أكد الرئيس التونسي المنصف المرزوقي حرص بلاده على تعزيز علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقال إنه أبلغ أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أن تونس قررت أن يدخل مواطنو دول مجلس التعاون من دون تأشيرة دخول ابتداء من أيار (مايو) المقبل. ووصف العلاقات مع السعودية بأنها «طيّبة» وأن وجود الرئيس السابق زين العابدين بن علي على أرضها «لا يمنع العلاقات الأخوية». وكشف أن المناقشات الدائرة حالياً في تونس حول النظام السياسي أظهرت أن هناك «توجهاً نحو نظام مزدوج نصفه رئاسي ونصفه برلماني». وقال المرزوقي في حديث إلى «الحياة» إنه لا يتوقع نجاح خطة المبعوث الدولي العربي في شأن الملف السوري كوفي أنان و «نسبة نجاحها أقل من ثلاثة في المئة». وشدد على أهمية تطبيق «السيناريو اليمني في سورية»، قائلاً «إن على الروس والصينيين والإيرانيين أن يفهموا أن (الرئيس السوري) بشار الأسد انتهى». ورأى أن بشار الأسد «سيرحل حياً أو ميتاً، ومن الأفضل له ولعائلته أن يرحل حياً». وقال «إن الرؤساء العرب أمام خيارين: إما أن تذهبوا مع التيار (الإصلاحي)، وإما أن يجرفكم ويغرقكم التيار». وسئل الرئيس التونسي في المقابلة عن نتائج اجتماعه مع أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وولي العهد الشيخ تميم بن حمد وهل ستنفّذ قطر مشاريع في تونس، فأجاب: «هناك مشاريع كثيرة في مجال الاستثمار السياحي والخدمات والبتروكيماويات، وقطر مستعدة لتفتح لنا ما يقارب عشرين ألف موطن شغل (فرصة عمل) لتونسيين. وبغض النظر عن هذا العمل الاقتصادي، فالعلاقة حميمية وسياسية أيضاً، وقطر تدعم «الربيع العربي» بكل قوة، وهذا يقرّبنا إلى بعضنا بعضاً». وقال: «اغتنمت فرصة (الاجتماع مع الشيخ حمد) لأقول له إننا قررنا رفع التأشيرة (تأشيرة الدخول) بالنسبة إلى جميع (مواطني) دول الخليج بدءاً من أيار (مايو) المقبل، على أمل بأن تكثر الزيارات والسياحة. ونحن الآن بصدد محاولة إعادة التموضع، فسياحتنا كانت مرتبطة بالأساس بالغرب، أي سياحة فقراء، وسياحة ظرفية وموسمية وتتعلق فقط بالشواطئ. والآن لأن الأزمة (المالية) الغربية تضرب كل تلك الطبقات التي كانت تزور تونس، فنحن بصدد التوسع مع إخواننا في المشرق العربي، وإخواننا في المغرب العربي، ونعتبر ذلك مكسباً مهماً لتونس التي ستنخرط الآن في العلاقات العربية - العربية ولا تبقى دائماً أبداً سجينة تلك العلاقات شمال - جنوب (أي بين ضفتي المتوسط». وقال «إن زيارتي لقطر حميمية ودية. الأمير هنأنا في العيد الأول للثورة (التي أطاحت بن علي)، وكان من الزعماء القلائل الذين جاؤوا وقدموا التهنئة، وعلاقتنا سياسية بامتياز». وعن زيارته للكويت، قال إنها «تهدف إلى أن تعود تونس إلى محيطها العربي الذي كانت مغيّبة عنه. ونحن نريد أن تكون لنا علاقات مميزة مع الكويت. لقد كنت من الذين وقفوا ضد الغزو العراقي للكويت في التسعينات عندما كنت مجرد معارض محاصر ومطارد، وأحمد الله أنني سأزور اليوم الكويت الشقيقة وأنا رأسي مرفوع بذلك الخيار. كما أننا نأمل أيضاً بأن يساهم إخوتنا الكويتيون بالاستثمار باعتبار أن تونس الآن في أمسّ الحاجة إلى الاستثمار العربي، لأن مصاعبها اقتصادية. نحن قمنا (بالثورة) بنصف الطريق وهو إعطاء الكرامة والحرية للتونسيين، والآن لا بد من أن نكمل النصف الثاني وهو أعطاؤهم الخبز والعمل». وعن العلاقة مع بقية دول مجلس التعاون الخليجي، وبخاصة السعودية، قال: «نريد أن نفتح علاقة طيّبة مع كل الإخوة العرب. وفي ما يخص السعودية علاقتنا طيبة، والنقطة الوحيدة السوداء هي استقبالهم للرجل المسمّى بن علي، ونحن نعتبر أن هذه ليست نقطة فاصلة أو خطاً أحمر تمنع العلاقات الأخوية. ونحن نريد أن ننمّي العلاقات الأخوية (مع السعودية)، لكننا أيضاً نحتفظ بحقنا في المطالبة برجل (بن علي) نعتبر أنه دنّس القرآن في عهده في السجون ولم يسبق أن حدث ذلك في تونس. هو أعتدى على الإسلام والمسلمين وحرمة القرآن، واعتدى على أموال التونسيين، نهب وسرق منها ما سرق. وفي قيم الإسلام والعروبة أنت تعطي حق اللجوء للمظلوم والمضطهد، ولكنك لا تعطيه إلى القاتل والسفاح، وبخاصة الذي أعتدى على دينك ومصحفك». وتابع: «نريد أن لا نربط (في علاقتنا مع السعودية) بين قضايا مصالح وطنية وكبرى وبين وجود هذا الشخص (بن علي). سنبقى نواصل مطالبتنا به، على أمل أن إخوتنا السعوديين على الأقل يطبّقوا عليه قانون السرقة، فهذا رجل سارق، سرق أموال الشعب التونسي. على الأقل يُرجعوا لنا الأموال أو يسلموه لنحاكمه محاكمة عادلة». وعن سورية، تحدث الرئيس التونسي عن «سيناريو كارثي بمواصلة ذلك العمل المجنون (عنف النظام ضد الشعب). هذا الرجل (الرئيس السوري) هو في رأيي غير مستعد لأي تنازل، وبالنسبة لي (الحل) يكمن في السيناريو اليمني. لا بد أن يفهم الروس والصينيون والإيرانيون أن هذا الرجل (بشار) انتهى، ولا مجال للدفاع عنه، وعليهم أن يقنعوه بالتخلي عن السلطة وتسليمها إلى نائبه، وهذا النائب يستطيع أن يطمئن الأقليات التي ربما تخشى على نفسها. هذا النائب (نائب الرئيس السوري) يجب أن يدخل في حوار مع المعارضة لتبدأ مرحلة انتقالية، بهدف حفظ الأمن والاستقرار وتطمين الأقليات، علماً أن لدي قناعة بأن الشعب السوري واحد ولن يقبل أبداً بتعامل أو انتقام طائفي، لكن لا بد من أن تكون هناك قوات حفظ أمن وسلام، وإذا كانت عربية فإن ذلك لا يشكّل أي مس بالسيادة الوطنية السورية، لأننا عرب، وهذا البلد (سورية) بلد عروبي منذ قديم الزمان. بعد ذلك تجرى - بعد الفترة الانتقالية - انتخابات حرة ونزيهة، وآنذاك تجد سورية طريقها نحو الاستقرار وعودة الأمل. هذا هو السيناريو الذي تقترحه تونس، ونأمل بأن يساهم كل العقلاء في تحقيق هذا السيناريو». وهل يتوقع نجاح خطة كوفي أنان، رد: «لا أتوقّع نجاحها، لأن عدد المراقبين (الذين قرر مجلس الأمن إرسالهم) ضئيل جداً. 300 شخص لا يستطيعون عمل شيء. في كوسوفو كان هناك ألفا مراقب». وسألته «الحياة» عن رأيه في إعلان أمير قطر الشيخ حمد قبل أيام أن نسبة نجاح مهمة كوفي أنان لا تتجاوز ثلاثة في المئة، فأجاب المرزوقي: «ربما حتى أقل (من ثلاثة في المئة)، لا أعتقد (أنها ستنجح)». وقال: «أنت (بشار الأسد) سترحل بطريقة أو أخرى. سترحل ميتاً أو سترحل حياً، فمن الأحسن لك ولعائلتك أن ترحل حياً، لأنك إذا قررت أن ترحل ميتاً فمعنى هذا أنك ستتسبب في موت عشرات الآلاف من الأبرياء. يكفي ما أرقت من دم!». وفي شأن أولويات تونس حالياً بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، قال: «لدينا ثلاث أولويات: التشغيل، التشغيل، التشغيل (أي إيجاد فرص عمل للتونسيين). لدينا ما يقارب 800 ألف عاطل عن العمل، وهو رقم كبير جداً، ونحن نصارع الزمن حتى نستطيع أن نترجم الاستثمارات التي بدأت تصلنا إلى «مواطن شغل» (وظائف)، وهذا يتطلب عاماً أو عامين من الصعوبات والمشاكل حتى تعود العجلة الاقتصادية إلى الدوران. ولكن إن شاء الله سنخرج من عنق الزجاجة وستكون تونس دولة ديموقراطية مستقلة مستقرة ومزدهرة». وسئل عما يتردد عن وجود خلافات بين أحزاب الائتلاف الحاكم، أجاب: «الخلافات طبيعية داخل الأحزاب نفسها. اليوم هناك تجاذبات داخل الأحزاب وبين الأحزاب وبين كل المؤسسات، لأن تونس في حال مخاض بعد زلزال الثورة. ولكن أريد أن أطمئنك أنه في ما يتعلق بالرؤساء الثلاثة، وهم رؤساء المجلس التأسيسي (البرلمان، مصطفى بن جعفر) ورئيس الجمهورية (المرزوقي) ورئيس الحكومة (حمادي الجبالي)، فنحن نلتقي مرة في الأسبوع ونجلس معاً ونتباحث في كل الأمور السياسية. وكل القرارات نتخذها مع بعضنا بعضاً. هناك توافق كبير جداً (بيننا) وليس له نظير في العالم العربي». وعن الدستور الجديد لتونس، قال «نحن اتفقنا على أصعب شيء في الدستور، وهو البند الأول، أي تعريف الهوية. وحزب النهضة (الإسلامي بقيادة الشيخ راشد الغنوشي) أظهر نضجاً كبيراً، بعدم إصراره على وضع الشريعة في الدستور. وعلى رغم أنه يستطيع ذلك عددياً (بعدد أعضائه في البرلمان)، وافق على أن يكون هناك توافق (بين أحزاب الائتلاف الحاكم) حتى لا يحدث شرخ في المجتمع، وحتى لا ينكسر التحالف الثلاثي. وهو (حزب النهضة) قبل أن يكون الدستور وضعياً، وأن لا تُذكر الشريعة، مع العلم أن الدستور (الحالي) يقول في بنده الأول إن الدستور هو دين الدولة، ويفترض أن تحترم كل القوانين دين الدولة ودين المجتمع». وأضاف: «هناك وفاق كبير (بين التحالف الحزبي الحاكم) في ما يتعلق بالحريات والحقوق. وما زال هناك نقاش حول طبيعة النظام السياسي، هل يكون برلمانياً أو رئاسياً، وهناك توجه نحو نظام مزدوج، نصفه رئاسي ونصفه برلماني. وفي الحقيقة أن الدستور سيكون توافقياً إلى أبعد حد، وسيكون من أحدث دساتير العالم، ويبقى في ما بعد أن نطبقه، وهذه مسألة أخرى». وسئل عن رسالة تونس للأنظمة العربية، فرد: «الرسالة التي بعثت بها الثورة التونسية إلى كل الرؤساء العرب، رؤساء اليوم ورؤساء الغد، أن النظام السياسي العربي القديم مات وانتهى، والنظام المبني على قوة المخابرات والتخويف والترهيب والفساد والعائلة والتوريث والتمديد وعبادة الشخص انتهى هذا النظام نهائياً من تاريخ الأمة، ومُسح بعد هذه الثورات، وبالتالي أمامكم خياران: إما أن تسبقوا الأحداث وتقوموا بالإصلاحات الضرورية وهي محاربة الفساد ومحاربة تغوّل الأجهزة (الأمنية) والانتباه إلى أهمية نهاية التعذيب وعدم ترك عائلاتكم تتحكم وأن يشارك الناس مشاركة فعلية وليس وهمية، وإذا لم تفعلوا هذه الإصلاحات فستجبركم عليها الشعوب. والآن لا خيار لكم (الحكام العرب): إما أن تذهبوا مع التيار، وإما أن يجرفكم ويغرقكم»