لما سأله صحافيون عن حركة «تصحيحية» جديدة داخل حزبه، جبهة التحرير الوطني التي تستحوذ على الغالبية في البرلمان الجزائري، أجاب عبدالعزيز بلخادم بأن الأمر «مضحك». لكن الأمين العام لأكبر حزب قومي جزائري بدا غير مقتنع تماماً بما يقول في ظل تحرّكات لافتة لوزراء ونواب منتخبين في أقسام جبهة التحرير في الولاياتالجزائرية. فهل هناك أهمية سياسية لهذه التحركات المبكرة لمناوئي بلخادم، أم أن ما يتردد في الجزائر عن قرب رحيل «الرجل الأمين» للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ليس سوى مجرد «طلقات بارود» تهدف إلى جلب الانتباه الإعلامي وتسخين الساحة التي طغت عليها أخبار كرة القدم وغلاء الأسعار والفساد؟ في السابق لم يكتف حزب جبهة التحرير بالاستحواذ على الغالبية في البرلمان وفي المجالس المنتخبة وحتى في الحكومة، بل كان يتوجه صوب هدف آخر هو أن تكون رئاسة الجمهورية هي الأخرى محسوبة سياسياً على الحزب العتيد، كما كانت في أيام ما قبل التعددية. لكن الحزب ما كاد ينهي مؤتمره التاسع، حتى توالت النكسات على أمينه العام، وتصدّرت أخبار المناوشات والصدامات بين منتخبيه في كثير من ربوع الجزائر، الحدث السياسي في البلاد. ويعمل حزب جبهة التحرير على عملية كبرى لتجديد هياكل أقسامه وعددها يقارب 1600 على الصعيد الوطني. لكن مشهد عملية التجديد تحوّل إلى مشادات عنيفة لم تجد لها تفسيراً غير وجود تحولات «جذرية» تحصل داخل الحزب الذي عايش الاشتراكية في فترة الحزب الواحد، ثم خرج للمعارضة في مرحلة ما بعد التعددية، قبل أن يعود إلى «حضن السلطة» في فترة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، الرئيس الشرفي لجبهة التحرير. وعلى رغم أن نتائج الانتخابات التشريعية وانتخابات المحليات تشير إلى تراجع جبهة التحرير كمّاً ونوعاً وانحصار دائرة وجودها في الأوساط الشعبية، إلا أن ذلك لم يمنعها من «الهيمنة» على مختلف مؤسسات الجمهورية. وقد حاول بلخادم تصوير حزبه على أنه «القاطرة» التي توصل رئيس الجمهورية إلى تخطي الصعاب السياسية في البلاد، حتى من دون الحاجة إلى مساعدة بقية شركائه الآخرين، سواء في الأحزاب أو جمعيات ما يسمى ب «المجتمع المدني». لكن الواقع ميدانياً بدأ يُظهر أن ما حققه بلخادم على رأس الحزب يعود الفضل فيه إلى حد كبير إلى التصاق الحزب بالرئيس بوتفليقة وتأييد سياساته وبالتالي اقتسام شعبيته في أوساط الشعب الجزائري. وثمة من يقول إن الخلافات المستجدة داخل الحزب هي نتاج تحولات جذرية تجاوزت قادة الحزب أنفسهم، إذ لم يعد الصراع كما كان في السابق صراع أفكار أو بين تيارات العروبة والفرنكوفونية، ولا من صناعة ما يُعرف ب «الحرس القديم»، بقدر ما بيّنت الأحداث أنه صراع «مصالح إنتخابية» لا تعترف بالزاد النضالي ولكن بمؤشرات جديدة ترتبط بالمال والنفوذ. وربما تصب المشاكل التي يعانيها الحزب الأول في الجزائر في خدمة غريمه الأول أيضاً حزب التجمع الوطني الديموقراطي بقيادة الوزير الأول أحمد أويحيى. وقد خاض كلاهما في الفترة الماضية نوعاً من التراشق الكلامي و «حرب إنشاء اللجان المتبادلة» التي تتنافس على القيام بالأمور ذاتها. ولم يكن هذا التراشق بين الحزبين الأساسيين في «التحالف الرئاسي» مجرد ضربات «تحت الحزام» لإضعاف الخصم وتسجيل نقاط عليه، بل تعدى ذلك إلى تحركات محسوبة مرتبطة ب «سيناريوات سياسية يجرى رسمها»، بحسب بعض التكهنات الرائجة في الجزائر.