الزمان..السبت 15 ماي،والساعة الآن 10 صباحا،المكان ضواحي حي الرياض-أسواق السلام-إنه المكان الذي تم الإتفاق على الإلتقاء فيه قبيل التوجه إلى معتقل العار،الذي تديره المخابرات المدنية-الديستي-بتمارة،للإحتجاج وفضح الجرائم التي تُقترف في هذه البنايةالباردة،الجو حار وشباب 20 فبراير كلهم إصرار على فضح المخزن وفضح نظام أنهكنا بأغانيه البئيسة،حول نظام يقال إنه-نظام ديمقراطي-نحن الآن في الشارع المؤدي مباشرة إلى المكان الموعود،السيارة تخترق الشارع كالسهم،والشباب داخلها يستعجلون الوصول إلى أسواق السلام..بين الفينة والأخرى،يكسر شاب من شباب 20 فبراير الصمت السائد داخل سيارة أحد الرفاق الذي تطوع لغيصالنا إلى مكان الوقفة..هذا المعتقل يجب أن يُغلق واليوم..يقول أحد الشبان متحديا...لينخرط الجميع في دردشة حول الرد المحتمل للمخزن على هذه المبادرة..يرد شاب آخر..إننا لسنا وحيدين،فالصحافة الدولية والوطنية تملأ المكان،وستغطي هذا الحدث،أتأمل عيون شباب 20 فبراير،نتبادل النظرات المستنكرة لنظام دموي..شيد بناية وسط غابة كثيفة،ليرسل إليها من يرفض الركوع إليه،ومن يرفض أغانيه والتهليل لها وذلك تحت مسميات عدة،أقلها-الإرهاب-سلخ وتعذيب واغتصاب بالقناني-القراعي-وكي وتهديد بإطلاق الرصاص على المعتقلين و..و..و..هاهوما-هاهوما..ينطق شاب من داخل السيارة وهو يشير بيده اليمنى إلى زقاق كبير،ألتفت إلى جهة الإشارة،إنها الصدمة..بعض شباب 20 فبراير وشابات أيضا،يركضون بسرعة،وكأن هناك من يلاحقهم..المخزن الجبان يقمع الشباب،"يعلق أحد الشباب على هذا المشهد"الإتصالات الهاتفية بدأت ..وكل الإستفسارات تصب في اتجاه سؤال وحيد..هل هناك قمع؟؟ والإجابات الآتية عبر خطوط الهواتف،تجمع كلها على أن النظام فضح عورته هذا الصباح.وتخلص من كل أقنعته،و-حكر-على شباب كل سلاحهم،هو رغبتهم في العيش في بلد يحترم مواطنيه،بلد عادل وديمقراطي،بلد تعود فيه السيادة للشعب،ويُدبر بواسطة حاكم ديمقراطي،يعزل نفسه مباشرة حينما يتناهى إليه أن نظامه ومرتزقته،يهينون المواطنين ويغتصبونهم ب-القراعي-في البناية السيئة الذكر،والنتصبة بين أشجار غابة تمارة.سيارات قوات القمع تجوب الشوارع والأزقة،أفراد السيمي مكشرين عن أنيابهم،وملامحهم تبدو كذئاب جائعة،كانت تائهة في إحدى فيافي القطب الجنوبي،ومستعدة في أي لحظة للإنقضاض على كل شيء يتحرك...لأنها متعطشة للدم،ولا تقبل بغير الدم كوجبات رئيسية...الشباب انتشروا وسط أزقة حي الرياض..لحقنا بهم..فجأة..وجدناهم متحلقين أمام بناية شاهقة،تبدو من خلال واجهتها أنها المقر المركزي لشركة اتصالات"تبادلنا التحية..آش واقع؟؟..القمع رهيب والقوات المقنعة للي جابو فمراكش،هي للي كاينة هْنا..باغيين يقتلو فينا شي واحد ولا جوج باش يخلعونا...الصيحات تتعالى،مستعدون للموت جميعا،لكن لن يرعبونا أبدا ولن نصمت حتى تنفيذ مطالبنا كاملة،..قوات ما يسمى بمكافحة الإرهاب تطوق المكان،جثثهم سمينة وعلى وجوههم أقنعة سوداء،أحاطوا أجسادهم المنتفخة بواقيات الرصاص..المشهد مقزز،هل نمتلك نحن الرصاص حتى يرتدوا هم واقيات الرصاص؟؟ إنه جزء من الترهيب النفسي،يقول أحد الشبان...في هذه اللحظات تسطو قوات القمع على كاميرا صحافي قناة -العربية-وأخذ يصيح في وجوههم..لن أترككم تصادرون كاميرتي،خذوني معها أنا أيضا،اشبعوه ضربا وسبا،لكنه قاومهم بشجاعة نادرة،هذا الصحافي إسمه -رضوان روش-هاجموا أيضا عبد المجيد بزيوات مصور يومية الصباح وقمعوا العديد من الصحافيين،أتساءل بكل فخر...من أين امتلك شباب 20 فبراير كل هذه الشجاعة؟؟ شباب في عمر الزهور ينزح نحو السلم،ويصر على خوض كل الإختجاجت بطريقة سلمية وحضايريةنفلماذا يصر المخزن على اللعب بالنار،واستفزاز شباب تحترمه كل دول العالم،وتحترمه كل مكونات الشعب المغربي،خصوصا جماهيره الشعبية التي تتقاطر على الوقفات والمسيرات التي ندعو لها كشباب 20 فبراير،يتبادر إلي الآن سؤال استنكاري...هل يريد المخزن جرنا إلى مواجهته بنفس أساليبه؟؟ وليكن كذلك..فليتحمل مسؤوليته كاملة،النظام بهذه الممارسات يقترب من استنساخ النموذج السوري،إنني اشعر وكأن النظام المخزني يستهعجل سقوطه،حي الرياض حي راق،تسكنه علية القوم وجزء كبير ممن نطالب كشباب 20 فبراير بمحاكمتهم أو عزلهم،في هذا الحي وصباح هذا اليوم-السبت-الشوارع مقفرة،والهدوء يسدو جنبات الحيطان الشاهقة،منظر كئيب وصمت يثير الإشنئزاز،حي الرياض هذا الصباح يبدو وكأنه مقبرة محروسة،إن سكانه نيام،بل إنهم إموات..إنهم يعرفون مسبقا بقدومنا..لكنهم ماتوا..ماتوا فجأة هذا الصباح حتى لا يشهدوا على جريمة مرتزقة المخزن،وهم يجلدوننا بوحشية،إنها مؤامرة..مؤامرة البورجوازية الحقيرة التي استولت على خيرات البلاد والعباد،واختارت لنفسها مدنا وأحياء تقطنها لوحدها،تعزل فيها نفسها عنا..نحن-الحازقين-الشرفاء..المتعفنون طبقيا،الرافضون للركوع..للذل..الرافضون لنظام حقير ستخجل الأجيال القادمة منا،إذا لم نلقنه درسا في معنى أن تكون ديمقراطيا..في بعض الأحيان،وبالرغم من أنني عازب،أتيه بذاكرتي ويسرح بي الخيال،أتخيل إبني الذي لم ألده بعد،يلاحقني بأسئلته الحارقة...إذا قُدر لي أن أنجبه في ظل هذا النظام البئيس..أتأمله يصيح في وجهي مستنكرا كل صباح...لماذا يا أبتي تعيش في هذا البلد؟؟ أتخيل نفسي أجيبه..لأنها بلدي وبلد أجدادي يا بني..إنه لا يبدو مقتنعا..يهاجمني بسؤال آخر..لكنكم تعيشون كالعبيد يا أبتي في بلد تدعون أنه بلدكم وبلد أجدادكم...أجاهد نفسي..أصمت لوهلة..عيناي تغرورق بالدموع..أخاطب نفسي في صمت..أيكون على صواب؟؟ ربما..ألملم جراحي وكبريائي وأصيح في وجهه..لا..لا..با ولدي..لن نرضى بعد اليوم بعيشة العبيد هذه..لن نرضى إلا بعيشة كريمة،والعبيد هم من يسلسلون أيادينا ورقابنا،العبيد يا ولدي هم من ينهبون أموالنا وخيرات شعبنا..العبيد يا ولدي هم من يجندون مئات الالاف من المرتزقة ليحصوا أنفاسنا،العبيد يا بني هم من يجهدون أنفسهم كي لا يناموا حتى ننام نحن..مخافة أن نحطم عروشهم الواهية الهارية..العبيد يا ولدي/هم تلك العصابة التي لا تمتلك ذرة مروءة،وتستعرض عضلاتها وأسلحتها على شباب أعزل وشابات في عمر الزهور،العبيد يا ولدي هم -بلطجية-تتخذ لنفسها لقبا طبقيا،..إنهم-العلويين-لإرغامنا نحن على تبني لقب-السفليين-هم في يعيشون في العلا،ونحن في الأسفل..في الحضيض..هم يكدسون الملايير والمتلتلة،ونحن نكدس الأحزان والمعاناة والبؤس..تذكر ياولدي أننا خرجنا يوم 20 فبراير إلى الشوارع غاضبين ثائرين على هؤلاء -العبيد-الذين يتقمصون شخصيات-الأسياد-لقد زعزعنا عقيدتهم بخصوص شباب مغربي،اعتقدوا أنه أُخصي بخطبهم الطنانة والكادبة،وأيضا بمهرجاناتهم السفيهة المائعة وزراويطهم التي لم تحد من ثورتنا الملتهبة،حتى قررنا نحن تأجيلها،لقد دخلنا معهم في هدنة مؤقتة..لكن اليوم هذه الهدنة أصبحت لاغية،والمواجهة أصبحت مسألة كرامة،إنها مسألة حياة أو موت..إذا صفعونا على الخذ الأيمن،فلن نعطيهم الخذ الأيسر لمواصلة الصفع..لسنا رهبانا ولا قساوسة..لسنا حفدة غاندي ولن نكون كذلك..نحن مغاربة،حفدة عبد الكريم الخطابي وسعيدة وبن بركة..وكل ثورا العالم..نحن نرد على الصفعة بصفعتين..نحن ثوار ولسنا أهل-صيام-ضد المفسدين...غاندي نهج أسلوب الصيام والإضراب عن الطعام مع المستعمر البريطاني،أما نحن..فأعداؤنا وقتلتنا وجلادونا،يزعمون أنهم مواطنون مثلنا،إنهم-مغاربة-الإهانة يا ولدي،لا تقبل ممن يدعى أنه مواطن من بلدك،الإهانة يجب أن تُرد إلى أصحابها أضعافا مضاعفة،والجنوح للسلم في أوقات الإعتداءات الجبانة،لا وصف له غير الإستسلام والجبن والخيانة..تذكر يا ولدي أن ثورة 20 فبراير المجيدة،أمانة في أعناقنا،لن يخمدها،لا عصابة البلاط الملكي ولا عبيده وأبواقه،ولا الجلادون والخونة..إنها تسري مسرى الدم في عروقنا،والويل لمن يستصغر ثورثنا ويستهين بها أو يحاول استفزازنا أو إخماد أمواج الغضب المغربي الهادر...نم يا ولدي قرير العين،فلن نخون ثورتنا،لن نخون لا الأجيال الحالية ولا الأجيال القادمة،وحينما ستأتي يا ولدي إلى هذه الدنيا،ستجدنا وقد كنسنا كل هذه القذارات إلى مزبلة التاريخ،لتجدوه وطنا حرا،لا مكان فيه للإستعباد ولا لعلوي وآخر سفلي،الكل فيه سواسية،ولا أحد مجبر على تقبيل أيادي آخر،يزعم أنه ساقط من السماء،بعثه الله ليحكم كبرياءنا وهاماتنا من كثرة الركوع إلى-جنابه الشريف-حاشا لله..الله براء منهم ومن عقلياتهم القروسطية. الجو هذا الصباح حار..والشباب يتصبب عرقا،بعض الشباب يقترحون رفع الكل الإحتجاجي والإلتقاء في المقر المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان،لعقد ندوة صحفية،فيما البعض الآخر يفضل مواصلة الإحتجاج،..إلى جانبي بعض الشباب من 20 فبراير-سلا-خليل والمهدي،توجهنا مباشرة ومشيا على الأقدام إلى موقع الإحتجاج،إخترقنا الأزقة والشوارع،ما إن وصلنا حتى تراءت لنا مجموعة من المناضلين الحقوقيين،وبعض المناضلين اليساريين وممثلي الصحف الوطنية والدولية،وبعض شباب 20 فبراير الذين أصروا على البقاء في أسواق السلام،لكن المثير هو أن عدد عناصر المخابرات أكبر من عدد المناضلين،اختلطنا بالحاضرين،تبادلنا التحية مع بعض الرفاق،تحركنا إلى الأمام،العيون الخبيثة تلاحقنا..فجأة ترجل شخصان يبدو أنهم من عناصر المخابرات المدنية-الديستي-واحد يحمل ورقة وقلم،وآخر يحمل كاميرا رقمية صغيرة الحجم للتصوير..لايكارط ديالكم!! خاطبونا بلهجة متعالية،أجبناهما في وقت واحد..ماعندناش..إقترب أحدهم من خليل وشرع في تفتيش جيوبه بحثا عن البطاقة،فيما اقترب مني الآخر وبدأ يطرح الأسئلة، شنو سْميتك؟؟ أجبته..علاش؟؟ شنو سْميتك ؟؟ يكرر سؤاله..ماغاديش نعطيك السْمية حيت حْنا ما دايرين والو..فجأة بدأ ينهج أسلوب الترهيب والتهديد...توجهت نحو المهدي الذي كان واقفا بجانبي،وقلت له..المهدي سير عيط على الدريسي..والدريسي هو عضو المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان والمكلف بالإعلام،ولأنه منذ أن لفقوا لي تهمة-إهانة موظف-في صيف 2003..أصبحت عندما أحتك مع أي رجل أمن،وأستنتج أنه -حكار-أستغل أي فرصة ليحضر معنا شخص ثالث،ليشهد على حقارة بعض رجال الأمن،وفي نفس الوقت أضمن انتشار خبر أي اعتقال أو اختطاف مفترض،لأنني لا أضبط نفسي عند أي استفزاز..لأن خطة رجال المخابرات هي الحديث إلى المستهدف بصوت خافت تماما لا يكتشف معه أقرب الواقفين بجانبك أنك في قبضة كلاب المخزن،وقد تُعتقل وتُختطف دون أن يشعر بذلك أي أحد،وبأي تهمة يختارونها لك..قبيل قدوم الدريسي،قدم بعض المصورين الصحافيين،إلتقطوا لعناصر الديستي صورا وهم يستجوبوننا،حمدت الله وقلت لنفسي،الآن أصبحت لنا صحافة وصحافيين شجعانا،لا نرعبهم المخابرات ويواجهونها بكاميراتهم لفضح مخططاتها وجرائمها،..بعد ثوان قليلة،حضر الدريسي..السلام عليكم،ياك لاباس..قال الدريسي،فأجبته..هاد الأخ كالليك باغي ليكارط ديالنا،قلنا ليه ماعندناش،مانعرف شْنو باغينا نديرو دابا؟؟ رد الدريي مخاطبا المخبر..اطْلق الدراري،مالهم آش دايرين؟؟ ثم قلت للمخبر ..يلا بغيتي سْمياتنا ومعلوماتنا،خاصك تعتاقلنا باش نعرفوك بوليس،أما دابا ماغادي نعطيوك والو..قلتها له بعد أن تخلصت من قبضة يده وانتقلنا نحن الثلاثة إلى مكان آخر غير بعيد عن مكان الوقفة.فيما المخبران بقيا مشدوهين كالصنمين في مكانهما. محمد علال الفجري. [email protected] في الجزء الثاني،ترقبوا مشاهد من عودتنا إلى المقر المركزي للجمعية،ثم الإنتقال إلى مقر الإتحاد المغربي للشغل،ثم تنظيمنا لمسيرة نحو البرلمان رفعت فيها شعارات منددة بالتدخل الهمجي لقوات القمع..والشعار المتميز دوما هو -الشعب يريد إسقاط النظام-ثم عقد اجتماع اسثنائي بمقر الإتحاد المغربي لتدراس الرد الممكن ..ثم الإتجاه إلى تمارة للمشاركة في المسيرة ،هنالك حيث تم اعتقالنا وإهانتنا وتفتيشنا بطريقة مهينة،والتحقيق معنا من طرف ثلاثة أجهزة أمنية،وهي الديستي والإستعلامات العامة والشرطة القضائية،قبل الإفراج عنا لنتوجه فورا إلى قسم المستعجلات للإطمئنان على صحة رفاقنا..قبل العودة إلى منازلنا حيث أفراد المخابرات في استقبالنا،لكن هذه المرة كمراقبين لنا.فرجة ممتعة