طيلة خمس ليال من الفرجة الموسيقية الراقية التي شنفت آذان نخبة خاصة من المستمعين، أعاد مهرجان «طرب طنجة» في دورته الأولى الحياة لليالي الأنس المتوسطية بالحواري وبين أسوار المدينة العتيقة لطنجة. وقدم المهرجان، الذي اختتم مساء الأحد بجولة موسيقية وسط أحياء المدينة العتيقة، 14 سهرة فنية أتحفت فيها فرق موسيقية تراثية من ضفتي المتوسط المستمعين الذين حجوا بكثرة إلى منصتي العرض الرئيستين، اللتين نصبتا بمكانين ينضحان عراقة وتاريخا بقصبة المدينة. و اختتم المهرجان بجولة على إيقاعات الطبلة والمزمار لمجموعتي «إيسموك» من إسبانيا و«طبل وغيطة بوجلود»، وهو تراث موسيقى ينتشر بعدد من القبائل المغربية، حيث سيرافق رجل مدثر بلباس جلدي مجموعة موسيقية ويحث الناس على الرقص والغناء في جولة تنطلق من ساحة 9 أبريل التاريخية نحو ساحة المسيرة بالقرب من ميناء المدينة. ومن أقوى اللحظات التي شهدها المهرجان، سهرة على أنغام أوتار العود تمايل لها الحضور وانجذب خلالها بقوة إلى وقع الأنامل المرهفة للعازف المغربي سعيد الشرايبي، الذي قدم مجموعة من روائعه في جو شاعري أنارت فيه الشموع ظلمة المكان. وأمام جمهور ذواق بمتحف القصبة، وقعت أنامل العازف التركي سافاس أوزكوس على آلة القانون لحنا عاد بالسامعين إلى ليالي ألف ليلة وليلة بهذه القصبة التي كانت يوما القلب النابض لهذه المدينة الدولية. وببرج الحجوي الذي يضم واحدة من بين أجمل الشرفات المطلة على ميناء طنجة، قدمت مجموعة «المالوف» من قسنطينة بالجزائر عرضا يجمع بين العود والناي، ثم فسحت المجال لمجموعة «إليزيو بارا» من إسبانيا لتقدم مجموعة من «الترانيم التقليدية لشبه الجزيرة الإيبيرية». وفي عرض آخر، سمت فيه الكلمات والأرواح في سفر نحو الماضي بشبه جزيرة الأناضول، قدمت «الفرقة المولوية» من تركيا عرضا يجمع بين أمداح وحركات تخاطب الأرواح، استتبعه عرض لمجموعة «الحضرة الشفشاونية» المكونة من نساء يحفظن ويرددن ابتهالات في مدح الذات الإلهية ومدح الرسول عليه الصلاة والسلام. وقد تمكن المهرجان، الذي انطلق في17 من الشهر الجاري تحت شعار «المتوسط مهد الحضارات»، من تقديم أنواع موسيقية توشك على الاندثار، ونفض الغبار عن ألحان وموسيقى تعشقها نوعية خاصة من المستمعين يشدها الحنين إلى سهرات بعبق تاريخي، معزوفاتها بعيدة عن تأثير الآلات الإلكترونية، التي مهما حاولت، لن تحاكي إبداع الفنان التقليدي. وأبرز منظمو المهرجان، وهم جمعية روافد بتعاون مع شركاء محليين، أن هذه التظاهرة تروم رص جسور من القيم الثقافية والعروض الموسيقية الروحانية لتربط الماضي بالحاضر وتصل ضفتي المتوسط عبر الإيقاعات الموسيقية. وقد شاركت في هذه الدورة عدة فرق حملت مشعل الموسيقى التقليدية والتراثية بسبع دول متوسطية، ويتعلق الأمر بالمغرب وتونس والجزائر عن الضفة الجنوبية للمتوسط، وتركيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا عن الضفة الشمالية. وبالإضافة إلى العروض الموسيقية، برمج المنظمون عدة ندوات لباحثين وأكاديميين لمناقشة دور الموسيقى التقليدية في المجتمع المعاصر بمشاركة نخبة من الباحثين في التراث الموسيقي من تونس والمغرب وسويسرا.