انضاف إعلان كينيا أول أمس السبت عن اعتراف بجمهورية البوليزاريو لسلسلة التطورات التي عرفتها قضية الصحراء المغربية في الآونة الأخيرة، منذ المواقف الجزائرية السلبية ضد الوحدة الترابية وتأجيل القمة المغاربية وبعدها الحملة الإعلامية المتواصلة داخل الجزائر وصولا إلى انتقال الضغط عبر شبكات اللوبيات المؤيدة للبوليزاريو في الخارج وخاصة بإسبانيا، مما أخذت تأثيراته تطال المبادرات الأسبانية والفرنسية الساعية لإيجاد حل سياسي للمأزق الراهن. يمكن القول إن القرار الكيني أكد أن اعتراف جمهورية جنوب إفريقيا في منتصف شتنبر الماضي بجمهورية البيوليزاريو لم يكن مجرد استثناء بل شكل مؤشرا عن حركية خارجية تستهدف الضغط السياسي الخارجي على المغرب، بعد أن بلغ عدد الدول التي سحبت اعترافها بالبوليزاريو أو جمدته 34 دولة، وبعد حوالي تسعة أشهر تقدم كينيا على الاعتراف دون أن تفصح عن سبب واحد حسب ما دل على ذلك كما هو الشأن في موقف جنوب إفريقيا التي ربطت الأمر بتقرير المصير وبعدم تفاعل المغرب مع مبادرتها في تنظيم لقاء بين الأطراف، خاصة وأن موقفها الأصلي منذ أواسط التسعينيات هو الاعتراف بالبوليزاريو لكن جمد في انتظار معرفة ما سيؤول إليه مشروع التسوية الأممية، أما في الحالية الكينية فالأمر مختلف كلية، فما هي الأسباب الكامنة وراء هذا التطور؟ وهل لها علاقة بالحملة الإعلامية التي استغلت أحداث العيون؟ بداية لا يمكن تبسيط الموضوع إلى حد اعتبار أحداث اجتماعية وأمنية محدودة في الزمان والمكان سببا في حصول تحول استراتيجي في السياسة الخارجية لبلد مثل كينيا، ونعتبر أن الجواب حول السؤال الآنف يجد مرجعه في العودة لمحاضر نقاش الجمعية العامة في دجنبر الماضي، فمن جهة أولى كانت كينيا من الدول التي أعدت مشروع قرار مضاد للمغرب، ومن جهة ثانية كشف النقاش أن هناك حربا دائرة إزاء هذا الموضوع، فبعد أن تمكن المغرب من إفشال الخطوة التي قدمت من قبل نيجيريا بإسم 20 دولة على رأسها كل من الجزائروجنوب إفريقيا وكينيا يوم 12 أكتوبر وعرض للتصويت يوم 12 دجنبر من السنة الماضية بالجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل استصدار قرار يدعم مخطط سنة 1991 وخطة بيكر، حيث وافقت عليه فقط 50 دولة وامتناع 100 دولة بعد دعوة المغرب الدول للامتناع عن التصويت في مواجهة حملة الجزائر لصالح ذلك القرار، وهو مؤشر كشف عزلة حقيقية للخطاب الجزائري والانفصالي حول النزاع، ودفع للعمل استعدادا للجمعية العامة القادمة، عبر الاشتغال لتعزيز دائرة الدول المعترفة بالبوليزاريو، لما لذلك من دور في تغذية النزاع وإدامته، مع البدء بالدول التي ساهمت بوضع القرار وتقديمه ومنها كينيا، خاصة وهي ذات سجل في القضايا الانفصالية من خلال دورها في حرب جنوب السودان، أي أن الاعتراف الكيني ليس في الواقع سوى ترسيم لوضعية اشتغلت في إطارها كينيا منذ مدة، أي أن قرار يوم السبت ليس سوى قرارا قديما لكن في توقيت سيء بفعل التطورات السلبية الجارية في المنطقة المغاربية، مما أعطاه زخما إعلاميا خاصا. إلا أن هذا المعطى لا يفسر وحده الموقف الكيني، حيث نعتبر أن هناك معطى استراتيجيا جديدا يتشكل على صعيد القارة الإفريقية، وذلك في التنافس الذي بدأ يبرز بشكل خافت بين ما يمكن تسميته بكتلة غرب إفريقيا والتي يعرف المغرب بدوره الريادي في بلورة مشروعها، وكينيا التي تتزعم مشروع مجموعة شرق إفريقيا، وتبحث عن تقوية دورها في الساحة الإفريقية بعد الانتهاء الجزئي لكل من قضيتي الصومال وجنوب السودان، واللتين استنزفتا جهدا كينيا كبيرا، ومن بين القضايا التي تستقطب التنافس الآن بين الكتل الإفريقية مسألة الاستفادة من المساعدات الدولية، والتي برزت بوضوح في السياسة الخارجية الكينية في الآونة الأخيرة، وهو ما يعني أن قضية الصحراء وظفت في نزاع ذي طبيعة استراتيجية، ويفرض بالتالي على المغرب الاستعداد لمواقف أخرى من كينيا في المستقبل. لقد اختار المغرب في السابق عاصمة كينيا ليعلن عن استعداه لقبول الاستفتاء في قمة نيروبي في,1981 بما يعني إعطاء دور لكينيا كطرف وسيط في تدبير حل لهذا النزاع، إلا أن التطورات التي عرفتها القضية طيلة 25 سنة الماضية دفعت بكينيا إلى الهامش والاصطفاف مع المواقف المضادة للوحدة الترابية للمغرب، إلا أن ذلك يفرض الانتباه للمعطيات الاستراتيجية المتغيرة في القارة وعدم الركون لأدوات الاشتغال العادية، فقضية الصحراء المغربية دخلت مرحلة جديدة على الصعيد الدولي بعد المواقف الأخيرة المعلنة بإسبانيا والاعتراف الكيني بجمهورية البوليزاريو وعلى المغرب أن يستعد لكل الاحتمالات الواردة في ظل ذلك. مصطفى الخلفي