متعة شائعة٬ خصوصا بين من فاق عمرهم الأربعين٬ أن يمسك المرء صحيفة الصباح في طمأنينة مشتهاة٬ وهو يرتشف قهوته على باحة المقهى المفضل٬ المختار بعناية. لكن هذه المتعة التي يطيب لذائقها أن يتشربها حتى النهاية تظل هشة معرضة للانكسار بمواقف وسلوكات تتراوح بين السذاجة والعفوية.. وهي بالتأكيد غير لائقة. والمرء بصدد الانتقال عبر فقرات صحيفته اليومية٬ منتشيا بلحظة مقتطعة من الزمن السريع الصاخب والمتوتر٬ يبدأ بالافتتاحية التي تلامس شجون الوطن والعالم٬ معرجا على الأحداث الجهوية والمحلية٬ متوقفا عند الوقائع المنوعة التي تثير شهية القراء٬ قد يسحب بعنف من عالمه٬ وهو يشعر بيد تهز ظهره: "سيدي٬ نحن أيضا لنا الحق في صحيفة المقهى .. لم يبق لك إلا أن تملأ شبكة الكلمات المتقاطعة"، وفق مقال بثته وكالة الأنباء المغربية اليوم بقلم عبد الواح لبريم. كيف يمكن التعامل مع موقف من هذا القبيل؟ ربما يكون من الافضل الاكتفاء بجواب مقتضب: "ليست صحيفة المقهى٬ إنها لي٬ سيدي". هي ظاهرة إذن٬ خبرها يوما كل زبون مألوف لصباحات المقاهي٬ أبطالها أشخاص يحبذون الاستمتاع بقراءة الصحف مجانا في المقاهي بدل تجشم عناء صرف دراهم معدودات في اقتنائها. كل صباح٬ يكون من حظ النادل المسكين أن يواجه وابل السؤال إياه:" هيه ، ألم تقتنوا بعد صحف الصباح؟ّ"، ليس له حينئذ إلا الاسراع نحو مكتبة الحي. وإذ يرى عائدا محملا بالمطلوب٬ يتهافت الزبناء على أسبقية "القراءة المجانية". لكن قبل أن يبدأ النادل في توزيع المنشورات٬ لا بد أن يأخذ وقته في دمغ كل نسخة بالعبارة التالية: "صحيفة المقهى". موحا لا يخفي انزعاجه من سعي كل زبون الى التمتع بأفضلية ما. يضطر الى التنقل باستمرار بين طاولة وأخرى٬ للسهر على عملية إعادة توزيع الصحف بين ضيوف قد لا يتحملون طويلا انتظار دورهم. أيادي كثيرة تتناوب على صحيفتين أو ثلاث٬ في مقهى أصبح فضاء للاسترخاء والتلاقي بين أشخاص من طبقات اجتماعية مختلفة٬ حيث الحديث يدور عن كل شيء و عن لاشيء. بين قهقهات وقفشات تصدر تعقيبا على خبر منوع أو غريب٬ ومناقشات تحتد لهجتها أحيانا حول أسعار ترتفع أو وقائع تستجد في حقول السياسة والمجتمع٬ هو الحق في الاعلام متجسدا في الواقع البسيط. وإذ يمتلئ أحدهم بمعلومة على قدر من الأهمية أو الفرادة٬ لا يتردد في الانضمام الى مجموعة أخرى ليشاطرها "سبقه الإخباري بكل اعتداد". المسكين من اقتنى صحيفته بدراهمه. لا يلبث أن ينزوي في طاولة ناويا تحصيل متعة صباحية من تصفح أخبار البلاد والعباد٬ حتى تبدأ المضايقات التي لا تنتهي من زبناء يتعاقبون عليه بالسؤال ذاته:" هل هي صحيفة المقهى؟" مع الوقت لاخيار له غيرالتحلي ببرودة دم مطلوبة، وتفهم هذا التعطش الجماعي للقراءة، مجيبا بكل هدوء:" ليست صحيفة المقهى..هي لي".