دعا حقوقيون وسياسيون الدولة المغربية إلى العمل لإيجاد حل عاجل لملف المعتقلين في ما يسمى ب"السلفية الجهادية" وتحقيق إنصاف ومصالحة شاملة في ندوة نظمتها "جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين و"لجنة الدفاع عن المعتقل السياسي الشيخ حسن الكتاني" الاثنين 12 يناير 2010بالرباط . وحذر المشاركون في ندوة بعنوان "من أجل إنصاف حقيقي ومصالحة شاملة لملف المعتقلين الإسلاميين" من تداعيات اعتقال متهمين ممن لم يثبت في حقهم أي عنصر إدانة بعد سبع سنوات من الاعتقال على خلفية 11 شبتمبر 2001 و16 مايو 2003. وأكدت الندوة، التي عرفت حضورا لافتا لعائلات المعتقلين في الملف وزوجاتهم وممثلين سياسيين وحقوقيين، على ضرورة توفير شروط المحاكمة العادلة في حق أبرياء ثبتت "مظلومياتهم" واستثناء "فئة ثبت تورطها في أعمال إجرامية من قبيل القتل واستهداف الأبرياء واعترفت بالمنسوب إليها أمام المحاكم". وطالبت مداخلات الندوة باستمرار عمل هيئة الإنصاف والمصالحة، التي عرفها المغرب خلال الفترة(2003 2006) لتشمل حقوق المعتقلين الإسلاميين، كما عالجت الضرر المادي والمعنوي لضحايا الاختفاء والاعتقال التعسفي من اليسار المغربي لسنوات ما قبل 1999. مناشدات وتحذيرات وقال حمزة الكتاني، شقيق الشيخ حسن الكتاني وممثل لجنة الدفاع عنه، إن "ملف الشيخ والعالم مولاي حسن الكتاني فارغ ولا يوجد فيه أي عنصر اتهام، حيث تمت متابعته بكونه دعا إلى آذان واحد يوم الجمعة أو كان في نزهة بغابة المعمورة ثم المشاركة في أحداث 16 مايو 2003 رغم أن اعتقاله تم في 18 فبراير 2003، وحكم عليه ب20 سنة سجنا بكون الملف برمته يستحق هذا الحكم". وأضاف: "لقد تم نقض الحكم سنة 2007 بنقص التعليل، الذي ينزل منزلة عدمه، إلا أننا نجد أن الشيخ الكتاني حكم بجريرة غيره وليس بجريرته الشخصية". وأخبر أن شقيقه قد دخل في إضراب مفتوح عن الطعام منذ 24 نوفمبر 2009 إلى حين تبرئته، مشيرا إلى المضايقات التي يتعرض إليها بالسجن وأثناء زيارة أقاربه، التي "تتم في قبو مظلم لا يليق حتى بالحيوانات". وحمل حمزة الكتاني الجهات المعنية مسؤولية الملف والخروج من الصمت ومعالجة الملف بمصالحة شمولية وإنصاف حقيقي، خاصة ملف حسن الكتاني، الذي يعتبر "حالة نادرة في مسار محاكمة المعتقلين الإسلاميين". وقدم توفيق بن همو، المحامي والحقوقي المختص في ملف السلفية الجهادية بالمغرب، سياقات الاعتقال وخرق إجراءات المحاكمة العادلة بدءا من مرحلة الاعتقال الاحتياطي مرورا بصياغة محاضر الشرطة القضائية إلى حين إصدار الأحكام القاسية في حق المتهمين. ولفت إلى جملة من الخروقات التي شابت أطوار المحاكمة مما أدى إلى غياب أو تغييب الحقوقيين والسياسيين والإعلاميين وعدم تمكينهم من الاقتراب منها، إما بالترهيب أو الإيهام أنها أحكام محسومة النتائج قبل المحاكمة. وقال توفيق بن همو إن الأحكام الصادرة في حق المعتقلين تم الطعن فيها لدى المجلس الأعلى للقضاء لعدم احترامها للمحاكمة العادلة، سواء في مرحلة الاستنطاق الابتدائي والتفصيلي أو خلال مرحلة البحث في سلامة الاتهامات وعلاقتها بالشهادات، إذ لم يمنح الوقت الكافي للتأكد من الوقائع المنسوبة للمتهمين، مستثنيا من اعترفوا بارتكاب الأعمال الإجرامية. وأضاف أن الاختلاف العلمي لا يجب أن يؤدي إلى "فبركة الملفات"، بل لابد من استدعاء الخبرات التقنية والفقهية في شأن المحجوزات (كتب وأشرطة ومواد لصنع الذخيرة..) للتأكد من الوقائع المنسوبة للمعتقلين وبيان ما إن كانت تشجع على التشدد أو غيره من الاتهامات. ولإيجاد مخارج للملف، أفاد الحقوقي المغربي أن المشرع القانوني يفتح الباب لمراجعة الأحكام على ضوء وجود أدلة جديدة في الملف، مما يستدعي فتح حوار واضح تشرف عليه هيئة مستقلة والاستفادة التجارب الناجحة لطي الصفحة (المصرية، الجزائرية،..)، مطالبا بهيئة إنصاف ومصالحة جديدة، لأن أحداث 16 مايو 2003 ما زالت غامضة ولا يعرف من صنعها ومن مولها؟". وأكد محامي المعتقلين أن المحاكمات وما جرى في أطوارها "أضرت بسمعة وحقوق المعتقلين وعائلاتهم ومستقبلهم المهني"، معبرا عن أمله في إرجاع وضع المغرب إلى سابق عهده الآمن بإصلاح شمولي وتأهيل القضاء ليبحث في أدلة البراءة وليس في الاتهام. طلبات عفو لا تصل بدوره شدد عبد الرحيم مهتاد، رئيس جمعية النصير لمساندة المعتقلين الإسلاميين، على عدم"المقامرة" بالوضع والعمل لإيجاد مخرج عاجل لكل المعتقلين، الذين شردت عائلاتهم وأبنائهم وشوهت سمعتهم، مطالبا بإنصاف حقيقي ومصالحة شاملة ليهنأ الجميع شعبا ودولة. ولفت رئيس جمعية النصير إلى حال أطفال المعتقلين، الذين اغتصبت طفولتهم باعتقال آبائهم وغياب من يتكفل بهم دراسيا وطبيا، محذرا من آثار الاعتقال على نفسياتهم مستقبلا. وتساءل مهتاد: "ألم يحن الوقت بعد لكي يتصالح المغرب مع أبنائه الذين جرفتهم محاكمات الحرب على الإرهاب ظلما وزورا؟ ما الذي يحول بين الدولة وبين أن تأخذ زمام المبادرة في البحث عن حل نهائي ومشرف لقضية هؤلاء المعتقلين الإسلاميين، وما سر تواني عدد من الفاعلين السياسيين وتلكؤهم عن تبني ملف هؤلاء المعتقلين؟. وذكرت الجمعية الحقوقية المكلفة بمساندة المعتقلين أن أقارب المعتقلين وبعض الجمعيات الحقوقية تلقت أكثر من 115 "طلب عفو" موجهة للعاهل المغربي، إلا أن الطلبات لا تصل للجهات المسؤولية، موضحة أنها تلقت جوابا رسميا أن تكون طلبات العفو من المعتقلين أنفسهم. ويجري العرف السياسي بالمغرب أن تكون طلبات العفو فرصة لإعفاء بعض المعتقلين والتخفيف عنهم في حجم غرامات الإدانة ومدد الحبس أو تبرئة ساحتهم دون الرجوع لإجراءات سجنهم أو إدانتهم القانونية. وحذر مهتاد من عدم اليقظة في معالجة الملف، متسائلا: "بكل صراحة لا أعرف إلى أن يسير المغرب، وماذا ينتظر من أبناء اغتصبت طفولتهم بمحاكمة فيها ظلم؟". من جهته، دعا محمد الخالدي، الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة، إلى تقديم وثيقة للمصالحة والإنصاف شبيهة بوثيقة الاستقلال (11يناير1944)، يشارك فيها سياسيون وحقوقيون، والبحث عن توجه سياسي آخر للتعامل مع الملف، لأن المغرب في حاجة إلى كل أبنائه. وشدد "الخالدي"على ضرورة تجاوز مرحلة التفسير والاتجاه نحو التغيير في التعامل مع الملف من أجل مغرب العدالة. الحاجة إلى الفرز وتطرقت رسالة جمعية النصير ولجنة الدفاع عن حسن الكتاني، التي تمثل الأرضية الفكرية للندوة، إلى سياق اعتقال المتهمين في خوض المغرب وبعض الدول العربية ل"حرب بالوكالة" عن أمريكا في ما يسمى بالحرب على الإرهاب وأوضحت أن الندوة تروم طرح إشكالية: "ولدت مع أول بوادر الحرب على الإرهاب، التي أعلنتها أمريكا، وتطورت لتشمل باقي الدول مع تعدد التسميات وتحت عدد من الشعارات وسن القوانين والتشريعات، ولكن المستهدف من خلالها هو العنصر الإسلامي". وبسطت الورقة، التي حصل "إسلاميون.نت" على نسخة منها، مسار انخراط المغرب في محاربة الإرهاب بدءا باكتشاف أول خلية نائمة بعد تفجيرات أمريكا في 11 سبتمبر 2001: "ولم يكن أحد في المغرب يتمنى أو يعتقد أن بلدا آمنا مثل المغرب سيعرف هذا التحول الخطير، فأطلق العنان للاعتقال بمجرد الشبهة، وأصبحت لأجهزة الأمن والمخابرات اليد الطولى في الموضوع وتفتقت عبقرية القضاء في صياغة الأحكام". وبعد الإشارة إلى التصريح الملكي لصحيفة "الباييس" الإسبانية بوجود خروقات شابت ملف الاعتقال والمحاكمة مما أدى إلى الإفراج عن 315 فردا من المعتقلين، أكدت الوثيقة أن الهيئات الحقوقية تطالب بإيجاد حل للمعتقلين، الذين هم أهل للإفراج والذين تأكدت مظلوميتهم، واستثناء الفئة التي ثبت تورطها في أعمال إجرامية من قبيل القتل واستهداف الأبرياء، واعترفت بالمنسوب إليها أمام المحاكم، "فهؤلاء لا يكلفون أنفسهم حتى عناء التواصل مع الجمعيات الحقوقية، وكأن لسان حالهم يقول: أذنبنا ونستحق ما نحن فيه". وأشارت بعض مداخلات الحضور إلى أن مدارسة هذه القضية الشائكة "برزانة بعيدة عن الانفعال وردود الأفعال يثير الانتباه، في حين أن الواجب أن تكون الدولة هي المبادرة لمثل هذه المبادرات". وظهر لافتا تأثر أقارب المعتقلين بوضعية أقاربهم المعتقلين، حيث ظل نشيج البكاء مصاحبا لأطوار الندوة، مما أحدث تعاطفا للحضور مع شهادات بعض أقارب المعتقلين، حيث منهم من فقد أحد والديه وهو بالسجن، كما أصيب بعض الأمهات والزوجات والأبناء بأمراض مزمنة. يذكر أن المغرب عرف بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 و16 مايو 2003 بالدار البيضاء حملة اعتقالات بلغت أزيد من ستة آلاف معتقل بشبهة الانخراط أو المشاركة أو تشجيع على القيام بأعمال إرهابية، وما يزال الملف يبحث عن آليات للخروج من تبعاته بأقل التكاليف، خاصة بعد تأكيدات أغلب المعتقلين بنبذهم للعنف وإيمانهم بثوابت المغرب المتمثلة في "الإسلام والملكية والوحدة الترابية"، كما أن أغلبهم لم يثبت عنه ارتكاب أعمال إجرامية.