" المرأة أكبر خاسر في التضييق على مسألة التعدد " خصت مدونة الأسرة المغربية مسألة تعدد الزوجات بستة مواد 40-46 تبين أحكامه وتنظم آثاره ومساطره. ونجمل في ما جاءت به من مسائل، أهمها الشروط السبعة اللازمة في تعدد الزوجات، وهي شروط شملت ما هو متعلق بأحكام شرعية وأحكام إجرائية يجب توفرها في طلب الإذن بالتعدد. ابتداء من العدل بين الزوجات، وثانيا: ألا تشترط الزوجة عدم التزوج عليها، وثالثا: وجود الموارد الكافية لإعالة الأسرتين، وفي الشرط الرابع: الحاجة والمبررات الموضوعية والاستثنائية، أما الشرط الخامس: إذن القاضي بالتعدد بعد تقديم الراغب فيه بطلب الإذن من المحكمة، ثم سادسا: استدعاء الزوجة الأولى التي يراد التزوج عليها، سابعا: إشعار الزوجة الثانية المراد التزوج بها بأن الزوج الذي طلبها متزوج بغيرها حتى يضمن رضاها وموافقتها على القبول. هذه الشروط والإجراءات المبينة في نصوص المدونة في موضوع التعدد يستدعي مناقشات وملاحظات أولية حول مضمون وسياق ما جاءت به: 1- المدونة المغربية في هذا الباب خالفت شرع الله وسنة نبيه كما هو صريح في الآية الكريمة التي أجازت في نكاح ما طاب من النساء " مثنى وثلاث ورباع"، في حين أن المدونة اقتصرت على الحديث بالتزوج بالثانية فقط دون ذكر للثالثة والرابعة، وقلصت عدد الجمع بين أربعة نساء التي أحلها الله إلى زوجتين فحسب، مع أن الآية صريحة في إباحة الثالثة والرابعة. أي أن المشرع المغربي هنا يجعل الزواج من الثالثة أحد المستحيلات التي لا يجب أن تقع بالمغرب، وإلا لجعل نصوصا أخرى تبين مساطر الإجراءات في طلب الإذن بالتعدد بالثالثة والرابعة. 2- مدونة الأسرة بهذه الشروط العديدة التي فرضتها هي تعجيز صارخ وصريح على الأزواج في طلب التعدد، إن لم نقل أنه حرمان وتحريم ما أحل الله بالتعسير والتشديد والتضييق بفرض شروط قد تكون خارجة عن إرادة الزوج الذي يريد التعدد، وتكون في إرادة أطراف أخرى قد تسيء فهم أو تعرقل ما أحل الله من إباحة التعدد. 3- من خلال المدونة يتضح أن الأصل في الزواج واحدة، وهذا مخالف للشرع والعقل والمنطق بحجة التاريخ قبل حجة الأحكام، إذ أن التعدد كان قبل ظهور الإسلام، باعتبار أن الرجال منهم من كان متزوجا ب8 نساء ومنهم من كان متزوجا ب 10، ومنهم من كان متزوجا بأكثر من هذا. فجاء الإسلام محددا العدد في أربعة نسوة. بمعنى آخر فإن الأصل في الزواج الإباحة والتعدد جائز وأما الواحدة رغبة من الزوج في الاكتفاء. 4- من خلال هذه الشروط يبدو جليا أن المدونة اعتبرت التعدد مشكلة وظاهرة يجب الحد منها، لأن التعدد مقرون بعدم العدل وظلم في حق المرأة مبني أساسا على الضرر والجور، استدلالا بقوله تعالى: " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم ". مع أن الآية هي تأكيد على فرض العدل بين الزوجات، لأن الظلم محرم كما هو مسلم به، فالحث على العدل بين الزوجات أمر يجب أن يكون تحصيلا وتحقيقا لما هو في شمول الإسلام. فعدم العدل في الآية هنا يشمل العاطفة والأحاسيس التي لا يستطيع معها الإنسان التحكم فيها وضبطها وتقسيمها بشكل عادل، وهذا العدل الوجداني الذي تنشده المدونة في التعدد خشية الوقوع في عكسه لا يدخل في منطق المعقول، مما أدى بسقوط المدونة في الظلم وهي تنشد العدل الذي يخرج عن سيطرة الإنسان. فشرط العدل من خلال المدونة مرتبط بالعدل العاطفي المستحيل تحققه، وإلا ما الداعي لذكر العدل والمساواة في المواد المنصوص عليها في أكثر من مقام تربطه في إحدى المواد بالعدل المادي وتارة بالعدل الوجداني حتى وإن لم تذكره صراحة. والخوف المذكور في المدونة شعور موجه ضد شعور، مع أن الخوف بعدم العدل هو شعور استباقي قبل حدوث التعدد، ولا أحد يعلم كيف ستكون مشاعره أثناء حدوث الأمر. أي أن المدونة استبقت الحكم في أمر التعدد وجعلته قرينة بالخوف لصيقا بعدم العدل، وحكمت على الأمر قبل وقوعه، وكل حكم سابق في تصور الشيء يدخل في حكم الباطل. 5- المدونة جعلت شرط المرأة التي لا ترغب في التزوج عليها، أي اشترطت بعدم التزوج عليها هو شرط مانع للتعدد في الزواج. والملاحظ أن المدونة كأنها تبحث في المذاهب عن أصل للوفاء بشرط الزوجة في عدم الاعتداد عليها، فأخذت بقول الحنابلة معتبرة أن شرط المرأة ملزما وصحيحا، وهو ما يبدو أن المدونة وهي تحاول البحث عن هذا النوع من الآراء إلا تشديدا وتضييقا في منع التعدد، علما أن المالكية والحنفية والشافعية قالوا بأن الشروط غير ملزمة للزوج بناء على حديث النبي: "ما كان من شرط ليس في كتاب الله عز وجل فهو باطل، وإن كان مائة شرط، كتاب الله أحق، وشرط الله أوثق". وهذا الشرط التي تفرضه المرأة على زوجها يحرم حلالا أي يحرم التعدد بالثانية والثالثة والرابعة. وبالتالي تركت المدونة الراجح بحثا عن الأقل ترجيحا رغبة في المنع وفرض مزيد من الشروط والقيود على شريعة التعدد. 6- المدونة لم تراعي الواقع والتغيرات، معتقدة بفرضها مساطر شديدة وحازمة في التعدد في الزواج أنها تحمي المرأة من جور الرجال، لكنها سقطت في شراك عدم العدل والمساواة بين النساء أنفسهم، حيث قزمت العدل في المتزوجات ولم تعر حقوق النساء الغير المتزوجات والدفاع عنهم، بمعنى آخر أن المدونة ظالمة في نصوصها للنساء الأخريات التي منعت عنهن الزواج، وحرمت النساء وحق العوانس من الزواج من زوج في ذمته زوجة أخرى، من منطلق ادعائها أنها جاءت لرفع الضرر وجلب المصلحة وتكريس المساواة. كان من الأولى على الجمعيات النسائية والحقوقيات اللواتي يتغنين بالمساواة والمطالبة بحقوق النساء أن يطالبن بفرض التعدد لصالح الملايين من النسوة التي لم يكتب لهن الزواج ودخلن مرحلة العنوسة، وها هي البقية تأتي من أفواج النساء اللائي يئسن من انتظار العريس. ما حدث بالمغرب يؤكد أن هؤلاء الحقوقيات وأزلامهم من الرجال، لم يكن لهم نية حسنة في النضال على مصالح النساء كافة واكتفاؤهن فقط بالدفاع عن المتزوجات دون الأخريات التي تشكلن جيوشا عرمرمة من العوانس. وعليه فإن الاحتجاج لم يكن مبنيا على أسس نضالية وحقوقية إنما هو في حقيقة الأمر افتعال علماني يقوده ملاحدة جدد يريدون الباطل بغطاء الحق، إصرارا على ضرب مبدأ التعدد الذي أباحه الله كجزء من التشريع ثم تليه ضرب الشريعة الإسلامية بالأساس. وقد شدد الله على بني إسرائيل لأنهم تشددوا، فلما شددوا على أنفسهم شدد الله عليهم. فها هي مدونة الأسرة شددت على الناس في الحلال فيسر الله لهم الحرام، شددوا على الناس في ما أحل الله من تعدد فشدد الله عليهم بالعنوسة والعزوف والعهارة والمصائب الاجتماعية. بل إن القائمين على المدونة آنذاك بالاجتهاد ووضع النصوص في هذا الباب كان همهم هو الموازنة بين الملاحدة الجدد وبين الإسلاميين الجدد، من أجل إمساك العصا من الوسط ولو كان ذلك على حساب الشرع. الآن الضرورة الشرعية والأخلاقية والقيمية والإنسانية والحقوقية والاجتماعية تلح أكثر من ذي أي وقت في تيسير التعدد في الزواج مراعاة للتزايد الفاحش في عدد النسوة بالمجتمع وتزايد العنوسة والعزوف والدعارة. المدونة لم تراعي الإحصائيات كما هو الشأن في عدد النساء مقابل الرجال، فقد وصل في بعض المناطق ثلاث أو أربعة نساء مقابل رجل واحد. مما يفرض التعدد بقوة المنطق وقوة الواقع بغض النظر عن قوة الشرع الذي يخيف هؤلاء الملاحدة الجدد. فأكبر خاسر في هذه المعادلة هي المرأة التي ضيقوا عليها بما وسعه الله عليها من تيسير. إنه من الظلم أن يتعذب ملايين من النساء غير المتزوجات بسبب نساء حقوقيات علمانيات يدعين النضال ويتزوجن سفاحا في كل يوم برجل، ضدا على رغبة العفيفات. وليس المسلمون الغيورين على الأعراض وحدهم هم من يدافعون عن التعدد فحسب بل توجد أصوات عديدة في الغرب تدعو لفرض التعدد وشرعنته بحكم التقنين مكان استفحال العشيقات خفية. ويوجد في ولاية يوتا الأمريكية التعدد يمارسه سكان المورمون النصارى رغما عن النظام الفيدرالي المانع للتعدد. من محاسن الشريعة أنها راعت وتراعي كافة الأطراف نساء ورجالا، فلا حيف ولا زيف ولا تفاضل بينهما، راعت خصوصيات المرأة مثل الرجل. لكن الأحوال الشخصية هذه أو ما تسمى بالمدونة أفرطت في مساواتها اتجاه النساء وتغابت على فهم طبيعة الأنفس وطبائع البشر، فالشرع دون ريب أو شك راعى خصوصية الرجال من منطقة لأخرى وراعى اختلافهم، لأن الكثير من الرجال لا يستطيع أن يعيش مع امرأة واحدة، لأن الحاجة الجنسية والنفسية أكبر من أن تستوعبها واحدة. دون ذكر عوامل أخرى مثل الحيض فإذا حاضت الزوجة حاض الزوج معها ينتظر طهرها، وإذا حملت تنتظر مولودا حمل معها بنار الشهوة، وما 70% من الرجال في الغرب يخونون زوجاتهم إلا خير دليل. إضافة لرغبة الرجل في الإنجاب، أو بحكم كثرة السفر وظروف العمل إلخ ... وبالتالي فشريعة التعدد سدت الطريق على الخليلات بجواز الحليلات، سدت على الخيانة بجواز الحصانة، وسدت على الممنوع بالمشروع، وسدت باب العشيقة بفتح باب العفيفة، وحرمت السفاح بإجازة النكاح، وأحلت التعدد في الزواج غير موقوف على التفرد. المدونة في باب التعدد تحتاج تعديل عاجل واجتهاد يتماشى مع الواقع وتغيرات الحال، ينبغي فيه تدخل العلماء والضغط بالكلمة والفتوى لرفع الظلم عن النساء وتيسير ما أحل الله والتشديد على ما حرم الله. فالأصل في الدين التيسير ما لم يكن إثما. وتغليب الإباحة على التحريم. على النساء المتزوجات أن يشجعن أزواجهم على الزواج، بل ويخترن لأزواجهم نساء، مساعدةً منهن في اختيار الزوجة الثانية الصالحة وللأسرة عامة باعتباره شريعة ربانية لا يحق فيه معه الاعتراض.. إن الأنانية التي تجشم على الكثيرات تؤكد على أنهن يمارسن التسلط على أزواجهم، فلو وضعت كل متزوج نفسها مكان العازب والعانس لأحست بكم هو إحساس الفراغ ومرارة الوحدة وقسوة العنوسة وتكالب الذئاب. فلا تفرح كل الزوجات كثيرا فإن ما وراء الستار ما وراءه من العشيقات، فلا أمان للنساء من الرجال، وقد أبانت الحياة أن الرجل لا يؤمن منه على طول التاريخ. [email protected]