في إطار النقاش الدائر حول الهوية المغاربية أود أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع عبر تقديم ملامح جديدة للخروج من دائرة التعميم الذي تضيع فيه أبسط الحقائق وأبرزها في تحديد شكل الهوية المغاربية. المغرب الكبير يتميز عن مصر وغيرها من الدول العربية بخصوصيته الأمازيغية وبعدم استعرابه الكلي, وتزداد هذه الخصوصية قتامة في كل من المغرب والجزائر. قبل الغزوات الأسلامية لم يكن الحديث عن هوية عربية وارد وإنما تلك من لواحق الإسلام, هذا الأسلام لم يكن لينا مثلما صوره الطوباويون مع الأمويين فقد عم السبي والاسترقاق أمام العجز عن دفع الجزية لتقايض بنات الأمازيغ إيماءا عوض الجزية, ويذكر ابن خلدون أن الأمازيغ انفسهم غدوا يستعربون ويبحثون عن أصول عرببة في الشرق. رغم السيطرة الأموية الوجيزة في بلاد الغرب الأسلامي ورغم الأثني عشرة ردة من الأمازيغ على ما ذكر ابن خلدون, فقد ترسخ الأسلام في تلك الربوع, بل وغدت جبال الأمازيغ وصحاريها التي فقدت جيشها وعدتها لتصبح مرتعا سهلا للغزاة من كل صوب, دولا وامبراطوريات من السنغال إلى ليبيا وإلى الأندلس مثل الدولة المرابطية. لكن بالرغم من اعادة النظام الأمازيغي الى الحياة في شكل دول قوية, فإن الهوية الأمازيغية زادت غيبة, ولنذكر ان ابن رشد تعرض لمحنة بعد وصفه لأحد الملوك الموحدين ب"ملك البربر". لم يكن الجري وراء قداسة اللغة العربية السبب الوحيد في تبنيها, بل إن طبيعة الحياة القبلية والأفتقار لدول قوية في ما مضى شكل عائقا أمام تطور الثقافة الأمازيغية, ومن تم فقد كان اختيار اللغة العربية أكثر من وارد. امام تدهور اللغة الشعبية أي الأمازيغية وانفصال لغة العامة عن لغة الشعب ازدادت حدة الفروق اللغوية بين التفرعات الأمازيغية كما نمت لغة عربية مغاربية متأثرة بالأمازيغية خاصة المغرب والجزائر حيث تأخرالتعريب لبعده عن المشرق ولقلة تمدنه كما حدث في مصر. تعتبر اللغة اليوم العنصر الأساسي في التمييز بين العربي والأمازيغي, فقد أدى التعريب الإرادي وتعريب مابعد الأستقلال الى بروز الأثنية العربية وتراجع الأمازيغ الى أقليات. واعتقد ان المغاربي عندما استعرب كان ينظر الى اللغة العربية كلغة الدين والعلم وكذا النأي عن العرق الأمازيغي لاعتبارهم موالي أهل جزية وتخميس, وهو الاستعراب الأرادي, أما الاستعراب القصري فقد ظهر بعد مرحلة التعريب المتقدم لأسباب قومية بين الدول العربية الأخرى, ولأسباب عملية لأنه سيكون من الصعب التعويل على لغة مهملة في تنظيم الدولة, وأيضا التخوف من مطالب اقتصادية وحقوقية وسياسية لم تكن تلك الدول لتمنحها. لو استرحنا قليلا من الأصل الشريف والأندلسي وعلمنا أن التعريب سمة البلاد وليست أسطورة أو بدعة ولخلصنا الى ان بلاد المغرب بقيت أمازيغية سواء بلغة عربية أو أمازيغية بهوية عربية أو أمازيغية. لكن هل يتوقع عودة المستعرب الى أمازيغيته؟ قد يكون الجواب دائما شخصيا, لكن لنأخذ نموذج سكان جزر الكناري التي بدأت تنظم أبحاثا ومراكز بحثية في الثقافة واللغة والهوية الأمازيغية, لا بل يطالب الكثير منهم من اسبانيا بالاعتراف بهويتهم الأمازيغية الأفريقية. أما في بلاد المغرب فأنا اعتقد أن الحديث الغالب هو هل الأمازيغ عرب أم لا, ليؤجل السؤال حول الهوية المغاربية الى أجل مسمى, وشخصيا أعتقد أن الأمازيغي عندما استعرب لم يكن جاهلا بهويته, وبالتالي فليس من المنتظر أن يتنازل عن عروبته وهو غير مرتبط بالأمازيغية الآن. لكن لو أخذنا الموضوع على العموم فأننا لن نعدم اقرارا بالهوية الأمازيغي وإن بشكل لا يخلق صدمة الفرقة بينه وبين العروبة, ومن الأقوال الشائعة نذكر "أنا أمازيغي عربني الأسلام" و"ليست العروبة لكم بأب و أم ولكن العروبة هى اللسان" ومنها قصيد الشاعر الجزائري "أبي القاسم الشريف" في قصيدته "نعم نحن بربر" وذلك في رده على المصريين الذي نعتوا الجزائريين بالبربر أو الأمازيغ, وقد ختمها قائلا "نعم نحن بربر رضعنا العروبة حتى النخاع". أمام هذا الحال أطرح التساؤلات التالية: هل يقبل المغاربي- على غرار المصري- بهوية أصلية أمازيغية وانتماء ديني لغوي وثقافي الى دول العالم العربي بشكل يتخلص فيه المغاربيون من الادعاء بأنه ينحذر من شبه الجزيرة العربية وما يتبعها من تحامل على التاريخ الأمازيغي, وهل يقر فيه غير المستعربون المغاربة بأن الأمازيغ أنفسهم هم من لم يهتم بهويتهم الأمازيغية وبأن التحرر من السيطرة العسكرية العربية دام أقل من الزمن الذي تطلبه اخضاعهم فيه؟