أكد مجموعة من الفاعلين السياسيين بأحزاب يسارية بضفتي المتوسط ، أمس الخميس بمدينة طنجة ، على أن أحزاب اليسار بهذا الفضاء لا تتوفر على مشروع مجتمعي موحد. وأوضح المتدخلون خلال ندوة حول "مستقبل أحزاب اليسار في الفضاء المتوسطي" نظمها معهد الدراسات العليا في التسيير، على أن تجارب الأحزاب اليسارية في هذه المنطقة من العالم متباينة وبرامجها مختلفة باختلاف الظروف السياسية للبلدان التي تنتمي إليها. وفي هذا الصدد، شدد الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية السيد نبيل بنعبد الله على أن أحزاب اليسار ببلدان البحر الأبيض المتوسط لا تملك مشروعا مجتمعيا مشتركا كما أن تجاربها متباينة، لذا يتعين على اليسار العمل في هذا الاتجاه من أجل الرقي بالفضاء المتوسطي، داعيا الأحزاب إلى بلورة برامج وسياسات تستجيب لتطلعات الشعوب، خصوصا تلك التي تعاني حالات احتقان اجتماعي. وأضاف أن أحزاب اليسار في المغرب ساهمت في الدفع بالبناء الديموقراطي وقادت إلى انفتاح راكمت معه المملكة مجموعة من المكتسبات على مستويات متعددة، من بينها على الخصوص معالجة ملفات حقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية وتأهيل الشأن الاجتماعي، مستدركا بأن "المشهد السياسي المغربي شهد خلال الثلاث سنوات الأخيرة انزلاقات (...) لم يعد معها للأحزاب الوطنية "الوزن ذاته على الساحة السياسية بالمغرب". وعزا ذلك إلى "ظهور قوة سياسية جديدة بنت وجودها على ظاهرة الترحال والاستقطاب السياسيين". بدوره، يرى عضو اللجنة التنفيذية للحزب الاشتراكي الإسباني السيد سالفادور كلوتاس سييركو أن جوا من عدم التفاؤل يعم الأوربيين حول افتقار أحزاب اليسار لبرامج واضحة ومحددة الأهداف، بعد قبول الحكومات اليسارية التوجه نحو تطبيق سياسات ليبرالية أو شبه يمينية (التقشف) لمواجهة تداعيات الأزمة العالمية. وأبرز أن الاشتراكية الديموقراطية قد تأتي بإجابات حول تطلعات شعوب المتوسط ، وإن بدرجات مختلفة ، خصوصا مع الاحتجاجات التي شهدتها تونس ومصر والتي تطالب بالأساس بتوفير الخدمات الأساسية والتوزيع العادل للثروات والرفاهية، وهي من الأهداف الرئيسية للأحزاب الاشتراكية الديموقراطية. وبعد أن أكد على أن كل بلد مطالب ببناء نموذجه الخاص للانتقال الديموقراطي، شدد السيد سييركو على أن نجاح التجربة الإسبانية التي قادت اليسار إلى الحكم يعود بالأساس إلى الحوار بين مختلف الفاعلين السياسيين والقدرة على تقديم تنازلات للوصول إلى توافق. وانطلق العضو المؤسس للحزب الاشتراكي الموحد نجيب أقصبي من هذا المعطى لتقييم تجربة حكومة التناوب في المغرب، معتبرا أن "الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية أضاع فرصة الاتفاق حول الانتقال الديموقراطي من أجل التفاوض حول ميثاق اجتماعي جديد بين الفاعلين السياسيين". وأبرز أنه "يتعين إعادة التأسيس لليسار لاسترجاع مصداقيته، من خلال تشبثه بمبادئه، وتشبيب قياداته لمواكبة تطور المجتمع المغربي"، خالصا إلى أن "مستقبل الأحزاب اليسارية ينطلق أولا من الاتفاق حول تشخيص واقع حال هذه الأحزاب والواقع السياسي السائد، ثم تسوية روابط القوة وتوضيح المواقف بين مختلف الفاعلين السياسيين". من جانبه، لاحظ مدير المكتبة الوطنية للمملكة المغربية والفاعل السياسي السيد إدريس خروز أن "اليسار في العالم لم يستطع التكيف مع الوقائع العالمية بعد سقوط جدار برلين، إذ تعطل المشروع الاشتراكي أمام نجاح المشروع الليبرالي"، مضيفا أنه "حتى أحزاب اليسار الحاكمة لم تتكيف مع السلطة، الأمر الذي عاشه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والذي أدى به إلى دفع ثمن الانتقال الديموقراطي". وقال إن اليسار مدعو لأن "يسجل تميزه عن باقي الفاعلين السياسيين في الساحة المغربية، وأن يكون له برنامجه الخاص لا أن يعمل على تطبيق مشروع الآخرين"، مسجلا أن "انخراط حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في حكومة التناوب بالشكل الذي كانت عليه دفعه إلى التخلي عن قيمه ومبادئه". وبعد أن ذكر بأن أحزاب اليسار في المغرب لا تملك مشروع وحدة أو اندماج، دعا السيد اخروز الأحزاب المغربية إلى التوفر على برامج متباينة بخصوص القضايا التي تهم المجتمع لأن الاختلاف هو من يصنع التوافق، مشيرا إلى أنه يتعين تثمين المكتسبات المحققة بالمغرب والمضي قدما في الإصلاحات. وتطرق النائب البرلماني عن حزب الخضر الفرنسي السيد آلان ليبييتز إلى ما تعيشه تونس ومصر من احتجاجات، معتبرا أن وصول أحزاب اليسار عموما إلى الحكم رهين ببناء نموذجها المجتمعي الخاص ونجاحها في غرس القيم الاشتراكية في المجتمع. وأبرزت ورقة تقديمية أن هذه الندوة تأتي في سياق عالمي يتميز بهيمنة التيارات اليمينية على المشهد السياسي وتنامي قوة الأحزاب المحافظة وتبني سياسات تقشفية غير مسبوقة، في مقابل تراجع أحزاب اليسار عبر العالم.