في السادس من نونبر من سنة 2009 وجه ملك المغرب محمد السادس خطابا إلى رعاياه الحائرين . خطاب إختلفت المنابر الإعلامية المحلية والخارجية حول تسميته . هناك التي وصفته بشديد اللهجة وأخرى اعتبرته قويا وحازما بل وذهبت بعضها إلى نعته بتهديدي وصارم إلى غير ذلك من الكلمات التي تتناغم نوتاتها الموسيقية مع دوي طبول الحرب . لكن تحليل الخطاب من خلال ملامح وجه الملك المتجهمة والمتشنجة تدفعك لوصف الرسالة الملكية بقاموس آخر خاصة إذا استحضرنا قضية الصحراوية أميناتو حيدر التي سببت تلعثم ألسن رعاياه الوزراء بشكل مضحك وسخيف . فوزير الخارجية الفاسي الفهري كان ينطق الحروف وكأنها أشواك مغروزة في لسانه ويتهجى جملا كتلميذ في الإبتدائي أما وزير التسنطيح عفوا الإتصال خالد الناصري فقد حاول تبرير الفضيحة بأسلوب خشبي يظهر ثقة في النفس على مستوى الوجه وتقاسيمه لكن أرجله المرتعدة فضحت مستوره . أعتقد أن الخطاب كان منرفزا بكل بساطة وبعيد عن الخطابات الدبلوماسية التي لاتكون شديدة اللهجة أو حازمة إلا إذا وفرت له ولنجاحه كل الشروط الداخلية والخارجية وأخذت بمهنية وجدية في الحسبان كل الردود الممكنة من الحلفاء والأعداء والمحايدين . وهو ما أثبت الأيام اللاحقة للخطاب أنها لم تنتظر ولم تتوفر تلك الشروط بل بالعكس كان رد فعل متسرع ومندفع بعيد عن الحرفية كما الثور الخارج للتو للحلبة والذي يقع على الأرض بضربة رمح أولى صغيرة من إمرأة نحيلة عرفت كيف تناور وتراوغ وتصوب في الوقت والمكان المناسبين . أما مضمون الخطاب فرغم طبيعته المتشنجة والمندفعة فتبعاته ستقع على رؤوس الرعايا المغاربة في سياقات أخرى وبأشكال بعيدة عن القضية التي أثارته حتى لايذهب سدى . خاصة حين تكلم الملك بمنطق الثنائية " أن تكون مغربيا أو لاتكون" وهي صيغة منقحة لشعار الإجماع الوطني السئ الذكر الذي إبتدعه الحسن الثاني بعد 1975 لتصفية كل الخارجين عن طاعته ولملمة بيته الداخلي الذي تصدع بفعل المحاولتين الإنقلابيتين في 71 و 72 . ولأن القرارات الزجرية في الأنظمة الإستبدادية تكون دائما فضفاضة وغير دقيقة لتكون قابلة لكل استعمال عند الحاجة فمن الصعب معرفة مايعنيه الملك بالضبط بهكذا ثنائية . لكن القانون المغربي المنسوخ ببلادة من الفرنسيين لايعذر أحدا منا بجعله حتى وإن كانت الأمية سنوات الستينات تتجاوز الثمانين في المائة عكس المشرع الفرنسي الذي لم يشر إلى الفقرة حتى رحل آخر أمي في كل البلاد !! ماذا يعني إذن أن تكون مغربيا اليوم ؟ سؤال ملغوم لكنه أنطولوجي لامناص من مواجهة تبعات طرحه . فإن كان التوفيق حليفا صارت لنا عقوبة وإن كان عكسه صارت العقوبة مضاعفة في ميزان مصائبنا . أن تكون مغربيا إذن يعني أن تعيش مراهقا فراشدا وربما شيخا على إيقاع ملايين الأحلام قد تتحقق في أي بقعة من الكون دون أن تفكر أو تحلم مرة واحدة بإمكانية إنجازها داخل الزمن والمكان المغربيين ... أن تكون مغربيا يعني أن تكون متأكدا أن 14 قرنا هو عمر دولة الإيالة المغربية , أما آلاف السنين قبل ذلك فلا تستحق في التاريخ المغربي سوى ثلاثة أسطر تخبرنا ان سكان المغرب الأولين هم البرابرة أبناء مازيغ ...لأن هؤلاء كانوا مخلوقات غريبة نزلت من كوكب مجهول واستوطنت المنطقة قبل ان يرحلوا إلى حيث جاءوا دون أن يتركوا ولا أثرا لهم . أن تكون مروكيا يعني أن تصدق بوثوقية أن العبقرية المغربية هي من حمرت ثوب العلم الوطني بدمائها وخطت نجمته الخماسية كتجسيد لأركان الإسلام الخمسة ولحنت ابيات نشيده بإتقان ووطنية ! بل ونحتت وجه محمد الخامس على سطح القمر الذي شيد الحسن الثاني فوقه سدودا وملاعب كولف ليحوله محمد السادس إلى مقبرة لدفن الماضي ونفاياته المميتة . أن تكون عبدا مكتمل الإيمان يعني أن تقر أن تقديس الملك وخطب الملك ومرض الملك وأحجار قصور الملك واجب وأن معصومية الملكية من الأخطاء تأتي في الدرجة الثانية بعد النبوة وأن طاعته من خلال بيعته متكاملة مع طاعة الله ورسوله وأن عيد العرش سنة ثالثة للركوع بعد عيد الأضحى و عيد الفطر وحدهم المحظوظين من يؤديها . أن تكون وطنيا حرا يعني أن تسلم أن وحدة المغرب مستكملة حتى وإن ظلت حدوده الشرقية معلقة وحدوده الجنوبية مبهمة وحدوده الشمالية مقسمة أما حدوده الغربية فمباعة لأن شؤون الحدود والسيادة لاتعني عقول الرعايا الصغيرة ! أن تكون فخورا بتامغربيت يعني أن تعمل على بقاء شواطئه الطويلة مفتوحة لكل المغاربة ليبردوا فقايصهم ويدفنوا معاناتهم في رمالها ويفرغوا مكبوتاتهم بحرية حتى يتركوا أهل العقد بلا حل يملؤوا حساباتهم السرية بخيراتها جزاء لهم بما صنعوا وسيصنعون ! وأن تعترف أن مرتفعات جباله هبة من الله لعباده الصالحين ليتزحلقوا فوق ثلوجها ونقمة وعقوبة للطالحين تتزحلق بهم فوقها كهوفهم الطينية نحو أعماق الوديان ! وأن أراضيه الخصبة و حدائقها الغناء فضل ورزق من الله قد يحولها لفيضانات تغرق الحرث والأنانم والأنعام عقابا لقوم لايصبرون على ابتلاء الفقر واستباقا لأي محولة نقض الطاعة . أما صحاريه فظاهرها رمال جعلت عيادات طبيعية للأهالي لتكميد العظام من كدمات القهر وباطنها كنوز ومعادن لنفخ بطون الغرباء ! أن تكون مغربيا ناجحا و ابن زمانه يعني أن تسلم أن الله حسم في أمر الطبقات وأن مفاتيح الأبهة ثلاثة وفقط : إما أن تكون ذا نسب شريف موقع من سيد الشرفاء أوسليل عائلة عرفت كيف ومن أين تؤكل الكتف أو صديق وخادم بالصدفة للحيوانات الإستهلاكية على رأي أحمد فؤاد نجم . أن تكون مغربيا نموذجيا يعني أن تتربى منذ الطفولة على الحذر من آذان الحيطان و من ظلك وصديقك وزوجتك والجيران وإن سجنت صدفة وعذبت خطأ فواجبك أن تقع في حب جلادك وتتلذذ بضربات سوطه فوق عروق الشريان تكفيرا عن جريمة وقوعك خطأ بين ايدي جلاديك ! أن تكون مغربيا يعني ألا تستقي معلوماتك إلا من قصاصات لاماب ولا تلتحق إلا بالبام لأنه حزب الفرقة الناجية وجوكير الوصول إلى المناصب في ستة أيام ! أن تكون مغربيا يعني إذن أن تكون مريدا في زاوية شيخ قبيلة أو جماعة أو طغمة وأن تكون مستعدا لبيع كل شئ بدءأ بهويتك وانتهاء بمؤخرتك مقابل منصب حقير وسجود أمام صنم أحقر ! أن تكون مغربيا في الختام يعني أن تقتنع أن فلسفة الأمة المغربية مبنية على شعار دعه ينهب ...دعه يمر..وأن الأمراء والسلاطين ورثة الأنبياء ! هذه بعضا من شروط التمغرب وعدم قبول واحد منها يعني ببساطة البحث عن وطن وهوية ووجود آخر و إلا..!.