سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
راشد الغنوشي: هناك تحريض على حرب شاملة في تونس رئيس حركة النهضة ل «الشرق الأوسط» : أحمد الله أن إعلامنا لا يُقرأ في الخارج بالكامل وإلا ما جاء سائح إلينا
أكد الشيخ راشد الغنوشي، رئيس حركة النهضة في تونس، الشريك الأقوى للتحالف في البلاد، أن هناك تحريضا على حرب شاملة في تونس، وأن هناك طرفا معاديا للثورة يريد تدميرها من خلال تفجير التناقضات، بحيث ضرب السلفيين بالنهضويين، وضرب النهضويين بالسلفيين، وأن «الثورة المضادة من مصلحتها تفجير التناقضات في تونس في وجه الحكومة». وأضاف أن «هناك توجهات سياسية وإعلامية تدفع باستمرار إلى التشاؤم وإعطاء مشهد قاتم لتونس، مع أن المشهد العام فيها هو مشهد استقرار وتنمية وحرية، حتى وإن كانت الحرية تمارس بمبالغات وبعض التجاوزات». وبالنسبة لعمل الإعلام التونسي الذي يؤخذ عليه أنه يعمل ضد الحكومة، قال الغنوشي ل«الشرق الأوسط» إنه «عندما تكون هناك مبالغة في تضخيم السلبيات حتى تغطي كل المشهد ولا يرى أي شيء إيجابي تنجزه الحكومة، وأحيانا أقول أحمد الله أن الإعلام التونسي لا يُقرأ في الخارج بالكامل وإلا ما جاء سائح لتونس، وكون تونس أتاها 5 ملايين سائح هذا العام فهذا دليل على أنهم لا يقرأون إعلامنا». «الشرق الأوسط» التقت الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية، على هامش زيارته للندن، وكان لنا معه حوار هذا نصه.. * بعد سنتين من انطلاق الثورة في تونس، هل ترون أنها في طريق تحقيق أهدافها؟ - هي كذلك إن شاء الله، فرغم أن الثورة حديثة، والديمقراطية التونسية التي أنتجتها الثورة هي بصدد الاحتفال بعيدها الثاني، فإن هذه الديمقراطية لها سبق زمني وعلى مستوى الإنجازات.. فخلال سنتين صمدت هذه الثورة في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، واستطاعت أن تنجز انتخابات للمجلس الوطني التأسيسي الذي أعد مسودة للدستور وهي بصدد المناقشة، كما تمكن المجلس من إنتاج حكومة ائتلافية هي أيضا الأولى من نوعها من حيث أنها جمعت بين التيارين الإسلامي والعلماني، وتمكنت هذه الحكومة من تحقيق عدة إنجازات خاصة على صعيد التنمية. والهدفان الأساسيان للثورة هما الحرية والتنمية، لأنها جاءت ضد الاستبداد والفساد، وبالنسبة للهدف الأول فهو الحرية فإن التونسيين يتمتعون اليوم بحرية لم يتمتعوا بها في تاريخهم من قبل، فليست هناك صحيفة مقموعة، وليست هنالك محاكمات سياسية، أي محاكمة للناس من أجل آرائهم، فلم يعد هناك تونسي يحاكم على آرائه، ولا صحيفة تمنع، ولا صوت يكمم، والمجتمع المدني يعمل بكل طاقاته. والهدف الثاني الذي هو التنمية ليس من المنتظر أن يتحقق في سنة أو سنتين أو حتى 10 سنوات، فحجم التخريب هائل، وحجم الفوارق بين الجهات هائل، والحكومة وضعت برنامجا للتنمية يعتمد على النموذج التنموي المجتمعي الذي يشجع على الاقتصاد الاجتماعي لإرساء بنية تحتية قوية يمكن من خلالها للمناطق الضعيفة تنمويا أن تغري وتستقطب الاستثمارات، باعتبارها محرومة منها بسبب ضعف البنية التحتية التي كانت تمركزت خاصة في المناطق الساحلية وتركت المناطق الداخلية خالية من المشاريع وعبارة عن خراب، فهنالك برنامج شامل لمد الطرق السريعة لهذه المناطق ومد خطوط السكة الحديد لها، وكذلك نتوقع أنه رغم استمرار البطالة فإنها انخفضت قليلا وليست في تفاقم، وتوافر خلال سنة من عمل الحكومة أكثر من 100 ألف موطن شغل، فالبلاد على طريق التنمية بعد أن عرفت سنة زراعية خصبة، وسنة سياحية ناجحة، وسنة صناعية جيدة أيضا، وسنة دراسية موفقة كذلك، والعلم هو رأسمال التونسيين الأساسي، فكل هذا يجعلني أقول إن الثورة في طريق تحقيق أهدافها. كما أن مشروع العدالة الانتقالية بصدد الانطلاق في عمله بعد أن تمكنت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية من إعداد مشروع للغرض وإعداد الملفات اللازمة، وهذا المشروع معروض الآن على المجلس الوطني التأسيسي وهذا أيضا من أهداف الثورة، وهي محاسبة المظالم التي تراكمت خلال السنوات الخمسين الماضية في تونس، وهذا المشروع ليس لتنتصب المشانق، ولا من أجل إعدامات في الشوارع، وإنما لتتم تصفية مظالم الماضي عن طريق القضاء، وبهدف المصالحة وليس الانتقام، عبر كشف الحقائق وجبر الأضرار، انتهاء بالمصالحة بطرق قضائية وليس بطرق انتقامية. * هل ترون أن الشعب التونسي في المرحلة الحالية يتمتع بالوعي الكافي للتعامل مع الأوضاع الجديدة أم أنه فريسة سهلة للمتلاعبين سياسيا؟ - عندما تمكن هذا الشعب من إنجاز ثورة فإن هذا يدل على تعبير معين هو أن 50 سنة من سيطرة الحزب الواحد والزعيم الأوحد على الإعلام وعلى القانون وعلى الثقافة والاقتصاد، كل هذا لم يفلح في السيطرة على هذا الشعب الذي تمكن من أن يتمرد على كل السجون التي فرضت عليه وأن ينجز ثورة، وهذا تعبير صريح عن أن كل أنواع الخداع لن تنطلي عليه، فهو شعب واع. * هل خيبكم الشعب التونسي الذي ناضلتم من أجله طوال حياتكم؟ - لم تغادرني القناعة يوما بأن هذا الشعب سينجز ثورة، وأن كل ألوان الضلال والتضليل التي سلطت عليه لن تنجح في خداعه عن الحقيقة. * بعيدا عما ينقله الإعلام، والذي وصف بأن فيه مبالغات، ما هي المشاكل الحقيقية والواقعية التي يواجهها الشعب التونسي؟ - تونس تعيش مرحلة انتقالية من الاستبداد إلى ديمقراطية مستقلة، وكل مرحلة انتقالية تشهد قدرا من الاضطرابات، ففي البلاد هناك قدر من الاضطرابات، لكن بالقياس إلى غيرها تعتبر قليلة، والشعب يواجه مشكلات معيشية خاصة، وهناك غلاء للأسعار وبطالة، وقدر من الممارسة للحرية غير منضبطة، فالذين كبتوا خلال 50 سنة ثم أطلقت حرياتهم دفعة واحدة يحتاجون إلى وقت حتى يمارسوا هذه الحرية بمسؤولية، لكن الشعب مبتهج بما يتمتع به من حريات فقدها لأمد بعيد ويتطلع إلى ضبط هذه الحرية فتصبح حرية مسؤولة, والمشهد العام في تونس هو مشهد تفاؤل واستبشار بهذه الثورة واستبشار بالمستقبل، ويشعر التونسي بأنه يعيش صعوبات نتيجة مرحلة التحول، لكنه يتحمل ثمن ما يتطلع إليه من ديمقراطية، فالديمقراطية لا بد لها من ثمن والتونسيون يدفعون ثمن حريتهم. * تسلمتم كما الرئيس التونسي المنصف المرزوقي جائزة المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية «تشاتم هاوس»، على حسن التنسيق والتوافق في العمل بينكم رغم الانتقادات لبعض الأشخاص من «النهضة» بمحاولة فرض آرائها على حكومة «الترويكا».. - الحكم الإئتلافي من أصعب أنواع الحكم، لأنه يصعب التوفيق بين التوجهات المختلفة، ومن الطبيعي أن تكون هناك خلافات، وهذه التجربة حتى الآن وبعد سنة تعتبر ناجحة لأنها تمكنت ولأول مرة في البلاد من جمع ثلاثة تيارات مختلفة لتأليف حكومة واحدة، بينما عرفنا هذه التيارات منذ 50 سنة في صراع وفي تنافس، فأن تجتمع في حكومة واحدة فهذا هو المعنى الذي يحتذى به، والجائزة سلمت تأييدا لهذا الإنجاز في العالم العربي، والتياران ظلا في صراع دموي، وتونس بينت أنها يمكن أن تجمع بين هذه التيارات في حكومة واحدة، فإذا كان يمكن أن تكون هناك صعوبات فهذا أمر مفهوم، لكن الإرادة لدى الشركاء الثلاثة إرادة عازمة مصممة على استمرار هذه التجربة وإنجاحها وتوسيعها، ولم لا يتم ضم تيارات أخرى؟! * ما تقييمكم لأداء الحكومة حتى الآن؟ - عملها معقول بالقياس إلى الظروف التي تأسست فيها، فخلال سنة من العمل تسلمت الحكومة الاقتصاد التونسي وهو في وضع صعب جدا بنسبة سالبة تصل إلى 8 في المائة تحت الصفر، والآن نسبة النمو تفوق 3 في المائة حسب المعهد القومي للإحصاء، وهذا إنجاز، والبطالة كانت في حالة تفاقم وزيادة، الآن البطالة في حالة انكماش، ووفرت الحكومة ما لا يقل عن 100 ألف موطن شغل خلال هذه السنة، وهناك 25 موطن في الآفاق وستستوعبها الوظيفة العمومية، كما أن هناك إنجازات على صعيد المجلس الوطني التأسيسي، وتقدما في إنجاز الدستور. * التشويش السياسي والإعلامي على عمل الحكومة والذي اشتكيت منه في مناسبات متعددة، من وراءه؟ - ما تمر به بلادنا تجربة جديدة وممارسة للحرية ليست لنا فيها ثقافة وتقاليد راسخة، نحن عشنا أكثر من 50 سنة في الاستبداد، فأن ننتقل دفعة واحدة إلى الحرية فهذا يحتاج لأن تترسخ وتتراكم عندنا عادات لتصبح ممارسة الحرية ممارسة مسؤولة، فما يحدث مفهوم. كما أن هناك قوى مضادة للثورة، وهي من العهد الماضي وتريد أن تعود، وتسعى لأن تثبت أن التجربة فاشلة، ومن أجل العودة إلى الماضي لا بد من إقناع التونسيين بأنهم أخطأوا إذ قاموا بالثورة، وبالتالي لا بد من إعاقة كل عمل ناجح حتى يُحكم على الثورة بأنها خاطئة، وأن التونسيين ما كان عليهم أن يثوروا، وبالتالي نرى أن هناك توجهات سياسية وإعلامية تدفع باستمرار إلى التشاؤم وإعطاء مشهد قاتم لتونس، مع أن المشهد العام في تونس هو مشهد استقرار وتنمية وحرية، حتى وإن كانت الحرية تمارس بمبالغات وبعض التجاوزات، لكنها تبقى تجاوزات مفهومة في مرحلة انتقالية. * مشروع «تحصين الثورة» الذي سيقدم للمجلس التأسيسي هل هو ضربة أردتموها لحزب «نداء تونس» المعارض الذي يعتبر من أهم تكتلات المعارضة؟ - مشروع «تحصين الثورة» قدمته 5 كتل في البرلمان من جملة 7 كتل، ومعها عدد من المستقلين، وهو ليس موجها ضد حزب معين، ف«نداء تونس» هو حزب معترف به وليس كله مكونا من رجال العهد القديم، فهو خليط من يساريين وقوميين وبعض الحزبيين القدامى، وككل قانون «تحصين الثورة» طابعه ليس موجها ضد شخص معين ولا لحزب وإنما بهدف حماية الثورة من أن يلتف حولها من قامت عليهم، حيث إنها قامت على العهد القديم، وقامت على حزب التجمع، فليس معقولا أن يسمح ل«التجمع» بأن يعود ليحتل مواقعه من جديد، فكل ثورة تدافع عن نفسها ضد خصومها، وللتذكير فإن الثورة الفرنسية، وجزء من نخبتنا خلفيته فرنسية، واجهت حركات ردة حتى عاد النظام الملكي وتحولت إلى إمبراطورية ولم يستقر أمرها حتى نحو 100 سنة تقريبا، وحتى الآن ممنوع تكوين حزب ملكي في فرنسا. فكل ثورة من حقها أن تدافع عن نفسها، والثورة التونسية ثورة سلمية حيث لم تعلق المشانق لأحد، وكل المسجونين الآن من مساجين العهد القديم هم 10 أو 12 شخصا، وبين الحين والآخر يتم إطلاق سراحهم، لكن في الوقت نفسه لا ينبغي أن يقع التطاول عليها والالتفاف حولها وعودة النظام القديم وكأن ثورة لم تقع. هذا الحظر السياسي لا يعني عقوبة جماعية، فالعقوبة طابعها فردي، ولن يحاكم رجال العهد الماضي بالجملة، وهو فقط تحصين سياسي للثورة وليس عقابا جماعيا لأن المحاكم تتعامل مع الناس أفرادا، فمن سيحاكم هو من ارتكب جريمة في حق الشعب، وعذب مثلا، ونهب أموالا، أو زيف انتخابات، ولكن لن يسجن الناس بالجملة، والقضاء هو الطريق إلى العقاب. * في حوار سابق معكم لصحيفتنا «الشرق الأوسط» قبل نحو عام، قلتم عن السلفيين في تونس إنهم أبناؤنا، وإنكم بدأتم حياتكم بنفس الأفكار التي يحملونها ثم وجدتم أنكم تعودون لطريق الاعتدال، وإن نفس الشيء سيقع معهم، وإنه يجب تفهم أمرهم وإنهم سيعودون لطريق الاعتدال.. هل تثقون في أن هذا سيحدث بالفعل وأنهم يحملون وعيا بحجم ومستوى وعيكم؟ - نحن هنا لا نتحدث عن ظاهرة شخصية، لكن نتحدث عن مجتمع تونسي طبعه الاعتدال، وأي حركة تنشأ في تونس ليكون لها مستقبل لا بد أن تتلاءم مع هذا المزاج، وإذا لم تتلاءم فسوف يتم تهميشها، فهناك حركات يسارية متشددة وحركات إسلامية متشددة، لكن المجتمع التونسي استوعبها في الأخير وتلاءمت معه، وفي المجتمعات الغربية أيضا نشأت حركات متطرفة ويسارية ويمينية عنيفة في ألمانياوفرنسا وإنجلترا، وفي الأخير الديمقراطية الغربية استطاعت أن تستوعب هذه التيارات، فالتيارات اليسارية المتطرفة في أوروبا استطاعت الديمقراطيات أن تروضها، وأن تدمجها، وكذلك السلفيون في مصر، حيث نشأت الحركة السلفية في غياهب السجون وبعد صراع دام 30 أو 40 سنة دُكت خلاله فنادق وقُتل مسؤولون كبار، لكن في النهاية نرى السلفيين المصريين ينتظمون في أحزاب تعمل في إطار القانون والسلمية والديمقراطية، فلماذا لا نقبل أن نتصور أن يحدث ذلك للشباب السلفي التونسي الذي أنتجته ظروف قهرية، جمعت بين القمع والإقصاء والاستبداد وتغييب المرجعية الدينية التونسية مثل جامع الزيتونة حيث وقع نسف هذه المؤسسة مما جعل تونس من دون مرجعية دينية وجعلها أرضا منخفضة تهب عليها الرياح الحارة السموم من الخارج؟.. لماذا لا نتصور أنه في ظل الحرية التي تتاح لهؤلاء ومع الحوار من طرف العلماء ومع توفير التنمية، لأننا نلاحظ أن معظم هؤلاء ينشأون في الأحياء الأفقر.. لماذا لا نتصور أن تونس ستستوعب أبناءها هؤلاء كما سبق أن استوعبت من سبقهم من اليساريين واليمينيين؟! لكن هناك تحريضا على حرب شاملة في تونس. * من مصلحته أن يحرض على حرب شاملة في تونس؟ - هناك طرف معاد للثورة ولذلك يريد تدميرها من خلال تفجير التناقضات، بحيث يتم ضرب السلفيين بالنهضويين وضرب النهضويين بالسلفيين، والثورة المضادة من مصلحتها تفجير التناقضات في تونس في وجه الحكومة والجهات الأخرى التي تنتمي للمعارضة السياسية. * هل لأطراف خارجية مصلحة في إفشال الثورة في تونس؟ - لا شك أن هناك أطرافا من مصلحتها ذلك، ليست جهة محددة ولكن من هم مستاؤون من ثورات الربيع العربي، وليسوا سعداء بنجاح الثورة. * المشكلة بين الحكومة والإعلام، هل تحولت إلى حرب؟ - ليس إلى هذا الحد، ولا نتحدث عن الإعلام بالجملة، فالإعلام متنوع ومتعدد، وعادة وفي كل مكان الإعلام طبعه نقدي، لكن عندما تكون هناك مبالغة في تضخيم السلبيات حتى تغطي كل المشهد ولا يرى أي شيء إيجابي تنجزه الحكومة، مما يجعل المشهد وكأن تونس متجهة إلى مأزق وإلى الغرق، فإننا نعتبر هذا ممارسة غير مسؤولة، خاصة عندما يصل الأمر إلى حد تشويه الصورة، وأحيانا أقول أحمد الله أن الإعلام التونسي لا يُقرأ بالخارج بالكامل، وإلا ما جاء سائح لتونس، فكون تونس أتاها 5 ملايين سائح هذا العام فهذا دليل على أنهم لا يقرأون إعلامنا. * الحكومة كيف ستواجه هذا الوضع، هل ستتصرف بحزم أكبر لضبط الأمور؟ - ينبغي تطبيق القانون.. والحكومة لا يسعها أن تتصرف خارج القانون، وينبغي أن يكون هناك ميثاق شرف إعلامي يحفظ حرية الإعلام ويجعله مسؤولا عن مصالح البلاد العليا فلا تتعرض للتهديد، ولكن هذا ينبغي أن يصدر عن الإعلاميين أنفسهم وليس من خارجهم، وينبغي للحكومة أن تكون قادرة على التعريف بإنجازاتها عبر وسائل وأدوات تواصل مع شعبها حتى يعلم ماذا تنجز. وفي النهاية أحسب أن الحرية تنظم نفسها بنفسها، وسيكون المشهد الإعلامي متنوعا لأن الحرية هي بطبيعتها تخلق المنافسة والتعدد، وهذا وقت عابر وسيكون مشهدا في ظل ديمقراطية مستقرة. * حقيقة العلاقة بين تونس وقطر، وما يتداوله ساسة ومنتقدون من أن البلاد بدأت تفقد سيادتها مع تكثيف التدخلات القطرية، وما زاد من هذا اتفاقية التعاون العسكري الأخيرة بين البلدين والتي تنص على انتداب عناصر تونسيين في صفوف الجيش القطري.. هل سيصبح أبناء تونس «مرتزقة»؟ - الحديث عن استعمار قطري من المضحكات ومن المهازل، ومن الاستخفاف بعقول الناس أن يتصور أحد أن قطر ستحتل تونس، وإنما هذا يندرج ضمن خطة تجفيف الينابيع، وكل جهة متوقع منها أن تدعم التحول الديمقراطي، والحكومة القائمة ينبغي شيطنتها، وتتم الآن في تونس من طرف بعض الجهات شيطنة تركيا لأنها تدعم الحكم القائم في تونس، وشيطنة قطر لأنها تفعل ذلك، وشيطنة حتى الاتحاد الأوروبي لأنه رفع من مستوى الشراكة مع تونس فأصبحت هذه الشراكة «إمبريالية»، فلما جاءت الحكومة الآن واحترمت الحرية وحقوق الإنسان وتم الترفيع في مستوى الشراكة لم يفرحوا بها وإنما تحول هذا إلى إمبريالية، وبالأمس لم يعارضوا الاتحاد الأوروبي لأن حكم بن علي كانت فيه سيطرة. فهناك منزع عدمي في التعامل مع سياسات الحكومة، ومطلوب في كل الأحوال إسقاطها وقطع كل شريان يمكن أن تتغذى منه الحكومة.. ومثلا شركة للتنقيب للنفط والغاز كشفت أن هناك موردا للغاز في أقصى الجنوب فيمكن لبلد فقير من الموارد مثل تونس أن يستفيد منه، فتم شن حملة لتجريم لهذا المسعى الذي يمكن أن يستفيد منه الاقتصاد التونسي. هناك منزع ضمن سياسة تجفيف الينابيع، وكان بن علي من قبل يشن حملة على حركة «النهضة» اسمها سياسة تجفيف الينابيع، وهم يشنون نفس الحملة، بتجفيف الينابيع وكل مورد يمكن أن تستفيد منه الحكومة والشعب. هناك رهان على إفشال هذه الحكومة وإسقاطها في الشارع وبالوسائل غير القانونية، مع أن إسقاط الحكومة في الديمقراطيات ليس صعبا، فيكفي أن تتجه لصندوق للبرلمان وتسحب الثقة، فإذا حصلت على الأغلبية تسقط هذه الحكومة. أو تنتظر حتى موعد الانتخابات، وليس إسقاطها في منتصف الطريق عبر العمل على تشويه صورة البلد وتجفيف موارده الداخلية والخارجية. قطر بلد صغير أسهم في ثورات الربيع فكبر من خلال ارتفاع أسهمه، فقد كان ل«الجزيرة» إسهام كبير في التعريف بالربيع العربي والتعريف بالزعماء، زعماء هذه الثورات، وبالتالي هي شريك من خلال الدور الإعلامي الذي كسر التعتيم حول المعارضة، التي كان معتما عليها إلا من خلال الإعلام الرسمي الذي يشيطنها، وجاءت «الجزيرة» وهتكت ستر هذه الأنظمة وأصبح للمعارضين صوت. قطر مدت يد المساعدة لدول الربيع العربي وساعدت الثورة في ليبيا وفي تونس وفي مصر وفي اليمن، إذن من المفروض أنه لا مشكلة، وقطر اليوم عندها 10 أو 12 مشروعا اقتصاديا في تونس. وفي الحقيقة حجم مبادلاتنا مع قطر لا يساوي 1 في المائة من حجم مبادلاتنا عالميا، نحن 80 في المائة من حجم مبادلاتنا مع الاتحاد الأوروبي، فما وزن قطر في هذا المشهد العام، ولماذا التضخيم؟! أما الحديث حول الجنود التونسيين والاتفاق مع وزارة الدفاع أن فريقا من الجيش التونسي سيساعد الجيش القطري فمثل هذا الاتفاق قديم مع قطر وليس جديدا أصلا، وموقع مع دول أخرى. * وماذا بشأن علاقة تونس مع السعودية؟ - علاقة طبيعية، وهناك تعاون بيننا، ووقعنا عدة اتفاقات مع المملكة العربية السعودية عبر صندوق التنمية السعودي بمئات الملايين من الريالات خلال الأشهر الماضية، وهناك زيارات متبادلة على أعلى المستويات. كما زار رئيس حكومتنا المملكة واستقبل استقبالا حافلا، وتم توقيع عدة اتفاقات. * ما يحدث في سوريا أريد رأيكم فيه كمفكر وسياسي، وما هو السيناريو المحتمل؟ - هذا جزء من مسار الربيع العربي، ولن يكون مصير ثورة سوريا إلا ما كان لبقية الثورات من انتصار إن شاء الله، فالشعب السوري عريق في حضارته، وهناك ثورة عميقة جدا وواسعة جدا، ولن يكون لنظام بشار إلا ما كان لنظام مبارك وبن علي وغيرهما، ونتوقع سقوط النظام السوري لا محالة وأراه رأي العين المحتوم. وما أعجب له هو الدعم الذي يلقاه بشار الأسد، ليس من روسيا ومن الصين فحسب، بل ما يلقاه من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ونتوقع من دولة هي سليلة ثورة أن تكون داعمة لكل الثورات كما دعمت الثورة الفلسطينية.. نتوقع من الجمهورية الإيرانية أن تكون إلى جانب الثورة السورية، لأن بشار الأسد سيزول وسيبقى هناك شعب سوري، فحري المراهنة عليه وليس المراهنة على ديكتاتور لا يختلف عن الشاه. * وماذا عن الانتخابات وحظوظكم مع التحالفات؟ - لسنا مستائين من اتجاه الأحزاب إلى التجمع، بل نرى الوضع الطبيعي أن تتجمع هذه الأحزاب لأن تونس ليس فيها 150 مشروعا لتؤسس 150 حزبا، هناك 3 أو 4 مشاريع، فالطبيعي أن يكون في تونس 3 أو 4 أحزاب أو حتى حزبان، وبالتالي فاتجاه الأحزاب للتجمع هو الاتجاه الطبيعي الذي يحقق المصلحة الوطنية والتحول الديمقراطي حتى يكون الأمر كما هو الشأن في الديمقراطيات العريقة، أن ينتقل الحكم من حزب إلى حزب معارض أو ثلاثة أحزاب على الأكثر كبرى، ونحن لسنا في خشية من هذا التوجه. أما عن حظوظنا في الانتخابات القادمة فهي كبيرة بإذن الله، وعقلاء تونس وكل المحللين لا يتصورون أن إدارة تونس في المستقبل على الأقل القريب والمتوسط ستكون بعيدة عن «النهضة». * هل اطلعتم على مسودة الدستور، وهل أنتم راضون عنها؟ - نعم، هي تجسد حلم التونسيين منذ القرن ال19 في إرساء نظام سياسي يجمع بين قيم الإسلام والحداثة، ودولة الاستقلال فشلت في ذلك، والاستعمار الفرنسي أجهض ذلك الحلم، وكان الأمل أن يتجدد الحلم مع الاستقلال لكن لم يحصل ذلك، وقد كان استقلال البلاد على حساب قيم الحداثة وقيم الإسلام معا، فلا احتُرمت الحرية، ولا احتُرم الإسلام. الثورة قامت أيضا على الاستبداد والفساد تأسيسا على قيم الإسلام والحداثة، والدستور يجسد ذلك الحلم، لأن التونسيين مؤهلون لأن يدخلوا عالم الحداثة من باب الإسلام وليس من باب التمرد على الإسلام كما المشروع البورقيبي. * يُطرح في مجالس إعلامية ومواقف بعض السياسيين أن الشيخ راشد الغنوشي هو خميني تونس.. - هذه أوهام يصطنعها بعض الناس للإساءة لمشروعنا، والبعض الآخر يتداولها جهلا وتوهما، لأن حركة النهضة حركة حديثة وليست حركة صوفية تتمحور حول شيخ، ولا هي حركة شيعية تتمحور حول ولاية الفقيه.. فهي حركة سنية وحركة ديمقراطية حديثة القرار فيها للمؤسسات، والغنوشي لم يكن دائما رئيس الحركة فقد ترأس الحركة غيره أكثر من مرة، والغنوشي لم ينتخب قط ب99 في المائة، وكنت أحيانا أنتخب ب60 في المائة و63 في المائة. وكل من لديه اطلاع على حركة النهضة يدرك أنها حركة مؤسسات، وأن القرار فيها بالأغلبية، واتخاذ القرار صعب جدا يمر بمراحل معقدة، وأن الغنوشي يكون أحيانا في الأقلية وأخرى في الأغلبية.