يجب أن نفهم إفريقيا قبل دراسة إفريقيا، إذ دراسة تاريخ إفريقيا يطرح إشكالات من قبيل؛كيف نرى إفريقيا، كيف نتصورها؟ وكيف نرد على الدراسات الأنجلوساكسونية التي تربط بين دخول الإسلام والعنف؟ إنه تاريخ مغيب بالنسبة للمغرب، وإفريقيا ارتبطت في أذهان الشمال إفريقيين بالملح والذهب والعبيد والقبائل المتناحرة. إن العلاقات المغربية السودانية على الأقل كانت أفضل وأرقى من المجازر التي خاضها الهولنديون والألمان والفرنسيون والإنجليز وخصوصا الإسبان في مستعمراتهم الإفريقية والأمريكية اللاتينية، كما لا ننسى سنوات الآبارتهايد، الاستحواذ على الذهب والماس، المنع من دخول الإدارة، منع الزواج من السود... إلى عهد ليس بالبعيد.. كما لا نستطيع نسيان الدور الذي تلعبه اليوم الأقليات السوداء في تاريخ ومستقبل فرنسا وأمريكا، وما يضفيه الوجود العرقي الإفريقي من بعد جمالي وثقافي، الجمال الأسود، الجسد الإفريقي والهوية السوداء والتي أدى ثمنها الأفارقة غاليا، هي اليوم منبع التألق في سماء الفن والرياضة .. وبالنسبة للمغرب إنه تاريخ من التواصل مع جذوره الإفريقية، فكان المغرب قنطرة مفتوحة على مصراعيها ينتقل عبرها عالم فريد من الموسيقى، الخدم، الجيش، المربيات، الرقص، العنصر الأسود.. كمؤثث للفضاء وتغذيته بالتنوع. كما أن هذه العلاقات بين المغرب و بلاد السودان استمرت لفترة واسعة (القرن 10-القرن19م) بل إلى اليوم.. و لا بأس من إعطاء لمحة تاريخية ولو سريعة ومختصرة للعلاقات التاريخية ورصد لمختلف الروابط وتلك العلاقات. المرحلة الأولى عرفت هذه المرحلة الأولى، بزوغ نجم المرابطين كقوة نابعة من أقصى جنوب المغرب، حيث نتعرف على عبد الله بن ياسين المعتكف في جزيرته بالجنوب. ودخول المرابطين أوداغوست 1045ه . وسنة 1055ه، احتلوا سجلماسة للوعي بأهمية الطرق التجارية . ثم عودة أبو بكر بن عمر للصحراء. القرن 10-11م، تميز بدخول الإسلام مع التجارة، بل بدا ذلك قبل المرابطين.. حيث يمكن اعتبار العامل الأساسي لنشر الإسلام هو "التجارة" في هذه المرحلة. لقد تميزت المرحلة الأولى بشيء أساسي: الدخول السلمي، فالطريق الأولى دشنتها التجارة والإسلام، وهي المرحلة التي سهلت التوغل فيما بعد.. إذ أن تواجد المسلمين والإسلام بمملكة غانا (حسب رواية البكري) قبل وصول المرابطين، مسلمون كانوا نموذجا من خلال العادات والسلوك والتعامل التجاري، والصلاة... المرحلة الثانية عرف المرينيون علاقات مهمة مع مالي، الفترة التي يتحدث عنها ابن بطوطة وابن خلدون ، وعرفت تراجع العلاقات التجارية تدريجيا نحو الشرق للطرق الجديدة، لصالحالعلاقات الدبلوماسية إذ عرفت هذه المرحلة أوج العلاقات الدبلوماسية السفارية. حيث عرفت هذه المرحلة تبادل السفارات بين "أبو الحسن المريني" و"مانسى موسى". وليتم استبدال الذهب أساسا بالملح في الصحراء، ومن يملك الملح يملك الذهب لغياب الملح في القارة الإفريقية، وكذا لارتباط الملح بالعديد من الأمراض، لقد كان الطلب عليه قويا من قوة الطلب على الذهب من المغاربة والأوربيين.. وكلما توغلت الطرق نحو الملح ثم أكثر نحو الذهب، كلما دشن الشماليون أماكن جديدة للإسلام للتجارة، للإسلام، للطرق، للمعاملات، للعلاقات... المرحلة الثالثة حتى القرن 16م، لم يكن الأوربيون يعرفون شيئا عن إفريقيا الداخل إفريقيا الأدغال، كانوا يعرفون السواحل فقط، بالمقابل فنشر الإسلام عبر التجارة أكدت عليه كتب الأسطغرافية وأدبيات التاريخ الإسلامي.. وعرفت المرحلة علاقات بين مملكة سنغاي والسعديين.. كما شهدت المرحلة بروز مؤرخين لهذه الفترة: الفشتالي، الحسن الوزان أو ليون الإفريقي، السعدي.. وعرفت بداية التجاوز التكنولوجي في القرن 16م، و الذي غير مسار العلاقة، متمثلا في بروز السلاح الناري و سلاح المدفعية بشكل كبير. أمافترة المولى إسماعيل، فتمثلت في جلب جيش من العبيد تم إطلاق اسم عبيد البخاري، نسبة لصحيح البخاري الذي تم تحليفه عليه.. القرن 19م مرحلة التراجع السياسي والاقتصادي، وبزوغ نجم العلاقات الروحية ممثلة في القادرية و البكائية (نسبة للبكاي القرن 15م)، القادرية، المختارية، حيث سيصبحالقرن 19 قرنا غنيا بالطرقية. وظهور الحركات السنوسية، المهدوية، الوهابية، كحركات صحراوية، دليل على مدى تشبثهم بالإسلام والوفاء له.. وفيه (القرن 19م) كان السودان قد تشبع بالإسلام والتجارة والحضارة الإسلامية أصبحت له تجارته معاملاته الدبلوماسية، مواقفه، علماءه، إسلامه الشعبي الطرقي. والميزة الأساسية للعلاقات المغربية السودانية في القرن 19م، أنها كانت مستمرة، وبالنسبة للعلاقات الثقافية المذهب المالكي أصبح الركيزة.. حصيلة العلاقات المغربية السودانية لقد تنوعت طبيعة هذه العلاقات و شملت الكثير من المجالات فنجد: - العامل الاقتصادي عامل أساسي ومحدد للعلاقات المغربية الإفريقية، العلاقات الاقتصادية ستتحول إلى دبلوماسية زمن (أبي الحسن المريني). هذه العلاقات التجارية المتميزة ساعدت الشعوب الإفريقية على التطور و التمدن و الانفتاح على العالم الخارجي. وتركزت العلاقات الاقتصادية على الملح و الذهب والهيمنةعلى الطرق التجارية. - علاقات دينية رحلية عادية قبل المرابطين. مع استمرارية تثبيت المذهب المالكي الذي سهل العلاقات فيما بعد وحدة المذهب بين مجالين مختلفين جغرافيا وبيئيا وحضاريا... حيث أصبح السودانيون يستهلكون المذهب المالكي، كاستهلاكهم للملح. - علاقات تجارية دينية مع المرابطين. ومنذ ذلك الحين والعلاقات التجارية تجلب معها الدين الموحد والهادم للوثنية، وتجلب معها أخلاق وسلوكيات وثقافة وحضارة المجتمع الإسلامي. - علاقات دبلوماسية كما في فترة المرينيين. - علاقات تهجيرية، طرقية، ثقافية مع العلويين. - العلاقات الثقافية، وظهور الكثير من عواصم العلم والمعرفة في بلاد الصحراء ك"تومبوكتو"، وظهور علماء بارزين على سبيل المثال العالم (عبد الرحمن السعدي)، الذي نشأ في تومبوكتو (ولد عام 1556، وخلف كتابه الشهير (تاريخ السودان) كمرجع رئيس. هذه العلاقات الثقافية التي أخذت جذورها منذ القديم، حيث نجد ابن بطوطةيتحدث عن "الصلاة"، و "ليون الإفريقي" يتحدث عن "تجارة الكتب". وجلبت العربية كلغة للكتابة والتداول، انتشرت معها الكتابة والتدوين بعد قرون من الثقافة الشفهية... و المغزى لقد ربط الغربيون العنف بالإسلام في دخولهم بلاد السودان، حيثيصور المغاربة كمكسرين للوحدات الإفريقية. وتحاولالدراسات الغربية جاهدة أن تنال من أهمية هذه العلاقة بأن تجعلها مجرد علاقة استعمارية. وأكبر خطأ اقترفه وأعلنه المفكرون الغربيون اعتقادهم بأن التاريخ الحضاري لمنطقة السودان الغربي، لا يبدأ إلا مع الاستعمار! ويجب أن نلاحظ اليوم أن إفريقيا كلها متخلفة باستثناء "جنوب إفريقيا"، والمشرق الإسلامي كله متخلف ما عدا إسرائيل! وهنا يبدو واضحا دور الأيادي الخارجية ورغبتها في تقزيم الكيانات الوطنية الإسلامية الحرة. لا يمكن أن نتغافل عن أن المسلمون فاقوا غيرهم من الشعوب والديانات من حيث قدرتهم على الانسياب الثقافي في الداخل، والتعامل مع الآخر المختلف.. واليوم هناك قنابل موقوتة في إفريقيا بسبب ثقافة القلة، ولو استغل الإسلام كحل لهذه الإشكالات العرقية والقبلية لكان الحل ناجحا والتجارب أثبتت ذلك في إفريقيا والبلقان والهند والصين والكثير من بقاع العالم. لن يدر أحد الرماد في عيوننا في محاولة الغرب اجتثاث مصر والمغرب من محيطهما وعمقهما الإفريقي و الاستفراد بإفريقيا وفيما بعد لإضعافهما.. إن تاريخ العلاقة مع السودان يعتبر إرثا تاريخيا عريقا، لابد من توظيفه واستمراره.. كما أن تاريخ العلاقات التجارية الدبلوماسية والإسلامية يعتبر إرثا كبيرا يمكن أن يوظف في العلاقات التجارية وغيرها اليوم مع بلاد السودان أو إفريقيا جنوب الصحراء.. إلى ذلك الحين دامت العلاقة جنوب جنوب بألف رهان، من أجل الوقوف في وجه هيمنة الإنسان الأبيض السوبرمان..