وسط حالة من الانتظار، يهيئ الاتحاد الاشتراكي لعقد ندوته التنظيمية الأولى التي سيحدد فيها خريطة عمله الجديدة ، والميكانزمات التي سيعتمدها للخروج من حالة الاحتباس التنظيمي التي يعيشها الحزب ، في الوقت الذي تزحف فيه الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، التي ستعيد موقعة حزب الحركة الاتحادية ضمن خارطة جديدة يجري التنازع حولها في ظل حرب المشروعيات التي أوقد نارها حزب العدالة والتنمية ، بعد التصريح المدوي لزعيمه عبد الإله بنكيران ، والذي حدد الأحزاب الوطنية المنبثقة من الإرادة الشعبية في أربعة أحزاب، من ضمن خريطة حزبية مغربية تضم 35 حزباً سياسياً . بالموازاة مع الإعداد للندوة التنظيمية للاتحاد الاشتراكي، يجري التحضير للعمليتين الاندماجيتين، مع حزبين خرجا أساساً من الاتحاد الاشتراكي ، ويعودان اليوم إلى الرحم الأول ، وهما الحزب العمالي الذي يقوده بنعتيق والحزب الاشتراكي الذي يقوده محمد بوزوبع ، وهما من أحزاب تفرعت عن الحزب الأم أو انشقت عنه بسبب غضبات فردية أو جماعية ، أو بسبب العجز عن مأسسة الخلاف وإدارته داخل هذا الحزب الكبير ، الذي يضم بين صفوفه أطيافاً من النخب السياسية والاقتصادية والاجتماعية المغربية ، ما يجمع بينها هو الإيمان بالعقيدة الاشتراكية كمجال للعمل المشترك . وربما تأتي الندوة التنظيمية المرتقبة ، والتي يتهددها مصير الإرجاء إلى ما بعد العطلة الصيفية ، كي تطرح جملة هذه القضايا الراقدة في الممارسة السياسية والتنظيمية لحزب الاتحاد الاشتراكي، الذي يعد اليوم في تاريخ المغرب، مرجعاً تنظيمياً، وحالة سياسية دالة في الحقل السياسي المغربي، منذ خروجه من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية ومروره بالانقسامات الذاتية والنقابية، والتي جعلته في فترة من الفترات، في حالة تشرذم، يفرق دمه بين الأحزاب الصغيرة، قبل أن تستيقظ روح العودة إلى النهر الأول، ولكنها عودة لن تكون بطبيعة الحال مثل الأصل الأول . وفي سياق المقاربات التي تجري الآن ترتفع الأصوات النقدية ، مطالبة بأن تكون الندوة التنظيمية محطة حقيقة للبناء التنظيمي ، ولا يجري تفويتها كفرصة سانحة ، لشعارات ومزايدات تهويلية وكارثية يجري إنتاجها في مثل هذه المواقف والحالات ، كالدفع قدماً بوجود خطر قوي يتهدد الحزب، والتخويف من إطلاق المبادرات الإصلاحية الجريئة كونها ستخدم مصالح الخصوم السياسيين، أكثر مما تخدم الحزب داخلياً . ولعل الندوة أو الندوات التي يجري تنظيمها في عدد من المدن المغربية، كاستباق نحو الندوة التنظيمية الحزبية، تأتي كشروحات أو كحملة دعائية متقنة لصالح تمرير وجهة نظر المكتب السياسي للحزب، وتفادي " الغوص " التنظيمي، لأن خبايا الأمور تشير إلى أن الحزب يحتاج إلى حالة نقدية جريئة للتقدم إلى الأمام دون عوائق. وفي هذا الإطار يشرح حميد باجو عضو المجلس الوطني للحزب أن تشخيصاً للوضع التنظيمي للحزب، لن يكون ذا فائدة إلا بتحييد أو كسر شوكة الشبكات المصلحية ، وتحرير الهياكل الحزبية من سطوتها واجتثاث كل منابع الريع الحزبي الموجودة. وهذا في رأيه يعني " الحاجة إلى المزيد من تثبيت الديمقراطية الداخلية ودمقرطة القرار الحزبي ، بتحريره من هيمنة المركز وجعله متقاسما بين أكبر ما يمكن من المناضلين والهياكل الحزبية. وهو ما لن يتأتى إلا إذا استطعنا في الندوة الوطنية التنظيمية القادمة فرض تبني ثلاثة مبادئ أساسية على الأقل: مبدأ الجهوية ومبدأ التيارات أو تدبير الاختلاف، ثم مبدأ تحرير الشبيبة الاتحادية من وصاية المكتب السياسي ". ويؤكد باجو أن المفارقة التي يعيشها الاتحاد الاشتراكي، هي أن الشبكات المصلحية المتحكمة فيه تعمل كل ما بوسعها لسد الطريق على كل ذي رأي معارض قد يزعج أصحاب القرار الحزبي، وبالتالي الحيلولة دون أية إمكانية لتبلور تيار مختلف عن التوجه الرسمي. بل أن هذه الأصوات تذهب أبعد من ذلك حين تؤكد أنه ليس هناك خلاف بين الاتحاديين وأن لا حاجة للتيارات. يقول " رغم كل هذا، كيف ينفي المعارضون لفكرة التيارات وجود خلافات داخل الاتحاد الاشتراكي، ونحن لا زلنا نتناقش مسألة المشاركة في الحكومة، ولم نتوصل بعد إلى أي اتفاق في هذا المجال ؟ ونحن هنا نرفض التأويل الذي حاول البعض أن يعطيه للتصويت بالإجماع على بيان المجلس الوطني في دورته الأخيرة، حين يزعم بحصول اتفاق بين كل الاتحاديين على مبدأ المشاركة، فبالنسبة إلينا لم يكن ذلك التصويت أكثر من صيغة لتأجيل النقاش حول الموضوع لدورة المجلس القادمة " . وأضاف " قد يكون أكثر من تضرر من غياب التيارات داخل الحزب هم رفاقنا المندمجون. هؤلاء لأنهم لم يكونوا على دراية تامة بالثقافة التنظيمية السائدة في الاتحاد الاشتراكي، أو بالضبط بمنطق الشبكات المصلحية المتحكمة فيه، إذ اعتقدوا أنه بإمكان ماضيهم النضالي فقط وكفاءاتهم السياسية أن تشفع لهم ليقنعوا أغلب الاتحاديين بالتصويت لصالحهم. فما هو شبه مؤكد بالنسبة إلينا، أن لا يجد هؤلاء ولا باقي المجموعات الأخرى التي قد تنوي الاندماج، موقعا لها في الحزب، ما دام المنطق أعلاه سائدا ومادام لم يتقرر مبدأ وجود التيارات " . ويذهب باجو إلى أن الشبيبة هي التي تشكل مستقبل الحزب وتجدد نخبه، وأنه لا مستقبل للحزب من دون إعادة بناء شبيبته من جديد، وإرجاعها إلى وظيفتها الأساسية كمشتل لتكوين النخب الجديدة. لكن هذا الدور الشبيبي الذي كان في السابق فاعلا ومؤثرا، تراجع اليوم بعد أن تمكنت آلة المكتب السياسي من تطويعه أو إطاحة كل الرؤوس المشاكسة خارجاً. اليسار الجذري في المغرب أيضاً، ما يزال يتخبط في متاهات تنظيمية، وأخرى ثانوية تغرق اجتماعاته في السفسطة اللغوية، في الوقت الذي تنتظره تحديات كبيرة من بينها الاستمرار في الوجود، ولعل صورة من الاجتماع الأخير للمجلس الوطني للحزب الاشتراكي الموحد تبين طبيعة النقاشات التي تجري وتدور في كنف حزب يجد صعوبة في العثور على أمين عام جديد، بعد أن أعلن محمد مجاهد أمينه العام عن عدم رغبته في التجديد لولاية ثالثة. وانتقد أعضاء بالمجلس الوطني للحزب، القيادة على مستوى سياسة التكوين، واعتبروها دون المستوى، إذ لم يعقد الحزب سوى دورتين تكوينيتين، واحدة حول كيفية استخدام الإنترنيت والمواقع الاجتماعية مثل " الفيس بوك " و" تويتر "، استفاد منها حوالي 30 عضواً، والثانية لمستشاري الحزب، خاصة بالعمل الجماعي، واستفاد منها حوالي مائة مستشار ومستشارة. وسخر مناضلون بالحزب، على هامش المجلس الوطني، بالدار البيضاء، من لجوء القيادة إلى سياسة تكوين في " الفيس بوك " و " تويتر" ، بعد أن كان التكوين، في السابق ، يرتكز على تلقين الأدبيات الماركسية. وانتقد أعضاء من المجلس الوطني ، في دورته التاسعة ، تخويل صلاحية التطبيق والانخراط إلى الفروع ، منذ ،2007 ما " جعل إدارة الحزب وقيادته تجهلان عدد الأعضاء " ، معتبرين أن " تقليص اشتراك الانخراط إلى 20 درهماً لم يساهم في اتساع القاعدة التنظيمية للحزب ، بقدر ما قلص موارده المالية " . واتفق المجلس الوطني على عقد المؤتمر الوطني الثالث في نونبر المقبل ، على أن يكون " مؤتمراً نوعياً " ، بعدد قليل، من الأعضاء يضم ما بين 500 و600 عضو. وكان المجلس الوطني قرر، في دورة سابقة، عقد المؤتمر في ماي الماضي. وأعيد النقاش حول أعضاء الحزب، الذين عقدوا تحالفات خارج القواعد التي سنها الحزب، في انتخابات 2009 الجماعية، ما فرض إحياء اللجنة التأديبية، لاستكمال التحقيق في الفروع والجماعات، التي أخل فيها مستشارو الحزب بتوجيهات القيادة في تحالفاتهم، خلال تشكيل المكاتب الجماعية، عقب انتخابات 2009. وكانت اللجنة التأديبية شرعت في عملها، وقررت طرد مستشارين تحالفوا، حسب مصدر حزبي، مع أحزاب " يمينية " ، و " إدارية " ، ومن المقرر أن تتخذ قرارات في حق آخرين، قريباً، بعد استكمال التحقيق . ووافق المجلس الوطني للاشتراكي الموحد على مسطرة انتخاب المؤتمرين، مع تعديل في المادة الثانية، بإشراك الراغبين في الإشراف على عملية انتخاب المؤتمرين، بدل الاقتصار على أعضاء اللجنة الوطنية التنظيمية، كما جاء في القرار . وستستمر اللجنة التحضيرية في عملها، من أجل تنظيم النقاش، وتنظيم منتديات للحوار، سواء بين أعضاء الحزب أو مع قوى اليسار، لإشراكها في التحضير للمؤتمر. ومن المتوقع عقد ندوة وطنية في أكتوبر المقبل، للتوصل إلى أرضية واحدة يجمع عليها الكل، وحدد تاريخ الأول من شتنبر آخر موعد لتقديم الأرضيات. وكان محمد مجاهد، الأمين العام للحزب، تلا في بداية أعمال المجلس الوطني، التقرير السياسي، واعتبر أن " الدورة التاسعة للمجلس الوطني خصصت لمتابعة التحضير للمؤتمر الوطني الثالث، لاتخاذ الإجراءات والقرارات اللازمة، ليكون المؤتمر مناسبة أخرى لتأكيد منحانا، ومساعينا في تجديد، وتحديث، ودمقرطة الحياة الحزبية، ومحطة جديدة لبلورة التوجهات الكبرى للحزب، للمساهمة الفعالة في تلمس الطريق، لتجاوز الأوضاع الصعبة، التي تعيشها الحركة اليسارية، والديمقراطية في المغرب " . كما عبّر التقرير عن " أسف الحزب لما وقع داخل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، من سلوكات غير ديمقراطية، مضرة بمستقبل النضال الحقوقي بالمغرب " ، معتبراً أن " الجمعية مكسب حقوقي ، يجب تحصينه، وتطويره " . وسجل التقرير أن " العديد من الفروع عرفت جموداً في نشاطها، ولم تعد بعض المكاتب تجتمع بشكل منتظم، بينما طغى على مكاتب فروع أخرى المشاكل الذاتية " ، مشيراً إلى أن " فروعا عدة استطاعت مواصلة نشاطها التنظيمي " .