الرباط: المغرب والشيلي يلتزمان بتعزيز تعاونهما في كافة المجالات    الحكم على الرئيس الفرنسي السابق ساركوزي بوضع سوار إلكتروني لمدة عام        بني ملال ..إجهاض عملية للتهريب الدولي لثلاثة أطنان و960 كيلوغراما من مخدر الشيرا    مديرية الأمن تطلق خدمة الطلب الإلكتروني لبطاقة السوابق    محكمة النقض ترفض طعون المتهمين في ملف "كازينو السعدي" فاسحة الطريق لتنفيذ العقوبات    وداعا أمي جديد الشاعر والروائي محمد بوفتاس    مزراوي يحقق ارتفاعا قياسيا في قيمته السوقية مع مانشستر يونايتد    فاس.. انطلاق أشغال الدورة العادية السادسة للمجلس الأعلى لمؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة    زيان يسقط فجأة خلال محاكمته ويُنقل للإسعاف    المغرب وإسبانيا يعيشان "أفضل لحظة في علاقاتهما الثنائية" (ألباريس)    بوريطة: نحن بحاجة إلى "روح الصخيرات" في هذه المرحلة الحاسمة من الملف الليبي        الناظور.. ارتفاع معدل الزواج وتراجع الخصوبة    الملك محمد السادس يهنئ أمير دولة قطر بالعيد الوطني لبلاده    حفل توقيع "أبريذ غار أوجنا" يبرز قضايا التعايش والتسامح    توقعات أحوال الطقس ليوم غد الخميس        حوادث السيارات: أطلنطاسند تقلّص مدة الخبرة والتعويض إلى 60 دقيقة فقط!    الرجاء يعين عبد الصادق مدربا مساعدا    رياضية وطبيبة… سلمى بوكرش لاعبة المنتخب الوطني تنال الدكتوراة في الطب    أزمة اللحوم الحمراء بالمغرب بين تراجع الأغنام وسياسات الاستيراد        العدالة والتنمية: تصريحات أخنوش في البرلمان تؤكد حالة تنازع المصالح وتضرب مصداقية المؤسسات    مزور يشرف على انطلاق أشغال بناء المصنع الجديد لتريلبورغ بالبيضاء    جمعيات تعبر عن رفضها لمضامين مشروع قانون التراث الثقافي    الوداد يعلن عن منع جماهيره من حضور مباراة الكلاسيكو أمام الجيش الملكي    تداولات الافتتاح ببورصة الدار البيضاء    الجواهري: سنكون من أوائل الدول التي ترخص العملات المشفرة    المفوضة الأوروبية لشؤون البحر الأبيض المتوسط: المغرب شريك أساسي وموثوق    عزيز غالي.. "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" ومحدودية الخطاب العام    الجمعية العامة للأمم المتحدة تتبنى قرارها العاشر بشأن وقف تنفيذ عقوبة الإعدام    اختيار الفيلم الفلسطيني "من المسافة صفر" بالقائمة الطويلة لأوسكار أفضل فيلم دولي    تطوان تُسجّل حالة وفاة ب "بوحمرون"    مزرعة مخبرية أميركية تربّي خنازير معدلة وراثيا لبيع أعضائها للبشر    علماء يطورون بطاطس تتحمل موجات الحر لمواجهة التغير المناخي    الطلب العالمي على الفحم يسجل مستوى قياسيا في 2024    بنك المغرب…توقع نمو الاقتصاد الوطني ب 2,6 بالمائة في 2024    الالتزام ‬الكامل ‬للمغرب ‬بمبادرات ‬السلام ‬‮ ‬والاستقرار ‬والأمن    استهداف اسرائيل لمستشفيات غزة يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية    مقر الفيفا الأفريقي في المغرب.. قرار يعزز موقع المملكة على خارطة كرة القدم العالمية    الكعبي عقب استبعاده من جوائز الكرة الذهبية: "اشتغلت بجد وفوجئت بغيابي عن قائمة المرشحين"    شباب مغاربة يقترحون حلولا مبتكرة للإجهاد المائي    حماس تصف محادثات الدوحة حول الهدنة بأنها "جادة وإيجابية" وإسرائيل تنفي توجه نتانياهو للقاهرة    كأس إيطاليا: يوفنتوس يفوز على كالياري برياعية ويتأهل لربع النهاية    دبي تطلق خدمة التوصيل بالطائرات بدون طيار الأولى من نوعها في الشرق الأوسط    كيفية تثبيت تطبيق الهاتف المحمول MelBet: سهولة التثبيت والعديد من الخيارات    حاتم عمور يطلب من جمهوره عدم التصويت له في "عراق أواردز"    كنزي كسّاب من عالم الجمال إلى عالم التمثيل    السينما الإسبانية تُودّع أيقونتها ماريسا باريديس عن 78 عامًا    السفير الدهر: الجزائر تعيش أزمة هوية .. وغياب سردية وطنية يحفز اللصوصية    دراسة: الاكتئاب مرتبط بأمراض القلب عند النساء    باحثون يابانيون يختبرون عقارا رائدا يجعل الأسنان تنمو من جديد    للطغيان وجه واحد بين الدولة و المدينة و الإدارة …فهل من معتبر …؟!!! (الجزء الأول)    حماية الحياة في الإسلام تحريم الوأد والإجهاض والقتل بجميع أشكاله    عبادي: المغرب ليس بمنأى عن الكوارث التي تعصف بالأمة    توفيق بوعشرين يكتب.. "رواية جديدة لأحمد التوفيق: المغرب بلد علماني"    توفيق بوعشرين يكتب: "رواية" جديدة لأحمد التوفيق.. المغرب بلد علماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجنون ليبيا
نشر في مراكش بريس يوم 03 - 03 - 2011

لاشك أن للجنون أسباب ودوافع،منها ما قد يعجز الطب الحديث عن فك شفرته. كما لا شك أن العظمة وتضخمها مرتبط بأنانية الشخص وهي لا تقتصر على الإنسان فقط، بل هي قاسم مشترك بين البشر والحيوانات. إلا أن الله سباحنه أعطى العقل للإنسان ليكبح أنانيته الزائدة ويوظفها خير توظيف وبتعقل.
وإني لا أريد أن ألعب دور المحلل النفسي للظواهر، بقدر ما أريد الإشارة إلى خطورة الحالة النفسية للشخص عندما تجتمع فيه العلتان: أي الجنون والعظمة. فإذا كان الجنون من الصفات التي تصيب بعض البشر، فإن العظمة من صفات الله الحسنى. لكن من فرط الانانية وتضخمها والمغالاة في تقديس الذات البشرية إنتقلت الكلمة من معنى الآنا العليا إلى صفة العظمة وأصبح بعض البشر يتصور أنه ظل الله الذي يمشي على الأرض، وأنه الحاكم بأمره وأنه الإنسان المعصوم من الخطأ الذي لايقبل النقد... ويمكن القول أن طريقة التفكير تلك يمكن أن نلخصها في نظرية الحق الإلهي، التي تطورت مع فراعنة مصر وعرفتها أرض الشرق وأرض الإغريق والرومان من قبل بعصور عديدة. غير أن بعض تجلياتها إن لم يكن جلها، مازالت تعيش في هذا القرن 21 مع بعض الرؤساء، وعلى رأسهم الرئيس الليبي معمر القدافي، الذي أرخى بعقده على أبناءه والمقربين منه. ولكي نشخص حالة الرئيس المحتضر من منصبه فهو يعاني داء العظمة الذي يدفعه دفعا ليقصف شعبا أعزل من السلاح بالطائرات وقدائف الدبابات... حفاظا على كرسي الرئاسة وما يذره عليه من مداخل النفط والغاز. وهو مشهد يعلمه الصغير قبل الكبير. بغض النظر عن مواقف الرئيس الشادة اتجاه الأوضاع الإقليمية المحيطة به عربية كانت أم إفريقية أو دولية، ومن ضمنها قضية وحدتنا الترابية .
فإذا كان قد إستهزأ في إحدى تصريحاته السابقة من ثورة تونس، وأن لافائدة من إسقاط النظام وشكك في المستقبل مابعد الثورة التونسية... فإنه في ذلك، يبعث برسالة مشفرة إلى كل من سولت له نفسه تحدي نظام القدافي وكتابه الأخضر، الذي تحول هذه الأيام إلى كتاب أسود حالك مرغ شعبا مجاهدا في التراب.
شعبا قال عنه المجاهد عمر المختار ذات يوم امام المستعمر الإيطالي؛ ” إن العصا التي لاتقصم ظهرك تقويه ” وأظن إنها الحكمة التي أراد القدافي تطبيقها في الميدان وتجربتها على مواطنيه، فهو يؤمن بدكتاتورية السلطة وأن السبيل الوحيد للسيطرة، ليس عن طريق الإصلاح والتفاوض... بل بقصم ظهر الثوار.
إن أوجه الشبه بين القدافي وتلك الثيران المسعورة،النافقة في حلبة “الكوريدا” لإسبانية أن كلاهما يحتضر من شدة الألم الموجه له سواء كان من الملاحقين أو من المصارعين. وفي احتضارهما،عليهما أن يصيبا أكبر قدر ممكن من الناس بين قتلى وجرحى، وكأنه يقول بدارجتنا الساخرة ” الله ينعل لي يخلي بلاصتو زينا” وهي مقولة خاطئة بالطبع.
وللأسف الشديد، فإن الخطأ يزداد مع القدافي كل يوم وهو يعتقد أن لغة السلاح والقوة هي الحاسمة... وأن لا مناص من إستخدام سلاحه المهترء مع الشعب الليبي. كما أن لغة القوة تلك، ترسخت له من خلال صراعه الطويل مع الغرب ... من عملية لوكربي والقصف الأمريكي الذي تعرض له في عقر داره تأديبا له و حتى ينصاع للقرارات الدولية.
وأعتقد أنه إحدى السيناريوهات المحتملة لنهاية نظامه مستقبلا. وذلك عن طريق تدخل غربي تدعمه الأمم المتحدة وتنفذه المخابرات الأمريكية على الطريقة التي تم بها كبح جماح زعيم المخدرات “بابلو إسكوبار”. وإذا كان إسكوبار زعيم المخدرات، قد شكل خطرا على الرئيس الكولومبي الذي طلب شخصيا مساعدة أمريكا من خلال فرقة تقنية من الإستخبارات، فإن الرئيس القدافي زعيم قبيلة من البلطجية “القذاذفة” إستولت على خيرات البلاد وأسست لها نظاما يسمى جماهريا. اعتمد على دكتاتورية الزعيم الأب وعلى الإنتقائية في التعامل مع باقي القبائل الأخرى. كما سلك نظامه إقتصادا ريعيا متخلفا في إستغلال الثروة النفطية، إقتصاد لم يؤهل البلاد لتنويع مصادر الدخل والإنتاج. ورغم البنية التحتية لشبكة الطرق الحديثة إضافة إلى إنجاز البحيرة الصناعية الشاسعة لضخ المياه في الصحراء من أجل الإستعمال الفلاحي... إلا أن البلاد ظلت تعاني خصاصا مهولا في تحديث القطاعات العامة والمرافق الصناعية والتجارية، إضافة إلى نظام مصرفي لا يسمح بتنمية المدخرات.
فالإقتصاد عامة لايفتح أفاق عديدة للتطور والتنمية الشاملة التي تنعكس على حياة المواطنين الليبي إجتماعيا. كما أنه إقتصاد مغلق، يفتقر إلى الجرأة السياسية في اتخاذ قرارات حاسمة للانفتاح على محيطه الدولي،قصد تطوير مهارته التقنية ومعارفه الثقافية والسياسية وكذلك حجم مبادلاته التجارية. لكن نظام القدافي يعلم جيدا أن كلفة هذا التحول سينعكس ومما لاشك فيه على الحياة السياسية داخل البلاد، وسيجعل الخطاب السياسي الإديولوجي الذي روج له لسنين عديدة، محك شك وفي مأزق أمام المطالبة بتغير أسلوب الحكم، والذي يقتضي أولا تغير الفكر وعقيدة النظام الشمولي نظرية و ممارسة.
وهو الشيء الذي لم يستسغه القدافي إلى الآن. فهو صانع الثورة وصاحب الكتاب الأخضر،الذي جف إخضراره هذه الأيام إلا من دماء الشهداء،ليصير كتابا “خرشوفيا” وليتحول إلى مقبرة لنظام بائد بأكمله. كما أنه ملك ملوك إفريقيا كما يدعي في خطاباته الكاريكاتورية، وأنه أب الليبيين وأنه الفنان والشاعر... بل إنه ديناصور القرن 21 .
لقد آن الأوان لتراجع الأنظمة الشمولية والعسكرية والحكومات اليمينية خاصة في المنطقة العربية أمام ظهور الفكر الإشتراكي المبني على الديمقراطية السياسية والعدالة الإجتماعية ودولة المؤسسات وفي قطيعة مع إقتصاد الريع... كما أن النظام الليبي وجاره التونسي والمصري وبعضهم من الأنظمة، لم يتمكنوا من بلورة الإصلاحات على أرض الواقع و المطالب بها سنين عديدة... مقابل ذلك، نجد عجز تلك الأنظمة على مسايرة ركب الحداثة في ممارسة السياسة.
هناك مثل مغربي شائع يقول : “أن الذي يدعي القوة يموت بالضعف”. وإني أجزم، أنه للضعف الذي يعيشه الآن النظام الليبي أكثر من أي وقت مضى “سواء على مستوى النظرية أو على مستوى الفعل”. فنظام القدافي الذي يدعي الجماهيرية، عقيم في حد ذاته من الناحية الإديولوجية، وإن كانت هذه الأخيرة أدت دورا نسبيا في تأسيس الخطاب الجماهيري في ليبيا وفي الظروف التاريخية المعينة، غير أنها تحولت إلى ديماغوجية مجترة ومتكررة لم تستطع فيها النظرية المؤسسة أن تخرج من إنعتاقها، لإنها محصورة في الزمن الذي أسست فيه، والذي أصبح متجاوزا مع التطورات الدولية، خاصة مع تطور الفكر الإشتراكي الديمقراطي وإكتساحه دولا متقدمة صناعيا، مقابل تراجع نسبي للخطاب الليبرالي الرأسمالي خاصة أمام كل أزمة إقتصادية عالمية .
فهم، إن كانوا يمارسون السياسة فإنهم يمارسونها بأسلوب أوغاد وبلطجية. ولا أريد التعمق في الحديث عن هذا الأسلوب، والذي أظن انه دخل القاموس السياسي لتلك الأنظمة على غرار الحالة التي يرأس بها برلسكوني إيطاليا الآن، وإحتكاره للقنوات الإعلامية وتوظيفه المافيا المحترمة !!! وتحويله إيطاليا لماخور كبير “.
فمن الخطأ الإعتقاد أن هذا الأسلوب في تسيير الأزمات مقتصر على الشأن الداخلي لتونس أو مصر أو ليبيا ... فقط ، بل هو نظام عالمي قديم في العلاقات الدولية. إعتمدته أمريكا أكثر من غيرها في تأليب الرأي العام لبعض مواطني الدول على رؤسائهم أو العكس، من خلال توظيف العملاء ودعم بعض رجال الأعمال الفاسدين، والشركات المرتشية والدبلوماسيين والسفراء المنبطحين.
إذن ! فالأخ قائد ثورة الفاتح، وصقر العروبة الأوحد كما تسميه اللافتات العملاقة والصروح الحديدية والإسمنتية التي ظلت منصوبة مابين المدن المسكينة من “غريان” و”الأصابعة” بالجبل الغربي إلى السلوم وأجدابيا ، ومن الكفرة والقطرون إلى طرابلس رأس أجدير ، يأبى وإلى حدود الساعة التنازل عن الرئاسة متشبثا بنظامه الجماهيري. إن لم يكن تشبته أكثر في الحقيقة سوى بحقول النفط والغاز... فالقدافي ليس له منصب أساسا حتى يتنازل عنه “وهو ما صرح به مباشرة في خطابه و أنا أكتب هذه المقالة المتواضعة “. حيث يمكن القول، أنه يعيش حالة إنفصام واضح فإذا كان رئيس الجماهيرية من خلال نظامه، يعتبر أن السلط كلها في يد الشعب وأنه فقط بمثابة منسق للجن الثورية ! فلماذا لا يترك هذا الشعب حرا كي يختار رئيسه كما يشاء؟ و أن يحتكم لسلطة الشعب الذي يريد إسقاطه !؟
في الواقع، الرئيس القذافي يعيش حالة خوف هستيري من خلال النبرة الحادة لخطاباته الأخيرة ، و إرتباك حركات يده ونظراته وتداخل أفكاره وتصريحاته الخيالية. وكأنه بذلك ينقلنا إلى زعماء الحرب الأهلية الأمريكية في القرن 18 أو إلى حكام المستعمرات وهم يقودون حروبهم في القرون الماضية... وما تهويله وتلميحه إلى الثوار حول الوضع بالبلاد مستقبلا بدونه، إلا رسالة تمويه للحقائق إلى الغرب وإيهام المجتمع الدولي أنه المنقذ الموحد والوحيد للبلاد.
وهو الخطاب الذي دأب عليه قبله حسني مبارك. وأن بزاوله سينقلب النظام إلى فوضى ....... فتلك الانظمة لم يعد الإصلاح ينفع معها في شيء بقدر ما أصبح التغيير وبثر الفساد ملحا. وفي حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:”أن الله مع الدولة العادلة وإن كانت كافرة وأن الله على الدولة المستبدة وإن كانت مؤمنة ” علما أن المطالبة بالتغيير لا ينتظر منها بناء الدولة الكاملة المستقيمة. فالكمال لله...
لكن المطلوب هو توفير أدنى شروط من الكرامة والحرية والعيش في جو من الديمقراطية المحصنة بالمؤسسات الدستورية المستقلة...
لقد أعطى القدافي لنفسه في خطابه،الدريعة لشن هجوم جوي وبري متواصل. فالثوار في نظره ومن خلال فقرات كتابه الأخضر الذي كان يتهجاه، ليسوا سوى خارجين عن القانون ومجموعة من العملاء وزعماء القبائل الذين يريدون السيطرة على الحكم وأبار البيترول والممهدين للإستعمار. وأنهم من غير المستبعد أن يكونوا أتباع لأسامة بن لادن! ومن تم وجب قصفهم وإبادتهم على طريقة الهنود الحمر...!!!
وكما أعاد التاريخ نفسه مع حسني مبارك، فإنه يعيده مع معمر القدافي: أي أن نفس سيناريو سقوط نظام والانظمة السابقة يتكرر مع الأخ قائد ثورة الفاتح أبدا !
فهي سنة الكون، بداية من تجبر قابيل وأنانيته إلى إستكبار وطغيان فرعون وغرقه مرورا بأحداث تاريخية مثقلة بالإستبداد والإستعباد... نيرون إلى هتلر، ومن كاليڭيلا إلى بول بوت.
إن عالمنا اليوم، أصبح مفتوحا ومكشوفا من أي وقت مضى، عالم تحكمه القيم الإنسانية الكونية، وأدوات التواصل الإجتماعي، والتضامن ما بين الشعوب الذي تحدثت عنها كل الديانات السماوية. وإذا كانت نظرية القوة والبقاء للأصلح لم تعد مجدية من الناحية العلمية عند علماء الحفريات والبيولوجيا وإن كانت تجلياتها في الصراع العسكري هي أكثر حدة ، فإن صراع القوة اليوم، أصبحت ساحة الفكر مختبرا له، حيث تحولت قوة السلاح والقمع إلى قوة الإقتصاد والتنمية وإلى قوة الأفكار والحوار. فاليابان وألمانيا كنمودجين ناجحين في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وإن إنهزمتا عسكريا وسياسيا، فإنهما حولتا هزيمتهما إلى منافسة إقتصادية معتمدتان على تنمية الإنسان والإيمان بالقدرات الجماعية المشتركة...عن طريق توفير جو من المنافسة الإنتخابية الشفافة ومراقبة ومحاكمة لصوص المال العام ومأسست دولة الحق والقانون و استقلال القضاء وتأهيل الحياة السياسية من أجل قيام الأحزاب و المواطنين بمسؤولياتهم اتجاه الوطن...
ومن خلال ما سبق ذكره، أعتقد أن أزمة النظام الليبي حاليا ستنتهي من خلال سيناريوهان محتملان:
أولهما تدخل المجتمع الدولي من خلال الولايات المتحدة وحلافائها، تحت راية إنصياع القدافي إلى قرارات الامم المتحدة، قبل ان يتطور الامر الى تدخل عسكري لا يجدي معه الحصار الاقتصادي نفعا, و سيكون تدخلا في لمح البصر ينتهي باغتيال، أو اعتقال القدافي كمجرم حرب... حتى لا يثير القرار ردود فعل دولية او الاعتقاد ببداية الاطماع الاجنبية في المنطقة و بهدف مراقبة كل من الأنظمة الجديدة في المنطقة خاصة المصري منها, اي تحول المتدخلين الى دركي شمال افريقيا و من تم مراقبة التنظيمات الارهابية المجاورة للصحراء الليبية و الممتدة من مالي و التشاد الى التخوم الجزائرية، حيث عصابات “البوليزاريو” وصولا إلى الساحل الصومالي ... كما ان التدخل وان كان بهدف تغيير النظام إلا انه لا يخفي شهية الغرب في السيطرة على حقول النفط و الغاز،باعتبار ليبيا تاسع احتياطي عالمي للنفط وموقع استراتيجي بشمال افريقيا مجاور لأوروبا عن طريق البوابة الإيطالية أو كمنطقة مطلة على الصحراء الإفريقية. فأمريكا تفهم جيدا انها لن تقوم بالسيطرة المباشرة على ثروات النفط ، غير انها مع احلال الديمقراطية بليبيا بشرط حكومة تبدي شيئا من التعاون والمرونة مع الغرب، أي التدخل بمقابل... خاصة وأن العالم لن يبقى متفرجا على ارتفاع اسعار النفط في ظل أزمة دولية، لايزال الإقتصاد العالمي لم يتعاف منها بعد!
كما أن العالم الديمقراطي لن يضحي بثروة ليبيا مقابل بقاء نظام يعيش أيامه الأخيرة، فنظام القدافي في هذه الحالة سيصبح كبش فداء كسابقيه. لان المنظرين والمفكرين السياسين والخبراء الإقتصادين، خاصة في أوروبا يعون جيدا تكلفة التحولات التي تعيشها المنطقة العربية، وإن كان البعض يخفي قلقه إتجاهها والبعض الأخر يتساءل إن كانت تلك التحولات سببها الغير المباشر هو رفض الهيمنة الغربية وعلى رأسها أمريكا؟ أم هو رفض وتغيير من أجل قطعة خبز في يد وحرية في اللسان؟.
وأعتقد أن الغرب لا يخشى الثورات وسقوط بعض الأنظمة العربية، بقدر مايخشى ما بعد الثورات والانظمة القادمة المفعمة برؤية جديدة قد تكون مناوئة لأمريكا وحلفائها والتي ستحاول هذه الأخيرة لامحالة في ترويضها. وهنا يكمن السؤال حول نجاح أو فشل أهداف أي ثورة ؟
السيناريو الثاني المحتمل والمرجح أكثر من سابقه رغم انه سيطول: فسيكون من داخل البلاد وبأيادي زعماء القبائل عبر تمردها وتوحدها مع فصائل من الجيش ومن خلال نهج أسلوب حرب العصابات أو المدن، والوصول إلى طرابلس العاصمة لإعتقال القدافي على طريقة محاصرة الحلفاء لهتلر... أو هروب القدافي. وهي مرحلة ستكون صعبة على الشعب الأعزل الذي سيسلك أسلوب المقاومة المسلحة لإسقاط النظام، معتمدا على تمرير السلاح وتوزيعه حيث سيكون الطرفان اي النظام والمقاومة غير متكافئان من الناحية العسكرية، مما ينذر بمزيد من القتلى أمام شراسة المعارك وهو ما سيستدعي من المنتظم الدولي الدخول على خط الصراع ؟
لقد إنتابني تساؤل مضحك إذ عند سماعي لخطاب سيف الإسلام إبن معمر القدافي، عن ماهية وعلاقة الإبن في خطاب رئاسي مفروض أن يقدمه الأب بإعتباره المعني الاول ورئيس الدولة؟
لكنه تساؤل يحمل جوابا مسبقا عن طبيعة نظام القذافي وطريقة رؤيته للأشياء. حيث أن ليبيا سوى حديقة للرئيس وأبنائه، وهو بذلك الخطاب يرسل كذلك رسالة إلى الشعب: بأن الرئيس، إن زال فإن ظله سيستمر مع أبنائه... ليقتل أمل الثوار في التغيير وفي الإطاحة به. وهو بذلك يعطي وسيلة لتحليل نظام الحكم المبني على القبيلة وفكرة الزعيم الكاريزمي والتي تحدثت عنها في موضوع سابق.
حيث انه تحليل يحيلنا إلى أزمة السلطة وشرعيتها، والتي قد نجد بعض الإجابات عنها في كتاب المقدمة لإبن خلدون وفي كتابات د.عابد الجابري و د العروي... ومن له أسباب أخرى في ظهور الإبن مكان أبيه في الخطاب التلفزي، فسأكون له مشكورا بإغناء “خوك هنا” في المرة المقبلة ؟
فهل يمكن القول ساخرين! أن الأب إختبأ في حين إمتنع ابنه مصرا على مواصلة قصف الشعب بالطائرات من أجل إخضاعه. معتقدا أنه بذلك يسجل أهدافا في كرة القدم في نادي كان فيه هو الرئيس واللاعب والمدرب والمستثمر وربما الحكم من خلف الستار...! على مقاس ما نقوله نحن المراكشيون، “لاعب أو أعطيوني كرتي”
غير أن الآمر أبعد ما يكون مقابلة في كرة القدم، فهو حالة نظام يحتضر، يقصف في كل مكان وينطح كثور هائج قداف للدم، وحالة شعب ثائر، منتصر لكرامته وحريته وعدالة قضيته...
فرحمة على الشهداء ودعاؤنا للشعب الليبي بالثبات وبشجاعة التحدي مصداقا للحديث النبوي الشريف “الذي مفاده أن الساكت عن الحق شيطان اخرس”.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.