12-2009 جعل المغرب من الإصلاح الحقوقي والنهوض بثقافة حقوق الإنسان والمواطنة المسؤولة قاعدة مركزية لورش الإصلاح المجتمعي الذي انخرط فيه بقوة على كافة الأصعدة، مجسدا بجلاء تشبثه وإيمانه الراسخ بحرية وكرامة الإنسان وحقه في الحياة الكريمة. والمغرب إذ يخلد يوم غد الخميس الذكرى ل`61 لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان (10 دجنبر 1948) يؤكد من جديد عزمه على المضي قدما في مسار ترسيخ المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وتوطيد المكتسبات التي حققها والنهوض بها. ومن هذا المنطلق، لا يشكل هذا اليوم محطة لإبراز ما تمت مراكمته في مسيرة النضال من أجل ترسيخ ثقافة حقوق الإنسان وإشاعة قيمها ودعم مسلسل النهوض بها، ولكن لحظة لتقييم موضوعي لمسيرة العمل الحقوقي من أجل الوقوف على ما تحقق على أرض الواقع وما لم يتحقق بعد. فقضية حقوق الإنسان تمثل خيارا استراتجيا بالنسبة للمغرب الذي لم يتبن فقط فلسفة ومبادئ حقوق الإنسان، ولكنه أصبح في طليعة البلدان التي تسهر على تطبيق حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية. وفي هذا السياق، اعتمدت المملكة إطارا مرجعيا يجعل هذه الحقوق منظومة تتسم بالكونية والتكاملية والترابط حيث تتضمن، إلى جانب الحقوق السياسية والمدنية، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، ضمانا للتعددية والحق في الاختلاف، في منظور استشرافي لتدبير الفضاءات الوطنية على أساس الحكامة الجيدة وفي إطار الجهوية المتقدمة، وذلك في سبيل تحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في الكرامة والعدالة للجميع. إن المتتبع لمسار حقوق الإنسان بالمغرب لا يمكن إلا أن يقر بالمنجزات الهامة التي تحققت، وذلك عبر إحداث عدد من المؤسسات ذات الطابع الحقوقي ومصادقته على العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان. ولعل الحدث البارز الذي كان بمثابة منعطف تاريخي في مسار حقوق الإنسان بالمملكة تمثل في إحداث هيأة الإنصاف والمصالحة التي تعتبر التجربة الأولى من نوعها في العالم العربي والإسلامي، وتنظيم جلسات الاستماع العمومية لفائدة ضحايا ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وتعويضهم، لتشكل بذلك هذه الهيأة تجربة رائدة في مجال العدالة الانتقالية. كما أن إحداث ديوان المظالم والمحاكم الإدارية وإقرار مدونة الأسرة، كلها عناوين ومؤشرات على انخراط لا رجعة فيه لتعزيز الترسانة الحقوقية بالمملكة. ويواصل المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أضحى لبنة أساسية في النسيج المؤسساتي الوطني عمله من أجل صون كرامة المواطنين وحماية حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، وذلك من خلال التأكيد على وجوب التكامل بين ممارسة الحريات وحقوق الإنسان، والاحترام اللازم للقانون الضامن لها. وفي هذا السياق، أعلن المجلس، من منطلق اختصاصاته، أنه سيضع خطة عمل مناسبة لدعم كل الجهود المبذولة في مجال حماية السيادة الترابية والوحدة الوطنية وتحصين وتنمية كل المكتسبات الحقوقية التي حققها المغرب. وإذا كان المغرب قد عرف خلال العشرية الأخيرة مجموعة من الاصلاحات السياسية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية فإن "خطة العمل الوطنية في مجال الديمقراطية وحقوق الانسان" تأتي كتتويج لهذا الزخم من الإصلاحات وتحصين للمكتسبات الحقوقية والسياسية التي شهدها المغرب. وتعد هذه الخطة التي حظيت بدعم الاتحاد الأوربي وصندوق الأممالمتحدة للتنمية مبادرة "رائدة" على الصعيد الاقليمي، لكونها تمزج بين البعدين الحقوقي والممارسة الديمقراطية، بالإضافة إلى كونها الأولى من نوعها في جنوب المتوسط وفي شمال افريقيا. وتروم هذه الخطة التي يندرج إعدادها في إطار تنفيذ توصيات مؤتمر فيينا لحقوق الانسان لسنة 1993، التي تنص على إعداد الدول لخطط وطنية في مجال حقوق الانسان، وضع عناصر لبلورة سياسات عمومية واضحة في مجالات حقوق الانسان والنهوض بآليات حمايتها وبثقافتها، وكذا العمل على تعزيز وتوطيد ممارسة الاتفاقية بالمغرب. كما تتوخى الخطة، وفق مقاربة شاملة وتشاركية، العمل، بالخصوص، على إتاحة إمكانية تقييم حاجيات البلاد في مجال حقوق الإنسان، وتقوية مؤهلات الإدارة العمومية وترسيخ الحكامة الجيدة، إضافة إلى تحسيس الحكومة والمواطنين وتعبئتهم في اتجاه ترسيخ حقوق الإنسان والديمقراطية، وتقوية المؤسسات الوطنية العاملة في مجال حقوق الإنسان. ومن المحطات البارزة في جهود المغرب للنهوض بحقوق الانسان وترسيخها، قراره رفع التحفظات على اتفاقية القضاء على كل أشكال التمييز ضد المرأة ومصادقته على الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، بعد أن أضحت هذه التحفظات متجاوزة، بفعل التشريعات المغربية المتقدمة من قبيل "مدونة الاسرة" و"قانون الجنسية". الاهتمام بحقوق المهاجرين شكل أيضا هاجسا للمغرب الذي يربط بشكل جدلي بين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لمواطنيه، وفي هذا الإطار يجدر التذكير بتوقيع المغرب ومصادقته على الاتفاقية الدولية لحماية حقوق جميع العمال المهاجرين وأفراد أسرهم، وذك منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وتحضر الحقوق الثقافية أيضا بقوة لدى المملكة التي تعتز بتعددها اللغوي، وذلك على سبيل المثال، من خلال القيام بالعمليات الكفيلة بتأهيل اللغة والثقافة الأمازيغيتين من تنميط حرف تيفيناغ وتقعيد اللغة، وجمع دراسة المتون الأدبية والفنية وإعداد المناهج والبرامج والحوامل البيداغوجية الخاصة بتدريس الأمازيغية، فضلا عن القيام بأبحاث حول المحيط التاريخي والبيئي والاجتماعي للثقافة الأمازيغية. وعلى المستوى العالمي، يخلد المنتظم الدولي اليوم العالمي لحقوق الإنسان هذه السنة تحت شعار "قبول التنوع إنهاء التمييز" في مناخ يسوده نوع من التفاؤل والأمل في أفق ترسيخ هذه الحقوق بشكل أفضل وجعلها حقيقة ملموسة. وفي رسالة بهذه المناسبة، أكد الأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون أن التمييز يستهدف الأفراد والجماعات التي تبقى عرضة للهجوم من قبيل المعاقين والنساء والفتيات، والفقراء، والمهاجرين والأقليات وكل أولئك الذين ينظر إليهم نظرة اختلاف". وقال الأمين العام إن "ضحايا التمييز ليسوا بمفردهم، فالأممالمتحدة تقف بجانبهم وملتزمة بالدفاع عن حقوق الجميع، ولا سيما الأشد ضعفا"، مضيفا أن التمييز يعيق إحقاق كافة حقوق الإنسان الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فضلا عن الحقوق المدنية والسياسية.