميق في التاريخ جسد قيم التسامح والتعايش بين الثقافات والأديان، مركزا حيويا للتسوق والسياحة، كما أنها تجسد حقبة مهمة من تاريخ المغرب. وقد بنيت في عهد الدولة المرابطية خلال القرن الخامس الهجري كنواة للتسوق لكن أهميتها تزايدت بعد تشييد مسجد الكتبية بعد قرابة قرن كامل. واستغل الملوك والسلاطين في ذلك الوقت الساحة كفناء كبير لاستعراض جيوشهم والوقوف على استعدادات قواتهم قبيل الانطلاق لمعارك توحيد المدن والبلاد المجاورة وحروب الاستقلال. وساحة جامع الفنا هي عبارة عن فضاء واسع أرضيته من الإسفلت التي تحيط به مجموعة من الدكاكين والفنادق والمقاهي التي تعج بالناس ليل نهار . وتستمر التجمعات بالساحة وسط دهشة السياح الأجانب مما يقدم في الحلقات من غرائب الحركات البهلوانية والفكاهية وألعاب السيرك والسحر يتحلق حول أبطالها رواد يذكون أجواء الحماس بالتصفيق وعبارات الثناء. وتحيط بالساحة أسواق شعبية تاريخية حافلة بمختلف البضائع من الصناعات التقليدية المغربية كالمنحوتات والمنتوجات الجلدية واللباس التقليدي من القفطان والجلباب والزرابي وغيرها. وتثير ساحة جامع الفنا اهتمام وإعجاب المهندسين في العالم أجمع. يجمع المراكشيون على أن الساحة هي تجسيد للهوية المراكشية، وهي بمثابة العمق الوجداني والتاريخي للمدينة، ويفتخر سكان المدينة بأن الساحة تحولت إلى مركز حضاري بامتياز، ففيها تعلم الشباب لغات العالم، وحولوها إلى فضاء وقبلة للجميع، فلا يمكن أن يمر يوم دون أن تطأ أقدام االسياح هذا الفضاء الخلاب، بفضاءاته، ومعالمه، وتراثه الضارب في القدم، ويصر المراكشون الذين التقيناهم اليوم في الساحة على التأكيد على أن الإعتداءات التي وقعت لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمحو تلك الصورة الجميلة التي توراثها الأبناء عن الآباء، زذهب البعض إلى القول، إن استهداف الساحة هو استهداف للمدينة ككل. في السماء تجمع مئات المراكشيين في الساحة رافعين اللافتات، المنددة بهذا العمل الإرهابي، لينضم إليهم عشرات السياح الأجانب، الذين رأوا في هذا التضامن الشعبي أسمى رسالة يمكن ألأن يوجهها المغاربة، لتلك الفئة من الخونة الذين قتلوا بدم بارد أبرياء، كل ذنبهم أنهم تواجحدوا في ذلك الصباح بمقهى أركانة، التي اكتسبت شهرتها على العالم أجمع، يقول أحد السياح، "لا يمكن أن أحضر إلى مراكش من دون أن أمر على أركمنة، وفي كثير من ألأحيان كنا نستغل سقفها الواسع من أجل استلهام الساحة"، لقد كانت توفر لنا جوا شاعريا يضيف فرنسي استهواه جمال مراكش فتحول إلى مدمن على أزقتها ودروبها الضيقة، يقول فيليب " منذ أربع سنوات احضر إلى المغرب، وأزور بالتحديد مدينة مراكش، هذه المدينة وفرت لي الراحة والإطمئنان، ومنحتني إحساسا بالإنتماء إلى هذا العالم، فهي فضاء لتلاقح الحضارا". لعل سكان مراكش أصيبوا بالهلع بعد الإنفجار، لكن أبدا لن يتخلوا على ساحة جامع الفنا، التي تعتبر القلب النابض للمدينة الحمراء، وأكيد أن مقهى أركانة ستضل قائمة في مكانها، لتشهد على أنه في يوم 28 أبريل مر من هنا منجرم، نزع من قلبه كل قيم التسامح الديني ليفجر أجساد أناس أبرياء.