في خطوة امتزجت فيها المفاجأة والغرابة أقدمت جنوب إفريقيا على الاعتراف أخير بجمهورية البوليزاريو بعد أن سبقت ذلك مبادرة في سنة ,1998 وجرى التراجع عنها بدعوى انتظار نتائج عملية الاستفتاء، وقد أثارت هذه الخطوة تفاعلات متعددة انزلق بعضها نحو تضخيم الحدث أو التهوين منه، في حين أن الأمر يقتضي قراءته ضمن التطورات العامة لقضية الصحراء المغربية من جهة، وعلاقات المغرب مع محيطه الإفريقي من جهة أخرى. فرغم أن قرار جنوب إفريقيا يشكل نشازا في مسار التعاطي الدولي مع نزاع الصحراء المغربية، بعد أن تتالت منذ سنة 1996عمليات سحب الاعتراف أو تجميده، حتى بلغ عدد الدول التي سحبت أو جمدت 27 دولة، في وقت لم تقدم أي دولة جديدة على الاعتراف في تلك الفترة باستثناء تيمور الشرقية في سنة ,2002 والتي انبثقت من عملية انفصال رعتها الأممالمتحدة في 1999. ولم يكن هذا التوجه الدولي العام سوى انعكاسا لواقع موضوعي تمثل في ضرورة انتظار نتائج خطة التسوية الأممية، والتي كان الاعتراف بجمهورية البوليزاريو يعني استباق نتائجها، كما كان تعبيرا عن بداية التخلص من تبعات الحرب الباردة التي كانت عاملا وارء قيام عدد من الدول بذلك الاعتراف، والذي كان يكتسي صبغة رمزية سياسية أكثر منه صبغة سيادية. كيف يمكن تفسير هذا القرار؟ وأية انعكاسات له على سير قضية الصحراء المغربية؟ الواقع أن تفسير حصول هذه الخطوة، يجد مرجعه في أربع تطورات، فمن ناحية هناك مخلفات المنافسة المغربية لجنوب إفريقا على احتضان كأس العالم، والتي تطورت إلى حد الصدام السياسي غير المباشر، ومن ناحية ثانية يرتبط بمسعى جزائري لاحتواء تداعيات المبادرات المغربية المدعومة من طرف عدد من القوى الدولية لإعادة قضية الصحراء إلى موقعها الطبيعي ضمن الدائرة الجزائرية المغربية، وهو مسعى ظهرت مقدماته في الرد المتشنج على خطوة المغرب بإلغاء التأشيرة المفروضة على الجزائريين منذ 1994 والإصرار على رفض أي حوار جزائري مغربي حول نزاع الصحراء، وتوازى ذلك مع تأجيج عدد من المنابر الإعلامية الجزائرية لحملتها ضد المغرب، ومن ناحية ثالثة نجد أن افتقاد المغرب لسياسة خارجية إفريقية فعالة يمثل هو الآخر عاملا مفسرا لما جرى، ويمكن هنا أن نلحظ أن موسم التراجع عن الاعترافات واكبه تقدم مغربي على صعيد تيسير عودته لمنظمة الوحدة الإفريقية سابقا، الاتحاد الإفريقي حاليا، حيث انسحب منها في 1984 بسبب من قبولها بالبوليزاريو ضمنها، وقد طرحت مسألة العودة بقوة في قمة بوركينافاسو في يونيو ,1998 ثم مؤتمر وزراء خارجية دول القارة في فبراير ,1999 ولم تستطع الجزائر إيقاف هذا المد إلا بعد احتضانها لقمة المنظمة في يوليوز ,1999 ورغم ذلك واصل المغرب تقدمه الذي كان من ثماره حضوره النوعي في القمة الأوروبية الإفريقية بالقاهرة في أبريل ,2000 وفي الوقت نفسه عدم حضور البوليزاريو في تلك القمة، إلا أن مواصلة تلك السياسة بقي متعثرا مما ظهرت نتائجه في قمة الاتحاد الإفريقي الأخيرة في يوليوز الماضي بأديس أبابا بإثيويبا، وذلك بعد ثلاث سنوات من الإعلان عنه في قمة يوليوز 2001 لمنظمة الوحدة الإفريقية، أما المستوى الرابع فيتعلق بالمأزق الذي دخلته القضية بعد استقالة جيمس بيكر في يونيو الماضي، والتي جعلت من قضية انتظار الحسم في الخطة الأممية لتحديد الاعتراف من عدمه مسألة غير كافية لتبرير عدم الإقدام على خطوة الاعتراف، وهو ما لا يستبعد بعد التصريحات التي أطلقها جيمس بيكر المبعوث الشخصي السابق لكوفي عنان وذلك في أواسط غشت الماضي حول مسؤولية المغرب في تعثر عملية التسوية. بكلمة إن التطورات الأربع الآنفة، ساعدت الجهات التي سبق لها منذ ست سنوات أن دفعت جنوب إفريقيا للإقدام على هذه الخطوة، وجرى تجميدها بعد زيارة مستعجلة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الكريم الخطيب، التقى فيها برئيس جنوب إفريقيا السابق نيلسون مانديلا وتمت تسوية المشكل، وارتكز ذلك على دور المغرب في دعم نضال جنوب إفريقيا ضد الميز العنصري عندما قام نيلسون مانديلا بزيارة المغرب في سنة ,1962 واستقبل من طرف الملك الراحل وكان الخطيب يشغل آنذاك منصب وزير الشؤون الإفريقية، وتقرر دعم ذلك النضال ماديا ومعنويا وعسكريا، لكن بقيت الجهات الضاغطة وراء ذلك تنتظر الفرصة لمعاودة المحاولة، وهو ما توفر حاليا، مما برز بوضوح في كيفية تعاطي عدد من وسائل الإعلام الخارجية منذ أسابيع مع قضية الصحراء المغربية. هل ستكون لهذه الخطوة أثارها على سير قضية الصحراء المغربية في المجال الدولي؟ وهل ستؤدي لانطلاق موجة مضادة من الاعترافات وصولا إلى تحقيق الاعتراف على مستوى الأممالمتحدة؟ في ظل الحيثيات السابقة نعتبر أن الأمر لن يتجاوز بشكل كبير حدود مجال جنوب إفريقيا وربما سيتوقف عنده، حيث اكتسب الأمر طابع المشكل الثنائي المتراكم منذ سنوات، بفعل إرادة جنوب إفريقيا تعزيز نفوذها على مستوى القارة بتفاهم مع الجزائر وفي مواجهة كل من المغرب ومصر، كما يمثل نشازا في المشهد الدولي الذي تعاظم داخله الاقتناع بحل سياسي وسط لقضية الصحراء في إطار من السيادة المغربية، مما يجعل من موقف جنوب إفريقيا بمثابة خطوة معاكسة للتيار العام على المستوى الدولي، وينضاف لذلك الموقف الحازم للمغرب إزاء خطوتها، حيث عمل على سحب سفيره بجنوب إفريقيا، وهو أمر سبق تكراره مع إسبانيا وأبان عن فعاليته، مما سيحد من احتمالات تكرار ذلك الموقف من غيرها، وأقصى ما سينتج عنها نوع من الدعم المعنوي لخصوم الوحدة الترابية للمغرب، والتشويش على أدائه في الساحة الدولية، وهو الأداء الذي ركز منذ مدة على تصحيح اختلالات خطة التسوية الأممية لقضية الصحراء المغربية، مما يقتضي مواصلته وتأكيد طبيعة النزاع في علاقته بالجزائر وربط أي مشروع تسوية بالتفاوض، وفي الوقت نفسه استدراك ثغرات السياسة الخارجية المغربية في المجال الإفريقي، وعدم اختزال تدبير النزاع في مربع القوى الدولية الكبرى. مصطفى الخلفي