لم أكن أعرف أن المقال السابق " السلفية الجهادية..المعذبون في الأرض" ، سيخلف الكثير من ردود الفعل المتشنجة من قبل بعض القراء الكرام ، الذين راسلوني مباشرة على بريدي الإلكتروني ، وهم عدة أصناف ، صنف قلق على سلامتي الجسدية - وهؤلاء أشكرهم كثيرا - ويحذرونني من عنجهية المخزن الذي - حسب رأيهم - يغض الطرف عن كل شيء ، ما عدا التضامن مع المعتقلين الإسلاميين أو ما يسمى ب " السلفية الجهادية " . وهؤلاء القراء ساقوا مثالا ، قالوا إنه حي وشاهد على اليد الطولى للمخزن المغربي ، مفاده أن السبب الحقيقي في إعدام " لوجورنال " كان هو المعالجة المهنية والمستقلة لقضية معتقلي ما بعد 16 ماي ، وفضح التعذيب الذي مورس على هذه الفئة من المعتقلين . وإلى حد ما أتفق مع هذا التحليل . أما فئة أخرى من القراء فقد عبرت عن استيائها الشديد من إبداء تضامني اللامشروط مع معتقلي السلفية الجهادية ، وقال أحد القراء في رسالته النارية " تدعي أنك يساري وماركسي ، وعوض أن تكتب عن الاستبداد المخزني الذي ألفناه في مقالاتك ، تكتب عن السلفية الجهادية .. لا بل تتضامن مع من قتلوا الأبرياء ليلة 16 ماي الإرهابية " . وأضاف : " أنا أتساءل معك يا أخ علال ، أين ماركسيتك التي تتمركس بها علينا من كل هذا ؟؟ ترى هل هي بداية ردة بدأت تتمخض في فكرك عن الماركسية أم هي زلة فقط ؟؟ أنتظر جوابك حتى يطمئن قلبي عن القلم الثائر في مرايا بريس وفي كل المشهد الصحافي المغربي ، بعد أن صادروا قلم علي المرابط وبنشمسي ويتربصون الآن ببوعشرين مدير أخبار اليوم .. جريدتي المفضلة " . واستفسر ثانية : " قل لي ، لماذا لا تكتب عمودا يوميا في الجرائد اليومية ، أعتقد أنه سيكون العمود الأول على مستوى القراءة....." انتهت رسالة القارئ الكريم عبد الله المنجلي ، وهوا نموذج واحد من الرسائل التي ترد على بريدي الإلكتروني وهي تعاتبني على التضامن مع معتقلي السلفية الجهادية والكتابة عما يتعرضون له من ممارسات همجية من طرف مرتزقة المخزن في السجون المغربية . هناك نموذج آخر من رسائل القراء ، بعضها لقراء " وسخ " المخزن أدمغتهم بخطاباته وشعارته البالية عن الحداثة والمشروع الديمقراطي الحداثي والحكم الذاتي والتنمية البشرية وزيد وزيد .. من الأكاذيب والمغالطات و" الأضاليل الملكية " التي تمارس على المغاربة دور" المسكنات " لآلامهم وجراحهم ومآسيهم التي اقترفها في حقهم النظام الملكي زمن الحسن الثاني وبعده خلفه محمد السادس . وهذه الرسائل التي وصلتني بمعية أخرى تتحدث عن صولات وجولات الملك في التنمية البشرية و" ملك الفقراء.. الفاحش الثراء " ، وما أنا إلا حاقد على "سيدنا" ، وهناك رسائل أشتم منها رائحة عطنة أرجح بعد عدة أدلة وبراهين أنها لمخابراتنا اليائسة والتي انتهى بها المآل إلى سلك طريق السب والشتم والتهديد عبر مراسلتي تحت أسماء جزائرية مستعارة ، بعدما يئست من الترهيب النفسي الذي كلفت به مخبريها عبر ملاحقتي أينما حللت وارتحلت.. ولهؤلاء أقول : لقد اتخذت قراري ، سأكتب كل ما أفكر به دون أن أضع في حسباني أنكم ومخزنكم موجودين أصلا .. سأظل أكتب كما عهدتموني بجرأة تقشعر لها الأبدان .. أبدان من صادر المخزن الحقير إرادتهم وسلب مروءتهم وأخصى رجولتهم واشترى ضمائرهم ب" خنز الدنيا " ، سأظل أكتب بوقاحتي المعهودة عن " وقاحة مخزنكم " ، وأعلم أن أقصى ما يمكن أن تفعلوه هو حادثة سير مفبركة أو الاعتقال أو حتى الاغتيال . وكل هذا لا يهز شعرة من رأسي وأنتم العارفون ، لأن تقارير مخبريكم عني تؤكد ما أقول " جاب ليكم الله راجل أمكم " ، لذلك أنصحكم بالتخلي عن " لعب الدراري" ، والتفرغ لملاحقة الفاسدين ولصوص المال العام وتجار المخدرات والقوادين...، وهؤلاء هم أعداء الوطن الحقيقيين.. إذن لا خيار لكم إلا أنكم " تنساوني شويا " ، لسبب بسيط هو أنني" مكندهشرش مَن الوزْ " . سأعود للقراء الأعزاء الذين عاتبوني عن تضامني مع معتقلي السلفية الجهادية ،ولهؤلاء أقول : أن القضية وما فيها هي أن مسألة التضامن مع مواطنين أهانهم وعذبهم نظام جبان ، هي مسألة مبدأ .. والماركسية وجميع المرجعيات لم تدع يوما ما إلى إبادة المخالفين في الرأي أو التشفي فيهم عدا " النازية " والقيم التي يحملها الفكر الماركسي الحقيقي ، تقف دوما إلى جانب المضطهدين والمعذبين على أساس أنهم طبقة كادحة . وفوق هذا وذاك ، تضامني اللامشروط مع هؤلاء المواطنين المغاربة المظلومين هو فوق كل المرجعيات ، هي قيم إنسانية لا يمكن لغير الإنسان أن يستوعبها ، لا يمكن لغير الإنسان أن يستوعب أن خيرة شباب الوطن يقبعون داخل ردهات سجون هذا النظام البئيس بتهم خيالية تلبية لأوامر أمريكا المطاعة . وفوق هذا وذاك ، يمارس عليهم تعذيب وحشي حتى أننا أصبحنا نسخة معدلة من " نظام ملكي هتليري " . إن ممارسة التعذيب وخصوصا على الأبرياء من المعتقلين هو جرح لا يندمل أبدا ، والنظام الذي يريد السعي إلى حتفه وبقوة الواقع والتاريخ ، هو ذاك الذي يمتهن قمع جزء من الشعب ، فبالأحرى ممارسة هذا التعذيب على مدانين بسبب أفكارهم ومعتقداتهم ، وليس على أساس اتهامهم بجرائم جنائية ثابتة ، والأخطر من ذلك أن هؤلاء المعتقلين يدينون بدين الأغلبية من الشعب المغربي . وفوق هذا وذاك ، المغاربة وإن كانوا يدينون الإرهاب بكل أنواعه جهرا وعلنا ، فإنهم يتضامنون في صمت مع المعتقلين الأبرياء ولا يجهرون بهذا التضامن خوفا من بطش المخزن و" تهمه الجاهزة " ، لأن المغاربة يريدون التغيير.. كيفما كان هذا التغيير وبأي طريقة وتحت أي مسمى.. المغاربة يرغبون في تغيير نظامهم الملكي سواء كان ذلك عبر يساريين أو حتى إسلاميين ، والملك ومخابراته يعرفون ذلك جيدا حق المعرفة . فالملك ومخابراته ، يعلمون أكثر من غيرهم أن جزءا من المغاربة يريد نظاما أفضل من هذا ، بمبرر أن هذا النظام هو نظام فاسد إداريا وسياسيا ، فيما جزء آخر من المغاربة يريد نظاما آخر بمبرر أن هذا النظام فاسد أخلاقيا وبالتالي فهو سيكون كذلك سياسيا ... السؤال الخطير هو ماذا لو تحالفت هاتين الفئتين من المغاربة ؟؟ . بالطبع سنرى النظام الملكي في أقرب" مزبلة للتاريخ " ، ولتفادي كل هذه الكوابيس ، تعاينون اليوم كيف أن النظام الملكي ينهج سياسة استعمارية كانت تدعى " فرق..تسد " ، والتي كانت تنهجها فرنسا بين العرب والبربر زمن استعمار المغرب ، فهو يعمل جاهدا لزرع بذور الفتنة والتفرقة بين المغاربة سواء كانوا إسلاميين أو يساريين .. سواء تعلق الأمر بصحراويين أو ريفيين أو بربر أو داخليين...إن الوحدة الوطنية بين المغاربة التي يزعم أنه يضمنها وأنه رمزها ، هو في حقيقة الأمر عدوها.. إنه عدو المغاربةبكل أطيافهم..عدوهم إذا اتحدوا وتضامنوا بينهم..لأن استمراريته مرهونة بالنجاح في تفرقتهم وترسيخ فكرة أنه بدونه " ستقوم القيامة بين المغاربة " ، وسيدخلون في حرب طائفية عرقية ، لكنه يعلم أن العرقية والطائفية البائدة هي تلكالتي يشعلها اليوم بين المغاربة شمالا وجنوبا .. شرقا وغربا.. إن شعاره الخالد يتجلى في إهانة شرفاء الوطن وتكريم أعداء الشعب وحوارييه ، وعلى ذكر" الشرف " ، أذكر أن والدي رحمه الله ، كان دوما يتلوا علي أسطوانة مشروخة مفادها " أننا شرفاء من ركراكة ومن النسب الشريف " .. ثم يشهر في وجهي رحمه الله ، ظهيرا يقول أنه لسلطان - لا أذكر اسمه ولا أريد تذكره- حينها كنت أرد على والدي بالقول " أن الشرف ليس بالانتساب إلى قبيلة أو عائلة معينة " ، فكان ينهرني ويقاطعني ويصر على ما يقول .. اليوم أنت ميت وتحت التراب يا أبتي.. أعرف أنك ستسمعني ولن تقاطعني: إن الشرف هو ألا نسرق أموال الشعب .. الشرف يا أبتي هو ألا نخون الشعب.. الشرف يا أبتي هو ألا نترامى على أراضي وممتلكات الشعب ونشيد عليها الفنادق والملاهي ونكدس الأموال الطائلة ، فيما شعبنا يئن تحت الفقر والوسخ.. الشرف يا أبتي ألا نرتدي أبهى الثياب وأزهاها وأغلاها ونطوف في المواكب المهلهلة ، فيما الجزء الأكبر من الشعب يئن تحت الجوع والقهر.. الشرف يا أبتي ألا تكون" ملكا متألها " على البؤساء ، ومن الأفضل لو تخجل من نفسك ومن مُلكك وأنت تحكم شعبا ينام بدون تناول وجبة العشاء بسبب الفقر المدقع الذي يرزح تحت وطأته ، الشرف يا أبتي هو أنتكون شجاعا إلى درجة أن تتخلى عن مُلك حقير يستعبد الجماهير بقوة السلاح والإيديولوجيا والانتساب إلى عائلة بعينها بغية إسكات الأفواه المعارضة . أليس" إدريس الأكبر " مؤسس الدولة الإدريسية ، مجرد هارب من المشرق العربي ؟ .. فكيف انتهى المآل بالأغراب إلى أن تقمصوا " ألقاب الشرفاء " ليحكموني ويحكموا شعبيويقهروه ويصادروا وينهبوا ثرواته بالقوة؟؟ . [email protected]