منذ مدة لاحظ كل قراء جريدة المساء و باقي الصحف و المجلات بأن الصحافة في بلادنا أصبحت ساحة حرب لتبادل التهم و تأليب البعض على البعض الآخر، ناهيك عن المقالات التي يشتم منها روائح كريهة تدل على أن الوحوش الآدمية من كل نوع تترك عليها أثرها، الشيء الذي لا يخدم في النهاية سوى مصالح أولائك الذين يريدون الاستمرار في تخدير الناس و صرفهم عن الاهتمام بقضاياهم و مشاكلهم الحقيقية. و بهذه المناسبة و كأحد قراء جريدة المساء أود أن أشاطركم رأيي في هذه الكارثة التي حلت بالصحافة المغربية التي كنا نتمنى لها إقلاعا جيدا، خاصة و أننا نعيش عدة أزمات قد تعصف بنا جميعا إذا ما تركنا مصيرنا بين أيدي من لا يهمهم سوى الحفاظ على حياتهم البئيسة. "" أبدأ إذا من نهاية رشيد نيني مع جريدة الصباح، التي استفادت كثيرا من مقالاته و كانت من ضمن الجرائد الأكثر مبيعا و شعبية لدى عموم القراء المغاربة الذين اكتشفوا بأن هناك صحفيا يكتب حول مواضيع تهمهم كمواطنين تواقين للتغيير و الإصلاح. لكن هذا الصحفي سيحتك مع جهاز القضاء و مع إدارة الجريدة، و كان أن فرض مديرها رقابة على إحدى مقالاته التي تتحدث عن القضاء و القضاة فكانت القطيعة و تبعها الرحيل. طبعا كنت من الذين تضامنوا مع هذا الصحفي الذي قرر الرحيل بدل أن يخضع لممحاة الرقابة، و وجدت في الأمر شجاعة أخلاقية و تشبثا بالمبادئ و القيم التي يؤمن بها، و قلت مع نفسي بأن هذا الأمر نادر الحدوث في بلدان متخلفة كبلادنا. و كم كانت فرحتي كبيرة عندما علمت بأن رشيد نيني سيصدر جريدة جديدة، لا شك و أنها ستكون فضاء صحفيا واسعا لتنوير المواطن أكثر و إطلاعه على ما يهمه من أخبار و وقائع يعمل آخرون على حجبها بكل الوسائل. بمجرد ما صدرت جريدة المساء قررت أن أكون من المساهمين في إقلاعها و ذلك عن طريق المشاركة ببعض المقالات التي كانت تنشر في الفوروم، قناعة مني بأن هذا حق من حقوق المواطن في التعبير عن رأيه بكل حرية. كانت هناك رقابة على عدد من مقالاتي، و كنت أقول مع نفسي بأن هناك أمورا قد لا يستطيع المشرفون على الجريدة طرحها أمام الرأي العام، لأن هامش الحرية الذي تتمتع به الصحافة في بلادنا و خاصة المستقلة منها لا يزال ضيقا و لا يتسع لتمرير كل شيء. و بقي الحال على ما هو عليه إلى أن فوجئنا برحيل علي أنوزلا من الجريدة، و هو أمر لم أستسغه و شعرت و كأن ذلك الفريق الذي يكون رأس الصحيفة قد بدأ يطلق النار على نفسه لينتحر من أجل أهداف قد نكون أنانية، خاصة و أنه لم يكن هناك أي توضيح مقنع لهذا الرحيل المباغت. بعد ذلك ستأتي فضيحة القصر الكبير و ما خلفته من آثار سلبية في نفوس كل الذين تابعوا أطوارها، إلى أن صدر ذلك الحكم العجيب و الفريد من نوعه في تاريخ القضاء العالمي. طبعا كانت المساندة قوية لجريدة المساء و في هذه الظروف لم أتخلى أيضا عنها و أطلقت موقعا إلكترونيا لتوضيح خلفيات هذا الحصار المضروب على الجريدة و إنزال الضربات بها لإخراسها و إركاعها. إنه تعاطف عفوي و رغبة كبيرة في مقاومة الذين يريدون أن تخلو الساحة لعربدتهم الصحفية و مجونهم الإيديولوجي. لقد كان من ضمن شعارات جريدة المساء بأنها تحترم ذكاء القارئ، و هذا أمر في غاية الخطورة، لم يوليه رشيد نيني ما يستحقه من اهتمام، فكانت النتيجة أن وجد نفسه لأول مرة أمام فوهة مدافع زملائه في المهنة و كذا عدد لا يستهان به من قراء جريدة المساء، التي كان يردد أكثر من مرة بأنها ليست جريدته و إنما جريدة القراء. لقد كان يحس بهذا أكثر من أي أحد. فنحن القراء من يضمن لأية جريدة الاستمرار على قيد الانتشار، و إذا ما قررنا وضع حد لنشاطها يكفي أن نتركها تشوى في الأكشاك بحرارة الشمس. كان لا بد أن يأتي هذا اليوم. و هو اليوم الذي لاحظت فيه بأن رشيد نيني قد تغير و أصبحت جريدة المساء تبتعد شيئا فشيئا عن خطها التحريري المعهود. لم يكن توفيق بوعشرين قد رحل بعد، و كنت دائما من القراء الأوفياء لا أفوت اقتناء أي عدد، إلى أن فوجئت برشيد نيني و هو يهين ذكائنا كقراء. كيف ذلك؟. لقد أصبح عند نهاية كل أسبوع ينشر مقالات سبق و أن نشرها بجريدة الصباح و أخرى بجريدة المساء و كتابات قديمة نفض عنها الغبار و طرحها في عموده دون احترام لذاكرتنا. ماذا يعني هذا؟. هل هذا احترام لذكاء و ذاكرة القراء؟. هل يعتقد بأننا كقراء أوفياء مصابون بمرض النسيان أم ماذا؟. من هنا بدأ امتعاضي و وصلت لمرحلة التساؤل عن الدوافع و الأسباب الواقعية وراء هذا التغيير الغير المنتظر و الغير المبرر. بالإضافة إلى هذا، لاحظت بأن جريدة المساء بدأت تغازل القصر، ليس القصر الكبير حيث وكلاء الملك الأربعة، و لكن سكان القصر الملكي. و بدأنا نلاحظ كيف أن رشيد نيني بدأ يؤثث الصفحات الأولى للجريدة بصور الأنشطة الملكية و الأميرية و يضمن مقالاته عبارات لم يعهدها القراء فيه من قبل ظاهرها لعب دور حكم المباريات و باطنها أمور مبهمة يحتاج القارئ لجرعة كبيرة من الفهم لكي يتمكن من فكس طلاسمها. إن تغيير الخط التحريري للجريدة لا يمكن إنكاره أو تجاهله أو تبريره بمبررات غير منطقية. ما هي إذن الأسباب بالضبط؟. هذا ما يجب أن يشرحه لنا رشيد نيني بكل شفافية و موضوعية، بدل الاختباء وراء مقالات من قبل لمن يكتب. صحيح نحن من القراء الذين تحدث عنهم و قال بأنه يكتب لهم و لهذا نريد أن نعرف اليوم الحقيقة بدون مساحيق. لسنا أميين كما قال أحد منتقديه، سامحه الله، على موقع هسبرس، و لكن إذا كان ولا بد من ذلك، فشخصيا أفضل أن نكون كذلك على أن أكون من القراء المغفلين. عندما رحل توفيق بوعشرين و اختفت مقالات خالد الجامعي، عاينا كيف أن جريدة المساء بدأت تتحول من عروس جميلة تسر الناظرين إليها إلى عجوز شمطاء لا تعرف حتى ما تتفوه به من كلام متضارب يحيل على الجنون و الخبل. و هنا أعود بكم إلى مقال لرشيد نيني بعنوان : غير آجي و قلد المساء. لم أحب هذا العنوان و لا الطريقة التي كتب بها المقال. أي غرور هذا و أي أسلوب في التصدي للانتقادات أو لإفساد سلعة منافسيه. لقد ابتعدنا هنا عن الصحافة الجادة و دخلنا إلى صالونات النسوة الثرثارات اللواتي، يتبادلن كلمات من قبيل قليان السم، خمسة و خميس ، كي جيتك و غيرها من العبارات الرخيصة التي تحيلنا على المواضيع التافهة التي تثير السخرية و حتى الإشفاق. هل يجب أن نرتقي بمستوى القارئ الفكري و الأدبي و العلمي أم يتعين علينا تربيته من جديد على العبارات و المقالات التي تتضمن إيحاءات نسوية و سوقية؟. لا بأس في بعض الأحيان من الاستشهاد بأمثال شعبية نابعة من صميم تراثنا الأصيل، و لكن في حدود معينة، أما أن تصبح جريدة تحترم ذكاء القارئ كما يقول رشيد نيني تسوق أسلوبا منحطا في إيصال الفكرة أو لدغدغة الأحاسيس، فهذا أمر مرفوض بتاتا. لسنا خاسرين بأية حال، فكل واحد منا يمكنه أن يتوقف عن دفع ثمن الجريدة متى شاء، أما الخاسرون الحقيقيون فإنهم أولائك الذين يخسرون أنفسهم قبل أن يخسروا أموالهم. و على ذكر الأموال. كثيرون يحاولون أن يجدوا مبررا للتغيير الذي طرأ على رشيد نيني و جريدته، من خلال الإحالة على قضية 600 مليون سنتيم. سأقول لكم رأيي الشخصي في الموضوع. عدد لا يستهان به من القراء يقولون بأن ذلك المبلغ يشكل حبل مشنقة التف حول عنق رشيد نيني، ما يحتم عليه خفض رأسه و مد يديه للمخزن لكي يقلم أظافره التي يخدش بها فراعنة آخر الزمن. لكنني عندما أقرأ سورة يوسف عليه السلام، و التي تقص علينا ما حدث لهذا النبي مع امرأة العزيز، و كذا الآية التي جاء فيها على لسانه : قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه، و إلا تصرف عني كيدهن أصب إليهن و أكن من الجاهلين.، أحس بأن موقف رشيد نيني كان يجب أن يكون مثل موقف هذا النبي، الذي فضل السجن لعدة سنوات، ضاعت ربما من عمره، و لكن ربحها في النهاية بعدما فرج الله كربته، بدل أن يرتمي في حضن المخزن و من يدورون في فلكه. إن قصة يوسف عليه السلام وردت في القرآن ليس لمساعدة الأطفال على النوم أو لتجاهل حر لافح أو برد قارس، و إنما لأخذ العبرة، و لكي نقتدي بمثل هؤلاء الصابرين على الأذى و مؤامرات المتآمرين. أين صحفيونا من ذلك، تبا لزمن المسخ هذا. لو كنت مكان رشيد نيني لوقفت أمام هيئة المحكمة و قلت لهم بأنني لا أتوفر على مبلغ 600 مليون التي يطالب بها وكلاء الملك الأربعة و بالتالي يمكنهم أن يرموني في السجن إذا أرادوا ذلك. أفضل هذا على أن أصبو للسلطة الغاشمة التي تريد مني أن أكون عبدا لها و لمخططاتها التي لا ترمي سوى لتكثيف السحب السوداء أمام أعين الناس لكي لا يروا النور الذي يمكنه أن يطرد الظلمة من عقولهم المسجونة داخل المعتقدات البالية و الطقوس الوثنية. أنظروا إذن كيف بدأت جريدة المساء متألقة و ها هي الآن تندحر رويدا رويدا، و انظروا إلى رشيد نيني الذي لا أعرف إن كان يثق في حاسته السادسة أم في نصائح شخص أو أشخاص ربما لم يقولوا له، بأن كسب ثقة الناس شيء صعب، و فقدانها من أسهل ما يكون، تماما كما أن الصعود لقمة الجبل صعب و السقوط من أعلاه للهاوية في غاية البساطة. قد يظن البعض بأنني أتحامل على الرجل و أنتقده بشدة، و لكنني في الحقيقة أهزه بعنف ليستفيق من غيبوبته التي ستلتهمه ليس كصحفي و لكن كإنسان عاقل. فكأحد قراء جريدة المساء أعتبر أن رشيد نيني هو الناطق الرسمي باسم الطبقات المسحوقة و كل الغيورين على مصالح الوطن. المخزن يتوفر على أقلامه الصحفية المأجورة، و إذاعات و محطات تلفزية و مجلات صقيلة و شركات تجميل الصورة في الداخل و الخارج و أجهزة أمنية متعددة الأسماء و المهام, فما الذي يدفعه إذن لكي يتحول من الخوض في مشاكل الشعب المغلوب على أمره إلى الخوض في الدفاع عن قلاع المخزن المنيعة؟. هل يريد أن يلعب دور الحكيم مثلا، أو الواعظ الذي يرى بأن تدخله ضروري لتوضيح ما يحتاج لتوضيح؟. أم أنه يريد أن يجد لنفسه مكانا في الساحة الإعلامية كمنظر للحكامة الصحفية، و لربما أصابه المس المخزني كما هو الشأن بالنسبة لجميع ضعاف النفوس و منعدمي الإيمان. أعرف جيدا كيف يفكر المخزن. و لهذا أتمنى أن ينشر ما أكتبه الآن ليفهم رشيد نيني و كل قارئ ما يحدث و لكي أضع كل واحد في الصورة بدون رتوشات. إذا كان رشيد نيني قد قرر بيع ذمته للمخزن و نخلى عن قيمه و مبادئه التي طالما دافع عنها في مقالاته، فقد خسر نفسه و خسر ثقة كل الذين أحبوه و وثقوا به إلى الآن، وفي مثل هذه الحال و كما هو الشأن بالنسبة لكل المنافقين و المفسدين و الأشرار، فإن مزبلة التاريخ في انتظاره. أما إذا كان يدافع عن المخزن بتلك الطريقة التي لاحظتموها جميعا بهدف تهدئة شياطين السلطات القضائية و الأمنية، و لكي يتمكن من تمرير بعض ما يمكن أن يجلب عليه الانتقادات بين الفينة و الأخرى، دون مضايقة أو اعتراض فتلك قصة أخرى، و لكن يجب عليه أن يعي جيدا بأن المخزن ليس بغبي إلى هذه الدرجة، فعاجلا أم آجلا سيقصمون ظهره عندما يرون بأن رأسه قد أينع و حان وقت قطافه. فالسلطات التي تقفل مقر جريدة بدون حكم قضائي، و تشرد أسرة صحفية بكاملها، تعطي الدليل القاطع لمن لا يرى و لا يسمع بأن التغني بدولة الحق و القانون كذبة من أنواع الكذب المسلي لتجزية زمن المسخ. ثم يجب أن لا تنسوا بأنه خلال عاصفة القصر الكبير و الحديث عن توقف صدور المساء، كان رشيد نيني يكتب بين الفينة و الأخرى بأن جريدة المساء متنفس للعديد من المغاربة الحانقين، و هذا صحيح بالنظر إلى المشاكل المعقدة التي نتخبط فيها جميعا، باستثناء اللصوص الذين يسرقون ثروات و أموال الشعب بدون حسيب و لا رقيب. فمتنفس لا يعني شيئا آخر غير تدخين مقال لتهدئة الأعصاب المتوترة و إطلاق العنان للأحلام التي لا تنتهي. من يستفيد إذن من هذا؟. أليس المخزن؟. إنه دواء يبدو طعمه مرا و لكنه مهدئ في نهاية المطاف. كنت أتمنى أن يكون رشيد نيني أكثر شجاعة و صرامة في الدفاع عن مواقفه التي عبر عنها في عدد من مقالاته أيام زمان. حينها كنت سأقول له، لقد شرفني كثيرا أن أكون من قرائك الأوفياء، و لكن مع الأسف، اختار صاحبنا طريقا غير الذي نود جميعا أن نسير فيه لعلنا نبصر يوما بارقة أمل تقودنا للإنعتاق من سلاسل العبودية الممارسة علينا في عقولنا و أجسادنا من طرف ذئاب و وحوش ضارية تستغل كل إنسان ضعيف لا يقوى على مقاومة أنيابهم المفترسة. لست صحفيا من الذين يتصارع معهم رشيد نيني، بل واحدا من قراء جريدة المساء، و لكن ليس كأي قارئ لأنني عايشت تجربة هذه الجريدة منذ خطواتها الأولى، و ساهمت فيها بما استطعت من خلال ببعض مقالاتي المتواضعة، دون أن يعرف عني أي أحد أي شيء، لأنني كنت أكتب بأسماء مستعارة. لقد كانت أمنيتي هي أن نصل إلى صحافة مستقلة حقيقية، تدافع عن مصلحة الشعب و الوطن أولا و أخيرا و إخبار الرأي العام بكل ما يهمه من قريب أو بعيد دون محاباة أو موالاة أي أحد. و لكن هذا لم يتحقق، لأن صاحبنا حاد عن الطريق و بدأ يرضي جهات هي في الأصل ضد كل ما يخدم مصلحتنا كمواطنين و كمغاربة أحرار. لا يمكن لرشيد نيني أن يقطع نفسه إلى شطرين، فيسير في طريق بشطر و يسير في أخرى بشطر آخر. لا يمكنه أن يكون مسلما و يهوديا و نصرانيا أو بوذيا في نفس الوقت. لا يمكنه أن يعبد الله و يخدم الشيطان في نفس الآن. الإنسان السوي لا يعاني من الإنفصام في الشخصية، و إلا فهو منافق و المنافقون في الدرك الأسفل من النار، كونهم أخطر من اللصوص و المجرمين، فلولا المنافقين و المرائين لكان هناك قانون يطبق و عدالة سارية على الجميع و بالتالي لا وجود سوى لبعض حالات الإجرام. ليتأمل معي رشيد نيني هذا، حتى يدرك بأن الوقت ليس في صالحه و عليه أن يحدد موقعه وسط هذا الوطن، و رجاء سواء هو أو غيره أن يعفونا من ترديد الشعارات و الخطب لأننا نريد أن نرى ترجمة لكل ما يدعونه على أرض الواقع. فمجتمعنا عبارة عن قبائل و لهجات و لوبيات و معتقدات و تناقضات في الأقوال و الأفعال، و المغربي الحر القح الفطن هو الذي يقول أنا إنسان خلقني الله من تراب و إلى التراب سأعود على أن أضع نفسي بين يدي خالقي نظيفة لم تطلها أوساخ و أدران الدنيا كما أوصاني بذلك خالقي عبر ما بلغني بواسطة الرسل و الأنبياء. أقول هذا لكي أوضح أكثر بأن الصحافة أمانة في عنق من يمارسونها. فإما أن يستخدموها كأداة للبناء أو معاول للهدم. و لا يعتقد أحد بأنه لن يسأل عما يفعل أو أن ما قام به من هدم أو بناء سينسى. مع الأسف أتحسر كثيرا على ما وصلت إليه الصحافة في بلادنا و أتحسر أكثر عما آلت إليه جريدة المساء التي كنا نرجو أن تكون حلما للتغيير قابلا للتحقيق و لكن ها هو رشيد نيني قائد السفينة يتوجه إلى أراضي ربما يظن بأنه سيجد فيها ضالته دون أن يدري بأنه دخل وسط الضباب و سيجد نفسه على الطرف الآخر وسط جزيرة خضراء مكتوب لها أن تغرق في يوم من الأيام ككثير من الجزر. لقد لاحظت كيف أن عددا من المتدخلين في موقع هسبرس أصبحوا يعبرون عن كرههم للصحافة و الصحفيين و كل ما يأتي منهما و يسخرون من مقالاتهم و صراعاتهم التافهة. معهم حق، خاصة عندما يشعرون بأنهم يدفعون كل يوم بضعة دراهم من ميزانيتهم اليومية ليشتروا جرائد تفعل كل ما بوسعها لجلب أكبر عدد من الزبناء، عفوا ، من القراء ، و دلك من خلال إبراز عناوين بالخط العريض و ممارسة التدليس و الكذب و إيهام القارئ بأهمية خبر تافه و إلى غير ذلك من الأساليب الصبيانية التافهة التي يتصيدون بها القراء. يستنتج مما سلف بأن مشاكل كثيرة واكبت مسيرة جريدة المساء كتجربة جديدة في ميدان الصحافة المكتوبة. و هي مشاكل تتقاطع فيها الأنانية و الغرور و الصراعات الفكرية و المادية، مما فوت علينا جميعا، صحفيين و قراء، فرصة بناء صرح رائد في مجال الوصول إلى المعلومة و النقاش الحر و الانتقاد البناء. و بما أن هؤلاء الصحفيين لا يمارسون الشفافية في عملهم و يخفون المعلومات و يقايضون مبادئهم بحفنة من الدراهم أو الدولارات، فليس لنا من خيار سوى تقيئهم حتى لا نصاب بالأمراض التي يعانون منها، من قبيل الهوس الجنسي و الجنون العقائدي و الخرف الإيديولوجي و الخبل الفكري. لأجل هذه الأسباب و لأسباب أخرى وجيهة آثرت على نفسي ألا أثيرها حتى لا أعري رشيد نيني تماما أمام من لا يزالوا يثقون يه، فقد قررت أن أتوقف عن اقتناء جريدة المساء و هي بالمناسبة الجريدة الوحيدة التي كنت أقتنيها، إلى حين أن يقرر رشيد نيني من تلقاء نفسه أن يشرح لنا في مقال واضح حقيقة ما وقع داخل المساء منذ رحيل علي أنوزلا و من تبعه من باقي الصحفيين و المتعاونين، و ذلك بكل موضوعية و شفافية، حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الأوفياء لقيمهم من المتاجرين بأعراضهم و أعراض الناس من المستهزئين بذكاء القراء. أظن أنه كقراء من حقنا أن نعرف. فلا يعقل أن يجد بعضهم الوقت الكافي لتقليب تراب الحدائق الخلفية للقصور الملكية و البحث عن ما يقدمونه للقراء على أنه من أسرار من حياة القصور، و لا يجدون الوقت الكافي للخوض فيما هو أهم من الحياة المخملية لمن لا يهمهم سوى استمرار البحبوحة أطول وقت ممكن. إنهم لا يعرفون أي شيء من الأسرار التي يدعون معرفتها و حتى لو عرفوا فلن يجرؤوا على التكلم. الكرة الآن في ملعب الصحفيين و حتى أشباه الصحفيين. و ليكن المخزن و المتمخزنين مرتاحين، لأنني لم أكن أبدا و لن أكون من المستمعين أو المشاهدين أو القارئين لأكاذيبهم و أضاليلهم. أفضل أن أتجول بكل حرية عبر القنوات الفضائية و أتصفح المواقع الإلكترونية مميزا بين ما يوافق العقل و المنطق و ما هو مجرد خزعبلات و أوهام و أكاذيب. في كل الأحوال، فإن حبل الكذب قصير. يمكنهم أن يستغفلوا القراء لبعض الوقت و لكن ليس إلى الأبد. ملاحظة : و أنا أكتب هذه السطور داخل المقهى يقف أمامي أحد الأصدقاء و يسألني إن كنت قرأت مقال رشيد نيني الأخير فأجبته بالنفي. حينها سلمني جريدة المساء و طلب مني أن أقرأ المقال ففعلت. عندما انتهيت ضحكت كثيرا لهذه الصدفة العجيبة. صاحبنا يتحدث عن البكارة و الشرف البلاستيكي. أتمنى لو يقول لنا متى فقد هو بكارته و منذ متى بدأ يستعمل الكرامة الورقية. و كما لو كان يريد أن يقول لي بأن ما كتبته حق، وجدت بأن الجريدة مؤثثة بصور الأمراء و الأميرات الأموات منهم و الأحياء. هائل، الآن و قد سقط القناع يتعين على كل من لديه ذرة كرامة وشرف أن يطلق هذه الجريدة. سيقول البعض بأنني بهذا أعبر عن موقفي العدائي من القصر. ليس الأمر بهذه البساطة، أنا لا أعادي القصر و سكانه بل أعادي المنافقين و من ضمنهم كل من يلثم يد الملك في العلن و يسبه في السر. أنا ضد كل من يستخدم صور الأسرة الملكية إما للتقرب أو التزلف أو التلمق لتحقيق أهداف أنانية. كل هؤلاء الذين يدعون بأنهم يحبون الملك و الملكية، لا يحبونهما سوى لشيء واحد، و هو ما يجنونه من امتيازات من خلالهما. هذه هي الحقيقة، و رشيد نيني و غيره يعرفون هذا، اللهم إلا إذا أنكروا ما لا يحتاج لإنكار.