أبرز المشاركون في ندوة دولية نظمت اليوم الثلاثاء بالعيون، الدور الريادي للتجربة الوحدوية المرابطية في الحفاظ على الوحدة الفكرية والعقائدية والتشريعية والأمنية في دول الغرب الإسلامي. وأوضحوا في هذه الندوة، التي تنظمها جمعية فاس سايس تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن الدولة المرابطية التي جعلت من المذهب المالكي محور حركتها الإصلاحية استطاعت من خلال هذه التجربة الوحدوية أن تجمع شتات دول الغرب الإسلامي الكبير وتوحد كلمتهم وتساهم في نشر الأمن الروحي والاستقرار الاجتماعي وتحقيق التنمية. وفي هذا الإطار، أبرز مستشار جلالة الملك السيد عباس الجراري أن حركة التصحيحية للدولة المرابطية انطلقت من المذهب المالكي ومن تكثل قبلي قوي واستطاعت أن تزيد في عمر الدولة الإسلامية في الأندلس مدة أربعة قرون وقضت على الموجة الشيعية الفاطمية وأقامت علاقات مع العباسيين. وأوضح أن المذهب المالكي لم يكن بالنسبة للمرابطين مجرد مذهب ديني بل اتخذوه خطة للإصلاح، مشيرا إلى أن اعتماد المرابطين على هذا المذهب المالكي كان منسجما مع طبيعتهم ومع طبيعة المغاربة الذين سبق لهم أن اقتبسوا وأخذوا هذا المذهب منذ العهد الإدريسي. ومن جانبه، أبرز رئيس جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس السيد السرغيني فارسي أن المغاربة تشبعوا بالمذهب المالكي الذي يعد من المبادىء الأساسية لهويتهم ورافدا أساسيا لوحدتهم في مختلف أبعادها، مشيرا إلى شمولية هذا المذهب ومرونته وقابلية استيعابه للتصورات والمتغيرات واحتواء المستجدات ومراعاته للأعراف والعادات التي لا تتعارض مع النصوص الصريحة. وأضاف أن هذا المذهب يتميز بانفتاحه على غيره من المذاهب الفقهية والشرائع السماوية السابقة واعترافه بالجميع واستعداده الدائم للتعايش، واتسامه بالوسطية والاعتدال في أحكامه ومواقفه ودعوته على الدوام إلى نبذ الخلاف والعمل على تحقيق الوحدة والتوحيد واعتماده على الواقعية. وأبرز السيد خالد حمزة أبو فارس ممثل جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بليبيا، من جهته، أن الوحدة الثقافية والاجتماعية التي يتمتع بها المغرب الكبير هي من ثمار الإسلام أولا والمذهب المالكي ثانيا، موضحا أنه بسبب هذا التقارب في الثقافة وتقارب العادات والتقاليد اتفقت المصالح والمنافع واجتمعت الآراء والأفكار على فائدة هذا الاتحاد. وأكد على ضرورة الاهتمام بالمذهب المالكي دراسة وتدريسا وعناية وتحقيقا وعملا وتطبيقا "نظرا لما هيأه هذا المذهب الفقهي الإسلامي من ظروف لجمع شعوبنا وتوحيد لأفكارنا وتقارب لقوانيننا وعاداتنا الاجتماعية". وبدوره، أبرز ممثل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت السيد سليمان الذريع أن الدولة المرابطية أقامت العدل ونشرت الحضارة وطورت الصناعة على أيدي زعمائها، ووحدت المغرب الإسلامي الكبير ودافعت عن مسلمي الأندلس وحكمت شرع الله في المجتمع وأعطت الحقوق للرعية وكانت علاقتها مع الخلافة العباسية ودولة بني حماد وملوك الطوائف والإسبان والنصارى علاقة القيادة الحكيمة. وأضاف أن المرابطين الذين لهم مآثرهم العمرانية والحضارية اختاروا المذهب المالكي منهجا لهم لقواعدهم الفقهية الدستورية على علم ويقين فأبدعوا به وجاء من خلفهم رجال من المغرب فأرسوا قواعده، مبرزا أن دولة الكويت تعتمد المذهب المالكي ليحكم حياة الناس "وهذه موافقة طيبة نعتز بها ". وأبرز ممثل المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة بالرباط السيد عبد الحميد الهرامة أن المذهب المالكي كان له دور كبير في تجربة الوحدة المرابطية في دول الغرب الإسلامي الكبير، مشيرا إلى أهمية الوحدة الثقافية في تحديد التوجهات وتمتين العلاقات الإنسانية وغرس الثقة في النفوس كمبادىء ضرورية لنمو الروابط السياسية والاجتماعبة وتطويرها. وأكد على ضرورة استخلاص العبرة من هذه التجربة والعمل بها في التوجهات التربوية والثقافية المعاصرة نحو بناء روابط ثقافية مشتركة في عقول الناشئة ووجدانها " قبل أن يواجهوا صراع الأفكار والإديولوجيات في مراحل متأخرة من حياتهم ويقبعوا في الحيرة والانبهار أو يستسلموا للتيارات الوافدة فيحدثوا في مجتمعاتهم انقسامات خطيرة على مستقبلها ووجودها". وأشار رئيس مجموعة البحث في التراث المالكي بالغرب الإسلامي السيد حميد لحمر، المدير العام للندوة، إلى الدور الكبير للدولة المرابطية المغربية في نشر العدل وتوطيد الأمن وتحقيق الازدهار وتوحيد الغرب الاسلامي، بدءا من الأقاليم الصحراوية وفي نشر الإسلام واللغة العربية في أدغال إفريقيا ورفعت من شأن العلم والعلماء. وأوضح أن التجربة الوحدوية المرابطية رغم ثغراتها وتعثراتها تعد من أهم التجارب الوحدوية في الغرب الإسلامي بل إليها يرجع الفضل في تعبيد الطريق للتجربة الوحدوية التي تلتها واستفادت منها لتحقيق مطمحها في خلق وحدة المغرب العربي في نسخة ثالثة موحدية بعد تجربتي الدولتين الإدريسية والمرابطية. وأبرز رئيس المجلس العلمي المحلي الشيخ لارباس ماء العينين أن مذهب الإمام مالك المرن الواعي صاحبه بمستجدات الزمن التي لا تعرف التوقف والمدرك لمقاصد الشريعة ذات الأشكال المتعددة جعل مذهبه المرتكز على الكتاب والسنة صالحا لكل زمان ومكان. وأضاف أنه بفضل تنوع أصول هذا المذهب واتساع اطلاع صاحبه انتشر في دول الغرب الإسلامي على يد أفواج من العلماء الملتزمين حيث كان محل قبول عند جماهير كثيرة من الأمة الإسلامية في مختلف بقاع العالم.