في هذا الحوار يقدم البروفيسور أطروحة تفسيرية للتحولات التي تعرفها مجموعة من الدول الإفريقية، بداء من السودان وتشاد وكينيا ونيجيريا وجنوب إفريقيا والصومال. ملخص الأطروحة أن الصراعات التي تدور رحاها في كثير من الدول الإفريقية ترجع إلى ردود فعل المشروع الفرنكفوني والأنكلوفوني من بداية تشكل المحور العربي الإسلامي في إفريقيا، حيث يؤكد حسن مكي أن محور نيروبي بدأ في الاهتزاز، وأن محور القاهرة طنجة تامبوكتو في طريقه إلى التشكل وأن الاقتتال في دارفور وفي كينيا وما يجري في تشاد لا يمكن أن يقرأ بمعزل عن صراع هذين المحورين. تقدم اليوم جملة من التفسيرات لما يجري في دارفور، نود منكم أن تفسروا لنا حقيقة الصراع في دارفور والمرامي الإستراتيجية للتدخل الدولي في هذا الإقليم؟ الصراع في دارفور في حقيقته صراع حول الموارد، وهو تأكيد لمقولة تأثير الانحباس الحراري على البيئة، بحيث أدى الجفاف وعدم نزول الأمطار في دارفور إلى تلاشي المساحات المزروعة وانحسارها، وتتحول هذه المساحات إلى المناطق التي فيها ري دائم في الجبال. ونتيجة لهذا الوضع أصبحت تحصل نزاعات بين الرعاة البدو الذين يطلق عليهم أنهم عرب والمزارعين والذين هم على إسلامهم إلا أنهم يعتزون بجنسيتهم الإفريقية، وتطور هذا الصراع حيث كانت المواشي والإبل أحيانا تدخل في مناطق المزارعين فكانوا كلما تصدوا لها تقع احتكاكات كانت تؤدي في الغالب إلى شيوع الاقتتال وانتشار السلاح الناري. في السابق كانت هذه الصراعات تدور بالسلاح الأبيض، وكان حجم الخسائر محدودا، ولكن في المرحلة الأخيرة تطور الأمر إلى السلاح الناري خصوصا بعد الحرب التشادية التشادية والحرب التشادية الليبية وحرب جنوب السودان وارتفاع أسعار البهائم والأنعام مما جعل القبائل كلها تبحث عن السلاح، وحينما تقع هذه الاحتكاكات تصبح الخسائر في الأرواح كبيرة جدا، أحيانا بالمئات، وقد صاحب هذا الوضع تطور آخر، ذلك أن القبائل العربية استفادت وأصبحت قوية في دارفور بحيث تم تعريب دارفور بالكلية. وتعريب دارفور بالكلية أدى إلى نتائج ثقافية واجتماعية ، ولما كانت قبائل دارفور ذات تواصل وحدود مشتركة مع قبائل تشاد، بحيث يمكن أن نتحدث عن ستة وعشرين قبيلة بين تشاد ودارفور، فحركة التعريب التي حدثت في دارفور أدت إلى وصول التعريب إلى تشاد بحيث أصبحت القبائل العربية في تشاد ذات قوة وشوكة نتيجة لتواصلها مع قبائل دارفور ونتيجة أيضا للدعم الليبي، وهذا ما أدى إلى تهديد المشروع الفرنكفوني في تشاد. ففي تشاد يوجد مشروع فرنكفوني قوي، وتوجد قاعدة عسكرية فرنسية، ولا شك أن تهديد المشروع الفرنكفوني في تشاد سيؤدي إلى تهديد المشروع الفرنكفوني في معظم إفريقيا الفرنسية سواء كان في مالي أو النيجر على وجه الخصوص لأن القبائل العربية هناك جد قوية وأن فرنسا تعمدت أن تحجب هذه القبائل عن مراكز القوى والقرار والحكم والسلطة، وفجأة اكتشفت هذه القبائل أن النخبة الحاكمة عارية سواء كانت في تشاد أو في النيجر أو في مالي وأن هذه القبائل لو تحالفت فإنها تستطيع أن تطيح بالنخبة الفرنسية المتنفذة وتصبح هذه الأقطار عربية ثقافة عن جدارة واستحقاق، ولذلك بدأ استغلال الأوضاع في دارفور من فرضية أن عدم استقرار دارفور والاقتتال في دارفور هو صمام الأمان لبقاء المشروع الفرنكفوني واستمرار النخب الفرنسية المستلبة في الحكم في المنطقة. ولذلك بدأت عملية تنصير دارفور كما حدث في حادث خطف الأطفال. ولكنهم أطفال تشاد؟ هم أطفال دارفور في النهاية، وكذلك بدأت تشويه سمعة العرب في دارفور واتهامهم بأنهم قتلة ومصاصي دماء ومغتصبي نساء وأن حكومة السودان تدعمهم وتسلحهم والهدف الواضح هو ضرب الصلة ما بين ما هو عربي وما هو إفريقي، وإبراز أن الخطر على إفريقيا لا يكمن في الاستعمار ولا في التنصير وليس في الشركات المتعددة الأغراض وإنما الخطر في العرب والقوى العربية حتى تخلق فجوة ما بين ما هو عربي وما هو إفريقي. إذا كان الهدف من استثمار قضية دارفور هو التمكين للمشروع الفرنكفوني فلماذا دخلت أمريكا على الخط؟ أمريكا دخلت على الخط، لأن أكبر مشروعها هو محاربة الإرهاب، وهي تعتقد أن الحاضن للإرهاب هو الثقافة العربية الإسلامية، ولذلك فأمريكا تريد أن تؤازر فرنسا في هذه المشروع لأنها تعتقد أن الفرانكفونية هي ابنة عمة الأنكلوفونية، وأنه ليس هناك تناقض إلا في المصالح العابرة في البترول والثروة واليورانيوم فهذه المصالح يمكن أن تنسق كما حدث في جيبوتي وغيرها. وسياسة أمريكا في المنطقة الإفريقية تتأطر بمفهوم محاربة الإرهاب التي تعني محاربة الثقافة العربية الإسلامية، وهي تتبع في ذلك سياسة إسرائيل التي تعتبر تعريب إفريقيا هو إلحاق لها بالمحيط العربي، وهو ما سيقطع الطريق أمام التمدد الإسرائيلي ويمنع تمدد المشروع الصهيوني في إفريقيا. هل يمكن أن تحدثنا عن تطورات الموقف الآن في دارفور؟ الوضع في دارفور وتشاد خارج السيطرة، ولذلك في الأيام الماضية تم إنزال قوات أوربية في تشاد لأن القوات الفرنسية شعرت أنها عاجزة عن ضبط الموقف هناك وبالتالي عجزت عن إيقاف تأثيرات دارفور على تشاد. بالنسبة إلى داخل دارفور، القوات الهجينة، أو ما يسمى بالقوات الدولية، باتت عاجزة عن ضبط الوضع في دارفور لأنها تشعر بأنها تقوم بشيء لا يتفق مع طبيعة المنطقة وأن هذه قبائل متحركة عاشت هكذا على مر التاريخ ولا يمكن تجريدها من السلاح، وهو ما يعني أن مآل المشروع الفرنكفوني إلى الفشل. الملاحظ أن الحكومة السودانية رفضت مجيء القوات الدولية إلى دارفور ثم اضطرت بعد ذلك إلى قبولها كيف تفسر هذا الموقف؟ هذا نتيجة الموازنة بين ما هو مطلوب نظريا وما هو ممكن عمليا، فالمطلوب نظريا ألا يتم قبول هذه القوات لأن في ذلك كسر للإرادة الوطنية التي يجب أن تحرر وأن تبقى خالصة، لكن فوارق القوى وموازين القوى لا تسمح بذلك،لأن هذه القرارات تم تنزيلها عبر بوابة الأممالمتحدة ومجلس الأمن والاتحاد الإفريقي، ولذلك لجأت حكومة السودان إلى أهون الشرين، وهو أن تكون هذه القوات الدولية تحت قيادة الاتحاد الإفريقي ومختلطة مع قيادة من قوى الأممالمتحدة وأن ترفض وجود قوات أوربية أو أمريكية على أرض السودان، وأن تحاول كسب كل هذه القبائل، وأن يكون الحل حلا نابعا من دارفور في إطار المظلة الدولية الموجودة. ألا تخشى السودان من أن تتهم بعرقلة مهام القوات الدولية إذا عجزت عن تحقيق شيء في المنطقة؟ الحكومة السودانية كل يوم تتهم ويطارد قياديوها ومسئولوها أمام المحاكم الدولية بتهم مثل ارتكاب جرائم حرب وغيرها، ولكن هذه حرب نفسية وهي محاولة لاختراق الأعصاب السودانية حتى يحصل الاستسلام للمشروع الأمريكي الإسرائيلي والمشروع الفرنكفوني في المنطقة، لكن هناك اليوم تماسك في الجبهة السودانية الداخلية، ونحن نعرف أن هذا كله يدخل في إطار الرغبة في كسر الإرادة الوطنية السودانية وإبراز أن الدول العربية لا إرادة وطنية لها وأنها تحتاج إلى وصاية دولية وتدخل خارجي لحسم مشكلاتها. هل يمكن القول بأن المراهنة على دارفور من أجل تمزيق الداخل السوداني وفي نفس الوقت كسب نقاط ضد السودان وضد الحركة الإسلامية ومشروعها في السودان هل يمكن أن نقول بأنه قد فشل؟ لا أستطيع أن أقول بأن هذا المشروع قد فشل، لكن توجد هناك مقاومة قوية لهذا المشروع. هناك الآن عدوان على السودان والسودان يقام مثلما هناك عدوان على العراق والعراق يقاوم، فليس هناك استسلام، هناك مقاومة وهذا هو المهم. هناك اليوم رهان كبير على لإفريقيا، إذ تحولت الأجندة الأمريكية والأوربية إلى إفريقيا، واليوم هناك صراعات كثيرة تنشب في مجموعة من دول إفريقيا ليست معزولة عن هذه الأجندات نأخذ على سبيل المثال كينيا، كيف تفسرون ما يحدث في كينيا بروفيسور مكي؟ اليوم، للأسف الشديد الأجندة الأمريكية والصهيونية أصبحت أجندة الكثير من الدول الإفريقية وحتى بعض الدول العربية، والحالة الكينية حالة تستحق الدراسة والتوقف، بحيث إن ما يجري اليوم في كينيا سيكون له تأثير على العالم العربي وسيكون له تأثير حتى على المغرب، لأن كينيا من الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية. وما يجري اليوم في كينيا مهم جدا بالنسبة لإفريقيا، لأنه في القديم كان يوجد في إفريقيا ما قبل الاستعمار محور واحد، ه محور(القاهرة طنجة - تمباكتو خ كانو) وهذا المحور يمتد إلى شرق إفريقيا في زنجبار ومنبسة ودرا السلام، وكان هذا المحور هو محور الثقافة العربية الإسلامية التي كانت تنتشر عن طريق الحج والتعليم والزوايا الصوفية والعلماء وكتابة القرآن، هذا المحور ضرب عن طريق الاستعمار، ولما بدأ الاستعمار يرحل وجد أنه سيترك فراغا وأن المحور العربي الإسلامي قد يبرز ويصبح معطى واقعيا من جديد، فكان لابد من خلق محور آخر، فتم خلق محور جديد من النخبة الإفريقية المتفرنسة والنخبة الإفريقية ذات البعد الأنكلوفوني، وكان من أهم نقاط ارتكاز هذا المحور هو نيروبي وجوهنسبورغ ولاكوس انتهاء بداكار، وأصبح من رواد هذا المحور في لاكوس يعقوب داوون وسونيكا وسانكو، وفي داكار سانغور الذي تحدث عن الزنجية، وموسيفيني في أوغندا الذي حدد الإفريقانية على ثلاثة مستويات: الإفريقي الأصيل وهو الزنجي، والإفريقي المستلب وهو العربي المسلم، والإفريقي المستوطن وهو الخواجة. وكان أكبر نموذج نجاح لهذا المحور هو نيروبي، ولذلك تركزت في هذه العاصمة المراكز والمؤسسات الدولية بحيث توجد بها حوالي أربعة عشر ألف مؤسسة دولية ما بين تنصيرية وحقوقية ومهنية ومن منظمات الدفاع عن الشواذ والجندر والمرأة وغيرها، ولكن هذا المشروع الآن انهار في الانتخابات الأخيرة في كينيا التي جرت في نهاية العام المنصرم ولا زالت تبعاتها إلى اليوم. ذلك أن كينيا تتكون من ثلاث مجموعات: مجموعة إسلامية أساسها الصوماليون والعرب، وهي تتواجد في أغنى منطقة في كينيا لأنها توجد في منطقة منبسة حيث الميناء والساحل وموجودة في المنطقة الصومالية التي يتوقع أن يوجد البترول، وهناك مجموعة كيكــويو ومنه سميت كينيا وهي منتشرة في الوسط، ومجموعة القبائل الصغيرة الأخرى كالماساي والكامبا والليوس وغيرها. الذي وقع في الانتخابات الأخيرة أن المسلمين تحالفوا مع القبائل الصغيرة، وفازوا في الانتخابات، ولكن أمريكا كانت لا تريد فوز تحالف القبائل الصغيرة، لأنه يضم المسلمين رغم أن رئيس التحالف هو راييلا أودينغا، لكن هذا الزعيم اشتراكي وأمريكا غاضبة عليه لأنه درس في أوربا الشرقية ولأنه سمى ابنه بكاسترو وثالثة الأثافي أنه تحالف مع المسلمين في هذه الانتخابات ونفذ أجندتهم ورفض قانون مكافحة الإرهاب ووقف ضد تسليم عدد من قيادات المسلمين إلى أمريكا وإثيوبيا، ولذلك لما تم الاقتراع في الانتخابات كانت النتيجة كالآتي: فاز تحالف القبائل الصغيرة الذي يضم المسلمين ب 101 مقعد من أصل ,208 وكان عدد المسلمين ضمن 101 هذه هو 28 مقعد أي ربع مقاعد التحالف، وبالنسبة للرئيس الحالي الذي زور الانتخابات فلم يحصل سوى على 47 مقعدا، وقد شارك في هذه الانتخابات 11 حزبا، وقد حصلوا بدرجات متفاوتة على ما تبقى من المقاعد أي 50 مقعدا، وكان المخطط الذي تريده أمريكا هو إقصاء المسلمين، لكن العكس هو الذي حصل لأن راييلا أودينكا فاز على مواي كيباكي الرئيس الحالي بأكثر من مليون صوت، والمفارقة العجيبة أنه تم إعلان النتائج بعكس الحقيقة، وأدى الرئيس المندحر انتخابيا اليمين الدستورية كرئيس شرعي للبلد في الوقت الذي أعلن فيه رئيس لجنة الانتخابات أنه غير متأكد أن كيباكي قد فاز ولذلك لم يحضر حفل تنصيبه كرئيس للبلاد، والذي وقع أن أمريكا وإسرائيل قاما بدعم كيباكي، وهذا هو سبب الحرب الذي تدور رحاها الآن في كينيا وقد راح ضحيتها أكثر من ألف قتيل ومليون نازح. وهذا بلا شك سيؤدي إلى تدمير النموذج الغربي للدولة القطرية العلمانية الإفريقية، وما يحدث اليوم في كينيا يمكن أن يحدث مثله في جنوب إفريقيا. كيف ذلك؟ لأن هناك صراعا بين الزولو وقبائل البانتو الأخرى، والآن قبائل الزولو استطاعت أن تزيح ثابو أمبيكي عن رئاسة حزب المؤتمر الوطني، وأن تأتي بجاكوب زوما رئيس قبائل الزولو، وهذا سيؤدي حتما إلى صراع هناك. ولذلك فالقبلية تأكل الآن في كل المشروع العلماني، وتدمر المحور الذي صنعه الاستعمار. ما هو البديل إذن؟ إذا تآكل هذا المشروع، فبدون شك فسيبدأ في الظهور المشروع القديم الذي بدأت تظهر بعض مؤشرات بروزه محور القاهرة طنجة تامبوكتو زنجبار دار السلام. إذن يمكن اعتبار الصراع الذي يحدث اليوم في كينيا لصالح المشروع العربي؟ ستكسب إفريقيا العربية إقليمين عربيين في كينيا وهما الإقليم الصومالي وإقليم منبسة، وسيقع التواصل وسيمتد العمق العربي إلى وسط إفريقيا، فهذا كسب للمد العربي الإسلامي وفي نفس الوقت تطويق للمشروع الصهيوني الأمريكي في المنطقة وإفشال مشروع التفرقة ما بين ما هو عربي وما هو إفريقي، وسقوط لمشروع الدولة القطرية العلمانية الإفريقية. وهذا سيفسح المجال إلى أن تعود إفريقيا إلى طبيعتها وتعود إلى محورها العربي الإسلامي. ذكرت مؤشر دارفور وكينيا وجنوب إفريقيا للتدليل على فشل مشروع الدولة العلمانية الإفريقية هل هناك مؤشرات أخرى يمكن أن تسندوا بها أطروحتكم؟ هناك مؤشر نيجيريا، فالرئيس الحالي لنيجيريا هو شقيق رئيس منظمة الإسلام في إفريقيا السابق والذي تم اغتياله بالسم لأنهم لم يكونوا يريدون حاكما مسلما ذا جذور ثقافية إسلامية يتربع على عرش أكبر دولة إفريقية، لكن الآن بعد أوبا سانكو جاء هذا الرجل الذي ليست له فقط جذور ثقافية إسلامية بل له أطروحته الإسلامية الواضحة، ولا يقتصر الأمر على نموذج نيجيريا وإنما يتجاوز الأمر ذلك إلى التحولات الكبرى التي تحدث على مستوى الشعوب الإفريقية، فهناك انعطافة كبرى نحو الإسلام وقوة للحركات الإسلامية العاملة في إفريقيا على مستوى التغيير المجتمعي وعلى مستوى الطرق الصوفية. ألا يمكن أن نعتبر ما يجري في الصومال أيضا مؤشرا على صحة أطروحتكم؟ الصومال تعرض لبشع عملية تدمير، لأن المشروع الأمريكي الإسرائيلي لا يريد ربط حزام إسلامي في شرق إفريقيا بالحزام الإسلامي في غرب إفريقيا، لأنه لو التقى الحزامان ممثلا في الصوماليين والإثيوبيين المسلمين فهذا سيعجل بنهاية المشروع الغربي في كل المنطقة. فالصومال هو الشعب العربي الوحيد الذي يمكن أن تقول عنه بأنه مسلم مائة بالمائة، وكلهم ينتمون لجد واحد، ويتكلمون لغة واحدة هي اللغة الصومالية، ولذلك تعرضوا لسياسات ثقافية لإزاحتهم وتفتيتهم، وتم تقسيمه إلى خمسة دوائر نفوذ، دائرة تم إلحاقها بكينيا (إقليم منبسة) ودائرة تعرضت للاستعمار الإيطالي وأصبحت لغة التدريس ونظام الجيش بها باللغة الإيطالية وأصبح هذا الإقليم ملحقا ثقافيا واقتصاديا بإيطاليا، ودائرة الشمال الصومالي استعمرته بريطانيا واللغة الإنجليزية هي سيدة الموقف فيه، وصومال فرنسي ويوجد في جيبوتي اللغة الفرنسية هي السائدة فيه، وصومال الأوغادينيا اللغة السائدة فيه هي الأمهرية. وكان يراد من هذا التقسيم مسخ الشخصية الصومالية لكن الصوماليين قاوموا، للأسف الشديد الاستخبارات والأجهزة الغربية بدل أن تساعد هذا الشعب الضعيف على التماسك استغلت فقره وأخذت تتسلل إلى شيوخ القبائل وتتقرب إليهم وتخلق نزاعات بينهم متسببة في ذلك لإبر إحداث ما يعرف بأمراء الحرب، وقد نجحوا في ذلك واستطاعوا خلق سبع كيانات في الصومال: الصومال الشمالي وعاصمته هاركيسا، وصومال بونت لاند وهو الصومال القديم، وصومال مقديشو، وجنوب الصومال، وصومال الأوغادين، وجاءت ثالثة الأثافي حينما أوعزت أمريكا لإثيوبيا باحتلال الصومال حتى يتم القضاء على دولة الصومال، واليوم هناك مقاومة شديدة للشعب الصومالي ضد الاجتياح الإثيوبي الذي يأتي برا والقصف الأمريكي الذي يأتي بحرا، لأن الأسطول الأمريكي يرتكز في المياه الصومالية والاستخبارات الأمريكية تساعد القوات الإثيوبية بالمعلومات والمساعدات اللوجستية، لكن رغم كل ذلك، فنحن نعتقد انه طالما هناك مقاومة صومالية فإنها ستنتصر في النهاية، ومهما كان حجم التحالف فإن الشعب الصومالي البائس يستطيع بإرادته السياسية الصمود، وقد أظهر بطلات في الصمود فقد مضى على الاحتلال الإثيوبي عام كامل ولا تزال المقاومة تزداد قوة يوما بعد يوم لأن حركة الإسلام وشبكته تتقوى في الصومال، بل إن حركة الإسلام تتقوى في إثيوبيا نفسها بدليل أنه أصبح هناك وزراء كثر في إثيوبيا في الحكومة مسلمين وأصبحت هنالك صحوة إسلامية ناشطة، بل عن صلاة العيد تؤدى في إثيوبيا في مكان واحد في الملعب، حيث إنه في عيد الفطر الماضي قيل عن من صلوا صلاة العيد في ملعب أديس أبابا بلغ مليون نصف مسلم، ومعنى هذا أن حركة الدعوة تتحرك بقوة ذاتية كبيرة في إثيوبيا، وهي تكاد تكون السمة البارزة لتمدد الإسلام في كل بلاد إفريقيا، وأن الثقافة الإسلامية تنتشر وتؤذن بعودة قوية للمحور العربي الإسلامي وانهيار وشيك للمشروع العلماني الغربي في إفريقيا. ما هي النقاط الإستراتيجية التي تراهن عليها أمريكا لمنع المحور العربي من العودة إلى إفريقيا؟ هي الآن تضغط بالمعونات وتهدد مصر وتحاول أن تفرض مناهج على المدارس العربية والإسلامية، وتستثمر الحرب على الإرهاب لاضطهاد المسلمين والفضائيات تشن حربا على العقول، فالإستراتيجية الأمريكية متعددة في مستويات التدخل.