عماد الحنصالي - مع إطلاق مبادرة الجهوية المتقدمة ، يؤكد المغرب مجددا التزامه بالمضي بثبات على درب ترسيخ الديمقراطية المحلية ، وهو ورش بدأ غداة الاستقلال بوضع سياسة اللامركزية. والحقيقة أن اللامركزية أضحت منذ استقلال المملكة خيارا استراتيجيا لا محيد عنه حيث مرت بثلاث مراحل ، تتمثل الأولى في إطلاق العملية ثم الثانية حيث عهدت التنمية المحلية إلى نخبة محلية منتخبة ، وأخيرا مرحلة النضج حيث التوجه كان أكثر اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا. - 1959 : إطلاق أول تجربة للامركزية بالمغرب وقد انطلق مسلسل اللامركزية الحديثة ببلورة إطار قانوني تم إحداثه ابتداء من عام 1959 ليشهد بعد ذلك ، من خلال ممارسة تدبير الشأن المحلي، تغييرات جوهرية . وسار تطور قانون الجماعات المحلية في اتجاه تخويل هذه الجماعات مزيدا من الاستقلالية ومزيدا من الصلاحيات والموارد ، وتوجها اقتصاديا. أما المرحلة الثانية في هذا المسلسل ، فقد بدأت مع اعتماد الميثاق الجماعي في 30 شتنبر 1976 ، والذي شكل خطوة هامة في مسلسل اللامركزية بالمغرب ، وتميزت بإجراء الانتخابات الجماعية في 12 نونبر من السنة ذاتها. ووضع هذا الميثاق التوجه الاقتصادي للجماعة ضمن أولوياته من خلال تنويع الموارد المالية المحلية ، وخاصة توسيع صلاحيات مجلس الجماعة . - دستور 1996 : تدخل اللامركزية مرحلة جديدة حيث وضعت الجهة في صلب التنمية ومع ذلك ، فإنه كان من اللازم انتظار دستور 13 شتنبر 1996 لتشهد اللامركزية بلوغ مرحلة جديدة ، ولكي يتعزز أكثر هذا الخيار الاستراتيجي من خلال اعتبار الجهة كجماعة محلية جديدة. وبالتالي ، ومن خلال الجهة ، فإن سياسة اللامركزية في المغرب تتشكل من ثلاث مستويات هي المجالس الجماعية ومجالس العمالات أو المجالس الإقليمية والمجالس الجهوية. وهكذا أضحت الجهة إطارا لتعزيز واستحداث آليات وأساليب جديدة من شأنها تحسين تنمية الموارد البشرية والطبيعية والإيكولوجية. إنه أيضا فضاء تتكامل فيه الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتي تتجلى مرتكزاتها في توطيد تقاليد الديمقراطية المحلية والتضامن داخل وبين الجهات والتنسيق بين مختلف مكونات الجهة بهدف تحقيق تنمية جهوية متكاملة ومتنوعة. كما تعززت اللامركزية بإجراء الانتخابات الجماعية في 13 يونيو 1997 حتى يصبح هذا المسلسل أكثر فعالية تحظى فيه الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالأولوية. - الخطاب الملكي لسادس نونبر 2008 يشكل الانطلاقة الفعلية لدينامية الجهوية المتقدمة لكن تاريخ السادس من نونبر 2008 شكل منعطفا حاسما في هذا المسلسل حيث أعطى صاحب الجلالة الملك محمد السادس في خطابه للأمة بمناسبة الذكرى ال33 للمسيرة الخضراء ، دفعة جديدة لهذا المنهج بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة ، تشمل كل مناطق المملكة ، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية. وقال صاحب الجلالة في خطابه السامي "لذلك قررنا بعون الله ، فتح صفحة جديدة في نهج الإصلاحات المتواصلة الشاملة التي نقودها ، بإطلاق مسار جهوية متقدمة ومتدرجة، تشمل كل مناطق المملكة ، وفي مقدمتها جهة الصحراء المغربية ". إنه ورش جديد مفتوح سيتيح للمغرب بلوغ مستوى جد متقدم في مسار الديمقراطية المحلية من خلال توسيع اختصاصات الهيئات الجهوية مع منحها مزيدا من الاستقلالية إزاء الإدارة المركزية في احترام تام للمرتكزات الأساسية المتمثلة في الوحدة والتوازن والتضامن . وتقوم دينامية الجهوية المتقدمة ، التي حظيت بإشادة جميع مكونات المجتمع المغربي، على الوحدة في ما يتعلق بالمرتكزات الأساسية للأمة والتي تتمثل في الهوية المغربية والوحدة الترابية ، مع ضمان توازن بين اختصاصات الهيئات المركزية والجهوية لتقوية تماسك السياسة العامة للمملكة ، وأيضا بين مختلف الجهات نفسها. كما تعتمد هذه الدينامية ، التي تندرج في سياق أوراش الإصلاحات الكبرى التي باشرتها المملكة منذ اعتلاء جلالة الملك العرش ، على التضامن بين هذه الهيئات لإعادة توزيع الثروات على نحو أمثل بين مختلف جهات المملكة. - الجهوية المتقدمة تؤكد التزام المغرب بإنجاح مشروع الحكم الذاتي في الصحراء وتؤكد مقاربة الجهوية المتقدمة هذه أيضا التزام المغرب بإنجاح المبادرة المغربية للتفاوض حول نظام حكم ذاتي في جهة الصحراء، وهو مشروع يعتبر حلا واقعيا ونهائيا يستند على مبادرة تحظى بتأييد واسع من لدن المجتمع الدولي ، ويؤكد التزام المغرب بإنهاء هذا النزاع الذي عمر طويلا ، وفي الوقت ذاته ، يساهم في تحقيق التنمية بالمنطقة المغاربية. لقد أصبح خيارا استراتيجيا لا رجعة فيه ، كما أكد ذلك إعلان جلالة الملك في خطابه السامي إلى الأمة في سادس نونبر الأخير بمناسبة الذكرى ال34 للمسيرة الخضراء، عن قراره ب" أن تكون الأقاليم الصحراوية في صدارة الجهوية المتقدمة المنشودة ، بما يعزز تدبيرها الذاتي لشؤونها المحلية". ويكون المغرب بذلك قد راكم لأزيد من نصف قرن تجربة غنية في مجال اللامركزية ، من المنتظر أن تتعزز أكثر في ظل دينامية الجهوية المتقدمة التي تشكل عاملا من عوامل التنمية الإجتماعية والاقتصادية المندمجة ، تساهم في ترسيخ الحكامة المحلية وتوطيد سياسة القرب اتجاه المواطن.