عبد السلام أديب ل”الحوار المتمدن”:محاكمة السريتي ومن معه كانت محاكمة صورية شابتها عدة انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة عبد السلام أديب في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: الصراع الطبقي والنضال اليساري الميداني في المغرب. أجرت الحوار: منال نصر الله من اجل تنشيط الحوارات الفكرية والثقافية والسياسية بين الكتاب والكاتبات والشخصيات السياسية والاجتماعية والثقافية الأخرى من جهة, وبين قراء وقارئات موقع الحوار المتمدن على الانترنت من جهة أخرى, ومن أجل تعزيز التفاعل الايجابي والحوار اليساري والعلماني والديمقراطي الموضوعي والحضاري البناء, تقوم مؤسسة الحوار المتمدن بأجراء حوارات مفتوحة حول المواضيع الحساسة والمهمة المتعلقة بتطوير مجتمعاتنا وتحديثها وترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وحقوق المرأة والعدالة الاجتماعية والتقدم والسلام. حوارنا – 19 – سيكون مع الأستاذ عبد السلام أديب حول: الصراع الطبقي والنضال اليساري الميداني في المغرب. 1 – كيف تقيم الخارطة الطبقية الراهنة في المغرب ؟وكيف ترى التنسيق والعمل المشترك بين اليسار المغربي من اجل تنظيم وقيادة الاحتجاجات العمالية والجماهيرية في المغرب؟ تتوزع الخارطة الطبقية الراهنة في المغرب الى ثلاث طبقات تتميز بعضها عن بعض علما أن كل طبقة تحتوي على شرائح تختلف بحسب طبيعة مسلسل الإنتاج الذي تنخرط فيه. وتتمثل هذه الطبقات الثلاث في ما يلي: 1 – توزيع الخارطة الطبقية في المغرب: - طبقة الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية الصناعية والكومبرادورية تشكل تحالف طبقيا مهيمنا يتحكم في مختلف وسائل الإنتاج ويشغل لديه أكبر نسبة من الكادحين ويتشكل هذا التحالف الطبقي بالإضافة إلى القصر الذي يهيمن على أكبر مجموعة مالية واقتصادية في البلاد وهي مجموعة أونا ومن ملاكين اقطاعيين وبرجوازيات تتوزع هيمنتها على قطاعات الفلاحة أو الصيد البحري أو الصناعة أو التجارة أو العقار أو السياحية ... - ثم طبقة بروليتارية كادحة تتشكل من البروليتاريا العاملة في القطاعات الإنتاجية الأساسية التي يهيمن عليها التحالف الطبقي الحاكم وأيضا في قطاع التجارة والخدمات وتتشكل أيضا من بروليتاريا تشتغل في الأعمال الهامشية وفي القطاع غير الرسمي أو بروليتاريا عاطلة تشكل ما يسمى بالجيش الاحتياطي للعمل، أو بروليتاريا مشردة... - ثم طبقة وسطى تضم البرجوازيتين المتوسطة والصغرى حسب نوعية الخدمات والمهن الحرة التي تزاولها ومدى ما توفره لها هذه الأنشطة من مداخيل أو ثروات ترتبها في هذه الخانة أو تلك. وتقوم العلاقات الاجتماعية بين هذه الطبقات على أساس علاقات الإنتاج السائدة، فطبقة الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية المتحكمة في وسائل الإنتاج ترتبط بعلاقات شغلية تحكمية بالطبقة العاملة بحيث تشكل مصدر الأجور الهزيلة التي تتوصل بها بينما تقتطع لنفسها فائض قيمة يشكل مصدر ثرواتها ورؤوس أموالها. أما الطبقة الوسطى التي تشتغل أساسا في قطاع الخدمات والمهن الحرة والادارات العمومية والجيش والأمن، فترتبط مصالحها بمصالح الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية المتحكمين في وسائل الإنتاج الأساسية نظرا للتداخل العضوي لنشاطهم بالإنتاج الرأسمالي السائد أو لحاجة هؤلاء لخدمات الطبقة الوسطى بنفس القدر الذي تحتاج فيه الطبقة الكادحة لبعض هذه الخدمات كالعلاج والمحاماة والأمن ... ومعلوم أن تشكل هذه البنية الطبقية تم عبر تطور تاريخي طويل على قاعدة صراع طبقي عنيف أساسا بين الكادحين والطبقات المتحكمة في وسائل الإنتاج. فتحكم الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية في وسائل الإنتاج تم في الغالب عبر التواجد في دواليب السلطة منذ ما قبل عهد الاستعمار، ففرض الإتاوات والضرائب على الحرفيين والفلاحين ونهب الأراضي الفلاحية الشاسعة من طرف كبار القواد الكبار الممثلين للسلطة المركزية لم تكن لتمر بدون مقاومة شرس من طرف المعنيين بالأمر سواء في المدن (ثورة الدباغين بفاس سنة 1873 وثورة الاسكافيين بمراكش سنة 1904 بسبب الضرائب) أو في البوادي عبر التنظيم القبلي (ظلت العديد من القبائل الأمازيغية طيلة خمسة قرون ترفض دفع الأتاوات وتحارب السلطة المخزنية لدفع هيمنتها على شروط عيشها). لم يمر تدخل الاستعمار الفرنسي لفرض حمايته للسلطة المخزنية سنة 1912 بدون مقاومة مسلحة شرسة من طرف القبائل الصحراوية بزعامة أحمد الهيبة ومربيه ربه ومن طرف قبائل الأطلس المتوسط بزعامة موحا أو حمو الزياني ومن طرف قبائل الريف بزعامة عبد الكريم الخطابي ومن طرف قبائل تافيلالت والأطلس الكبير بزعامة عسو أوبسلام. ورغم بسط الحماية الفرنسية ودحر المقاومة القبلية بدعم استراتيجي للقواد المغاربة الكبار كالقائد العبادي والقائد الكلاوي الذين استفادو من دعمهم للمستعمر الفرنسي بنهبهم للممتلكات وأراضي الفلاحين الفقراء وشكلت مصدرا لثروات عائلاته فيما بعد خروج الحماية، فإن مقاومة البروليتاريا التي بدأت تتشكل في المدن في المركبات الانتاجية الفرنسية وعلاقتها العضوية بالاستغلال الذي تعرضت له في البوادي التي طردت منها بالقوة مما شكل تحالفا طبقيا ثوريا قاوم بشراسة المستعمر الى أن اجبره بسرعة من أجل الحفاظ على مصالحه على فتح مفاوضات اكس ليبان وابرام اتفاقية لاسيل سان كلود كوثيقة الاستقلال الشكلي حيث تم تسليم السلطة للتحالف الطبقي المتناغم مع مصالح السلطات الاستعمارية لكي يبدأ الاستعمار غير المباشر. إن رواسب النهب والاستغلال التي باشرها أسلاف الملاكين العقاريين الكبار والبرجوازية الكمبرادورية سواء قبل عهد الحماية أو خلال فترة الاستعمار والتي عمقت التفاوت الطبقي القائم، ستستمر بعد الاستقلال الشكلي، نظرا لأن التعبيرات السياسية للكادحين الذين قاوموا الاستعمار ظلت تطالب بتحرر حقيقي جذري من الاستعمار وباقامة نظام ديموقراطي شعبي تعاد فيه الأراضي الفلاحية المغتصبة لأصحابها ويعتمد اصلاح زراعي كقاعدة انتاجية لتمويل الصناعة وتوزيع الثروات بشكل عادل، وكانت تلك هي الارهاصات التي عبرت عنها حكومة عبد الله ابراهيم من خلال المخطط الاقتصادي الأول، لكن انقلابا ابيضا سيحدث سنة 1960 حسب وثيقة المؤتمر الوطني الثاني للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، سيقلب التوجهات الشعبية رأسا على عقب، لتكريس نمط الانتاج الرأسمالي عبر تشديد استغلال الطبقة الكادحة وتوسيع مجال اغتصاب الأراضي المسترجع من المعمرين واستعمال القطاع العمومي والميزانية العامة كبقرة حلوب لمراكمة الثروات وخدمة رأس المال على حساب الأمل. وهي الاجراءات التي ستعمق التفاوت الطبقي وتركز الثروة والسلطة في يد أقلية من الملاكين الكبار والبرجوازيين الكومبرادور. منذ عقد الستينات الى حدود اليوم استمر الصراع الطبقي بين المد والجزر، حسب الأزمات الدورية التي تحدث تقريبا كل خمس الى ست سنوات والتي بدأ النظام يسميها بالسكتات القلبية، وهي أزمات تنشأ نتيجة التناقض الصارخ الذي يحدث بين قوى الانتاج المتطورة جدا وعلاقات الانتاج المتخلفة جدا جراء الاستغلال الطبقي الفاحش للكادحين. ففي خضم هذه الأزمات الاقتصادية والتي تقترن عادة بأزمات سياسية تبرز التعبيرات السياسية الثورية للكادحين لتفجر انتفاضات عارمة كما حدث في 23 مارس 1965 و20 يونيو 1981 و20 يناير 1984 و14 دجنبر 1990 وعقب كل انتفاضة تعمد البرجوازية الحاكمة الى هجومات قمعية مضادة لاجتثات الطليعة الثورية للكادحين وهو ما حدث لعدد من مناضلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية منذ سنة 1963 ولمناضلي الاختيار الثوري والمنظمات الماركسية اللينينية مع بداية عقد السبعينات وما حدث أيضا للمناضلين النقابيين والمناضلين الماركسيين اللينينيين عقب انتفاضات 1981 و1984 و1990، كما تعمد البرجوازية الى إطلاق مبادرات ايديولوجية لتخدير الطبقة الكادحة وضمان انصياعها للاستغلال الرأسمالي بدون ردود فعل عنيفة، فسياسة السدود ومشروع سقي مليون هكتار التي انطلقت خلال عقد الستينات كانت مليئة بالوهم نظرا لأن الملاكين العقاريين الكبار هم المستفيدون الوحيدون من ذلك بينما الفلاحون الصغار فكانو يموتون عطشا جراء الجفاف الذي ستتسبب فيه تلك السدود التي لا تقدم مياهها بالمجان وفقط للضيعات الكبرى التي تصدر منتوجاتها نحو أوروبا. كما ستعمد البرجوازية الى مشاريع من قبيل سياسة المغربة والتوزيع الشكلي للاراضي المسترجعة من العمرين سنة 1973 ثم خلق ما يسمى بالخدمة المدنية سنة 1976 كمرحلة يعبر منها الطالب المتخرج قبل الالتحاق بالعمل والتي أوقفت الإدماج المباشر للطلبة في الوظيفة العمومية. لكن قمع وأوهام البرجوازية سرعان ما تتبدد، فتتشكل التعبيرات السياسية الثورية للكادحين مرة أخرى لتأجيج الصراع الطبقي من جديد. أما الطبقة الوسطى والتي تراهن عليها البرجوازية المهيمنة دائما للوقوف في صفها في مواجهة البروليتاريا الثورية فدائما ما تعبر عن سلوكات انتهازية داخل الهيئات السياسية والمركزيات النقابية والاطارات الجمعوية. فنظرا لكون هذه الطبقة تتمتع بقسط من التعليم ومن مداخيل قارة وبخبرة تدبيرية نجدها أمامنا في القيادات الحزبية وفي المكتب الوطنية للنقابات وفي الاطارات الجمعوية على اختلاف انشطتها، فتعمل انطلاقا من تلك المواقع على خدمة البرجوازية المهيمنة، فقد تستعمل خطابا ثوريا اشتراكيا أو شيوعيا أو اسلاميا أو ليبراليا بما يتماشى مع طموحات الكادحين فقط من أجل احداث المفعول التخديري وتعليق المطالب على العمليات الانتخابوية والبرلمانية التي تتبدد في مدى ست سنوات لكي تعيد الكرة مرة أخرى. إذن ففي ظل هذه التناقضات الطبقية تتأرجح التعبيرات السياسية اليوم، فالتعبيرات السياسية للطبقة المهيمنة تتمثل اليوم في أحزاب الاستقلال والتجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والأصالة والمعاصرة والاتحاد الدستوري والعدالة والتنمية ... وأيضا المركزيات النقابية الملحقة بها كالاتحاد العام للشغالين والاتحاد الوطني للشغل، أما التعبيرات السياسية للطبقة الوسطى أو البرجوازيتين الصغرى والمتوسطة فتتمثل في ما يسمى باليسار كالاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية والمؤتمر الوطني الاتحادي والحزب الاشتراكي ... وأيضا المركزيات النقابية الملحقة بها كالفدرالية الديموقراطية للشغل والكنفدرالية الديموقراطية للشغل والمنظمة الديموقراطية للشغل والاتحاد المغربي للشغل. أما التعبيرات السياسية للكادحين فلا تتمظهر إلا بشكل غير مباشر حيث قد تكون كامنة أو منخرطة في إحدى التنظيمات الحزبية أو النقابية أو الجمعوية بخطاباتها اليسارية الراديكالية، ثم سرعان ما تتشكل أنوية سرية لتداول ذلك الخطاب وتأسيس مرجعيته الايديولوجية ولغته السياسية في انسجام تام مع مصالح الطبقة الكادحة، تم ما يلبث أن ينزل هذا الخطاب الى الميدان على شكل احتجاجات منظمة أو غير منظمة. وقد شكلت التعبيرات الماركسية اللينينية منذ عهد الحماية أبرز معبر سياسي عن طموحات الكادحين، فتشكلت في كل حقبة تنظيماتها الثورية والتي سرعان ما تنهار نتيجة قلة الخبرة والقمع الوحشي الذي تمارسه البرجوازية عليها. 2 – احتداد الصراع الطبقي على المستوى الاقتصادي وتداعياته السياسية ان الصراع السياسي العنيف الذي قاده التحالف الطبقي الحاكم طيلة عقدي الستينات والسبعينات، كان يسير بموازاة مع السيطرة الاقتصادية للنظام على مختلف مقدرات الاقتصادية للبلاد واستملاك الأراضي والضيعات الفلاحية الشاسعة التي كانت في ملكية المعمرين الفرنسيين بدلا من استعادتها من طرف أصحابها الأصليين. وقد حدثت في هذا الإطار العديد من الجرائم الاقتصادية عبر النهب والطرد ونزع الملكية بالقوة واستعمال القانون كما هو الشأن بالنسبة لقانون المغربة لسنة 1973 وصولا الى حد استعمال العنف والاغتيال في بعض الأحيان من أجل تملك الأراضي الفلاحية الشاسعة. ومن الأمثلة الصارخة في هذا المجال واقعة أراضي أولاد خليفة بمنطقة الغرب سنة 1970، والتي عرفت أحداث دموية راح ضحيتها الملاكين الجماعيين الحقيقيين من أفراد هذه القبيلة. ولا زالت العائلات التي هيمنت على مثل هذه الأراضي تعتبر من أغنى العائلات بينما أصحاب الأراضي الحقيقيين يعيشون في فقر مدقع. لقد استطاع التحالف الطبقي الحاكم في فترة وجيزة سحق التعبيرات السياسية للكادحين والهيمنة على المقدرات الاقتصادية للبلاد وتدجين عددا من الأحزاب السياسية. لكن تدبير الشأن العمومي لأجل خلق برجوازية مقاولة عبر نهب نسبة عالية من فوائض القيمة، أحدث بؤسا شديدا وسط الطبقة العاملة والفلاحين والمشتغلين في الأعمال الهامشية. ومع تزايد الفقر والهجرة القروية أصبحت المدن المغربية تعج بالسكن العشوائي ومدن القصدير المترامية الأطراف. كما ساعد على ذلك ازدواجية الاقتصاد بين اقتصاد عصري متوجه نحو الخارج مستقر في المدن الساحلية التي تتوفر على موانئ تسيطر عليه البرجوازية المحلية والدولية وتستغل الأيدي العاملة الرخيصة المتوفرة بكثرة في بؤر الفقر المحيطة بهذه المدن. ثم اقتصاد عتيق يسيطر عليه الأعيان في المدن العتيقة الداخلية والقرى المجاورة لها والتي ظلت لحد الآن تعاني من الفقر والتهميش وانتشار العديد من الأمراض الاجتماعية كالمخدرات والبغاء والسرقة والجرائم ... وبين التحالف البرجوازي الحاكم وعموم الكادحين من عمال وفلاحين نمت طبقة وسطى تتكون من برجوازية متوسطة وصغرى تشتغل أساسا في مجال التجارة والخدمات وتشكل شرائح واسعة داخل الادارة المدنية والعسكرية والأمنية، ونظرا لارتباط المصالح الاقتصادية لهذه الطبقة بنمط الانتاج الرأسمالي القائم الذي تسيطر عليه البرجوازية الكبرى فقد أصبح أكثرية أفرادها من أكبر المدافعين عن النظام والتطلع إلى تكريس الديمقراطية البرجوازية. ونظرا للدور الوسطي لهذه الطبقة بين البرجوازية الكبرى والطبقة الكادحة فقد شكلت أكبر مدعم للنظام وممارسة الدور التخديري على الكادحين لفرملة توجههم التحرري الثوري. فقد هيمنت هذه البرجوازية على قيادة الأحزاب السياسية بيافطاتها اليمينية واليسارية والإسلامية وعلى المركزيات النقابية وحولتها بالتالي إلى إطارات ملحقة بجهاز الدولة الطبقي وأداة للتخدير الإيديولوجي. 3 – وقوف اليسار الجذري وراء أغلب الانتفاضات الشعبية ضد النظام لكن رغم الهيمنة الحديدية للنظام الملكي والتحالف الطبقي الحاكم فقد كانت هناك حركة سياسية معارضة دءوبة تتخذ في بعض الأحيان طابع العلنية وفي أحيان كثيرة تتخذ طابع السرية لتفادي القمع الوحشي للسلطات، وقد استطاعت هذه الحركات تعبئة الشارع المغربي عبر الاحتجاجات والانتفاضات خصوصا في الأحياء الشعبية الهامشية. وقد كان للتوجه الماركسي اللينيني دورا مهما في الحراك الاجتماعي طيلة عقدي الستينات والسبعينات والثمانينات، فقد لعب هذا التيار دورا في إشعال فتيل انتفاضة 23 مارس 1965 والتي انفجرت على الخصوص بمدينة الدارالبيضاء بسبب اتخاذ الحكومة لقرارات مجحفة في حق التلاميذ حيث راح ضحية هذه الانتفاضة ما يقرب من ألفي قتيل. وقد أدى فرض حالة الاستثناء على البلاد فيما بين 1965 و1970 اضافة الى هزيمة حزيران 1967 وانتفاضة الشباب بفرنسا سنة 1968 وحرب الفتنام، الى تقوية دينامية الحركة الماركسية اللينينية المغربية والتي ستقود منذ سنة 1969 العديد من الاحتجاجات الجماهيرية بالمدن والقرى للاحتجاج على النهب الاقتصادي وعلى الاستبداد السياسي والمطالبة بإسقاط الملكية، وإقامة جمهورية ديمقراطية اشتراكية. وبطبيعة الحال فقد كان العالم كله يشهد أوضاع ثورية متفجرة وحيث كانت مواجهة البرجوازية لهذا المد الثوري عبر الهجوم المضاد القمعي والايديولوجي وحيث ووجهت الاحتجاجات في المغرب بالقمع الدموي وبالاختطافات القسرية وبالتعذيب داخل السجون السرية، وهي العملية التي ستتكرس عقب الانقلابين العسكريين الفاشلين سنة 1971 و1972، وقد عرف عقد السبعينات أكبر حملة من الاختطافات وعمليات التعذيب وسقوط العديد من ضحايا اليسار الجذري. وقد كانت قضية الصحراء الغربية إحدى الأدوات السياسية التي لجأ إليها النظام لسحق المد الثوري البروليتاري بقيادة المعارضة الماركسية اللينينية والتي استطاعت الانغراس بقوة وسط الجماهير الكادحة واستقطاب التأييد والتعاطف في مواجهة النظام الدموي. فقد حاول النظام اللعب بورقة الإجماع الوطني حول قضية الصحراء لإلغاء العديد من المطالب الديمقراطية والتغطية على العديد من الجرائم السياسية والاقتصادية. لكن المعارضة الجذرية كانت تعمل على فضح النهب الاقتصادي. ولقد انضاف الى النهب الاقتصادي لعقد السبعينات انهيار أسعار الفوسفاط سنة 1975 ودخول المغرب في فترة أزمة مالية واقتصادية عنيفة مما جعله يعتمد سياسة للتقشف عبر مخطط 1978 – 1980، والذي كان يعني بالملموس تقليص تدريجي للخدمات العمومية مع تجميد الأجور ورفع أسعار المواد والخدمات لزيادة أرباح الشركات والمقاولات، وكان لا بد لهذه الوضعية أن يكون لها آثار وخيمة على الطبقتين الاجتماعيتين الوسطى والدنيا، وبطبيعة الحال فإن هذه الوضعية ستستثمر من طرف الجماهير الكادحة بقيادة القوى السياسية الجذرية الماركسية اللينينية والتي ستستغل دعوة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل الى الإضراب العام في 20 يونيو 1981 عقب الزيادة في أثمنة الخبز للخروج في مختلف المدن لقيادة مظاهرات جماهيرية عارمة ضد سياسات النظام الاقتصادية والاجتماعية. لكن النظام سيلجأ مرة أخرى للقمع الوحشي وبالذخيرة الحية حيث سقط في هذه المظاهرات أزيد من 1600 قتيل لا زالت المنظمات الحقوقية تطالب بالكشف عن مكان دفنهم السري. 4 – استمرار الصراع الطبقي ذو الوجه الاقتصادي، سيعمق من الاحتجاجات الشعبية سيشهد النصف الأول من عقد الثمانينات وبسبب أزمة مالية خانقة ومديونية متفاقمة انطلقت ارهاصاتها منذ سنة 1975 تكريس سياسة التقشف واعتماد سياسة التقويم الهيكلي والتي تتلخص في تخلي الدولة عن التسيير الاقتصادي والاجتماعي وتقليص الاستثمارات العمومية والمراهنة على القطاع الخاص وجذب المستثمرين الأجانب، وتقليص التوظيف العمومي وتجميد الأجور وتحرير الحواجز الجمركية واعتماد إصلاح جبائي يتماشى مع التدبير الليبرالي الجديد، واعتماد إصلاح جامعي وإصلاحات في مجال التعليم يقلص من حضوض الشباب من ولوج الجامعات وإتمام الدراسة من أجل دفعهم نحو التكوين المهني لتوفير الجيش الاحتياطي للعمل الرخيص. وبطبيعة الحال سيكون لهذه السياسات ردود فعل لدى الكادحين وتعبيراتها السياسية الماركسية اللينينية التي تتوفر على قدرة تعبوية هائلة وسط الجماهير وحيث ستتفاقم الاحتجاجات إلى حين انفجار انتفاضة يناير 1984 والتي ذهب ضحيتها المئات نتيجة القمع الوحشي خاصة بمدينتي مراكش والناضور، وسيتهم الحسن الثاني صراحة في خطابه بعد الانتفاضة الحركة الماركسية اللينينية مجسدة في حركة الى الأمام وبعض التيارات السياسية الإسلامية التي كانت تعترض على انعقاد المؤتمر الإسلاميبالدارالبيضاء، بوقوفهما وراء تأجيج الاحتجاج، وبطبيعة الحال ستعرف هذه الفترة موجة من الاعتقالات والاختطافات والاستشهادات تحت التعذيب. في أواخر عقد الثمانينات ستتفاقم الانعكاسات السلبية لسياسة التقويم الهيكلي على الوضع الاجتماعي وستواصل الحركة الماركسية اللينينية تأجيج الاحتجاج الجماهيري بمختلف الوسائل الدعائية، وسيتفاقم الغضب الشعبي عقب قيام الدولة سنة 1989 بتطبيق زيادات في أسعار ثلاث مواد أساسية الشيء الذي تمخض عنه انتفاضات شعبية عارمة في كل مكان، وخاصة بمدينة فاس وطنجة وكان ذلك في 14 دجنبر 1990، وقد راح ضحية هذه الانتفاضة المئات من القتلى كما تم الزج بالمئات من المتظاهرين في السجون. 5 – القمع والبعد الأمني للدولة وتدجين الأحزاب السياسية المعارضة الرسمية سيدفع الاحتجاج نحو الهامش إلى غاية انتفاضة 1990 ، بدأت الدولة في تغيير سياستها الأمنية في المدن الكبرى حيث كانت تحدث الانتفاضات المركزية، كما قسمت مدينة الدارالبيضاء وفرضت هيمنتها الأمنية على الجامعات وشجعت التيارات الاسلامية والأمازيغية داخلها لبث التفرقة وتأجيج الصراع بينها، وعملت على تدجين المركزيات النقابية من خلال سيطرة البيروقراطية على أجهزتها القيادية، وتدجين أكبر للقيادات الحزبية واغرائها بالدخول في مرحلة التناوب لكن بشروط الملك وليس بشروطها حيث سيدخل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية من موقع ضعف الى الحكومة. والشروع في ما يسمى بمرحلة التناوب التوافقي والذي سيضمن انتقال سلس للسلطة الملكية من الحسن الثاني الى محمد السادس. ان الأوضاع الاجتماعية المتفاقمة طيلة عقد التسعينات والعقد الأول من الألفية الثالثة، والتي لم تحدث ردود فعل جماهيرية مركزية نظرا لتشديد الدولة لرقابتها على المدن الكبرى وتصعيد حدة القمع، إضافة إلى تدجين الأحزاب السياسية المعارضة الرسمية، سيكون وراء انتفاضات عديدة ستتواصل في العديد من القرى والمداشر وحتى في الجبال نتيجة العديد من الأسباب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ونتيجة ضعف التحكم الأمني في هذه المناطق. 6 – دور حركة المعطلين من حاملي الشهادات في غزو الشارع العمومي منذ بداية التسعينات وقدرتها على تحقيق مكتسبات لقد طبع عقد التسعينات وعقد بداية الألفية الثالثة بروز حركة المعطلين من حاملي الشهادات العليا وهم أبناء الكادحين من عمال وفلاحين وموظفين ينتمون لبعض شرائح البرجوازية الصغرى وللطبقة العاملة، فتوقيف الدولة لعملية التشغيل في القطاع العمومي طبقا لسياسات التقويم الهيكلي وتوصيات صندوق النقد الدولي، خاصة لحاملي الإجازة انطلاقا من بداية عقد التسعينات ثم لحاملي الشهادات العليا انطلاقا من العقد الأول من الألفية الثالثة، دفع الآلاف من الخريجين لاعتماد استراتيجيات قتالية في شوارع العاصمة للحصول على شغل، وحيث أصبحت منذ ذلك الحين في مواجهة يومية مع قوات القمع. وقد دفعت هذه النضالات والتي تعددت أشكالها من مسيرات ووقفات واعتصامات واقتحام مقرات الوزارات والإضراب عن الطعام وإحراق الذات، إلى تقوية حركة المعطلين محليا ووطنيا وحققت في العديد من نضالاتها تشغيل بعض أعضائها. وقد تميزت حركة المعطلين الشباب بتنظيمها الجيد وبهيمنتها على الشارع العمومي، وقد ضل التأطير السياسي حاضرا في وسطها خاصة من طرف القوى اليسارية الجذرية وبعد ذلك من طرف قوى سياسية اسلامية. وقد فرضت هذه الحركات إيقاعا احتجاجيا يوميا في الشارع العمومي خاصة في شوارع مدينة الرباط العاصمة وقبالة البرلمان، ولم تخلوا هذه الوقفات الاحتجاجية من قمع وحشي ومن كسور خطيرة للعظام واعتقالات لكنها كانت تؤدي في بعض الأحيان إلى مفاوضات مع السلطة لإدماج بعضهم في الوظيفة العمومية وحصول البعض الآخر على رخص البيع. 7 – انتقال عدوى الاحتجاج في الشارع من المعطلين الى باقي الحركات الاحتجاجية لقد شجعت حركة المعطلين العديد من الحركات الاجتماعية الأخرى في صفوف الكادحين ذات المطالب المتنوعة للنزول الى الاحتجاج أمام البرلمان، ومن بين هؤلاء ساكنة مدن الصفيح عندما يطردون من مساكنهم بدون تعويض كاحتجاجات دوار القهاوي بضاحية الرباط ودوار حربيل بمدينة مراكش والهراويين بالدارالبيضاء، واحتجاجات المعتقلين السياسيين السابقين للمطالبة بمحاكمة جلاديهم والحصول على تعويض لمعالجة آثار الاعتقال التعسفي، واحتجاجات عمال الفوسفاط بخريبكة عقب تسريح 850 عامل بسبب مطالبهم النقابية واحتجاجات العمال الزراعيين الذين تهدر حقوقهم الشغلية في المزارع والمشاتل، واحتجاجات المنظمات الحقوقية والنسائية والجمعوية والنقابية والمناهضين للعولمة الليبرالية والعقد العالمي للماء واحتجاجات الفلاحين عقب الفيضانات واحتجاجات الجماعات السلالية على سلب البرجوازية لأراضيهم كساكنة سيدي الطيبي ومنطقة بكارة بالعرائش وميسور ... ورغم القمع الذي يسلط عادة على هذه الحركات الاجتماعية فقد تواصل الاحتجاج، وقد استطاعت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان سنة 2001 أن تحصل من المجلس الأعلى للقضاء على حكم بشرعية القيام بوقفات احتجاجية بدون ترخيص، الشيء الذي جعل جميع فروعها تنظم وقفات احتجاجية حقوقية بدون طلب ترخيص من السلطات العمومية. كما نجحت عدد من الهيئات السياسية والنقابية والحقوقية والجمعوية لتأسيس شبكة سنة 2001 لدعم الحركات الاحتجاجية بالعاصمة الرباط، والتي كانت تتعرض للقمع وتجاهل مطالبها، وقد نجحت هذه الشبكة في دعم مطالب العديد من الحركات الاحتجاجية عبر تنظيم مهرجانات خطابية جماهيرية وكذلك وقفات احتجاجية عارمة أمام البرلمان مكنتها من انتزاع بعض المكتسبات. لكن مع اقتراب موعد انتخابات 2003 تخوفت بعض المكونات اليسارية من الوقع السلبي لهذه الشبكة على حصولها على مكتسبات سياسية من النظام فعملت بذلك على إجهاض التجربة. 8 – انطلاق عمليات التشبيك من أجل الاحتجاج الجماعي مع بداية الألفية الثالثة إن الفعل الاحتجاجي الشبكي سيتقوى في المغرب بعد سنة 2001 ، وحيث ستكون الجمعية المغربية لحقوق الإنسان المبادر الأساسي في خلق هذه الشبكات من أجل قضايا حقوقية معينة، وقد شكلت حركة أطاك، التي ستتحول الى جمعية سنة 2000 أول شبكة مكونة من عدة أطراف سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية. كما تأسست سنة 2001 بمدينة الرباط شبكة دعم الحركات الاحتجاجية وضمت اليها عدة مكونات واستمرت في دينامية نضالية متصاعدة الى غاية انتخابات 2003 لكي تنحل بسبب الخلافات السياسية اليسارية الداخلية. كما تأسست في سنة 2002 هيئة وطنية للمطالبة بدستور ديمقراطي، وفي سنة 2005 تأسست شبكة مناهضة التحرش الجنسي عقب وقوع عاملتين بفندق سوفيتيل ديوان بالرباط ضحية تحرش جنسي من طرف رئيسهما المباشر، كما تأسست شبكة مناهضة استعمال العنف من طرف السلطات العمومية في الأماكن العمومية سنة 2006، وهيئة الدفاع عن الحقوق والحريات العامة سنة 2007، كما تم خلق الهيئة الوطنية لدعم المعتقلين السياسيين، ثم العقد العالمي للماء. وبطبيعة الحال فإن مختلف هذه الشبكات التي تم خلقها كائتلافات مكونة من عدة تنظيمات سياسية ونقابية وحقوقية وجمعوية، وتضع برامجها النضالية الدورية عبر تعبئة الجماهير وتنظيم الوقفات الاحتجاجية ووضع التقارير ومراسلة السلطات العمومية ورفع شعارات منددة بالسياسات العمومية اللاشعبية. ونظرا لكون القوى اليسارية هي النواة الأساسية لهذه الشبكات، فقد ساهم توسع هذه الشبكات ونضالاتها الجماهيرية الى احتلال اليسار للشارع العمومي وتقوية خطابه السياسي والاقتصادي، مقارنة بظاهرة احتلال الحركات السياسية الاسلامية للشارع حينما يتعلق الأمر بقضايا قومية كالتضامن مع القضية الفلسطينية ومناهضة الحرب على العراق. والملاحظ هو أن الصراع الطبقي القائم بين البرجوازية المهيمنة التي تواصل تشديد استغلالها للكادحين مع تعمق ازمتها الهيكلية وتواصل الهجوم تلو الهجوم في مواجهة الكادحين من عمال وفلاحين وموظفين، يتأجج في الغالب بمقاومة جماهيرية صلبة تلعب فيها بعض فصائل اليسار خاصة منها القوى الماركسية اللينينية دورا مركزيا في تأجيجها. ورغم الدور التخديري التي تقوم به الأحزاب والمركزيات النقابية والهجوم القمعي لأجهزة الدولة في مواجهة الكادحين ، فإن المقاومة ما تلبت أن تنهض أقوى مما سبق. 9 – تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية لكن أهم تجربة للحركات الاجتماعية المنظمة على أساس الشبكات والتي شكلت طليعة المقاومة الشعبية المنظمة ضد الهجوم البرجوازي والتي ضمت قوى اليسار السياسي والمنظمات النقابية والحقوقية والجمعوية، فقد انطلقت مع تنسيقيات مناهضة الغلاء وتدهور الخدمات العمومية، حيث استطاعت هذه التنسيقيات في ظرف سنة (شتنبر 2006 – شتنبر 2007) أن يصل عددها الى تسعين تنسيقية في مختلف المدن والقرى، وأن تجعل من الاحتجاج الميداني في الشارع العمومي أهم وسائلها النضالية، وأن تبدأ وقفاتها بحوالي 400 محتجة ومحتج فتبلغ 12.000 مشاركة ومشارك، كما استطاعت هذه التنسيقيات أن تمدد احتجاجاتها من مجرد مناهضة الغلاء الذي أصبح يشكل سياسة منهجية تعتمدها الدولة منذ سنة 2005، الى إدانة تفكيك المرافق العمومية الى مطالب متعددة اقتصادية واجتماعية. وقد استطاعت هذه التنسيقيات تنظيم ملتقيات وطنية وانتخاب لجنة متابعة وطنية، كما أشرفت على تنظيم، لأول مرة في تاريخ المغرب، ثلاث مسيرات وطنية خارج المسيرات التي تنظم للتضامن مع الشعب الفلسطيني وذلك في 24 دجنبر 2006 بالرباط والتي بلغ عدد المشاركين فيها حوالي 13 ألف مشاركة ومشارك وفي 25 مارس 2007 بالدارالبيضاء والتي حوصرت في مستطيل بشارع لالا الياقوت لمدة أربع ساعات ثم مسيرة 2 سبتمبر 2007 بالرباط والتي نظمت خمسة أيام قبل موعد الانتخابات التشريعية والتي سيكون من نتائجها مقاطعة حوالي 83 في المائة من الشعب المغربي. كما استطاعت هذه التنسيقيات أن تحقق بعض المكتسبات بل وتساهم في مقاطعة عارمة للانتخابات التشريعية لسنة 2007. 2- وماذا عن التطور في مجال حقوق الإنسان بشكل عام ، وحقوق المرأة بشكل خاص في المغرب؟ تشكل الواجهة الحقوقية منذ 24 يونيو من سنة 1979 تاريخ تأسيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان إحدى الواجهات التي لجأ إليها اليسار المغربي بعد القمع البرجوازي الوحشي الذي تعرض له العمل السياسي اليساري والذي كان يواجه آنذاك الجرائم الاقتصادية والسياسية ويتطلع لبناء دولة الحق والقانون كمنظور للتعايش السلمي لمختلف الطبقات. لكن رغم التوجه الإصلاحي للعمل الحقوقي وسعيه للتخفيف من الصراع الطبقي المحتد على الخصوص بين الكادحين والبرجوازية وممثلها الطبقي التي هي أجهزة الدولة، إلا أن الإخفاق لا زال يطال العديد من المجالات سواء على مستوى الحقوق المدنية والسياسية أو على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي الوضع العام لحقوق الانسان بالمغرب ثم الوضع الحقوقي للمرأة أ – الوضع العام لحقوق الإنسان بالمغرب يمكن تقديم وصف للوضع الحقوقي العام الذي يعيشه المغرب من خلال ما يلي: - استمرار مصادرة الدولة لحق الشعب المغربي في تقرير مصيره الذي يجسده استمرار العمل بدستور غير ديمقراطي يشرعن الاستبداد، ويؤبد قضاء غير مستقل خاضع للسلطات التنفيذية، عاجزا على حماية حقوق المواطنين؛ - غياب الممارسة الديمقراطية الفعلية، وانعدام الاتساق بين الخطاب الرسمي وبين واقع حقوق الإنسان. وهو ما يعمق من هشاشة وجزئية المكتسبات التي يتم إحرازها بفضل النضال الحقوقي اليساري في مجال الحقوق المدنية والسياسة؛ - غياب الديمقراطية واستمرار تدخل الدولة وطغيان المال خلال محطات الانتخابات التشريعية والانتخابات الجماعية مما جعل المغرب بعد 54 سنة من الاستقلال لم تسجل أية خطوة جدية نحو الديمقراطية بل عرفت الانتخابات الجماعية لسنة 2009 عودة ظاهرة حزب الدولة “الأصالة والمعاصرة” بقيادة صديق الملك فؤاد على الهمة، الذي تمكن من الاستيلاء على المرتبة الأولى من حيث عدد المقاعد وهو حزب لم يستكمل بعد سنة من التأسيس؛ - وعرفت السنوات الأخيرة تراجعا واضحا على مستوى حرية الرأي والتعبير والصحافة فقد تقهقر المغرب في هذا المجال بثماني نقاط حيث كان سنة 2009 مرتبا في المرتبة 127 فأصبح اليوم في المرتبة 135 فقد تم تسجيل هذه السنة عدد من المحاكمات غير العادلة والقرارات الإدارية التعسفية التي تنتهك هذه الحريات ومن بينها: - * استمرار الاعتقال التعسفي للصحافي عبد الحفيظ السريتي، مراسل قناة المنار اللبنانية بالمغرب الذي يقضي عقوبة ب 10 سنوات سجنا نافذا بسجن سلا، نتيجة محاكمة صورية شابتها عدة انتهاكات للحق في المحاكمة العادلة؛ - * إيقاف صدور جريدة ” أخبار اليوم” وإغلاق مقرها خارج أية مسطرة قانونية أو قضائية؛ - * الدخول في إجراءات تطبيق الحكم الصادر ضد أسبوعية “لوجورنال” والقاضي بتأديتها لتعويض باهض(3 مليون درهم)مما أدى إلى خنقها وبالتالي توقفها عن الصدور؛ - * الحكم الجائر ضد مدير جريدة “أخبار اليوم” ب 6 أشهر سجنا نافدا، والذي له علاقة بملف سبق للقضاء المدني أن برأه منه؛ - * الحكم الجائر أيضا الذي أصدرته المحكمة الابتدائية بالدارالبيضاء ضد الصحافي علي عمار يوم فاتح يوليوز 2010 ب3 أشهر موقوفة التنفيذ و500 درهم غرامة و40 ألف درهم كتعويض للمشتكية التي اتهمته” بسرقة حاسوبها...”. - وللتذكير، فبالنسبة لهاتين الحالتين الأخيرتين فقد لجأت الدولة في مواجهتها للصحافة المستقلة إلى تلفيق تهم الحق العام ضد الصحافيين في محاولة للتمويه عن الطابع السياسي لتلك المحاكمات المعادية لحرية الصحافة، وللمس بسمعة الصحافيين وخدش صورتهم لدى الرأي العام. - * إصدار قرارات غير موضوعية وتفتقد للحياد والمهنية من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بشأن الشكايات الموجهة لها، والتي من ضمنها شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان حول السب والقذف الذي تعرضت له في القناة الأولى، وشكاية دفاع المعتقلين السياسيين الستة حول انتهاك مبدأ قرينة البراءة من طرف وزير الداخلية اتجاه موكليهم ... - * إغلاق مكتب الجزيرة بالرباط، وعدم تجديد اعتماد كافة صحافييها بالمغرب بمقتضى القرار الصادر عن وزارة الاتصال المغربية بتاريخ 29 أكتوبر 2010، في غياب أي قرار قضائي؛ - * عدم وضع معايير موضوعية وشفافة في توزيع الدعم العمومي و التحكم السلطوي في الإشهار، مما أدى إلى خنق عدد من الصحف:” الجريدة الأولى”،” نيشان”... - وبعد مرور 20 سنة على تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان مازالت الهيئات والمؤسسات الوطنية الوسيطة المعنية بحقوق الإنسان تفتقر للاستقلالية، وتسجل عجزا في تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها، وتستمر في لعب دور سلبي يتجسد في التغطية على انتهاكات حقوق الإنسان وتبرير إخلال الدولة بالتزاماتها في هذا المجال؛ ومحاولة تهجين الحركة الحقوقية وصرفها عن النهوض بالمهام التي تضطلع بها؛ - استمرار التعامل مع حقوق الإنسان كواجهة للاستهلاك الخارجي، ومن أبرز ما يوضح هذا التعامل مآل توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة التي تم التملص من تنفيذها بشكل رسمي ونهائي من طرف المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان بعد إصداره لتقريره النهائي في الموضوع وبعد سنوات من التوظيف السياسي لهذه التجربة لتبييض صورة الدولة أمام المنتظم الدولي. - هكذا استمرت الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من اختطاف واعتقال تعسفي وتعذيب ومحاكمات سياسية وتوظيف تهم المس بالمقدسات لترهيب المواطنين والانتقام من المناضلين كان أبرز وأخطر تلك الملفات ما تعرض له الشيخ أحمد ناصر (95 سنة) من انتهاكات خطيرة لحقوقه منذ اعتقاله ومحاكمته وسجنه ووفاته في زنزانته... - استمرار ظاهرة الاختطاف والتعذيب كان آخرها الحالات التالية: - الحالة الأولى تتعلق بالمواطن المغربي محمد بوتشباكت الحامل للجنسية البلجيكية والذي كان يهم بمغادرة المغرب من مطار العروي بالناضور يوم 21/09/2010 ، ليتم توقيفه قبل صعوده الطائرة من طرف عناصر بالزي المدني ، ،حيث أخذوه معهم ، واقتادوه إلى مكان مجهول ، ولم تقدم لعائلته أية معلومة لحد الآن عن مكان تواجده. - الحالة الثانية تتعلق بالمواطن المغربي أحمد براني الذي تم اختطافه 05/10/2010 من داخل متجر لأخيه بشارع مراكش بالناضور ،بعد مداهمته وتفتيشه من طرف أشخاص مجهولين، اقتادوه بعدها إلى مكان مجهول على متن سيارة فولسفاكن مسجلة بالخارج تحت رقم75GF 7023 وقد تقدمت عائلته مباشرة للسيد الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بالناضور ،- مصحوبة بشريط مصور للعملية- بشكاية رفض تسلمها بعد أن اتصل بالجهات الأمنية التي نفت علمها بالحالة، وصرح الوكيل العام للعائلة في أنه ربما هناك جهات أمنية متخصصة خارج نطاق سلطاته، تقف وراء الواقعة. - وقد اتصلت عائلتيهما في الأيام الموالية لاختطافهما بالسلطات الأمنية والقضائية بالمدينة، إلا أنهم أنكروا جميعهم وجودهما لديهم، أو معرفتهم بمصيرهما. الحالة الثالثة تتعلق بالمواطن زهير الحجوجي من الجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين، حيث قام أشخاص بزي مدني مساء الجمعة 19 نونبر 2010 باختطاف المواطن زهير الحجوجي عضو اللجنة التحضيرية لإعادة تأسيس فرع الحاجب للجمعية الوطنية لحملة الشهادات المعطلين بالمغرب. والذي كان إلى جانب مناضلين من الحاجب يعدون لعقد الجمع العام لإعادة تأسيس الفرع المحلي للجمعية والذي كان من المقرر أن ينعقد يوم الأحد 21 نونبر وقد تلقى زهير الحجوجي زيارة من طرف عناصر المخابرات ” الديستي” استفسروا خلالها عن إعادة تأسيس الفرع والمنخرطين وهددوه من أجل صرف النظر عن الموضوع، إلا أن الأحداث تسارعت فتم اختطافه من طرف عناصر بزي مدني مساء نفس اليوم بواسطة سيارة DACIA سوداء و اقتادوه إلى وجهة مجهولة. و قد قام والد المواطن زهير المختطف و شقيقه بالاستفسار مساء نفس اليوم عن مصير ابنهما لدى الشرطة القضائية التي أنكرت تواجده لديها أو صلتها بالموضوع. - وقد ظلت التزامات المغرب برفع التحفظات عن الاتفاقية الدولية بشأن القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتصديق على الاتفاقية الدولية بشأن الحماية من الاختفاء القسري كلاما دون تنفيذ؛ - وامتنع المغرب عن التصويت مرتين على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، المتعلق بتوقيف تنفيذ عقوبة الإعدام في أفق إلغائها. - كما توالت خروقات حقوق الإنسان من خلال محاكمة الصحفيين ومناضلي الاتحاد الوطني لطلبة المغرب والنشطاء الحقوقيين، والصحراويين، ومناضلو الحركات الاجتماعية والحركة الأمازيغية والتضييق على الحريات الفردية والحقوق الشخصية، والإمعان في خرق حقوق السجناء والمهاجرين وانتهاك الحقوق اللغوية الأمازيغية من ضمنها حرمان الأسر من تسجيل أبنائها وبناتها بالأسماء الأمازيغية. وأما على مستوى وضعية الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، فإن أبرز مظاهرها تمثلت في ما يلي: - تقهقر مؤشر التنمية البشرية، حيث انتقل المغرب من الرتبة 126 إلى المركز 130 سنة 2009؛ - تزايد الفقر حيث بلغ معدل الفقر بحسب معهد أكسفورد باعتماد مؤشر الفقر المتعدد الأبعاد 28,5 %؛ - الارتفاع المستمر في أسعار المنتجات والخدمات الأساسية بشكل غير مسبوق، مما يؤدي إلى ردود فعل شعبية متواصلة في الزمان والمكان منذ أكثر من أربع سنوات، وهناك لإلغاء تدريجي لمجالات تدخل صندوق المقاصة في أفق إلغائه النهائي والذي ظل يدعم أسعار المواد الأساسية مما سيفاقم أكثر من ارتفاع الأسعار في المستقبل وهو ما سيشكل هجوما قويا على القوت اليومي لدوي الدخل المحدود من الطبقة العاملة ومن شرائح واسعة من الطبقة الوسطى. - استمرار جمود الأجور والمرتبات فالراتب الأساسي للموظفين ظل جامدا منذ سنة 1985 بينما لم يعرف الحد الأدنى للأجور أي تغيير يذكر منذ عدة سنوات بل لم تطبق زيادة في هذا الحد الأدنى بنسبة 5 % منذ وقع الاتفاق بشأنها بين الحكومة والنقابات سنة 2003. - انخراط المغرب من موقع الضعف في العولمة اللبرالية المتوحشة وإمعانه في إزاحة كل الحواجز لصالح قوى السوق واستمراره في سياسة خوصصة أهم المرافق الاجتماعية أدى إلى تدهور صارخ للأوضاع المعيشية للمواطنين والمواطنات ولانتهاك حقهم في العيش الكريم من جراء توسع رقعة العطالة وتدهور أوضاع الأجراء والأجيرات خاصة، في ظل انتهاك مستمر لمقتضيات مدونة الشغل. - التزايد الملموس في انتهاك الحق في السكن بطرد السكان من مساكنهم أو أراضيهم دون موجب حق مادامت الدولة لا تقدم للضحايا في المقابل أي بديل مقبول، مما يشكل انزياحا واضحا عن حماية الحق في السكن اللائق. ويتم اللجوء الى هذه الممارسة بالنظر الى ارتفاع قيمة الأراضي وتشكيلها مصدرا للاغتناء السريع، فيتم طرد الساكنة بدعوى محاربة السكن غير اللائق، من أجل إعادة تثمين تلك الأراضي واستغلالها، بدون إيجاد بدائل للساكنة الفقيرة المطرودة من مساكنها. - اعتماد مشاريع إصلاح في مجال التعليم ترمي بالأساس إلى القضاء على التعليم العمومي لفائدة التعليم الخصوصي، فإفلاس التعليم العمومي أصبح صارخا سواء على مستوى ضرب جودة التعليم أو على مستوى التأطير التربوي وتهيئ الزمن المدرسي، بحيث أصبح التعليم العمومي يعيد إنتاج فقر الكادحين ونصف المتعلمين والعاطلين. - نفس الشيء الذي أصاب التعليم العمومي يطال الصحة العمومية فالسياسات المخصصة لهذا القطاع خصوصا برنامج 2008 – 2012 يستهدف القضاء على ما تبقى من مصداقية للصحة العمومية ومجانية العلاج لفائدة خوصصة الخدمات الصحية، ومعلوم أن الكادحين الذين يشكلون أغلبية المغاربة والذين لا قدرة لهم على العلاج في المصحات الخاصة هو الأكثر تضررا من تدهور قطاع الصحة. ولقد أسفرت هذه الوضعية، التي أثرت سلبا على المستوى المعيشي لأغلب الفئات الاجتماعية، عن هزات واحتجاجات في العديد من المناطق (افني، صفرو، خريبكة، بني ملال، المعطلون حاملو الشهادات، تنسيقيات مناهضة غلاء الأسعار...)، ووجهت هي الأخرى بالقمع من طرف الدولة، التي باتت تتصدى، أكثر فأكثر، لكل شكل احتجاجي (مهاجمة الوقفات والمسيرات، قمع الإضرابات...). هذا القمع الذي يعمل القضاء، باعتباره جهازا تابعا للدولة وفاقدا للاستقلالية، على التغطية عليه، محاولا إضفاء الشرعية على تعسفات السلطة، عبر محاكمات تغيب فيها شروط ومعايير المحاكمة العادلة. والنتيجة ليس فقط انتهاك الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإنما أيضا الحقوق المدنية والسياسية. ويتم كل ذلك في ظل غياب وصمت مشبوه للقوى السياسية والمركزيات النقابية، بشكل ينم عن الدور الانتهازي للبرجوازية الصغرى والمتوسطة المهيمنة على هذه الاطارات التي الحقت بجهاز الدولة الطبقي. ب – وضعية حقوق المرأة بالمغرب تتسم وضعية حقوق المرأة في المغرب على العموم بما يلي: على مستوى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية : أ – لا زال المغرب لم يصادق بعد على العديد من الاتفاقيات الصادرة عن منظمة العمل الدولية ، الخاصة بحقوق المرأة من بينها اتفاقية183 بشان الحق في الأمومة؛ ب – وبالرغم من أن مدونة الشغل بعيدة عن ترجمة الحقوق الشغلية كما تنص عليها المواثيق الدولية ومع ذلك فانه لا يتم احترام بعض المكتسبات التي جاءت بها لصالح العاملات مما يجعلهن عرضة للتسريحات الجماعية خصوصا في قطاعات النسيج و الزراعة إضافة إلى الميز في الأجور والحيف والتحرش الجنسي وعدم احترام حقهن في الأمومة؛ ج – تردي الخدمات العمومية و خاصة في مجال الصحة الإنجابية حيث لا زال المؤشر المتعلق بوفيات الأمهات أثناء الحمل والولادة مقلقا حيث يصل إلى 227 في كل 100 ألف ولادة حية وهو من أعلى النسب في العالم، وقد اضطرت بعض النساء اللواتي داهمهن المخاض في الصيف الماضي بمنطقة سيدي قاسم إلى الوضع في خيام فاقت حرارتها 47 درجة؛ د – تشريد الآلاف من النساء مع أطفالهن وأسرهن، نتيجة هدم بيوتهن على اثر فيضانات الأشهر الأولى من سنة 2010 التي عرفتها مجموعة من المناطق خاصة بالغرب والدارالبيضاء و تارودانتوبني ملال...وغيرها.؛ ه – لا زالت الأمية تشكل نسبة 40 في المائة من المغاربة أغلبيتهم من النساء و خاصة القرويات؛ و – ارتفاع معدلات البطالة في اوساط النساء بما فيهن حاملات الشهادات العليا و اللواتي تتعرضن للعنف عند المطالبة بحقهن في الشغل؛ ز – عدم إصدار قانون خاص بالعاملات في البيوت كما أن تشغيل الطفلات الصغيرات لا زال مستشريا مما يعرضهن لكل أصناف العنف. والاستغلال كما حصل للطفلة “زينب اشطيط” التي تعرضت لأبشع أنواع التعذيب على يد مشغليها وهي لم تكمل بعد ربيعها الحادي عشر؛ ح – استغلال النساء وخاصة الفقيرات من اجل المتاجرة في أجسادهن من طرف عصابات منظمة تقوم بتهجيرهن خصوصا إلى الأردن وسوريا ولبنان و منطقة الخليج؛ ط – استمرار التمييز ضد النساء السلاليات اللواتي تحرمن من حقهن في استغلال الأرض على قدم المساواة مع الرجال المستفيدين مما يحرم العديد منهن من مورد رزق لهن ولأبنائهن؛ على مستوى الحقوق المدنية والسياسية: أ – لم يصادق المغرب بعد على العديد من الاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة؛ ب – وبعد مرور سنة على الإعلان الرسمي عن رفع التحفظات بشأن اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أنه، في الواقع، لم يتم اتخاذ أي إجراء من أجل الرفع العملي للتحفظات، سواء كان هذا الرفع جزئيا أم كليا؛ لقد مرت ست سنوات على صدور مدونة الأسرة وان تم التعبير حينها على محدودية المكتسبات التي تضمنها وهشاشتها فان التعثر في تطبيقها أجهز على تلك المكتسبات القليلة ولم ينتج عن إصدارها أي اثر ايجابي ملموس على أوضاع المرأة المغربية ، ولازال الصندوق الخاص بالنفقة لم يحدث بعد. وتعترض العديد من المشاكل المسطرية، النساء المغربيات المتزوجات بأجانب و تحرم أطفالهن من الحق في الجنسية المغربية مع ما يترتب على ذلك من صعوبات تتعلق بالإقامة والحق في التعليم الشغل ....الخ؛ إن التقدم الطفيف الحاصل على مستوى تواجد النساء في الجماعات المحلية خلال الانتخابات الجماعية الأخيرة يونيو 2009، لم يرق الى مطالب “الحركة المطالبة بثلث المقاعد المنتخبة للنساء في أفق المناصفة”، كما أن الكوطا، لم يتم التنصيص عليها في القوانين كآلية ضمن التدابير الخاصة التي تمكن المرأة من الوصول إلى مراكز القرار؛ ولا زالت العقلية الذكورية السائدة في المجتمع تكرس الأدوار النمطية للجنسين والصورة السلبية عن المرأة دون أن تقوم الدولة بتحمل مسؤوليتها في اتجاه تغييرها، مما يشجع على احتقار النساء وتهميشهن واستفحال التمييز ضدهن؛ مازالت مختلف مظاهر العنف والتحرش الجنسي ضد النساء تتزايد، في ظل إفلات من العقاب في العديد من الحالات. 3- كيف أثرت الأزمة الرأسمالية الراهنة على الطبقة العاملة والكادحين في المغرب؟ شكلت الأزمة الاقتصادية والمالية مرحلة جديدة متقدمة من الأزمة العامة الهيكلية للنظام الرأسمالي العالمي، كما شكلت على المستوى المحلي ببلادنا تكريسا للوضع المتأزم أصلا منذ عقد الثمانينات من القرن العشرين بسبب سياسات تكييف الاقتصاد والمجتمع المغربي مع شروط التراكم الرأسمالي وتدبير أزمته. وتبقى الطبقة العاملة وعموم الكادحين في المغرب الأكثر تحملا لتكاليف الأزمات الاقتصادية والمالية التي عرفها المغرب منذ خروج الاستعمار المباشر وتحكم الاستعمار غير المباشر في القرارات الاقتصادية والاجتماعية بحكم تبعية التحالف الطبقي الحاكم للرأسمال الدولي. وقد توالت الأزمات الاقتصادية والاجتماعية على المغرب منذ عقد الستينات كل خمس الى سبع سنوات والتي ستسميها السلطات الحاكمة بالسكتات القلبية منذ سنة 1995 ، وتترتب هذه الأزمات أو السكتات القلبية نتيجة التناقض الصارخ الذي تحدثه البرجوازية بسبب الملكية الخاصة لوسائل الانتاج بين قوى الإنتاج المتطورة جدا وعلاقات الإنتاج المتدهورة جدا أيضا. تناقض ما بين إنتاج غزير متوفر في مختلف الأسواق لا مجال لتصريفها وقوة شرائية متدهورة لدى الكادحين لا تتيح لهم إشباع حتى حاجياتهم الأساسية فبالأحرى استهلاك فائض الإنتاج المتراكم. فحدوث مثل هذه الأزمات يؤدي إلى تدهور معدل الربح وتوقف قوى الإنتاج عن العمل وبالتالي إلى حدوت عطالة واسعة وتدهور أكبر للقدرة الشرائية وتعمق وضعية الكساد. فالمشكل إذن هو في نمط الإنتاج الرأسمالي السائد الذي يحتضر والذي لا يتوقف عن إحداث الأزمات. فأمام تدهور معدلات الربح في مختلف القطاعات الاقتصادية ومن أجل تعويض الأرباح الضائعة للبرجوازية تلجأ الدولة إلى إطلاق يد البرجوازية من اجل المزيد من تشديد استغلال الكادحين حتى تحافظ الدولة على مداخيل محترمة للميزانية العامة للاستمرار في رعاية البرجوازية ونمط الإنتاج المتأزم وخدمة المديونيتين الداخلية والخارجية المتفاقمتين، تلجأ الحكومات المتعاقبة الى الهجوم على كل ما يدخل في نطاق النفقات الاجتماعية لتقليصها أو إلغائها سواء تعلق الأمر بدعم المواد الأساسية عبر صندوق المقاصة أو تخصيص الاعتمادات المالية للخدمات الاجتماعية كالتعليم والصحة والسكن، بل عملت الحكومات المتعاقبة على بيع مختلف مكونات القطاع العمومي للقطاع الخاص المحلي والأجنبي. فطيلة ثلاثين سنة من التدبير المتواصل للأزمة عبر تراجع الدولة عن وظائفها في رعاية القطاعات الاجتماعية والاقتصادية وتعهد المرافق العمومية والتحول إلى خدمة الاحتكار البرجوازي، بدأ ينجم عن كل ذلك اغتناء مفرط للمتحكمين في وسائل الإنتاج من برجوازية محلية وأجنبية وفي إفقار متزايد للكادحين ولشرائح واسعة من البرجوازية الصغرى. فتدبير الدولة لأزمة الرأسمالية الاحتكارية يتم على حساب الكادحين وينجم عنه تفاوت طبقي صارخ. مع انطلاق الأزمة المالية والاقتصادية الأخيرة سنة 2008 كان وزير الاقتصاد والمالية المغربي ينفي دائما تأثر المغرب بها، في الوقت الذي اجتمعت فيه خلية أزمة حكومية مع الباطرونا في 24 فبراير 2009 واتفقت معها على اتخاذ عدد من الإجراءات اللاشعبية لوقايتها من الأزمة، فبالإضافة إلى تخصيص 13,5 مليار درهم من الميزانية العامة لمساعدة الشركات المتضررة من لأزمة وأيضا منحها إعفاءات من الضريبة ومن حصة المشغل فقد مكنتها من صلاحية تسريح 5 % من عمال كل شركة تتأثر بهذه الأزمة كما خولت لها صلاحية تقليص مستوى الحد الأدنى للأجور من 1800 الى حدود 1200 درهم فقط. وقد أدى هذين الاجرائين الأخيرين إلى كوارث متعددة في صفوف البروليتاريا المغربية. فقد شاهدنا سنة 2009 تسريح 50 ألف عاملة في معامل النسيج كما تجاوزت التسريحات في هذا القطاع خلال سنة 2010 ال 20 ألف عاملة، وهذا عدا عن تقليص الأجور الى ما دون 1200 درهم وتدني خطير في شروط العمل ومحاربة منهجية للعمل النقابي عبر تسريح أوتوماتيكي لأعضاء المكاتب النقابية حينما تتشكل. لقد كان الاعتقاد أن تلك الإجراءات اللاشعبية المتخذة ستكون كافية لحصر تأثيرات الأزمة، لذلك كان وزير المالية مقتنع بعدم جدوى الإعلان عن تأثر المغرب بالأزمة، فضل يتغنى بمعزوفة أن بلادنا بمعزل عن التأثر بها وهو يقصد بالفعل عدم تأثر البرجوازية بالأزمة لأنها تتمكن عبر الدولة البرجوازية من نقلها على كاهل البروليتاريا. لكن تفاقم الأزمة في العالم بسبب كونها ذات طبيعة هيكلية مرتبطة باحتضار نمط الإنتاج الرأسمالي الذي عمق التناقض بين قوى الإنتاج المتطورة جدا وعلاقات الإنتاج المتخلفة جدا والمتجسدة في اتساع البطالة والفقر وضعف الأجور والقدرة الشرائية لامتصاص الإنتاج الهائل المتراكم، جعل الأزمة تستفحل بشكل خطير على المستوى الكوني وتهدد بالمزيد من الضحايا في صفوف الكادحين وبالمزيد من الإجراءات التقشفية من طرف الأنظمة السياسية التي بدأت، تحت توصية مجموعة العشرين الامبريالية، تغترف من الميزانيات العمومية من جهة لإنقاذ برجوازياتها من الإفلاس المطلق، وتقود من جهة أخرى دولها نحو الإفلاس لاعتماد إجراءات تقشفية لكي تسدد البروليتاريا فاتورة الأزمة ومقابل سعادة البورجوازية. حاليا نلاحظ أن اعتراف وزير المالية بوقع الأزمة على الاقتصاد المغربي هو بدون شك من أجل تبرير الإجراءات اللاشعبية والتدابير التقشفية التي يتم التحضير لها من قبيل إلغاء صندوق المقاصة ورفع المعدلات الدنيا للضريبة على القيمة المضافة وتقليص معدلاتها العليا مع تقليص معدل الضريبة على الشركات وزيادة سن التقاعد الى 62 سنة ثم 65 سنة وتقليص الرواتب وتجميد التوظيف على غرار ما تفعله حاليا البلدان الأوروبية المفلسة بسبب الأزمة كاليونان وايطاليا واسبانيا وفرنسا وألمانيا. 4- لماذا تراجع اليسار محليا وعالميا؟ و هل سنشهد نهضة يسارية في بلدان العالم العربي ، وكيف؟ اليسار لم يتراجع بل انمحى نهائيا منذ حوالي أربعين سنة بسبب هيمنة البرجوازية الصغرى الانتهازية على قيادات الأحزاب اليسارية، فثقافة الصراع السياسي بين اليمين واليسار التي انطلقت مع الثورة الفرنسية ورسختها تدريجيا أفكار الاشتراكية الطوباوية ثم الفكر الماركسي وتجسدت فعليا في ثورة سنة 1848 في كمونة باريس ثم بعد ذلك كرستها الماركسية اللينينية خلال الثورتين الروسيتين لسنة 1905 و1917 وامتدت شرارتها لبلدان أخرى في أوروبا، على اساس الغاء الملكية الخاصة لوسائل الانتاج واستبدالها بالملكية الاجتماعية لوسائل الانتاج. وفي لحظة بدأ فيها نمط الإنتاج الرأسمالي يحتضر ويحاول تدبير أزمته عن طريق شن حربين عالميتين وحروب محلية متعددة ارتفع جرائها عدد الضحايا من الكادحين إلى حوالي 120 مليون نسمة، انتقلت ثقافة الصراع السياسي هذه نحو البلدان المستعمرة التي عرفت موجة عنيفة من حركات التحرر الوطني والاستقلالات السياسية قادتها شعوب المستعمرات المضطهدة. لكن البرجوازية العالمية ومن أجل الحفاظ على استمرارية هيمنتها العالمية على الرغم من علامات الاحتضار التي يشهدها نمط الإنتاج الرأسمالي، بدأت مباشرة عقب الحرب العالمية الثانية في شن هجومها المضاد على الفكر اليساري الثوري وعلى التجارب الاشتراكية وعلى قادة الفكر الاشتراكي انطلاقا من الماكارتية ومرورا عبر الانقلابات العنيفة في افريقيا وامريكا اللاتينية والجرائم الفظيعة المرتكبة في مختلف البلدان بما فيها بلادنا (المهدي بنبركة، عبد اللطيف زروال، سعيدة المنبهب ...) لإجتثات الفكر الاشتراكي الثوري من جذوره. وقد نجح هذا الهجوم البرجوازي العنيف على الفكر الاشتراكي وعلى التجارب الاشتراكية واستطاع العالم الرأسمالي بقيادة الولاياتالمتحدة تدجين مختلف الأنظمة والتحكم في سياساتها الداخلية خلال عقدي السبعينات والثمانينات خصوصا مع انهيار جدار برلين الشيء الذي كان له تأثير عميق في نفوس الكثير من اليساريين القدامى الذين تحولوا عن ثقافة الصراع السياسي لتبني ثقافة التوافق السياسي خصوصا عبر البرجوازية الصغرى الانتهازية المتغلغلة في قيادات الأحزاب اليسارية، فارتد الكثير من اليساريين وحاول بعضهم الآخر الحفاظ على خطابه اليساري شكلا كالحديث عن الاشتراكية العلمية كما تفعل بعض الأحزاب اليسارية في المغرب بينما هي تعمل على خدمة أهداف واستراتيجيات البرجوازية مضمونا. وإذا كانت بعض الإرهاصات الجديدة للفكر الاشتراكي وللنضال الاشتراكي في أمريكا اللاتينية قد بدأت تعتمد على ثقافة الصراع السياسي بدلا من التوافق السياسي الإصلاحي، تعطي أكلها من خلال صعود تنظيمات اشتراكية للحكم. فإن اليسار في العالم العربي لا زال بعيدا عن بلوغ هذه المرحلة حيث لا زالت تسيطر عليه عقلية البرجوازية الصغرى الانتهازية فتسخر أحزابها لخدمة مصالح البرجوازية والمساهمة من خلال قيادات الأحزاب اليسارية الشكلية والمركزيات النقابية في تخدير الطبقة العاملة وتدجينها للخضوع للمزيد من هجوم البرجوازية على شروط عيشها والمزيد من تشديد استغلالها. وفي رأيي أن هيمنة البرجوازية الصغرى بطموحاتها الانتهازية على قيادة الأحزاب اليسارية العربية وعلى المركزيات النقابية، جعل من السهل تسخير هذه الأحزاب والنقابات إلى جانب الدولة البرجوازية التي ترعى الرأسمالية الاحتكارية على حساب الكادحين في كبح الطموحات الثورية للبروليتاريا. لكن مع اشتداد الأزمة الاقتصادية وما تحدثه من عواقب وخيمة على البروليتارية بالإضافة إلى تعمق الأزمات السياسية بين مصالح مكونات التحالفات الطبقية الحاكمة، من شأن كل ذلك خلق الشروط الموضوعية لبروز تيارات يسارية راديكالية تعبر فعلا عن مصالح البروليتاريا وتطمح الى التغيير والتحرر السياسي والاقتصادي الجذري. لكن لن يتحقق التغيير فعلا الا في ظل نهوض أحزاب ماركسية لينينية في جميع الدول تشكل أممية شيوعية مناهضة للامبريالية ولنمط الانتاج الرأسمالي تقودها البروليتاريا العالمية بنفس المضامين التي عبر عنها كارل ماركس ولينين القاضية بإلغاء الملكية الخاصة لفائدة الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج وبمضامين ديمقراطية شعبية تنعدم فيها الطبقات، وبناء ما يمكن التوافق عليه بالولاياتالمتحدة الاشتراكية.