يخرج قارى كتاب الصحافي والمسؤول الاعلامي حسن العلوي، « الحرب السرية في الصحراء الغربية» بإشباع ، يتحقق بسلاسة في ما يخص معطيات الكتاب. بين دفتيه كل الاسماء التي ارتبطتوبهذا القدر زو ذاك بالقضية وبتحرير التراب:دوغول،بومدين،بوتفليقة،فرانكو، الحسن الثاني، ، ويحصر التاريخ في اضاءة الحاصر، كما يحصر الصراع للاحاطة بلحظات التوافق.. فكرة الكتاب، حسب صاحبه، رأت النور في نهاية سنة 1974، عندما كان يناقش مع جاك بيرك في باريس، في حلقة للمناقشة حضرها المرحوم محمد بن يحيى، الاتحادي المعروف بإلمامه بالقضية الوطنية، و حسن بني صدر، الذي سيصبح رئيس الجمهورية الايرانية. يقول المؤلف أن جاك بيرك أخبره في منتصف الستينيات بالقول « أن هذه القضية ما زالت في البداية، ستسمر كأكبر نقطة خلاف» وظل صامتا منذ 1975 إلى حين وفاته. قبل وفاته بقليل ، التقيته وقد هدّه المرض رفقة زوجته الايطالية جوليا وابنه جوليان، قال لي لابد من كتاب حول حقيقة الامور، كمهمة ... ينطلق الكتاب من مسلمة أن تكوين النخبة الجزائرية ذاتها انبنى على عداء للمغرب ، بحيث أن ديبوماسية الجارة تم صقلها من طرف المخابرات واجهزتها، منذ وزارة التسلح والعلاقات العامة، مرورا بالأمن العسكري ومديرية الاستخبارات والأمن. ومن هذه الزاوية تعتبر مشكلة الصحراء عنصرا مبرزا لهذا الوضع وكاشفا له عبد العزيز بوتفليقة كان يتباهى بأنه يعرف تفاصيل و خبايا الامور التي تدور في القصر الملكي بالرباط، كما أن المخابرات الجزائرية التي كان يتزعمها قاصدي مرباح كانت تملك تقارير يومية دقيقة عن رجالات الدولة الاقوياء في المغرب، سواء عسكريين أو مدنيين. وزارة التسلح، التي أصبح عناصرها ينعتون «بالمالغاشيين» اي اهل مدغشقر، تلقوا تداريب مع الروس قبل استقلال الجزائر وظلوا مرتبطين بعالم الحرب الباردة. وقد كان عبد الحقي بوصوف، الرئيس الاول والمعروف بالسي مبروك عنصرا مرعبا، وربطته ببومدين علاقات وصلت إلى حد تصفية المنافسين، إبان حرب الاغتيالات السباقة للتحرير، إلى اغتيال عبان رمضان في تطوان سنة 1975 ، والذي كان يقوم بدور المنسق المدني للاستقلال . هذا الجهاز الاستخباراتي الأول كان بوصوف قد اقام له مركزا قياديا موزعا بين المغرب وطرابلس، حيث كان المغرب «القاعدة الخلفية للولاية 5 ، غرب الجزائر وموقعا للتسلح عبر مراكز التسليح في بوزنيقة وتمارة والصخيرات والمحمدية وسوق الاربعاء».. على المستوى التقني نجح بوصوف في وضع التراب الوطني تحت الكماشة وتغطيته بشكل كلي، حيث كان يلتقط المعطيات عن الفرنسيين انطلاقا من بلادنا، وسرعان ما بدأ يتجسس على مضيفه المغرب وهو الانزلاق الذي بدأ يثير شكوك المغرب. يلح الكتاب على أن الفرق كبير بين المغرب ومخابراته والجزائر، من حيث طبيعة القائمين عليه، فإذا كان المغرب قد أسس أجهزته، بإرث فرنسي، على يد الدليمي وأوفقير، فقد نجحت المخابرات الجزائرية في تحويل العناصر العاملة إلى عناصر مأدلجة وقادرة على التعبئة وإضافة البعد التعبوي والارادي في العمل. ونكتشف أن عبد العزيز بوتفليقة ما زال له إلى حد اليوم نفس الخط الهاتفي و مربوط بجهاز تسجيل لا يتردد في الانصات اليه في كل حين، كما لا زال يتصل بعناصر بسيطة في الاجهزة لجمع المعلومات أو ايصالها بدون المرور عبر الهرمية والمسؤولين. ليست هذه مقدمة في كتاب عن التجسس، بل هي مقدمة للتأكيد على أن السياسة في الجزائر هي امتداد للتخابر، على اعتبار أن النظام الجزائري قائم على ورقة التخابر، بل إن الطبقة السياسية منذ عهد بومدين هي طبقة انبنت على تحكم عناصر بوصوف المؤسس وقوتها كما حدث في انقلاب بومدين على الرئيس الجزائري بن بلة يوم 19 يونيو 1965 . إن الاجهزة صنعت الجيش وتعتمل وسطه، والنظام الجزائري الذي يصفه صاحب الكتاب بالنظام المافيوزي، عن تسرع، هو نظام ايضا تتداخل فيه الاختصاصات. وقد كتب عبد السلام بلعيد ، الوزير السابق في عهد بومدين في كتاب له لكي يضع الحدود بينهما، حيث ورد في كتابه الصادر سنة 2007، أن «الهيكلة القوية، بهذا القدر أو ذاك في الجزائر هو الجيش، ولكن علينا أن نميز بينه وبين المخابرات ، لأن هناك نزوعا للخلط بينهما. وأعتقد أن الاجهزة ذهبت بعيدا ، وقد حان الوقت لإصلاح الاشياء قليلا...» هذا الطرح يهمنا في المغرب كثيرا لأنه مرتبط بقضية المغرب الأولى، وأعتقد أن صاحب الكتاب سهر على أن يكون قارئه على علم بتشكل النخبة في الجزائر وبناء القرار فيها لكي يدرك كيف نخوض الحرب التي فرضت علينا من طرف الجار الشرقي. على كل، يتحدث الكتاب عن الظروف الداخلية والخارجية التي أطاحت بموضوع الصحراء الوطنية، كما ينقل الكثير من عناصر التحليل التي سادت وقتها .. لقد كان لقاء القمة بين الحسن الثاني وبومدين في افران في يناير 1969 احدى اللحظات الاساسية في تطور القضية، حيث تم الاتفاق وقتها، بعد 7 سنوات من استقلال الجزائر ،ست سنوات على حرب الرمال بين الجارين، لحظة متميزة حسب حسن العلوي، انتهي في نفس المدينة باتفاق الصداقة والتعاون، حيث تم اقبار مشكل الحدود. الواقع ان الاشياء تطورت بشكل مخالف للغاية فيما بعد، لكن اهم ما يذكرنا به الكتاب هو تصريح بومدين سنوات من بعد، إبان لقاء الرباط في 1974 ، حيث تمت قمة ثانية بين الحسن الثاني والمختار ولد داده حول الصحراء، وقال الرئيس الجزائري إن « المشكلة تهم المغرب وموريطانيا، واقول إنني متفق ولا مشكلة لي.. فإذا كان الشقيقان الرئيس والملك قد اختارا هذه الصيغة للتفاهم بين البلدين، سأكون من بين الذين يدافعون عن هذه الصيغة» كما ورد على لسان بومدين في تصريح للماروك سوار بتاريخ 16 نونبر 1977، اي بعد 4 سنوات على ما وقع. ومن هذا الجانب ليس ما ذكر الان هو الوحيد الذي جاء به الكتاب من أسرار ووقائع، يبدو أن الزمن أنسانا فيها. في باب الأسرار المنسية، قضية «الرجال الزرق» وتأسيسها من طرف ادوارد موحا، محمد الركيبي،الذي اعلن عن اسم حركة «الرجال الزرق» للمقاومة، والتي قامت على فكرة حركة «النظام »الداعية إلى تحرير الصحراء. وقد كان لإدوارد موحا مداخله لدى الدولة الجزائرية، بحيث كان يسخر مازحا بأنه الوحيد الذي كان يجرؤ على وضع قدمه في مكتب عبد العزيز بوتفليقة، على حد ما قاله الكاتب. وقد التحق بالجزائر في 1970 بعد القيام بأنشطة في الصحراء ضد الاسبان، كما كان يدين المغرب وطموحاته في الصحراء. بعد الجزائر جاء دور أوروبا كملجأ، ثم الدخول إلى المغرب ومن بين الطرائف أن الذي كان يهاجمه هو بول بالطا ، الذي سيصبح من الاصوات المدافعة عن المغرب! وفي معرص الحديث عن هذا الصحافي، نكتشف علاقة التوتر بين المغرب ويومية لوموند التي كان يشتغل فيها بول بالطا، ويقول الكاتب عن هذه العلاقات التفضيلية مع الجزائر جاءت بالرغم «من أن المغرب، وبأمر من جلالة الملك محمد الخامس، أشرك كل الادارات المغربية تقريبا في اليومية الباريزية» كما قال ذلك مديرها هوبير بوف ميري، في سنة 1972 لصاحب الكتاب. البوليزاريو يعتبر حسن العلوي أن البوليزاريو عملية سياسية خارجية لدى الجزائر، ويعود إلى سياق تأسيس البوليزاريو ويقول «في ماي 1973،كان الوالي مصطفى السيد، المنحدر من الركيبات، قد أعلن بنواكشوط عن ميلاد جبهة البوليزاريو يوم 27 من نفس الشهر. ولعل مسيرة هذه الحركة التي جاءت لتخدم حسابات الجزائر وجزئيا الحسابات الفرانكوية، هي أن الذي أسسوها من مواليد المغرب وبه كبروا « ويستشهد بقولة جون لا كوتور في الرد على احمد بابا مسكي، التي جاء فيها «يبدو لي أن قضية استقلال الصحراء أو الحق في تقرير مصير الصحراء الغربية تكتسي في العديد من جوانبها صيغة عملية لسياسة خارجية للجزائر»... البصيري سيدي محمد البصيري لم ينخرط في هذه الجوقة، وكان قد اسس في 1967 حركة تحرير الساقية الحمراء وواد الذهب، فهو كان رجلا وفيا ووطنيا،ولم يناضل من اجل استقلال الصحراء، بل دعا الى استقلال ذاتي مع ارتباط بالمغرب. لقد كان ايضا وراء ثورة الرملة التي تم قمعها بشراسة من طرف الجيش الفرانكوي. كما توفي في الزنازن الاسبانية في ظروف تطالب اليوم المنظمة المغربية بتوضيحها والكشف عن ملابساتها. القادة المؤسسون للبوليزاريو الثلاثة ، الوالي مصطفى السيد وشقيقه البشير ومحمد عبد العزيز القائد الحالي للبوليزايرو، انتموا في لحظة من اللحظات إلى التيار الماركسي اللينيني، وحتى ولو كان الوالي شديد التعلق في البداية بالسيد قطب، الزعيم الكاريزمي للإخوان المسلمين الذي أعدم في الستينيات من طرف نظام عبد الناصر. وقد كانت « الاحزاب السرية المغربية والإسبانية تعرف ذلك ولم تكن توليه اهمية خاصة» كما جاء في كتاب حسن العلوي. ويقول الكاتب أيضا أن الوالي كان في البداية ينتمي إلى التوجه الاستقلالي الذي كان يدعو على لسان علال الفاسي الى المغرب الكبير ، لكنهم قرروا اللجوء إلى المنفى بعد شعورهم بأنهم «لم يفهموا » وتم «التخلي عنهم». بعد ذلك ستتم العناية بهم من طرف الاجهزة الجزائرية، ونظيرتها في المعسكر الشرقي، بحيث كانت كوبا «ترسل المؤطرين الايديولوجيين، كما تبين ذلك وثائق المخابرات الامريكية التي تم الكشف عنها» قام البوليزاريو بتظاهرة كبيرة في 1974 بالعيون قمعتها السلطات الاسبانية، وتزامن ذلك مع استعادة الجزائر وليبيا للملف ولأعضاء البوليزاريو. ونكتشف أن «الوالي مصطفى السيد كان على بعد أنملة من الالتحاق بالمغرب، وحاول عدة مرات الاتصال بالمسؤولين المغاربة في طرابلس ، ولا سيما منهم السفير وقتها ادريس الفلاح، بدون نتيجة». وفي الوقت الذي بدأت ترتسم عودة الرجال الزرق الى المغرب، ظهرت حركة جديدة اسمها جبهة التحرير والوحدة، التي ضمت النازحين إلى وسط المغرب هربا من الجيش الاسباني ، والذي كان مؤتمر التأسيس باكادير قد سهر عليه أحمد الدليمي ، واختار له رشيد عمر كمسؤول معروف ، وهو طالب سابق في الرباط. ما يكشفه الكتاب من لقاء مع عمر رشيد تم في ابريل من السنة الجارية ، يستحق الانتباه اليه، لا سيما وأن معطياته تكاد تكون جديدة بالنسبة للرأي العام. ففي اللقاء يذكر المتحدث عن وصول عناصر من الجيش الفرنسي الى منطقته الاصلية باسربر، وكيف ان عناصره عرضت على شيخ من القبيلة الأموال على أن يقوم بإطلاق النار بعد أن يكون الجيش قد أنهى بناء طريق توصل إلى البحر ، تمر ما بين كليميم وبوزاكارن، على أن يؤدي الحادث إلى الإقناع بأن قبائل المنطقة ضد انتمائهم إلى المغرب. والحقيقة أن تلك كانت خطة فرنسية لعزل الصحراء في فضاء خاص تابع لفرنسا في أفق دولة الصحراء التي حلم بها دوغول. وهو الحلم الذي تبناه الجزائريون من بعد ، اي اطلالة على المتوسط، عبر الممر الذي عرضه من بعد الحسن الثاني على بومدين رحمهما الله معا. البونس إلى جانب الرجال الزرق، تم إنشاء حزب الوحدة الوطنية الصحراوية( البونس) التي يرى الكاتب أنه تابع لإرادة اسبانيا نفسها. كان الأمين العام وأمين المال في حزب «بونس»، وخلي هنا ولد الرشيد الذي التحق بالمغرب « بعد أن حمل معه جزءا من صناديق المنظمة» على حد قول الكاتب، وبعض من هؤلاء المنتمين إليه التحقوا بالبوليزاريو بعد عودته. يقول المؤلف أن خلي هنا توجه في 1975 إلى باريز ، وهو يحمل 6 ملايين فرنك فرنسي، من أجل شرح الاسس التي يبني عليها البونس قناعاته ويطرح من خلالها الحل في اتفاق مع اسبانيا. وقد «لاحظت الاجهزة التي كانت تتبع خطواته ، أنه دخل إلى مخدع هاتفي في المقاطعة الرابعة بباريز في ساعة متأخرة من الليل، وسمعوه يقول«أريد خطا موصولا بالمغرب، اربطوني بالرباط..». هذه التمايزات لعب عليها فرانكو ولعب بها ،وهو نفسه الذي سيشعر بنوع من الندم كما في حكايته مع مستشار الملك. ففي الكتاب يقول العلوي:« إبان لحظات الاحتضار، شعر فرانكو بلحظة من لحظات الضعف، وخلال حديثه وهو على فراش الموت مع احمد بنسودة و المبعوث الشخصي للحسن الثاني، يكون فرانكو قد اعترف أنه ظلم المغرب عندما سأله بنسودة:« ما اذا كان مستعدا للقاء ربه مع ما اقترفه في حق المغرب»؟ على كل لا تصنع الاسرار الكتاب أو الكتاب، بل تكون جزءا من بناء نتبه في أنه يحاول زن يلامس تطورات الصراع الخفي بين الجزائر والمغرب حول القضية الوطنية. ويمكن القول زن الكتاب توفق كثيرا في ذلك، من حيث تعدد المراجع وتعدد المعطيات، بالاضافة الى تسلس مقنع لجدور القضية وتطوراتها، اقليميا ودوليا وجهويا، منذ الاستعمار وماقبله الى حدود الآن..