على إثر إعلان صاحب الجلالة الملك محمد السادس في الخطاب الذي وجهه إلى الأمة أمس الأربعاء، عن إحداث اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، أشرف جلالته اليوم الخميس على تنصيب هذه اللجنة، وهو حدث هام، قوي الدلالات يرسم معالم عهد دستوري ديموقراطي جديد. ففي خطاب بهذه المناسبة، أكد جلالة الملك من جهة أن الأمر يتعلق بلحظة قوية، تقتضي من الجميع استحضار جسامة المسؤولية التاريخية التي تسائله، مبرزا جلالته أن الهدف المرجو هو بلورة مشروع دستور متقدم في استلهام لروح الإطار المرجعي، والثوابت الوطنية ومرتكزاته الديمقراطية المعبر عنها بوضوح في خطاب 9 مارس. ومن جهة أخرى، ومن دون التدخل في المهمة الموكلة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، فإن جلالته حرص، مع ذلك، على التذكير بمنهجية العمل التي يتعين أن تتبعها هذه الهيئة، من أجل إنجاز عملها على نحو كامل وفعال. ولهذا، فإن هذه اللجنة مدعوة إلى اعتماد منهجية الإصغاء والتشاور، مع جميع الهيئات والفعاليات المؤهلة، بدون استثناء أي كان، وكذلك لإظهار روح الاجتهاد الخلاق، لاقتراح نسق مؤسسي مضبوط، يقوم على التحديد الواضح لسلطات المؤسسات الدستورية، بما يجعل كلا منها يتحمل مسؤوليته كاملة، في مناخ سياسي سليم. ومما لا شك فيه أن الاجتهاد الخلاق المنشود يعني بكل بساطة ضرورة أن يبلور أعضاء اللجنة تصورا مبتكرا لمختلف محاور الاصلاح الدستوري استجابة لمتطلبات الحكامة الديمقراطية للدولة، مع الأخذ بعين الاعتبار المكتسبات وكذلك الخصوصيات المغربية، مع العلم أن ثمة معايير ومبادئ ديمقراطية وأساسية متعارف عليها عالميا. وستسهم التجربة والخبرة والحكنة البيداغوجية للرئيس وأعضاء اللجنة بشكل كبير في بلورة التصور المنشود. وعلاوة على المهمة الموكلة إلى اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور، فإن صاحب الجلالة حرص على إبراز الدور المنوط ، في هذا الإطار، بالأحزاب السياسية، باعتبارهم فاعلين أساسيين في الحياة السياسية، وذلك من خلال حثهم على الانخراط بفعالية في إعداد وتنفيذ حكامة دستورية جيدة، وعدم الاقتصار فقط على تقديم تصورات أو مذكرات للجنة الاستشارية، وكذلك الانخراط بشكل دائم وبدينامية في هذا الاصلاح المهيكل والمؤسس من بدايته إلى نهايته. ومن أجل تحقيق هذا الهدف على النحو الأنسب، قرر جلالة الملك إحداث آلية سياسية مهمتها المتابعة والتشاور، وتبادل الرأي، بشأن الإصلاح المقترح، وهي بمثابة هيئة للحكماء تضطلع بمهمة تأمين ومواكبة التتبع والتشاور وتبادل وجهات النظر حول الإصلاح الدستوري المقترح، وستمكن هذه الآلية، من دون شك، من خلق تفاعل بين اللجنة التقنية والفاعلين المنخرطين في هذا الإصلاح الدستوري الديموقراطي. وستضم هذه الهيئة، التي أسند صاحب الجلالة رئاستها إلى مستشاره السيد محمد المعتصم، الخبير الدستوري المحنك، الوزير السابق المكلف بالعلاقات مع البرلمان، علاوة على رئيس اللجنة الاستشارية، زعماء التنظيمات السياسية والنقابية. وسيكون بوسع هؤلاء الفاعلين السياسيين والاجتماعيين مواكبة العمل الجبار الذي تضطلع به اللجنة. وستتوقف جودة وأهمية هذا العمل على الجهود الجوهرية للجنة التقنية، وكذا على التناغم مع الهيئة السياسية دون إغفال الإسهام الأساسي للإصغاء لمختلف الآراء وللمشاورت الموسعة.