نفى وزير الداخلية الجزائري نور الدين يزيد زرهوني علمه باعتقال أجهزة الأمن جاسوسا إسرائيليا في الصحراء الجزائرية الأسبوع الماضي. وقال زرهوني في تصريح للصحافيين على هامش اجتماع مع مسؤولين محليين تناول مشروع التحول إلى جواز السفر وبطاقة الهوية الإلكترونيين بداية من الشهر المقبل، الثلاثاء الماضي بالعاصمة الجزائرية "لست على اطلاع على هذا الموضوع". قال وزير الداخلية الجزائري، نور الدين يزيد زرهوني، إن السلطات لا تملك معلومات عن قضية المواطن الإسرائيلي الذي اختفى في صحراء الجزائر الأسبوع الماضي. وكانت مصادر قد رجحت اختطافه من طرف «القاعدة»، فيما أشارت تقارير إلى أنه جاسوس يعمل لحساب جهاز الموساد الإسرائيلي. وسئل زرهوني من طرف صحافيين أمس عن قضية مثيرة للجدل تتعلق باختفاء إسرائيلي بمنطقة حاسي مسعود (800 كلم جنوب العاصمة)، الغنية بالنفط، بالقرب من مكتب دراسات مصري متعاقد مع الشركات النفطية، فقال: «لست على اطلاع بالموضوع، وليس لدي معلومات عنه». وأثار هذا التصريح مزيدا من الغموض حول الموضوع الذي لم تتحدث عنه السلطات الجزائرية قط، رغم تداولها بكثرة من طرف وسائل الإعلام في العالم، وخصوصا الصحافة الإسرائيلية. وكانت وزارة الخارجية الإسرائيلية ذكرت في بيان أن مواطنا إسرائيليا اختفى في صحراء الجزائر، مشيرة إلى أنه يحمل الجنسية الإسبانية إلى جانب الجنسية الإسرائيلية. ونشرت «الشرق الأوسط» يوم الجمعة الماضي خبرا مفاده أن أجهزة الأمن فتحت تحقيقا لتحديد ظروف اختفائه، ونقلت عن محققين قولهم إن تنظيم «القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي» يحتجزه على الأرجح. واختلفت الروايات بخصوص القضية، فبينما تقول مصادر أمنية إنه جاسوس يعمل لحساب الموساد الإسرائيلي، دخل الجزائر عن طريق إسبانيا في مهمة تتصل بالحراك الذي تشهده منطقة الساحل الأفريقي، على خلفية اختطاف رعايا غربيين، أكدت تقارير أخرى أن السلطات اعتقلته وأخضعته للتحقيق بسبب جواز سفره المزور الذي دخل به إلى الجزائر. وأصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية يوم السبت الماضي بيانا جاء فيه أن المختفي ظهر، واتصل بعائلته في إسرائيل وطمأنها على حاله. وربطت مصادر مطلعة على الحادثة بين اختفائه وزيارة نائب مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي جون بيستول إلى الجزائر، السبت الماضي، على أساس أنه جاء ليستعلم حول مصيره. وللتذكير،فقد فتحت المصافحة الشهيرة بين الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الوزراء الإسرائيلي أيهود باراك أواخر 1999، المجال لزيارة وفود من البلدين لمدن رئيسية فيهما، اشهرها وفد صحافي جزائري زار إسرائيل بعد نحو عام من تلك المصافحة، بدعوة من الجمعية الإسرائيلية لتطوير العلاقات بين دول البحر الأبيض المتوسط وبرعاية وزارة الخارجية الإسرائيلية. وأمام معارضة داخلية واسعة لزيارة الوفد الصحافي الجزائري، شجب بوتفليقة نفسه الزيارة، ووصف من قام بها بالخونة قائلا إنها تمت مخالفة للقواعد والأصول. وبدا للمراقبين حينها ان بوتفليقة يحاول احتواء الغضب الشعبي الجزائري ضد الزيارة، وكان موقف بوتفليقة مدار تعليق بعض الصحف الجزائرية مثل صحيفة (ليه ماتان) التي طلبت من بوتفليقة توضيح لماذا صافح هو شخصيا باراك وتحادث معه لمدة 10 دقائق. وعندما عاد الوفد الصحافي إلى بلاده استقبل من مجموعتين من الجزائريين الأولى صفقت لهم والثانية كانت تندد بهد وبالزيارة. وفي حين كان الجدل يحتدم في الجزائر حول تلك الزيارة فان طرفا واحدا على الأقل كان سعيدا بنتائجها هو وزارة الخارجية الإسرائيلية التي عبرت عن رضاها بتلك النتائج وابلغ دافيد دادون رئيس قسم شمال أفريقيا في الوزارة آنذاك الصحافيين انه "ذهل من شدة الجدل الذي شهدته الجزائر بعد الزيارة، وخلاله عبر عدد كبير من الأحزاب والمؤسسات عن دعمهم العلني للوفد ولتعزيز العلاقات مع إسرائيل". وأضاف "إسرائيل لم تكن تتوقع أكثر من ذلك". وأخذت المصادر الإسرائيلية تكشف عن علاقات بدأت مع الجزائر على الأقل منذ أواسط ثمانينات القرن الماضي، وان لقاءات عديدة جرت بين عوفوديا سوفير سفير إسرائيل الأسبق في فرنسا ومسؤولين جزائريين، وانه توجد علاقات تجارية بين البلدين منذ عام 1994، حيث وصل الجزائر وفد اقتصادي إسرائيلي وقع اتفاقات معها. وأشارت تلك المصادر حينها ان البرت بن، المسؤول عن التعاون الإقليمي في وزارة العلوم الإسرائيلية هو عراب العلاقات مع الجزائر بخصوص التكنولوجيا المتطورة والزراعة الصحراوية، والتي تعتبر إسرائيل نفسها متقدمة فيهما. واشترت الجزائر أجهزة لكشف الحمل من إسرائيل، بسعر 1134 للوحدة، وأرسلت الشحنة للجزائر على أنها فرنسية وتم إيداع المال في بنك مغربي،حسب ما كتبه أسامة العيسة بتاريخ 23 ماي 2005 ب"إيلاف" في موضوع"دبلوماسية المصافحات تكشف العلاقات السريةّ. والمح بوتفليقة نفسه لعلاقات من هذا النوع مع إسرائيل، حين صرح خلال زيارته لمدينة جزائرية قبل اشهر من مصافحته لباراك "إذا كانت لدي مريضة في نزعها الأخير وأنا بحاجة لدواء لها يتوفر في صيدلية إسرائيلية، فلا اعرف ماذا كنتم ستفعلون، أما أنا فكنت سأقوم بشرائه منهم". ولم يكن بوتفليقة حينها محتاجا للشراء من إسرائيل لان الأخيرة "تحولت فعلا إلى صيدلية للجزائر" كما كتب جورج ماريون مراسل صحيفة لوموند في إسرائيل. ونشرت صحف فرنسية بعد مصافحة بوتفليقة وباراك الشهيرة، عن معلومات قالت إنها عن علاقات وثيقة بين إسرائيل والجزائر، وان تلك العلاقات لم تقتصر على المجال التجاري والتكنولوجي، وإنما المجال العسكري، بظهور ضباط من إسرائيل في الجزائر. ونفى ايغال فيرسلر مستشار باراك لمكافحة الإرهاب ذلك، بينما استمرت الصحف الإسرائيلية في نشر تسريبات عن تفاصيل العلاقات بين الجزائر وإسرائيل. وخلال سنوات الانتفاضة الفلسطينية، لم يحدث تحرك علني على صعيد العلاقات بين الجزائر وإسرائيل، حتى بدأت يوم الأحد 22 ماي2005، زيارة لأكثر من 250 يهودي إسرائيلي لمدينة تلمسان التي احتضنت اكبر من مجموعة من اليهود الذي طردوا من إسبانيا عام 1492م. كما كشفت صحيفة " كول هزمان" المقربة من المستوطنين اليهود في عددها الصادر في 31 12 2009 عن وجود علاقات بين الدولة العبرية والجزائر تنضج على نار هادئة منذ مدة طويلة وأن هذه النار آخذه بالتصاعد بقوة أكبر بواسطة وقود المصالح المشتركة. وقال الكاتبان الإسرائيليان "شاي لاهب" و"ياعيل إبسيرا": إنه بناء على تصريحات إسرائيلية وجزائرية هناك شعور بأن الأمر بداية لما أسمياه " حكاية غرامية" بين إسرائيل والجزائر يجد كل منهما صعوبة في إخفائها. ف"أليبا عوفاديا سوفير" سفير إسرائيل في فرنسا سابقًا والذي قام بإجراء لقاءات متطورة مع دبلوماسيين جزائريين يقول: إنه في اللحظة التي ستعطى فيها للمغاربة ... سيكون بإمكانهم أن يواجهوا ضغوط باقي الدول العربية وإنشاء علاقات رسميه مع إسرائيل، وعندئذ ستصبح العلاقات مع الجزائر أكثر دفئًا من العلاقات الموجودة مع أغلبية الدول العربية الأخرى على حد قول "دافيد دادون" مدير قسم شمال إفريقيا وسوريا ولبنان في وزارة الخارجية الإسرائيلية. وأشار الكاتبان إلى أن هناك جهود وساطة دبلوماسية بين الدولتين منذ أواسط الثمانينات، وقد ازدادت جدا منذ اتفاق أوسلو، وأضافا أن هذه العلاقات خرجت من "القمقم". منذ مدة من الزمن خلافًا للمسار الدبلوماسي. فمنذ العام 1994 توجد علاقات تجارية خصوصًا في المجال الطبي؛ حيث أرسلت إسرائيل للجزائر عتادًا طبيًا يشمل المضادات الحيوية والأجهزة الوراثية الجينية والمستشفيات القروية وغيرها، وفي المقابل يصل الممثلون الجزائريون إلى إسرائيل من أجل الاطلاع على المشاريع الاقتصادية والتعاون الأوسع نطاقًا. وأكد الكاتبان أنه وبعد شهر ونصف أي مع انتهاء شهر رمضان سيصل إلى إسرائيل وفد جزائري يضم مستشاري رئيس الحكومة الجزائرية، وبعد عدة أشهر أخرى سيتوجه وفد إسرائيلي إلى الجزائر وسيدرس هذا الوفد مشاريع التعارف في المجالات التي توجد لإسرائيل فيها قدرة متميزة مثل التكنولوجيا المتطورة والزراعة الصحراوية. وأشارت الصحيفة إلى أن عرَّاب هذه العلاقة هو (ألبرت بن أبو) المسؤول عن التعاون الإقليمي في وزارة العلوم، والذي طور نموذجًا لتعزيز العلاقات الدولية بين الدول... وأضافت الصحيفة أن الاتصالات تجري بين الدولتين في مسارات أخرى مثل الصحافة والثقافة، فأحد الصحفيين الإسرائيليين أكد أنه التقى مع نظرائه الجزائريين بمبادرة من جهات رسمية إسرائيلية. أما "أندريه يمشوالي" الكاتب الجزائري اليهودي الذي يسكن في القدس فيقول: إن عشرات الجزائريين يأتون إلى بيته سنويًا من الأوساط الأكاديمية والثقافية والنسوية. وأضاف الكاتبان أن مصافحة بوتفليقة لباراك كانت بمثابة الضوء الأخضر أمام هذه الزيارات، فهناك مثلاً العلاقات التجارية التي كشف النقاب عنها مراسل صحيفة " لوموند الفرنسية" جورج ماريان في مقالة نشرتها في يوليه الماضي. ويقول الصحفيان: إن الجزائر كانت الدولة الأولى التي اعترفت بالدولة الفلسطينية التي أعلنها عرفات قبل "11" عامًا في 15-11-88، وفي نفس السنة وافقت أيضًا على تعيين السفير الفلسطيني الأول في العالم لديها، ولكن ورغم هذا "الخط المتشدد" تجاه إسرائيل إلا أن الجزائر بدأت تغازل إسرائيل منذ الثمانينات، وكان سفير إسرائيل السابق في فرنسا التي تضم أكبر جالية جزائرية مشاركًا في هذه الاتصالات، وكان هدف الحوار دفع الجزائر للاعتراف بإسرائيل، وكانت خلاصة اللقاءات أن سوفير لاحظ أن الجزائريين "عمليون جدًا" وأنهم أرادوا الانطلاق نحو الحلبة الدولية -من خلال علاقتهم مع إسرائيل-. وأضافا أن الأزمات حظيت بدفعه جديدة بعد أوسلو، فخلال نشوة الاتفاقات التقى بيرس مع وزير الخارجية الجزائري في بوادبست، كما وافقت الجزائر على المشاركة النشطة في المحادثات متعددة الأطراف والسماح بدخول الإسرائيليين لأراضيها بشكل غير رسمي. وبعد اتفاق السلام مع الأردن بيوم واحد أعلن وزير الرياضة الجزائري عن إزالة الحظر على اللعب مع الرياضيين الإسرائيليين. وفي موازاة اتفاق أوسلو حدث عامل آخر عزز مصلحة الجزائر في إقامة علاقات مع إسرائيل وهو الحرب الأهلية هناك التي أرهقت الجزائر اقتصاديًا، وورطتها في ديون هائلة وهكذا تحولت إسرائيل إلى نقطة جذب للحصول على المساعدة في مجال مكافحة الإسلاميين بعد ابتعاد الغرب عن الجزائر المتدهورة. وفي عام 1996 ظهرت تقارير تفيد بأن إسرائيل أرسلت للجزائر ضباط احتياط عسكريين في إطار المساعدة بوساطة فرنسية. اما العلاقة الاقتصادية فقد بدأت عام 1994 حيث توجه الوفد الإسرائيلي الأول للجزائر للتوقيع على الاتفاق التجاري الأول، ومنذ ذلك الوقت تواصلت العملية، وفي نفس السياق انتشرت الشائعات حول بيع الغاز الجزائري لإسرائيل، وازدادت عام 96 عندما ذكر خبراء الغاز في لجنة المالية الإسرائيلية اسم الدول التي تشتري إسرائيل الغاز منها. @@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@@ حقيقة العلاقات الجزائرية الإسرائيلية د.عبد الرحمن مكاوي المؤرخون المتتبعون لتاريخ الشرق الأوسط الحديث، خاصة تاريخ تطورات الأحداث المتعلقة بالصراع العربي الإسرائيلي سجلوا تناقضات كثيرة في مواقف عدة دول عربية من القضية الفلسطينية، فلقد اكتشفوا أن الصهيونية العالمية و إسرائيل كانتا حاضرتين و بقوة في الوطن العربي قبل استقلال العديد من الدول العربية وبعده، فالماسونية العالمية التي لعبت أدوارا متعددة و خطيرة في بلورة و صنع النخب العربية و تحضيرهم، للقبول والتعامل مع دولة إسرائيل بعد الاستقلال، كانت لا تخفي علاقاتها العضوية و الإيديولوجية مع الصهيونية العالمية بداية من القرن التاسع عشر، مستعملة أدوات كثيرة و معروفة كالأحزاب الشيوعية و الأممية الاشتراكية و النقابات و مناهج التعليم و الجيوش، ووظفت في بعض الأحيان حتى الكنيسة الكاثوليكية لبلوغ أهدافها، في هذا الإطار فإن تاريخ الجزائر لا يخرج عن هذه القاعدة. و هكذا اعتمدت الماسونية منذ سنة 1880 وطيلة وجودها في الجزائر على بعض الزوايا و زعماء بعض القبائل، و على الأقلية اليهودية الجزائرية التي نجحت في استئصالها من محيطها العربي الإسلامي و البربري من خلال تطبيق قانون كريميو Cremieux الذي منح الجنسية الفرنسية إلى كل اليهود الجزائريين، مما جعلهم طرفا مباشرا في الصراع الداخلي في ما بعد. فالجزائريون انقسموا وقسموا من جراء هذا التدخل الاستعماري إلى فئتين : الأولى فرانكفونية لغة و تفكيرا و منظورا و سلوكا و لباسا، و الثانية عروبية إسلامية. من هذا الانقسام الإيديولوجي و اللغوي تسربت إسرائيل إلى الجزائر و عملت و لازالت على زرع الشقاق و الألغام داخل القطر الجزائري الشقيق، و هذا التسرب الإسرائيلي تجلى مباشرة بعد فاتح نوفمبر 1954 عندما انقسمت جبهة التحرير الوطني إلى جناح يساري لائكي مدعوم من طرف الشيوعية العالمية و الماسونية، تيار وجد صدى و دعما كبيرين عند الرفاق في موسكو و باريس و اسبانيا و إيطاليا و إسرائيل، طائفة كان هدفها فتح قنوات تعامل مع إسرائيل و الابتعاد عن التعويل على العرب و خاصة الابتعاد عن ثورة يوليوز الناصرية. أما التيار الثاني فكانت تقوده جمعية العلماء المسلمين بزعامة ابن باديس و الشيخ الإبراهيمي، اللذان كانا يناهضان هذا التوجه الذي نعتاه بالإلحاد و العلمانية آنذاك. كان من أهم قادة التيار الأول اليساري الماركسي السيد عبد الرزاق عبد القادر حفيد الأمير عبد القادر الجزائري، العضو البارز في الشعبة الماسونية المالطية ( Chevalier de l'ordre de Malte). فكان عبد الرزاق عبد القادر من الشخصيات النافذة و القوية في جبهة التحرير الوطني الجزائرية خلال الثورة، إلى جانب عبان رمضان الأمازيغي و ديدوش مراد و بن بلوعيد و آخرين، كان ينصح رفاقه بضرورة التقارب و لم لا الاعتراف بدولة إسرائيل، فكراهية عبد الرزاق عبد القادر للعرب و اللغة العربية وصلت إلى درجة مطالبته للثوار الجزائريين بعدم الاتكال على العرب في حرب التحرير ضد فرنسا، بل ذهب الى أبعد من ذلك في إحدى المناسبات في ألمانيا حينما قال بأن الثوار سوف يردون جميل الشيوعية العالمية و الماسونية عند استقلال الجزائر بسبب مساندتهم للثورة الجزائرية ضد فرنسا. فالسيد عبد الرزاق عبد القادر الذي كان من مؤسسي جبهة التحرير الوطني كان متزوجا من إسرائيلية من أصل بولوني و عاش معها في إحدى الكبوتزات (المستوطنات) الإسرائيلية التي بناها الحزب الشيوعي الإسرائيلي في الضفة الغربية. في سنة 1957، تعهدت جبهة التحرير الوطني الجزائرية على لسان فرحات عباس من منبر الأممالمتحدة عن مساندة الجبهة ليهود الجزائر بالهجرة إلى أرض الميعاد دون شروط أو عراقيل. و هنا بدأ الخلاف في الجزائر بين الجناحين المتصارعين داخل الجبهة، صراع لا زالت تداعياته قائمة إلى حد الآن. فبعد تصفية المناضل عبان رمضان من طرف العقيد بوصوف في مدينة العرائش المغربية، بدأ تراجع التيار الماركسي في جبهة التحرير الوطني الجزائرية، و حل محله تدريجيا التيار العروبي الإسلامي. و قد سجل المؤرخ ميخائيل لسكيارMichael laskier هذا الانقسام الذي كان سببه الأساسي هو الموقف من إسرائيل و الفرنكوفونية و العلمانية و الماسونية. من نتائج هذا التجاذب السياسي كذلك إقصاء المناضل فرحات عباس عن القيادة كما سجن عبد الرزاق عبد القادر حفيد الأمير عبد القادر سنة 1963 بسجن سركاجي بتهمة الخيانة العظمى و التخابر مع إسرائيل، تم نفي بعد ذلك خارج البلاد حيث انتهى به المطاف في إسرائيل، حيث دفن في إحدى المستوطنات بالضفة الغربية، و في هذا الإطار يقول المؤرخ الإسرائيلي من جامعة القدس "جوزيف أبتبول" أن حفيد الأمير عبد القادر والمناضل الكبير في الثورة الجزائرية اعتنق الديانة اليهودية و مات وهو يحمل اسما و هوية إسرائيلية. بعد استقلال الجزائر سنة 1962، بدأ التيار العروبي الإسلامي برئاسة المناضل بن بلة من التموضع في القضية الفلسطينية و الصراع العربي الإسرائيلي تدريجيا عن طريق تقزيم الحزب الشيوعي الجزائري و نفي بعض قادته، نظرا لوقوفهم مع الحزب الشيوعي الإسرائيلي في إطار الشيوعية العالمية. مرحلة حكم الرئيس بن بلة كانت مرحلة قصيرة، انشغلت الجزائر فيها بترتيب البيت الداخلي : إخماد ثورة القبائل المسلحة الزاحفة على العاصمة، إجهاض مشروع ترقستان في الجنوب، استكمال تصفية رموز اليسار الماركسي على حساب التقارب مع التيارين الناصري و البعثي. فبن بلة اتجه غربا خالقا نزاعا تاريخيا و إيديولوجيا مع المغرب، الذي كان يوضع في خانة الدول العربية الرجعية ، سياسة تهدف بالأساس إلى ضمان تماسك الداخل الجزائري عن طريق جر البلد المجاور إلى مواجهة عسكرية سميت بحرب الرمال سنة 1963 تحت عناوين وشعارات إيديولوجية. أما مشاكل الشرق الأوسط و على رأسها فلسطين، فجزائر بن بلة فوضت الأمر إلى حليفها عبد الناصر. فكان دعم بن بلة لعبد الناصر مقتصرا على الشعارات والبيانات الحماسية لا غير. "التصحيح الثوري" الذي أتى بالعسكر إلى الحكم سنة 1965 برئاسة المرحوم هواري بومدين شهورا بعد إعلان قيام الثورة الفلسطينية في فاتح يناير 1965، أدخل الجزائر على الخط تحت شعارها المشهور "نحن مع فلسطين ظالمة و مظلومة"، فالمرحوم هواري بومدين أراد أن يكون الفلسطينيون مستقلين عن الوصاية العربية، التي كانت في رأيه سبب اغتصاب فلسطين، كما كانت رؤيته تتمثل في أن تحرير الأرض لا يمكن تحقيقه إلا بالقوة، فكثيرا ما كان يردد في خطاباته الحماسية "إن ما أخد بالقوة لن يسترجع إلا بالقوة". في هذا الإطار يشير بعض مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية بان جزائر بومدين "أشبعتنا شعارات و عناوين فارغة"، فباستثناء بعض المساعدات العسكرية و المالية القليلة، فان الجزائر لم تتدخل إلا في الحقل الدبلوماسي لمناصرة الفلسطينيين. وهذا ما سجله بعض المؤرخين في حرب الستة أيام سنة 1967، حيث لم تحرك الجزائر فيها ساكنا إلا بعد إعلان وقف إطلاق النار، و سكوت الجزائر في مذبحة أيلول الأسود بالأردن. الأمران الوحيدان اللذان يمكن ذكرهما في هذا الصدد هو أن التيار العروبي البعثي الذي حكم في الجزائر من 1965 إلى 1980 ميز بين المواقف السياسية و المصالح الاقتصادية في علاقاته الخارجية، فالعلاقات الغير المباشرة مع إسرائيل استمرت تحت نار هادئة عبر شركات إسرائيلية في كندا و أمريكا و أوروبا و قبرص و اليونان وتركيا. خلال هذه الفترة، كان الإسرائيليون يدخلون إلى الجزائر و يقيمون فيها بجوازات أ وروبية و أمريكية، حتى أن الشركة الكندية التي بنت مقام الشهيد في العاصمة هي في ملك اسرائليين و كنديين. إن الوزير الأول في مقاطعة كبيك في السبعينات و الصحافي أثناء الثورة روني ليفسك ( (René Lévesque كان الوسيط بين اليهود الكنديين و الإسرائيليين من جهة و الجزائر من جهة أخرى. حقبة الرئيس الشاذلي بنجديد عرفت أول لقاءات سرية جزائرية إسرائيلية بوساطة فرنسية وأمريكية في أوروبا و أمريكا اللاتينية، لقاءات خصصت لميدان التعاون الاقتصادي، فإسرائيل باتت تبيع للجزائر الطماطم و البطاطس و القمح و الدواء و البذور عبر شركات إسرائيلية مقراتها في أوروبا.( انظر مذكرات احمد بوطالب الإبراهيمي). بعد الإطاحة بالشاذلي بن جديد من طرف المؤسسة العسكرية، و ما تبعها من حصار غربي للجنرالات، و رفض أغلبية الدول بما في ذلك دول المعسكر الشرقي بيعهم أسلحة متطورة لمجابهة الإرهاب ( إرهاب الجماعة المسلحة الجزائرية و جماعة الدعوة و القتال)، تحول جنرالات الجزائر إلى شراء الأسلحة من إسرائيل عن طريق البوابات التركية و الجنوب الإفريقية و من خلال السوق السوداء التي يسيطر عليها العملاء الإسرائيليون التابعون للموساد.(Marchands de la mort) فالتطبيع الجزائري الإسرائيلي هو أمر قديم حديث، و التحفظات المتعددة التي عبرت عنها الجزائر فيما يخص مشروع الإتحاد من أجل المتوسط و الذي أعلن عنه في الثالث عشر من شهر يوليوز في باريس كان موقفا غير صحيح و غير واقعي، فالجزائر كانت ترى في هذه المنظومة المتوسطية فرصة للتطبيع مع إسرائيل بشكل مرحلي و سري كما كتب الزميل الجزائري سليمان بوصوفة، "مواقف غير جادة و لا تعكس حقيقة العلاقات الإسرائيلية الجزائرية التي كانت تجري تحت الطاولة وفي سرية تامة و في أكثر من عاصمة غربية". أهم محطات هذه العلاقات هي مشاركة الجزائر في مؤتمر أنا بوليس للسلام الذي جرى في نوفمبر 2007 و ذلك بوفد رسمي يرأسه مندوبها في الجامعة العربية عبد القادر حجار. فالجزائر دولة غير معنية مباشرة بالصراع و لا تعتبر من دول الطوق. فكيف يمكن تفسير هذا اللقاء الرسمي الإسرائيلي الجزائري؟ و ماذا كان الهدف منه؟. إضافة إلى هذا الفصل من اللقاءات، نلاحظ أن لقاء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة و وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي أيهود براك في جنازة الملك الراحل الحسن الثاني في الرباط 25 يوليوز 1999 دشن سلسلة اللقاءات المباشرة بين الجزائر و إسرائيل، فاللقاءات الإسرائيلية الجزائرية أصبحت تمر في هدوء و في ظلام دامس، آخرها توج بزيارة وفد إعلامي جزائري إلى إسرائيل دون أن تحرك السلطات الجزائرية و الشعبية ساكنا، كما أن العلاقات التجارية تواصلت دون انقطاع بين البلدين عبر شركات أروبية يملكها إسرائيليون إلى درجة أصبحت الجزائر تستهلك أكتر من 5 مليار دولار سنويا من المنتوجات الصناعية و الفلاحية و الطبية الإسرائيلية. فصل آخر من تاريخ الجزائر مع إسرائيل ينبغي الإشارة إليه، هو قرار الرئيس بوتفليقة فتح قنوات مباشرة مع الجالية اليهودية في أوروبا و السماح لها بزيارة الجزائر تحت غطاء زيارة المقابر و الأضرحة المقدسة اليهودية، وهنا تجدر الإشارة إلى دور الحاخام هادنبريغ رئيس منظمة اليهود الفرنسيين (CRIF)في ترتيب و تدبير جميع العلاقات الجزائرية الاسرائلية في باريس و العالم. و قد أشارت مواقع وزارة الخارجية الاسرائلية إلى اللقاء الذي تم في العاصمة الفرنسية بين المناضل الكبير رئيس البرلمان الجزائري السابق البشير بومعزة و الحاخام الفرنسي هنري هادنبريغ، و التي كانت مناسبة لبحث سبل ترقية العلاقات الجزائرية الإسرائيلية، ولكن في إطار سري وغير معلن عنه وتحت الطاولة في انتظار الوقت الذي تكسر فيه العقدة النفسية عند المواطن الجزائري العادي الذي يرفض كل تطبيع مع الكيان الصهيوني. إن انضمام الجزائر إلى ميثاق برشلونة ثم إلى مشروع الإتحاد من أجل المتوسط هو إعلان غير مباشر عن التطبيع مع إسرائيل رغم التحفظات الأولية و ما تبعها من فلكلور إعلامي، فكفانا خداعا و نفاقا، و كفانا خطبا رنانة وكلمات معسولة وذر الرماد في العيون، فالتطبيع جزء لا يتجزأ و بالونات اختبار وجس نبض الشارع الجزائري اتجاه إسرائيل هي أساليب معروفة عند الجزائريين الشرفاء. أما فيما يخص موضوع علاقات إسرائيل مع المغرب البلد المجاور، و التي تجعل منه بعض المنابر الإعلامية الجزائرية مادة دسمة للقذف و التجريح و منبرا للسخرية، نقول إن للمغرب علاقات واضحة مع اليهود المغاربة في إسرائيل، علاقات تقوم على ركيزتين أساسيتين، الركيزة الأولى هي أن العلاقات تتم بصفة معلنة و في واضحة النهار، و من خلال جالية يهودية مغربية نشيطة، لازالت تحتفظ بجنسيتها و مصالحها في المغرب، بل تشكل أقوى الجاليات المغربية في الخارج، جالية تعتبر ملك المغرب ملكها، جالية وصل بعض أفرادها إلى مستوى المسؤولية في إسرائيل (وزراء و نواب) ، فاستقبالهم في المغرب يتم على أساس مغربيتهم ليس إلا. فالتواصل بين اليهود المغاربة و بلدهم الأصلي أمر طبيعي بالنسبة للشعب المغربي، تواصل أدى بالمغرب إلى إنشاء تنسيقية مشتركة لتدبير شؤون هذه الجالية التي تتصاعد أهميتها في إسرائيل و في العالم، إلى درجة مكنت المغرب بلعب دور الوساطة بين الأطراف المتنازعة في المنطقة : هذا لا يعني بتاتا أن المغرب قام بالتطبيع المجاني وتخلى عن التزاماته القومية، فهو مع مشروع السلام العربي و لازال، و يقوم بعدة إجراءات دبلوماسية هادئة لمحاربة كل تهويد لمدينة القدس خاصة حي المغاربة المعروف. كما أنشأ بيت مال القدس لمساعدة المقدسيين في البقاء في فلسطين و آخر عمل قام به المغرب و ذلك بطلب من حماس و بإلحاح ، هو تدخله لرفع الحصار عن قطاع غزة. إننا في الوطن العربي في حاجة ماسة لمواقف عربية واضحة من إسرائيل، لا إلى شعارات و خطب فارغة، فالجزائر تتزعم المقاطعة السياسية لإسرائيل في نفس الوقت الذي تعمل فيه على التطبيع اقتصاديا وذلك تحت الطاولة !!. د.عبد الرحمن مكاوي أستاذ العلاقات الدولية جامعة الحسن الثاني ....................................... المراجع: 1-جوزيف أبتبول : حفيد الأمير اليهودي –منشورات جامعة القدس 2- ميشال لسكيار فلسطين من المغرب إلى أوسلو 3- الطاهر الأسود: صحيفة القدس العربي – العلاقات الإسرائيلية-الجزائرية 4- سليمان بوصوفة : إسرائيل و التطبيع مع الجزائر –القدس العربي. 5-الصادق هدجرس الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الجزائري، العنف و السياسة : مجلة هرودوت رقم 77. 6-احمد طالب الإبراهيمي: سيرة ذاتية