بتوقيع حركة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير الازواد على اتفاق شراكة بالجزائر يقضي بتوحيد جهود الطرفين لوقف العنف والتفاوض مع السلطات المالية للتوصل لحل سلمي للأزمة في شمال مالي، تكون الجزائر قد حققت إنجازا كبيرا في سياق البحث عن حلول لضمان استقرار المنطقة وفق رؤيتها الاستراتيجية التي تفضل الحوار في تسوية الازمة، في الوقت الذي تعمل فيه بعض القوى الكبرى على فرض منطقها العسكري. ورغم أن هذا التوقيع جاء بعد إعطاء مجلس الأمن الضوء الاخضر لنشر قوة عسكرية مشتركة في مالي مع تحديد شروط مسبقة لذلك، إلا أن مساعي فرض التسوية السلمية لم تتوقف من قبل تنظيمات مالية تدرك جيدا عواقب التدخل العسكري الذي ستكون آثاره وخيمة على المديين القريب والبعيد، لا سيما على مستوى التركيبة الاجتماعية لهذا البلد الذي ستزيده الضربات العسكرية العشوائية تفككا، هذا بالاضافة إلى الجانب الانساني الذي من شأنه أن يكرس وضعا كارثيا في المنطقة قد يدوم لفترات طويلة ولعل في التجارب السابقة مثالا حيا عن ذلك. وأكثر ما يسجل في هذه الخطوة هو نجاح الجزائر في إقناع التنظيمين بتبني خيار السلم لاسيما وأنها أكدت في عدة مناسبات استعدادها لبذل كل الجهود من أجل استتباب الامن في شمال مالي، ولعل في احتضانها للقاءات سابقة دليلا على رؤيتها الاستراتيجية في استغلال كافة الفرص من أجل الابتعاد عن العنف الذي سيؤثر لا محالة على المنطقة ككل. كما أن قبول حركة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير الازواد بتبني خيار السلم والحوار مع السلطة المركزية بباماكو وفق اتفاق وقع بالجزائر، يبرز نجاعة الرؤية الجزائرية ودبلوماسيتها الهادئة التي تعاطت مع هذه الازمة دون ضجة. وهو الموقف الذي كان محل تساؤل من قبل بعض الاطراف المعنية بالنزاع على غرار التنظيمين اللذين رضخا للأمر الواقع من خلال التوقيع على هذا الاتفاق، حيث كثيرا ما دعيا الجزائر للجهر بموقفها من الازمة والتعريف بما تقوم به علانية لحل الازمة على غرار تقديمها الدعم المادي والتقني والتنسيق الاستخباراتي. غير أن هذا الصمت الذي دافع عنه وزير الخارجية السيد مراد مدلسي بالقول في إحدى المناسبات بأن „الدبلوماسية الجزائرية دبلوماسية أفعال وليس أقوال“ قد أثمر بجذب حركات معتدلة تنبذ العنف للمساهمة في تسوية النزاع في ظل التاثير الذي تحظى به على مستوى قبائل شمال مالي، ونجدها اليوم تتبنى المقاربة الجزائرية التي تصفها بالواقعية. وليست هذه المرة الاولى التي تساهم فيها الدبلوماسية الجزائرية في رأب الصدع في المنطقة، حيث سبق لها أن رعت اتفاق الجزائر الموقع سنة 2006 بين الحكومة المالية ومتمردي الطوارق في شمال مالي والذي يتضمن حلولا للمشاكل المطروحة بين طوارق مالي والحكومة، قبل أن تعصف به التطورات الاخيرة في هذا البلد بسبب عدم الالتزام به. في الوقت الذي يرى فيه محللون بأنه مازال فاعلا في حال التقيد به. ويمكن القول ان الدبلوماسية الجزائرية قد حققت انتصارا مهما في الوقت الذي كانت فيه تلام بسبب صمتها في التعاطي مع هذه الازمة وفق مبدإ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول مع حرصها على تشجيع الحوار وإيجاد حلول سلمية بين الماليين انفسهم للخروج من أزمتهم، مع عدم التقصير في مد يد العون باعتبار أن الجزائر تمثل العمق الاستراتيجي في المنطقة ككل . كما تجدر الاشارة إلى أن المقاربة الجزائرية بخصوص أزمة مالي قد حظيت بالاجماع من أغلبية القوى الكبرى لكونها تؤكد على أن يكون الماليون المبادرين الاوائل في البحث عن حلول لمشاكلهم على ضوء ثلاث نقاط أساسية. وتتمثل النقطة الأولى في أن الماليين هم الحلقة المحورية في البحث عن حلول لمشاكلهم وأن الأمر يتعلق بالمساعدة والدعم مع تعزيز إمكاناتهم الوطنية. أما الجانب الثاني فيتلخص في أن تتفق الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي على أجندة واحدة ومسار أوحد لجهودهم، يأخذ بعين الاعتبار إرادة الماليين وصلاحيات المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا وكذا مصالح الأمن الوطني لدول الميدان المجاورة لمالي (الجزائر والنيجر وموريتانيا). مع الاخذ في الحسبان مسؤوليات الإشراف والتنسيق المنوطة بالاتحاد الإفريقي في مجال الحفاظ على السلم والأمن والدعم المنتظر من الأممالمتحدة. أما بخصوص النقطة الثالثة فتتلخص في ضرورة التوصل إلى حل سياسي تفاوضي في أقرب الآجال الممكنة وذلك لتفادي أي انزلاق يجر معه الأطراف التي تنبذ بشكل صريح الإرهاب والجريمة الدولية المنظمة ويرفضون أي مساس بالسلامة الترابية لمالي. وكان ممثل الحركة الوطنية لتحرير الأزواد موسى أغ اتاهر قد وجه في وقت سابق رسالة للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، يؤكد أن حركة تحرير الأزواد طالبت باشراكها في المفاوضات لحل الأزمة في منطقة شمال مالي مشيرا إلى „أنه من غير المعقول تصور حل نهائي للنزاع وتحقيق سلم دائم“ دون إشراكها. وإذ ذهب في نفس اتجاه وجهة نظر الجزائر، فقد سبق للأمين العام للأمم المتحدة السيد بان كي مون ان حذر من تدخل عسكري في مالي الذي قال إنه „يمكن أن تكون له عواقب إنسانية خطيرة بما فيها عمليات نزوح جديدة ونقائص في المجال الإنساني“. ومن جهتها، تحرص الجزائر على ألا تأخذ الأزمة المالية بعدا أكبر رغم إقرارها بأنها ليست مع „الكل سياسي“، ويأتي تحفظها إزاء كيفية التعاطي مع هذا النزاع باعتبار أن حدودها مع شمال مالي ستكون مسرحا لسيناريو „أفغنة“ غير محسوب العواقب خاصة في ظل انتشار السلاح الليبي من جهة، وتحول المنطقة إلى معقل من معاقل الإرهاب وأهمها تنظيم القاعدة والتوحيد والجهاد. النص الكامل لاتفاق الشراكة وقعت الحركة الوطنية لتحرير الأزواد وجماعة أنصار الدين المسلحة، أول أمس، بالجزائر، على اتفاق شراكة هذا نصه الكامل: „إن مجموعة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحريرالأزواد إذ باشرتا يوم 21 ديسمبر 2012 بالجزائر العاصمة تحت إشراف الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبة تفكيرا معمقا حول الوضع السياسي والأمني في الأزواد على ضوء الظرف الدولي الحالي، ووعيا منهما بالأحداث الأليمة التي أدت بعد حكامة سيئة من طرف السلطة المركزية إلى تقسيم البلد ومست بشكل خطير بالسلم والأمن في مالي وعرضت سيادته ووحدته الترابية والوطنية للخطر وعرقلت جهود التنمية به ورغبة منهما في الوصول إلى حل شامل ودائم ونهائي للمشاكل المتكررة التي يواجهها سكان الأزواد ويراعي التنوع الجغرافي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ويؤكد فعلا وقانونا خاصية هذه المنطقة، وإذ تجددان التزامهما بالحوار مع السلطات المالية من أجل حل سلمي ودائم ونهائي للنزاع في إطار المبادئ الإسلامية بما يتوافق مع القيم الأصيلة لشعب الأزواد وفي ظل احترام كل الحريات الأساسية دون تمييز عنصري أو عرقي وكذا في إطار القواعد العالمية المرتبطة بحقوق الإنسان والحكامة ودولة القانون، وإذ تعربان عن التزامهما بترقية المصالحة وتوحيد الصفوف والانسجام والتسامح والحوار ضمن مجتمع الأزواد بكل مكوناته، وإذ تجددان رفضهما للإرهاب والجريمة المنظمة بكل أشكالها والتزامهما بمحاربتهما بحزم، وإذ تجددان إرادتهما الراسخة في تجسيد تطلعات شعب الأزواد مع تفضيل طريق الحوار والتسوية السلمية اتفقتا على مايلي: بأن ينفذا كل فيما يخصه الإجرءات الأولوية الآتية: 1 - الامتناع عن كل عمل من شأنه التسبب في إثارة مواجهة وكل شكل من الاقتتال في المنطقة التي يسيطران عليها وبذل كل الجهود من أجل ضمان احترام هذا الالتزام. 2 - الالتزام بتأمين المناطق الواقعة تحت سيطرتهما من خلال نشر قوات أمن متكونة من عناصر مجموعتيهما. 3 - تأمين المناطق الواقعة تحت سيطرتهما والعمل بما يسمح بإطلاق سراح كل شخص محتجز و/أو رهينة في المنطقة المعنية. 4 - العمل معا من أجل ضمان مساعدة إنسانية عاجلة للسكان المحتاجين. 5 - العمل على ضمان التنقل الحر للأفراد والسلع وإعادة بعث النشاطات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية. 6 - دعوة جميع الماليين إلى ضم جهودهم إلى جهود الطرفين من أجل تفادي كل الانحراف والإخلالات في الحكامة الذي أدت إلى المساس بالوحدة الترابية والوحدة الوطنية للبلد. 7 - توحيد مواقفهما وأعمالهما في إطار كل مسعى يرمي إلى البحث عن حل سلمي ودائم مع السلطات المالية الانتقالية مع ضمانات من الأطراف المعنية“.