يعد المخطط الأخضر واحدا من المشاريع الهيكلية الكبرى، التي عرفها المغرب خلال العشرية الأولى من حكم الملك محمد السادس على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.وقد تزامن إعلان هذا المخطط مع ظرفية دولية مأزومة على المستويين المالي والاقتصادي. واستنادا إلى إستراتيجية المخطط الأخضر التي قدمها وزير الفلاحة والصيد البحري أمام الملك، بمناسبة افتتاح المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، فان المخطط قد حدد بوضوح، آليات العمل والمقاربات المعتمدة وكذا الأهداف والمرامي المتوخات من وراء إقراره. وإذا كانت الغاية من وراء اعتماد وزارة الفلاحة لهذا المخطط الذي حضي بتزكية ملك الملك، تطوير القطاع الفلاحي على صعيد كل جهات المملكة، عبر الرفع من الإنتاجية، وتقوية فرص الاستثمار الجيد والمعقلن. فان هذه الغاية لم تحضا بإجماع باقي المتدخلين بالقطاع. النقابات تعتبر أن الوزارة المعنية قد غيبتهم ولم تستشر معهم حينما وضعت التوجهات الإستراتيجية للمخطط الأخضر،وهناك أصوات أخرى، اعتبرت أن الهدف من وضع إستراتيجية المغرب الأخضر، هو حماية مصالح الفلاحين الكبار على حساب صغار الفلاحين، وليس الرفع من الناتج الإجمالي الخام . إن المخطط الأخضر الذي يرتكز على مجموعة من الدعامات من قبيل تشجيع الاستثمار، وتقيم الدعم لصغار الفلاحين، وتجميع العقارات الصغرى، تعترضه مجموعة من الإكراهات المصاحبة لعملية تنفيذه، منها ما يرتبط بتدبير الثروة المائية ومنها ما يرتبط بالعقار وأخرى ترتبط بنسبة الفلاحين الصغار. لفهم إستراتيجية المغرب الأخضر، التي تهم واحدا من القطاعات الأساسية التي ترتبط بعيش المواطن واقتصاده، وطبيعة الصعوبات والاكراهات المصاحبة له، نعيد نشر هذه المادة، التي كنا قد ساهمنا بها لإحدى الجرائد الجهوية الصادرة بجهة الغرب الشراردة بني احسن، بمرايا بريس ، وذلك تعميما للفائدة،ولتيسير فهم المخطط والسياقات التي جاء فيها، وكشف ماهية البرامج التي تم تسطيرها من قبل مسؤولي وزارة الفلاحة في إطار المخطط الوطني. في فهم إستراتيجية المخطط الأخضر المخطط الأخضر، أو الإستراتيجية الوطنية لتخليص قطاع الفلاحة بالمغرب من مجاله التقليدي المرتبط بالسماء وإعانات الدولة، إلى مجال عصري ممكنن وقادر على استقطاب استثمارات كبرى من شأنها الرفع من إنتاجية القطاع وتنافسيته وطنيا ودوليا، مشروع كبير ميز سنة 208، وأعطى للقطاع الفلاحي قوة دفع جديدة، في ظل ظرفية دولية تتسم بتزايد مخاطر التغييرات المناخية على الأرض والإنسان، و ارتفاع منسوب الأزمة المالية والاقتصادية. أهداف المخطط الأخضر وانعكاساته حسب تصريحات العديد من مسؤولي وزارة الفلاحة وطنيا وجهويا, تهدف إستراتيجية المغرب الأخضر، إلى خلق أزيد من مليون مقاولة فلاحية, وإطلاق موجة جديدة من الاستثمارات, تصل قيمتها الإجمالية إلى 10 ملايير درهم سنويا, عن طريق1500 مشروع, وتحقيق مساهمة ملموسة في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية, خاصة في الوسط القروي, الذي ظل ارتباطه بالفلاحة والأرض, ارتباطا شديدا, رغم التقلبات المناخية غير الملائمة, خصوصا الجفاف, الذي أضحى ظاهرة بنيوية في المغرب.كما أن هذه الإستراتيجية، حسب التصريحات التي سبق لوزير الفلاحة عزيز أخنوش، أن أدلى بها لوسائل الإعلام، تعد بمثابة برنامج "برغماتي وطموح لتحقيق تنمية سريعة للفلاحة الوطنية", يهدف إلى تحقيق ناتج داخلي خام إضافي سنوي, يتراوح بين 70 و100 مليار درهم. وتمثل الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية المنتظر أن تترتب من المخطط, في خلق بين مليون ونصف مليون فرصة عمل إضافية, والرفع من مداخيل حوالي 3 ملايين شخص في الوسط القروي, بمقدار ضعفين إلى ثلاثة أضعاف, إضافة إلى أهمية حجم الاستثمارات المرتقبة. أس ودعامات المخطط يستند المخطط الأخضر على مجموعة من الأسس, منها ما يرتبط بالرهان على جعل القطاع الفلاحي أحد محركات تنمية الاقتصاد الوطني للسنوات 15 المقبلة, والقطيعة مع التصور التقليدي، الذي يقابل بين الفلاحة العصرية والفلاحة الاجتماعية, عبر صياغة إستراتيجية متميزة وملائمة, تهم كل الفئات في القطاع, و منها أيضا ما يرتبط بتجديد نسيج الفاعلين وإعادة هيكلته اعتمادا على نماذج "التجميع". ويقوم المخطط على دعامتين أساسيتين لاستهداف أكبر عدد من الفلاحين, الأولى تستهدف الفاعلين العصريين, وترمي إلى تطوير فلاحة عصرية, تستجيب لقواعد السوق, على أساس مخططات قوية لإنعاش وتطوير سلاسل إنتاج ذات قيمة مضافة مثل سلسلة الخضر, وسلسلة الحوامض, وسلسلة الزيتون, وسلسلة الأشجار المثمرة, أو ذات إنتاجية كبرى, مثل الحبوب في الأراضي الملائمة, والحليب, واللحوم, والدواجن. في حين الدعامة الثانية ترمي إلى تطوير مقاربة جديدة لمحاربة الفقر المستشري في صفوف الفلاحين الصغار, عبر الرفع من المدخول الفلاحي في المناطق النائية, بإنجاز 300 إلى 400 مشروع اجتماعي, في إطار 16 مخططا جهويا, ترتكز على نظام تمويل مبتكر, يتعامل مع الممولين الاجتماعيين, باعتبارهم مستثمرين. ومن أجل مواجهة مشكل التمويل, الذي يقلل من المر دوديةو الإنتاجية, وإشكالية الجفاف, التي ترهن المحاصيل في معظم المناطق الفلاحية التقليدية, تأسست الخطة على آلية الشراكات, بين السلطات المسؤولة والمصالح التابعة لها, من ناحية, والمؤسسات التمويلية, من ناحية ثانية, والفلاحين, من ناحية ثالثة. ست أفكار ترسم خارطة طريق المخطط تنطلق الفكرة الأولى للمخطط من كون الفلاحة يجب أن تكون أحد محركات تنمية الاقتصاد الوطني, عن طريق إحداث تأثير قوي على معدل نمو الناتج الداخلي الخام, وخلق فرص العمل, وإنعاش التصدير ومحاربة الفقر. الفكرة الثانية تعتبر أن الفلاحة هي القطاع الاستراتيجي الذي يحتاج إليه المغرب, لربح مزيد من نقط التنمية, من خلال تبني شعار "فلاحة من أجل الجميع دون استثناء", عبر إستراتيجية متميزة ملائمة لكل فئة من الفاعلين, تقطع مع التصور التقليدي, الذي يقابل بين الفلاحة العصرية والفلاحة الاجتماعية وتأخذ في الاعتبار, تنوع الفاعلين وإكراهاتهم الذاتية السوسيو- اقتصادية. الفكرة الثالثة تتعلق بضرورة معالجة المشكل الجوهري للفلاحة المغربية, الذي يتجلى في ضعف نسيج الفاعلين, باعتماد نماذج التجميع التي أبانت, عن نجاحها على الصعيد الدولي والوطني. الفكرة الرابعة تهم تشجيع الاستثمار الخاص المصاحب, بدعم عمومي عند الضرورة. الفكرة الخامسة تعتمد على مقاربة تعاقدية لإنجاز ملموس بين 1000 و1500 مشروع, محددة على أساس نموذج اقتصادي هادف عبر الاستفادة من المسلسل الناجح لخوصصة أراضي صوديا وصوجيطا. الفكرة السادسة تدعو إلى عدم استبعاد أي سلسلة إنتاج, إذ يمكن لكل السلاسل أن تحقق النجاح المأمول والأمر يتعلق بإعطاء الفاعلين جميع الفرص, لإنجاح هذا التحول, في إطار من المرونة, ووضعِ الثقة فِي العاملين. على سبيل الختم على الرغم من النسبة المئوية التي يساهم به القطاع الفلاحي بالمغرب من الناتج الداخلي الخام وما لذلك من تأثير كبير على النمو الوطني، وعلى الرغم أيضا من النسبة التي يساهم بها القطاع في مجال الشغل، والتي قدرتها بعض الإحصائيات بأربع ملايين من السكان القرويين، فضلا عن مئات الآلاف ممن يشتغلون في قطاع الصناعات التحويلية الغدائية. فان القطاع الفلاحي بالمغرب, مازال مرتبطا, في جزء كبير منه, بزراعات "معاشية", إلى جانب مشاريع فلاحية عصرية, بيد فئة قليلة من المستثمرين, ما يشكل واقعا "يصعب استيعابه", بسبب هيمنة زراعات الحبوب على المساحات الفلاحية (75 في المائة من إجمالي المساحة الصالحة للزراعة), رغم أن قطاع الحبوب لا يمثل سوى 10 في المائة من معاملات القطاع الفلاحي, ولا يوفر سوى 5 في المائة من مناصب الشغل.كما أن صغار الفلاحين لا زالوا يواجهون وضعية صعبة بسبب التجزئة المفرطة للأراضي, إذ لا يتعدى معدل مساحة الاستغلال هكتارين, ما يؤدي إلى إضعاف مداخيل هؤلاء, وتكريس ظاهرة الفقر, المتفشية في الوسط القروي.