ذكر الصحفي والكاتب الفرنسي، بول بالطا، أن جهل الغرب للعالم العربي الإسلامي هو الذي أحدث ما أسماه بسوء التفاهم الدائم. موضحا أنه قرّر التخصص في العالم العربي، حتى يصبح جسرا يربط بين العالمين العربي والغربي. وحثّ بالطا طلبة الإعلام بجامعة الجزائر3 بالتحلي بالموضوعية والصدق أثناء ممارسة مهنة الصحافة. أبدى بول بالطا، مراسل يومية ''لوموند'' الأسبق في الجزائر، والذي يزور الجزائر حاليا لإلقاء سلسلة من المحاضرات، بدعوة من المعهد الفرنسي بالجزائر، أسفه بشأن وضعية الصحافة عبر العالم اليوم، بسبب التداخل الفاضح بين مهنة الصحافة والسياسة. وتحدّث في محاضرة ألقاها أمس، أمام طلبة المدرسة الوطنية العليا للصحافة وعلوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر3، عن ممارسته لمهنة الصحافة طيلة خمسين سنة، مركّزا على عمله كمراسل لصحيفة ''لوموند'' الفرنسية على مستوى المغرب العربي. وذكر بالطا أن نسبة مبيعات اليومية الفرنسية في الجزائر لوحدها بلغت آنذاك عشرين ألف نسخة يوميا، بمعدل خمسين بالمائة من السحب الإجمالي لليومية والذي كان يبلغ أربعمائة وخمسين ألف نسخة يوميا. وكشف بالطا بالمناسبة أن العاهل المغربي الحسن الثاني تحسس كثيرا من قرار تعيينه في الجزائر كمسوؤل لمكتب المغرب العربي، بدل الرباط، وقال: ''كان الحسن الثاني يعتبر أن الرباط هي عاصمة المغرب العربي، وليس الجزائر، فلم يستسغ تعييني في الجزائر، فحرمني من تأشيرة دخول بلاده مدة تفوق السنتين''. ووصف المحاضر ظروف عمله في الجزائر بالايجابية، على خلاف المغرب أين حاول النظام منحه رشاوى، رفضها بشدة، لكنه تحدث عن بعض المظاهر السلبية التي كانت منتشرة في الفضاء الإعلامي الجزائري في مرحلة السبعينات، من بينها الشح الكبير في المعلومات. مرجعا رواج هذه الظاهرة لميل الطبقة السياسية الجزائرية للسرية وإخفاء المعلومات. كما ركزا على ظاهرة الرقابة، وعاد إلى ظروف منع مقال نشره في مارس 1976 حول ظروف وضع الثنائي فرحات عباس وبن يوسف بن خدة تحت الإقامة الجبرية، بعد أن أمضيا على بيان استنكرا فيه رفقة كل من الشيخ خير الدين، وحسين لحول، التوجهات العامة لسياسة الرئيس هواري بومدين، مضيفا: ''منذ تلك الحادثة تعرضت كل المقالات التي كتبتها وذكرت فيها اسم فرحات عباس للرقابة''. لكن بالطا أصرّ في المقابل على الحديث عن نظام بومدين بكثير من الإيجابية. موضحا أنه أجرى معه سلسلة من الحوارات بلغت في مجملها خمسون ساعة. وقال: ''عايشت مختلف المراحل التي أدت إلى ظهور المؤسسات الجزائرية، كان عليك أن تعايش التحولات إلى نهايتها، سأحدث تغييرات هامة، وأتصور عقد مؤتمر كبير لجبهة التحرير الوطني بين نهاية 1978 وعام 1979 علينا أن نوضح الأمور حتى ندرك نجاحاتنا وإخفاقاتنا ونحدث التصحيح، ونشرع بعدها في وثبة جديدة. أعتقد أنك الأقدر على تتبع هذه المرحلة الجديدة''. فسألته بالطا إن كان ينوي الشروع في انفتاح ديمقراطي، وفي سنّ حرية التعبير، وجعلتني الابتسامة التي ارتسمت على محياه أستخلص أنه كان موافقا على مثل هذه الخيارات. وبعده بفترة وجيزة، أسرّ لي الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنه كانت له فعلا نوايا في هذا الاتجاه''.