أعاد مهرجان الضفتين، في محطته بمدينة طنجة يومي الأحد والاثنين، ربط أوتار الشذى العذب الأندلسي في امتداداته المغربية والإسبانية، في سهرة بعبق ليالي قصور الأندلس وترانيمها الخالدة. قادما من بين مرتفعات مدينة طليطلة، صدح صوت المغنية الإسبانية آنا الكايد المتخصصة، في الموسيقى التقليدية والعريقة بجنوب إسبانيا، في هذه السهرة بمعية أربعة من العازفين المهرة على آلات تقليدية، تصدر عزفا طبيعيا غير مصطنع.
كانت آنا، التي آثرت الموسيقى على دراسة العلوم الحيوية، تنتقل بين طبقات صوتها بسلاسة، متماهية مع أنغام آلة الفيولا العتيقة التي تداعبها بعشق، بعد أن أعادت إليها الحياة ونفضت عن أوتارها غبار الحداثة، التي غيرت الموسيقى كما غيرت الأذواق والآلات.
إلى جانبها في هذه السهرة، التي حملت عنوان "نساء متوسطيات"، كان أربعة من العازفين على آلات السنطور، وإيقاعاته القوية الشبيهة بالقانون، والجيلو الكهربائي، الحاد النغمات، والقيثارة والماندولا، بالإضافة إلى آلات العود العربية، لكن بأسلوب عزف أندلسي عريق.
وغنت آنا الكايد في هذه السهرة مجموعة من الترانيم الإسبانية والعبرية، ابتهالات جمعت بين تلاوين متعددة من أعرق الصنوف الموسيقية الموجودة بالقارة الأوروبية، والتي تولدت عن امتزاج حضارتين شرقية وغربية قبل قرون، لكنها ما تزال حية بين ضفتي المتوسط.
وفسحت الفنانة الإسبانية منصة العرض، بقصر مولاي عبد الحفيظ بمعماره الأندلسي البديع، إلى المغربية إلهام الوليدي، التي غنت مجموعة من روائع الطرب الأندلسي والمغربي والمشرقي بصوت شجي أصيل، قبل أن تجتمع الفرقتان في عرض مشترك باللغتين العربية والإسبانية.
ويهدف هذا الحفل إلى جعل المستمعين يتعرفون على هذا التراث المشترك، الذي أبدعت الفنانتان في تكريمه وإحيائه، بغنى نغماته وألحانه الخالدة التي تعكس عظمة حضارة جمعت بين روحانية الشرق ودقة الغرب، في زمن كانت تشكل فيه الأندلس منارة للحضارة الإنسانية، ومكانا للقاء، ورحابا للتعايش واحترام التعددية والاختلاف. وبالإضافة إلى مدينة طنجة، سيحل المهرجان، في دورته الثالثة، بكل من الرباط والدار البيضاء وتطوان ومراكش والجديدة، وفضلا عن السهرات الموسيقية، سيتم تنظيم ورشات للتنشيط المسرحي وندوة حول "الشمال والجنوب .. التعددية والحوار".